صورة أرشيفية للمحادثات الخاصة بمسار "أستانة السوري"
صورة أرشيفية للمحادثات الخاصة بمسار "أستانة السوري"

شهدت كازاخستان على مدى يومين جولة من المحادثات الخاصة بمسار "أستانة السوري"، ورغم أن هذه الخطوة العشرين سبقتها 19 جولة منذ عام 2017، إلا أنها تميزت من جهة بظلال "الاجتماعات الرباعية" الهادفة إلى تقريب العلاقة بين أنقرة ودمشق، ومن جهة أخرى بـ"المفاجأة والساحة الجديدة" التي تكشف الحديث عنها بعد نشر البيان الختامي.

ويعتبر "أستانة السوري" الأطول قياسا بباقي المسارات، ومنذ انطلاقته قبل 6 سنوات تميز بآليته الممزوجة بين "السياسة والتطبيق على الميدان".

وبينما كانت نتائجه متفاوتة وانعكست بداية على تقسيم الأراضي السورية إلى "مناطق خفض تصعيد" تشي جملة من التصريحات والمواقف في الوقت الحالي إلى "تغيّر طرأ في الجولة العشرين منه".

وكان لافتا منذ الثلاثاء استحواذ "اجتماعات بناء الحوار بين أنقرة ودمشق" على اليوم الأول من "أستانة 20"، فيما أثار موقف كازاخستان في ختام المحادثات وما تبعها من تصريحات لمسؤولين روس تكهنات وأطلق تساؤلات عن الشكل الذي سيكون عليه المسار بين "الضامنين" (تركيا، روسيا، إيران) في المرحلة المقبلة.

ودعا نائب وزير الخارجية الكازاخستاني كانات توميش، الأربعاء بشكل غير متوقع إلى اختتام المحادثات الثلاثية، بقوله إن "هدفها قد تحقق".

وأضاف للصحفيين: "خروج سوريا التدريجي من العزلة في المنطقة يمكن اعتباره علامة على أن عملية أستانة قد تكون أكملت مهمتها". وتابع: "مع الأخذ في الاعتبار عودة سوريا إلى الجامعة العربية نقترح الإعلان رسميا عن الاجتماع العشرين في إطار أستانة باعتباره الاجتماع الأخير".

ومن الواضح أن الموقف المذكور لم يكن ضمن خطة الأطراف الثلاثة المفاوضة، التي قالت في بيان مشترك بعد المحادثات إن الاجتماع المقبل سيعقد في وقت لاحق من هذا العام، وفق وكالة "رويترز".

بدوره أشار مبعوث الرئيس الروسي الخاص إلى سوريا ألكسندر لافرنتيف إلى أن "قرار كازاخستان بتأجيل الاجتماعات بشأن سوريا من أستانا جاء كمفاجأة لروسيا وإيران وتركيا".

لكنه قال إن "صيغة أستانة ليست مرتبطة بمكان معين"، وإنه "سيتم تحديد ساحة جديدة لمواصلة الاجتماعات حول سوريا"، مضيفا: "المسار أكدت فاعليته ونشكر كازاخستان على استضافتها لأكثر من 6 سنوات".

"مفاجأة في التوقيت"

ومن غير الواضح حتى الآن الأسباب التي دفعت كازاخستان إلى "الإعلان عن ضرورة إنهاء مسار المحادثات في أستانة"، وكذلك الأمر بالنسبة للموقف الروسي الذي اختصره لافرنتيف بعبارة "المفاجأة".

في غضون ذلك لم يصدر أي تعليق من الجانب التركي والإيراني ومن جانب النظام السوري بشأن تغيير مكان انعقاد الاجتماع. وإن تم سيكون تغيرا جذريا لم يسبق وأن تم التطرق له خلال السنوات الست الماضية.

وأكد رئيس وفد المعارضة في محادثات "أستانة"، أحمد طعمة لموقع "الحرة" أن جدول المسار وآليته لم يطرأ عليها أي تغيير في الجولة العشرين، وأن "التغيير فقط يكمن في المكان" الذي دعت إليه كازاخستان".

ولا تعرف الأسباب التي دفعت الدولة المضيفة للمحادثات إلى هذه الخطوة، ويضيف طعمة: "يبدو لي أنهم غير مرتاحين ويريدون التخلص من هذا الأمر، فيما بدا الانزعاج على الجانب الروسي".

