النظام السوري متهم بإعدام الآلاف من المعتقلين تحت التعذيب
النظام السوري متهم بإعدام الآلاف من المعتقلين تحت التعذيب | Source: SANA via REUTERS

ستصوت الجمعية العامة للأمم المتحدة، الخميس، على إنشاء مؤسسة هي الأولى من نوعها تعمل على كشف مصير ما يقدر بنحو 100 ألف شخص في عداد المفقودين أو المختفين قسرا خلال الحرب الأهلية في سوريا.

ويأتي هذا التصويت نتيجة ضغط مكثف مارسته عائلات المفقودين، إلى جانب مجموعات ومنظمات لفتح هذا الملف والكشف عن مصير المفقودين والمختفين قسرا في سوريا منذ عام 2011.

تصويت مرتقب

قبل التصويت المقرر، في 29 يونيو، قالت الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية، أنياس كالامار، يمكن للدول الأعضاء في الأمم المتحدة توفير وسيلة لإعمال حق العائلات في معرفة الحقيقة من خلال إنشاء مؤسسة تركز على الضحايا مكرسة لتزويدهم بالإجابات التي طال انتظارها حول ما حدث لأحبائهم".

وطالبت الدول الأعضاء بالأمم المتحدة بالاستجابة لنداءات العائلات والناجين السوريين الذين كانوا في طليعة الجهود المبذولة لإنشاء مثل هذه الهيئة والتصويت لصالح القرار، وفقا لبيان لـ"منظمة العفو الدولية".

لأكثر من عقد من الزمان ، واجهت عائلات المفقودين والمختفين قسرا تحديات هائلة في الحصول على أي معلومات حول مصير أحبائهم، ولم تكن جميع أطراف النزاع راغبة في معالجة هذه القضية ، تاركة الأقارب في حالة من المعاناة وعدم اليقين الدائم، حسب "العفو الدولية".

ومن خلال إنشاء مؤسسة تركز على هذه القضية بالذات، يمكن للأمم المتحدة مساعدتهم في العثور على بعض الإجابات التي يستحقونها، حيث يُعتقد أن ما لا يقل عن 100 ألف شخص في عداد المفقودين أو المختفين قسريًا في سوريا منذ عام 2011 ، على يد أجهزة الأمن التابعة للحكومة السورية في المقام الأول. 

تمتع سلطات النظام السوري عن إتاحة المعلومات للعائلات السورية حول مصير أبنائهم الذين تم اعتقالهم

ومن المرجح أن يكون العدد الحقيقي للأشخاص المفقودين أو المختفين أكبر لأن أطراف النزاع لم تكشف أبدا عمن هم في حجزهم، حسبما ذكرت "منظمة العفو الدولية".

وستوفر هذه المؤسسة وسيلة واحدة لتسجيل القضايا ، وتوحيد المعلومات الموجودة ، والتنسيق مع الآليات القائمة الأخرى لمعالجة هذه المشكلة ".

أسر تعاني

منذ ما يقرب من 11 عاما، كانت فدوى محمود تنتظر، ظهور زوجها وابنها، بعد اختفائهم في سبتمبر 2012  بدمشق.

واختفى زوجها عبد العزيز الخير من مطار دمشق مع ابنهما ماهر الذي ذهب لاصطحابه وإحضاره إلى المنزل لتناول العشاء، وفق تقرير لصحيفة "فايننشال تايمز".

وزوجها عبدالعزيز الخبير هو ناشط سياسي منذ فترة طويلة، وقد سُجن في التسعينيات، وعلمت فدوى محمود أن زوجها وابنها قد اعتقلتهما قوات النظام السوري.

وعبد العزيز وماهر اثنان من 102 ألف شخص على الأقل فُقدوا أو "اختفوا" قسريا منذ اندلاع الحرب في سوريا عام 2011 ، وفقا للشبكة السورية لحقوق الإنسان.

