تأمل الطبيبة السورية، نايلة العباسي، في أن تساعد حملة أطلقها ناشطون لتحديد مصير المفقودين في سوريا، في الكشف أيضا عن مصير شقيقتها رانيا، وزوجها عبد الرحمن، وأبنائهما الستة المختفين منذ عام 2013.
وقالت العباسي، في تصريحات لموقع "الحرة" إن شقيقتها، وهي طبيبة أسنان ولاعبة شطرنج سابقة حصلت على بطولات محلية ودولية، وكرمها النظام السوري من قبل، اختفت بعد اعتقال الأسرة كاملة في دمشق، في مارس 2013.
وتبذل العباسي وآخرون من أهالي المفقودين جهودا من أجل كشف مصير المختفين الذين يقدر عددهم بأكثر من 100 ألف شخص، سواء على يد السلطات السورية أو أطراف أخرى مشاركة في النزاع، بما في ذلك جماعات مسلحة مثل "داعش".
وفي بيان حصل موقع "الحرة" على نسخة منه، دعت روابط أُسر مفقودين وضحايا الصراع في سوريا الدول الأعضاء في الأمم المتحدة إلى التصويت لصالح قرار تاريخي تتوقع منظمات أن يتم التصويت عليه، الخميس، في الجمعية العامة، لإنشاء مؤسسة دولية لكشف مصير المفقودين في سوريا.
ويأتي التصويت بعد أن اقترح الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيري، في أغسطس 2022، إنشاء مؤسسة مستقلة لتعزيز الجهود لمعالجة ملف الاختفاء القسري في سوريا، منذ عام 2011، وتقديم الدعم للعائلات.
كانت 101 منظمة، من بينها العفو الدولية، قد أرست خطابا إلى الدول الأعضاء في الأمم المتحدة لتشجيعها على التصويت لصالح إنشاء المؤسسة.
واعتبرت منظمة هيومن رايتس ووتش التصويت المتوقع بمثابة "علامة فارقة على استجابة المجتمع الدولي للصراع السوري".
كانت رانيا العباسي، وهي من مواليد عام 1970، وأبناؤها الستة قد اعتقلوا في 11 مارس 2013، من منزلهم في حي مشروع دمر في دمشق، بعد يومين من اعتقال زوجها عبد الرحمن، وهو من مواليد 1969، وسرقة سيارات ومقتنيات للأسرة من المنزل.
وكانت رانيا العباسي بطلة شطرنج محترفة شاركت ببطولات محلية وعالمية وكرمها باسل الأسد، الشقيق الأكبر لبشار الأسد.
ودخلت رانيا كلية طب الأسنان وعملت في السعودية طبيبة أسنان، وهناك أنجبت خمسة أبناء، قبل أن تنجب الطفلة الأخيرة في سوريا، والتي كانت بعمر سنة ونصف وقت الاعتقال، بينما لم يتجاوز عمر أكبر أبنائها 13 عاما في ذلك الوقت.
وتقول نايلة العباسي إن سبب الاعتقال "غير معروف" لكنها ترجح أن يكون تقديم زوجها شقيقتها، عبد الرحمن، مساعدات مالية للاجئين أثناء الحرب، وقد اعترف أحد المعتقلين الذين تلقوا مساعدات منه بذلك تحت وطأة التعذيب.
وتوضح أنه منذ وقت الاعتقال وحتى اليوم "لا نعرف ما إذا كانوا أحياء، أم فارقوا الحياة، وهل ظلوا معا أم تم فصلهم عن بعضهم البعض".
ورغم المناشدات المستمرة على مواقع التواصل الاجتماعي تحت عنوان "الحرية لرانيا العباسي"، لم تحصل الأسرة على أي رد، كما رفض النظام تضمين اسم رانيا ضمن صفقة تبادل سجناء مع "الجيش السوري الحر".