"المفاجأة كانت في التوقيت أيضا"، واعتبر رئيس وفد المعارضة أن الدول الضامنة للمسار أكدوا أنهم سيعقدون اجتماعا قريبا في النصف الثاني من العام الحالي، على أن يتم تحديد المكان لاحقا.

وجاء في البيان الختامي لـ "أستانة 20"، التأكيد على مواصلة المباحثات المتعلقة بتطبيع العلاقات بين تركيا ونظام الأسد، كما أكد "على أهمية دفع هذه العملية على أساس حسن النية وحسن الجوار من أجل مكافحة الإرهاب".

وهاتان العبارتان لم تكونا حاضرتين في البيانات الختامية للجولات الـ19 السابقة، كون مسار الحوار بين أنقرة والنظام السوري بدأ في أواخر العام الماضي.

وبحسب بيان "أستانة 20" كانت المشاورات الرباعية بنّاءة و"تمت مناقشة التقدم المحرز في إعداد خارطة الطريق لاستعادة العلاقات بين تركيا وسوريا".

كما تحدث عن "أهمية التنسيق مع عمل وزارات الدفاع والخدمات الخاصة في سوريا وروسيا وإيران وتركيا ومواصلة الجهود بهذا الاتجاه".

لكن وفي أعقاب الانتهاء من المحادثات التي استمرت ليومين صرّح نائب وزير خارجية النظام السوري، أيمن سوسان أن "الانسحاب التركي الكامل غير المشروط من سوريا هو المدخل الأساس لأي علاقات عادية مع تركيا، وغير ذلك فهو أوهام".

وأضاف أن "خارطة الطريق قابلة للتحقيق، لكن لها متطلبات في مقدمتها إقرار واضح بالانسحاب"، مشيرا إلى أن "اجتماعات أستانة حققت إنجازات مهمة على صعيد تقليص مساحة الإرهاب في سوريا وبشكل أساسي في مناطق خفض التصعيد الثلاث (ريف دمشق، درعا، حمص)".

لكن "في المنطقة الرابعة (إدلب) كان من الممكن أن يكون هناك نصيب من النجاح لولا مواقف تركيا"، حسب تعبير المسؤول السوري.

ماذا وراء "الساحة الجديدة"؟

وجاء انعقاد "أستانة 20" بعدما خرجت تركيا من انتخاباتها التاريخية، وما تبع ذلك من التعيينات الجديدة التي أعلنها الرئيس رجب طيب إردوغان على مستوى الاستخبارات والدفاع والخارجية.

وتركيا هي أحد الدول الضامنة والفاعلة في المسار منذ 2017، وجاءت الجولة أيضا في وقت تواصل أنقرة عملية بناء الحوار مع النظام السوري، والتي بدأت أولى محطاتها برعاية روسية أواخر العام الماضي.

وفي غضون ذلك وما بين الجولة 19 و20 من "أستانة" كان الملف السوري قد شهد سلسلة من التطورات المتعلقة بعلاقة الأسد بالإقليم والمحيط العربي، بعدما فتحت عواصم عربية أبوابها أمام العلاقة المستجدة مع دمشق.

ويوضح الباحث والكاتب السوري، عمر كوش أن "توسعة مسار أستانة من ثلاثي إلى رباعي بإشراك النظام السوري يعني أن هناك تغيرات طرأت على طبيعة المناقشات".

و"يستدعي ذلك تغيير المكان، أي إيجاد ساحة جديدة تتسع للمشاورات القادمة بين أنقرة ونظام الأسد"، ولاسيما في ظل الإصرار الروسي على مواصلة المفاوضات حول "خارطة الطريق".

ويعتقد كوش في حديثه لموقع "الحرة" أن تصريحات لافرنتيف بأن "موقف كازاخستان مفاجئا" لا يعكس الواقع، وأن "تغيير المكان متوقع ومتفق عليه لأن تكون الجولة 20 الأخيرة في مدينة أستانة".

"بالتأكيد سينتقل المسار لساحة جديدة إما في انقرة أو دمشق أو بالتناوب، وموسكو بلاشك ستكون وحاضرة وطهران أيضا".

ويتابع الباحث السوري أن "المبادرة ليست من جانب كازاخستان كما هو معلن، بل تمت باتفاق رباعي بين الأطراف الأربعة الجديدة للمسار السوري".

"انتهى دور الوساطة"

من جانبه يرى المحلل السياسي المقيم في موسكو، رامي الشاعر أن "كازاخستان لعبت دور الوسيط في الملف السوري والأزمة السورية عندما كانت الأوضاع والظروف المحيطة بسوريا جدا معقدة".