وانتشرت حالات الاختفاء القسري بين جميع أطراف الحرب ، بما في ذلك على يد الفصائل المناهضة للحكومة ومقاتلي تنظيم "داعش"، لكن جماعات حقوقية تقول إن الغالبية العظمى نفذتها القوات الحكومية. 

وتقول الشبكة السورية لحقوق الإنسان، التي تتعقب الأفراد المحتجزين ، إنه بناءً على التقارير العائلية ، فإن النظام السوري اعتقل ما نسبته 85 بالمئة من المختفين، بما في ذلك عدة آلاف من الأطفال.

وقالت فدوى محمود: "بصفتنا عائلات المحتجزين والمفقودين ، كل ما نطلبه هو معرفة مكان أطفالنا".

تشير تقارير دولية إلى حالات اختفاء لسوريين اعتقلتهم قوات النظام

على الرغم من أن الحكومة تسجل بدقة المعلومات الخاصة بمحتجزيها ، "بدلا من التحقيق في الجرائم المرتكبة في مراكز الاحتجاز التابعة لها ، فإنها تواصل حجب المعلومات عن أفراد الأسرة" ، حسبما جاء في "تقرير للأمم المتحدة لعام 2022".

يأتي التصويت بعد أن اقترح الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، إنشاء مؤسسة مستقلة في تقرير تاريخي نُشر في أغسطس 2022 حول كيفية تعزيز الجهود لمعالجة آلاف حالات الاحتجاز والاختفاء القسري التي ارتكبت منذ عام 2011 وتقديم الدعم للعائلات.

وفي 23 يونيو، أرسلت منظمة العفو الدولية و 101 منظمة من منظمات المجتمع المدني رسالة إلى الدول الأعضاء في الأمم المتحدة تحثهم فيها على التصويت لصالح إنشاء المؤسسة.

وسبق لمنظمة العفو الدولية أن وثقت استخدام الحكومة السورية الممنهج للاختفاء القسري ضد السكان المدنيين من أجل قمع المعارضة ، وهي حملة من الجرائم ضد الإنسانية يجب تقديم مرتكبيها إلى العدالة.

كما قامت جماعات المعارضة المسلحة باختطاف المدنيين، بمن فيهم المدافعون عن حقوق الإنسان ، ولا يزال العديد منهم في عداد المفقودين.

أكثر من 400 امرأة كردية من عفرين السورية مغيبات في سجون الفصائل الموالية لأنقرة

ويصف أولئك الذين نجوا من الاعتقالات في سوريا الظروف المروعة والإهمال والتعذيب ، مما يترك القليل من الأمل لعائلات أولئك الذين ما زالوا غائبين، حسب "فايننشال تايمز".

ومن جانبها تشير ياسمين المشان ، التي شاركت في تأسيس مجموعة "عائلات قيصر" إلي أدلة على انتهاكات منهجية يقوم بها النظام السوري في مراكز الاحتجاز، بينما تنفي الحكومة السورية ذلك.

وقالت المشان: "حتى الآن ، اضطررت أنا وعائلات أخرى إلى فحص آلاف صور الجثث المعذبة لمحاولة التعرف على أحبائنا".

وتعرفت على جثة شقيقها عقبة في إحدى الصور، حسب حديثها لـ"فايننشال تايمز".

ووفقا لمسؤولي الأمم المتحدة ، سيكون للهيئة وظيفتان رئيسيتان: توحيد المعلومات الموجودة وجمع مواد جديدة، وللمساعدة في تسهيل دعم عائلات المفقودين والمعتقلين والناجين من الاحتجاز.

هل يمر التصويت؟

قال دبلوماسيون ونشطاء إن هناك ما يكفي من الأصوات لتمرير التصويت على إنشاء المؤسسة، بفضل دعم دول لها تاريخ معقد مع حالات الاختفاء القسري ، مثل المكسيك والأرجنتين والكويت والعراق.