لكن نايلة العباسي حصلت على معلومات تفيد بتفريق الأم عن أبنائها، وأخذهم في ملاجئ، لكن لم تستطع الأسرة العثور عليهم في أي ملجأ حتى الآن، وترجح وفاة عبد الرحمن تحت وطأة التعذيب بعد العثور على صوره ضمن تسريبات "قيصر"، المصور المنشق عن النظام.
وتؤكد أن رانيا "لا تنتمي لحزب معارض ولم تخرج في تظاهرات. هي فقط كانت طبيبة أسنان وأما مشغولة بتربية أبنائها، وكنت تساعد الفقراء بقدر ما تستطيع".
في غضون ذلك، دعت 10 من روابط أُسر المفقودين والناجين والضحايا في سورية، تُشكِّل مجتمعة ما يسمى "ميثاق الحقيقة والعدالة" الدولَ الأعضاء في الأمم المتحدة إلى "التصويت لصالح قرار تاريخي من شأنه أن ينشئ مؤسسة دولية تعمل على كشف مصير وأماكن وجود أكثر من 100 ألف شخص مختطف أو مخفي قسرا" وفق البيان الذي حصل موقع "الحرة" على نسخة منه.
وقالت المنظمات إن الغالبية العُظمى لهؤلاء "محتجزون في ظروف مروعة داخل زنازين الاعتقال لدى نظام الأسد، وقد قُطعوا عن أي اتصال بالعالم الخارجي".
وقالت المنظمات إن هذه "المؤسسة المستقلة والمرتكزة على المفقودين والضحايا وأسرهم ستكون مركزا لجمع وتنظيم البيانات المتوفرة ذات الصلة بالمفقودين وتوحيد معاييرها بالتنسيق مع الآليات القائمة الأخرى بهدف تحديد أماكن وجود الأحياء من المفقودين وتحديد أماكن دفن رفات المتوفين منهم وتحديد هويات أصحابها وأعادتها إلى الأُسر، كما ستوفر دعما للضحايا والناجين وأسرهم".
واعتبرت أن معالجة القضية "من خلال إنشاء مؤسسة إنسانية مستقلة للمفقودين من شأنه أن يعزز جهود أسر وروابط الضحايا من أجل معرفة مصير أحبتهم وذويهم وإطلاق سراح من هم على قيد الحياة منهم وتحقيق سلام واستقرار شاملين ودائمين في سوريا".
وحثت هذه المنظمات الدول الأعضاء في الأمم المتحدة على "إرسال رسالة واضحة إلى العالم مفادها أنها لن تتجاهل أو تتناسى محنة عشرات الآلاف من المفقودين وأُسرهم... رغم الاتجاه الجاري نحو تطبيع العلاقات" مع النظام السوري.
وفي تصريح لموقع "الحرة"، قال الناشط السوري، محمود الحموي، وهو ممثل لـ"ميثاق الحقيقة والعدالة"، إن المنظمات المنضوية تحت "الميثاق" عملت لمدة ثلاث سنوات على هذا الملف، حيث نظمت عدة مؤتمرات وأصدرت دراسات.
وعبر عن أمله في أن تتمكن المؤسسة في "كشف مصير المفقودين في أماكن الاعتقال والسجون السرية".
ويرى أن إنشاء الآلية "خطوة مهمة لعائلات الضحايا والناجين، وإن كانت متأخرة، ووسيلة للضغط على جميع الأطراف لفصل هذه القضية عن قضية النزاع"، وستكون "بمثابة إدانة للنظام السوري وروسيا باعتبارهما مسؤولين عن الاختفاء القسري" في سوريا.
وتقول العباسي إنه "بمررو الوقت ينتابنا أحيانا اليأس بسب عدم الاستجابة للنداءات، لكن ما نأمله أن يكون هناك تحرك جدي وفعال، والضغط بكل الأدوات من المجتمع الدولي لإطلاق سراح النساء والأطفال، وكل المعتقلين قسرا في سجون النظام ومعرفة مصير من فقد وأين دفن ومحاسبة المجرمين".