لكن وبعد أن توصلت دول مجموعة مسار "أستانة" - أي تركيا وإيران وروسيا بالإضافة إلى ممثلي الحكومة في دمشق وممثلي المعارضة المسلحة - إلى اتفاق "نظام التهدئة في كافة الأراضي السورية ووقف إطلاق النار" انعكست جملة من التطورات "الهامة".

وتمثلت هذه التطورات باللقاءات الرباعية على مستوى نواب الخارجية والأجهزة الأمنية ومن ثم على مستوى وزراء الخارجية، بين أنقرة ودمشق.

ويقول الشاعر لموقع "الحرة": "بعد وضع خارطة الطريق لعملية الحوار بين أنقرة ودمشق سيتم اللقاء على مستوى القادة لاعتمادها"، و"لذلك لم يعد هناك أي لزوم لإجراء لقاءات في أستانة".

"اللقاءات ستنتقل تلقائيا إلى دمشق أو أنقرة لمعالجة كل القضايا التي تخص الملف السوري والعلاقات السورية التركية، وخاصة قضية اللاجئين ووضع المعارضة بما في ذلك المسلحة".

ومن خلالها أيضا "سيتم مناقشة الاتفاق على جدول زمني لمغادرة الجيش التركي من سوريا والقضايا الأمنية الأخرى"، وفق ذات المتحدث.

"هندسة التسوية"

ومنذ سنوات لا توجد أي بوادر على صعيد الحل السياسي في سوريا، خاصة بعد فشل الجولات التسع لمسار اللجنة الدستورية السورية، على خلفية العراقيل التي وضعها نظام الأسد، وفق اتهامات وجهتها المعارضة السورية في وقت سابق.

وكذلك العراقيل التي وضعتها موسكو مؤخرا، مصرّة على تعديل مكان عقد اجتماعات "اللجنة الدستورية" من جنيف إلى دولة "محايدة" أخرى، وفق تعبير مسؤوليها.

وكان مسار "أستانة" الذي اقترحه الروس قد بدأ على شكل مسار عسكري، وحقق نتائج على الأرض، أتاحت للنظام السوري "قضم معظم المناطق السورية تقريبا"، والتي كانت خاضعة لسيطرة فصائل المعارضة.

بعد ذلك انتقل إلى المفاوضات السياسية على مدى 19 اجتماعا، والآن تكلل باللقاءات الرباعية لتقريب العلاقة بين أنقرة ودمشق.

ويقول الكاتب كوش: "مسار أستانة سياسي بين روسيا وتركيا وإيران من أجل سحب كل الذرائع أمام المجتمع الدولي".

ويضيف أنه "أنهى جنيف تماما، بموافقة أو بغض نظر الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا، بينما اضطرت الأمم المتحدة للاعتراف به وأن تكون شاهد زور لا أكثر ولا أقل".

ويشير كوش إلى أن "الحديث الروسي عن عملية التسوية السورية بعيد كل البعد عن الاكتمال"، وأن "روسيا تريد الآن هندسة التسوية بين النظام السوري وتركيا، وفيما بعد إلى ساحة أخرى إن جاز التعبير".

ويعتقد المحلل السياسي الشاعر أن "اللجنة الدستورية سيكون اجتماعها الأخير خارج الأراضي السورية في سلطنة عمان".

ويعتبر الشاعر أن "الأوضاع في سوريا بدأت في التعافي فعليا، وبالشكل الذي يضمن حقوق جميع السوريين، وعودة السيادة السورية على جميع الأراضي ووحدتها".

وما تزال سوريا مقسمة بين 3 أطراف نفوذ، الأول تحت سيطرة النظام السوري والثانية خاضعة لسيطرة فصائل المعارضة إلى جانب منطقة ثالثة في شمال شرق البلاد تسيطر عليها "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد).

ولا يقتصر الانقسام على قوى محلية، بل تجوب على معظم الأراضي السورية قوات ودوريات لقوى عالمية، من روسيا وإيران وتركيا والولايات المتحدة الأميركية.

ولا يعرف بالتحديد كيف ستسير العلاقة بين أنقرة والنظام السوري في المرحلة المقبلة، ولاسيما أن الأخير يصر على شرط "الانسحاب"، بينما ترهن الأولى ذلك بالقضاء على كامل التهديدات الإرهابية التي تتعرض لها على طول حدودها الجنوبية.