ومن المقرر أن يمر التصويت على الرغم من معارضة سوريا وحلفائها التي تتزايد أعدادها مرة أخرى بعد تحرك دول الخليج لإعادة تأهيل سمعة دمشق الدولية ودعوتها إلى فعاليات مثل قمة جامعة الدول العربية هذا العام.

وقال مسؤول بالأمم المتحدة وعائلات مفقودين إنهم يأملون أن يؤدي إنشاء الهيئة في نهاية المطاف إلى الضغط على دمشق للتعاون، لكن الخبراء قالوا إن هذا غير مرجح في الوقت الحالي ، خاصة على خلفية تحسن العلاقات مع الدول العربية.

وبالنسبة لعائلات المفقودين، فإن إعادة تأهيل نظام الأسد في العالم العربي يزيد من قلقهم من أن العديد من هذه الجرائم سوف يتم نسيانها، ولذلك فهم ينظرون إلى هيئة الأمم المتحدة الجديدة الخاصة بالمفقودين على أنها إحدى المسارات الوحيدة المتبقية نحو الحقيقة والعدالة، وفق "فايننشال تايمز".

وبالنسبة إلى ياسمين المشان، مثل كثيرين آخرين، فإن الحقيقة تعني معرفة مكان العثور على جثث أحبائهم ، ومنحهم "دفنا لائقا". 

وقالت:" لقد قُتل أشقائي الخمسة خلال الحرب وأنا الوحيدة المتبقية، لا أستطيع الاستمرار في العيش بدون عدالة لهم ودون دفنهم بشكل لائق".

وتشهد سوريا منذ العام 2011 نزاعا داميا تسبب بمقتل أكثر من نصف مليون شخص، وألحق دمارا هائلا بالبنى التحتية وأدى إلى نزوح وتشريد ملايين داخل البلاد وخارجها، حسب وكالة "فرانس برس".

قتل الآلاف في سوريا نتيجة للألغام المنتشرة في البلاد
قتل الآلاف في سوريا نتيجة للألغام المنتشرة في البلاد

قال المرصد السوري لحقوق الإنسان في تقرير نشره، السبت، إن 673 شخصا قتلوا وجرحوا منذ بداية العام الحالي في مناطق متفرقة نتيجة الألغام ومخلفات الحرب.

وأوضح "خلال 100 يوم، بلغ عدد المدنيين الذين قتلوا منذ بداية عام 2025 نتيجة انفجار أجسام من مخلفات الحرب 335 شخصا، بينهم 71 طفلا و17 امرأة، بالإضافة إلى إصابة 338 آخرين بجراح بينهم 140 طفلا و3 سيدات".

وما تزال الألغام والمخلفات والذخائر غير المنفجرة التي خلفتها الحرب تشكل تهديدا مباشرا وآنيا لحياة المدنيين، وتمثل كابوسا بالنسبة لكثيرين.

ويسجل المرصد السوري باستمرار حالات جديدة من الانفجارات المميتة التي تؤكد حجم الخطر المستمر الذي يهدد حياة السكان بالمناطق التي تعرضت للقصف والتدمير من قبل نظام بشار الأسد وحلفائه.

وتنتشر مخلفات الحرب في عموم المناطق السورية التي شهدت عمليات عسكرية خلال السنوات السابقة، وتشكل هاجسا لدى المواطنين الراغبين بالعودة إلى منازلهم ومتابعة أعمالهم.

ويتهم المرصد السلطات المحلية والمنظمات المعنية بالتقاعس عن إزالة الذخائر غير المنفجرة والألغام بمختلف أنواعها وأشكالها.

وفي ظل استمرار سقوط الضحايا، يدعو المرصد المنظمات الدولية والجهات المعنية إلى التحرك العاجل لإزالة مخلفات الحرب في سوريا. كما يحث الحكومة الجديدة على التعاون وتقديم التسهيلات اللازمة لإنجاز هذه العمليات، بما يضمن توفير بيئة آمنة تُمكّن الأهالي من العودة إلى مناطقهم دون مخاطر تهدد حياتهم أو تعيق استقرارهم.