الأسد.. تصريحات مثيرة للجدل بشأن جرائم التعذيب
الأسد.. حسابات عربية معقدة

منذ تاريخ انعقادها الأول في القاهرة، في أغسطس 2023، تسلطت الأضواء كثيرا على لجنة الاتصال العربية الخاصة بسوريا وعلى الدور المناط وأعمالها، وما إذا كانت ستنجح في إحداث خرق عام على المشهد الداخلي البلاد، ولاسيما السياسي منه.

ومع اجتماع أطرافها الستة للمرة الثانية في العاصمة المصرية، الثلاثاء، تثور تساؤلات عما قدمه النظام السوري للدول المعنية بالتواصل معه، سواء على صعيد عملية "خطوة مقابل خطوة"، أو فيما يتعلق بالملفات التي ارتبطت به داخليا، وكان لها ارتدادات واسعة في الخارج

اجتماع اللجنة جاء على هامش جلسة القمة العربية لبحث التطورات المتعلقة بغزة، شارك فيه وزير خارجية النظام، فيصل المقداد ونظرائه في العراق والأردن والسعودية ولبنان ومصر، وبحضور الأمين العام للجامعة العربية، أحمد أبو الغيط.

وقال بيان نشرته الأمانة العامة لجامعة الدول العربية إن "لجنة الاتصال قررت تشكيل فريق من الخبراء لدراسة الموضوعات التي تتابعها مع سوريا"، وأضاف أيضا أنه "تم التوافق أيضا على أن يكون الاجتماع المقبل في بغداد"، دون تحديد موعد محدد.

وكان من المقرر أن يعقد الاجتماع الثاني للجنة الاتصال في وقت لاحق من العام الحالي، لكن فشل النظام في الرد على الأسئلة المتعلقة بتهريب حبوب "الكبتاغون" وقضايا أخرى دفع أطرافها إلى تأجيل موعد الانعقاد، كما ورد في تقرير تحليلي نشره "معهد واشنطن"، شهر مايو الماضي.

وأوضح تقرير المعهد الأميركي، قبل 4 أشهر، أن عملية التأجيل لم تكن لمرة واحدة فقط خلال الأشهر الماضية، بل تم اتخاذ قرارها لأكثر من مرة (آخرها في مايو الماضي)، ورغم ذلك "فشل النظام في تقديم رد مكتوب على الأسئلة الموجهة له".

ويعتقد الكاتب والمحلل السياسي السوري، عمر كوش، أن اجتماع الثلاثاء يعتبر "روتينيا" كونه انعقد على هامش الجلسة المخصصة لبحث التطورات في غزة، ويرى أنه "لم يسفر عن شيء.. وربما عقد لكي يقال إن اللجنة مازالت حيّة".

ويعتبر كوش في حديثه لموقع "الحرة" أن "لجنة الاتصال دفنت منذ الاجتماع الأول، عندما تبين أن النظام لم يقدم أي شيء على المستوى السياسي أو بخصوص مشكلة اللاجئين وتهريب حبوب الكبتاغون إلى الدول العربية، وفي مقدمتها الأردن".

ويضيف أن "اجتماع اللجنة السابق كان مقررا في بغداد لكنه ألغي"، وأن "الاجتماع الثاني لا يدخل في أي مسار لعمل لجنة الاتصال بحد ذاتها".

لكن، ومن جهته، يقول المحلل الجيوسياسي الأردني، الدكتور عامر السبايلة إنه "مازالت هناك قناعة واضحة حول رغبة الدول العربية بإعادة دمشق إلى المعسكر العربي".

وبالتالي يضيف السبايلة لموقع "الحرة" أن "كل ما يجري الآن (بما فيها اجتماع لجنة الاتصال) هو عبارة عن استمرار لهذه العملية".

وحتى لو كان المسار العربي مع دمشق بطيئا يشير في المقابل إلى أن "القناعات العربية لم تتبدل ولم تتحول إلى حالات عداء ولم تتحول لقطع علاقات أو تصعيد"، وفق الخبير الأردني.

"خطوة دون خطوات"

وكانت المبادرة التي أدت لعودة النظام السوري "للحضن العربي" تضمنت خمس أولويات أساسية يتعين إنجازها من خلال لجنة الاتصال الخاصة بمواصلة الحوار مع النظام السوري.

وتشمل النقاط الخمس زيادة وتوسيع نطاق تسليم المساعدات الإنسانية في سوريا، وتهيئة الظروف اللازمة لعودة اللاجئين على نطاق واسع، وإنهاء إنتاج وتصدير المخدرات غير المشروعة من سوريا.

ويضاف إليها ضرورة استئناف عمل اللجنة الدستورية والتوصل لحل سياسي بما يتماشى مع قرارات مجلس الأمن الدولي، فضلا عن إنشاء هيئة أمنية دولية لتنسيق الجهود لمكافحة الإرهاب في سوريا.

ولم يقدم النظام أي بادرة حتى الآن على صعيد عودة اللاجئين وتهيئة الظروف في البلاد لاستقبالهم بصورة آمنة. ورغم أن وتيرة عمليات تهريب "الكبتاغون" انخفضت نسبيا لا يزال الجيش الأردني يعترض شحنات من الجو والأرض.

وعلى الصعيد السياسي كان النظام اتجه مؤخرا لتنظيم "انتخابات برلمانية"، متجاهلا أصوات ملايين السوريين النازحين في البلاد، واللاجئين في الخارج.

وفي غضون ذلك لم يبد منذ تاريخ اجتماع اللجنة الأول، وحتى الآن، أي موقف إيجابي على صعيد استئناف أعمال اللجنة الدستورية، فيما يصر على ضرورة انعقادها خارج جنيف، بزعم أنها "غير حيادية"، مؤيدا بذلك نظرة موسكو.

ويعتقد الكاتب والصحفي، المقيم في دمشق، عبد الحميد توفيق، أن "الجانب السوري لم يقدم حتى الآن استجابة لما يعلن من متطلبات أو شروط عربية، على كل الصعد".

ويوضح لموقع "الحرة" أن سبب ذلك "ذاتي"، ويتمثل بأن "السلطة السورية لا ترى أنها ملزمة في تقديم مثل هذه القضايا ولا تعتبر أنها الوحيدة المطلوب منها".

كما لا يريد النظام السوري أن يوحي بناء على واقع الحال في سوريا بأنه "ضعيف"، وفق توفيق.

ويشير الكاتب، من جانب آخر، إلى أن "ما يتحدث به بشار الأسد في كثير من الأحيان يؤكد على أن علاقات دمشق الأنجح والأفضل مع الدول العربية يجب أن تكون ذات طابع ثنائي وليس علاقات على مستوى جامعة الدول العربية".

ويبدو أن النظام يدرك هذا الأمر، ووفقا لتوفيق "يريد الأسد أن يحاكي مصالح كل دولة عربية على حدى وبما ترغب به".

"عامل عدم استقرار"

وقبل الاجتماع الثاني للجنة الاتصال العربية أعادت المملكة العربية السعودية فتح سفارتها في المقر الرئيسي بالعاصمة السورية دمشق.

لكن، وفي مقابل ذلك، لم يكن الزخم السعودي منسحبا على بقية الأطراف العربية التي يتولى وزرائها تنفيذ مهمة الحوار الخاصة باللجنة، كالأردن ومصر.

وفي حين أن ذلك يشي بتباين مواقف كل دولة على حدى مع النظام السوري وكما يؤكده الكاتب السوري توفيق سابقا يعتقد الخبير الأردني السبايلة أن المشهد يذهب باتجاه مغاير.

ويقول السبايلة إن "السعودية هي البلد الأهم في السياسة العربية والأثقل والأكبر، والقادرة على توجيه البوصلة"، وإن مشهد افتتاح سفارتها قبل أيام يشير إلى أن "فكرة ضم سوريا للمعسكر العربي ما تزال قائمة".

ومع ذلك يوضح أن "إحداث تغيير حقيقي عربي في العلاقة مع سوريا يظل صعبا اليوم، ولاسيما في ظل المناخ الموجود ومرحلة الحرب التي تعتبر البلاد أحد جبهاتها".

ومن الواضح، حتى الآن، أن النظام السوري وفي الجانب غير المعلن "استطاع إبقاء خطوط التواصل مع الجميع، وأن يقدم شيئا غير منظور، مما يعزز الإيمان لدى البعض من الدول العربية، في موضوع إخراج سوريا من عزلتها"، وفق السبايلة.

لكن الخبير الأردني يضيف أن "المسار سيكون تدريجيا، نظرا لظروف الحرب القائمة في المنطقة".

وتختلف وجهة نظر الكاتب والمحلل السياسي كوش عما أشار إليه السبايلة.

ويعتبر الكاتب أن "النظام يحاول أن يستثمر ويفتح بازار وهمّه الدائم البحث عن منقذ لإخراجه من الأزمة الاقتصادية الخانقة في مناطق سيطرته".

وفي ذات الوقت فإن النظام "ليس مستعدا لأن ينخرط بأي حل، باعتبار أن تهريب الكبتاغون يؤمن له ولأزلامه ورموزه وحاشيته مبالغ خيالية"، بحسب كوش.

ويتابع: "بمعنى آخر.. النظام عامل عدم استقرار في المنطقة، ولا يمكن أن يكون غير ذلك لأنه سينتهي وبالتالي هو لا يريد إنهاء نفسه بنفسه".

3 عوامل تُحكم مسار الاتصال

وكان رئيس النظام السوري، بشار الأسد، حضر القمة العربية التي نظمت بشكل استثنائي في الرياض في نوفمبر الماضي، وألقى كلمة حينها أمام الزعماء العرب، أكد فيها أن الانتقال "من حضن لآخر" لا يعني تغيير "انتماء" الإنسان.

وبعدما شكك بفعالية جامعة الدول العربية، آنذاك، شدد على ضرورة تطوير آلية عماها ومراجعة ميثاقها ونظامها الداخلي، وتطوير آلياتها "تماشيا مع العصر"، على حد تعبيره.

ورغم حضوره مجددا في المنامة، مايو الماضي، لم يخصص له وقت لإلقاء الكلمة أمام الزعماء العرب.

ويرى الكاتب والمحلل السياسي توفيق أن الواقع يشير إلى أن مجريات العلاقة السورية العربية محكومة بـ3 عوامل.

ويوضح أن الأول "سوري ذاتي داخلي مرتبط بالسلطة السورية والدولة والقيادة".

ويتمثل الثاني، وهو "موضوعي"، بعدم قدرة أي طرف عربي على اتخاذ موقف مشترك، باستثناء الذي تم التعبير عنه شكليا عندما عادت دمشق لمقعدها في الجامعة العربية.

ويتابع توفيق، من نقطة ثالثة، أنه يوجد "عامل آخر حقيقي وواقعي ويحرك كل ما سبق، ويرتبط بالولايات المتحدة  وصراعها القائم مع روسيا في كل ساحات العالم".

وفيما يتعلق بخطوة فتح السفارة السعودية، يعتقد توفيق، المقيم في دمشق، أنه دليل على أن "العلاقات السياسية تنمو وتطرد".

لكنه في المقابل يقول إن الخطوة أمام "سؤال كبير.. ماذا بعد؟ وهل يمكن للسعودية أن تقدم احتياجات تراها سوريا مهمة".

وبالإضافة إلى ما سبق، يبرز سؤال أكبر بحسب تعبير الكاتب السوري هو: هل تستطيع الرياض أن تقدم لدمشق أو تتبنى مواقف قادرة على محاكاة الأميركيين وتليين موقف واشنطن؟

ولا يرى المتحدث "آفاقا كبيرة وواعدة في الاتجاه المذكور، باستثناء احتمال وجود علاقات ثنائية لن تصل لمراحل متقدمة يتمناها الشعب السوري ويبنى عليها أو أن تكون نقطة تحول على الساحة السورية".

"تكتيك"

ومن جهته يوضح الخبير الأردني السبايلة أن ما يفعله النظام عبارة عن "تكتيك".

ويقول إن (الأسد) "يعلم أن إيران لا تستطيع أن تقدمه للمجتمع الدولي وترفع عنه العقوبات، بل تعمّق أزمته".

وبالتالي فإن النظام السوري "بحاجة لنوع من التوازن، لأن الدول العربية وعودته للجامعة جعلت له مساحة لفكرة الانتقال للحديث مع المجتمع الدولي وإزالة العقوبات".

ويضيف السبايلة: "النظام يعلم أن مصلحته الحقيقة في فك العزلة مع الدول العربية وليس مع إيران غير القادرة على مساعدته، ويمارس أيضا ذات السياسة مع تركيا لكن وفقا لشروطه ومصالحه".

والموقف السوري المتعلق بإيران سواء قبل 2011 وما بعد هذا العام ما يزال على حاله، وفق حديث الكاتب توفيق.

ويوضح الكاتب أن "دمشق الآن ما زالت على ثوابتها، ولا تبد أي مرونة في التوجه العربي بالابتعاد عن إيران، لأنها تعتبر ذلك جزءا أساسيا من قرارها السيادي والسياسي".