على خلاف ما اعتقد البعض منهم، لم تطرأ بوادر إيجابية على القضية المتعلقة بالسوريين في تركيا رغم انتهاء مرحلة الانتخابات وما رافقها من حملات أطلقها سياسيون معارضون ضدهم، فيما تشير جملة من الإجراءات والتصريحات الرسمية إلى "مرحلة جديدة" قد تختلف عن السابق.
من جانب أحزاب المعارضة لم يغيّر سياسيون فيها المسار الذي بدأوه منذ سنوات، مواصلين "حملات التحريض" والتأكيد بين اليوم والآخر على ضرورة إعادتهم إلى البلاد، بزعم أن "بلادهم باتت بلدا آمنا"، وأنهم "يشكلون تهديدا على الأمن القومي التركي".
وعلى رأس هؤلاء السياسيين زعيم "حزب النصر"، أوميت أوزداغ ونظيرته في "حزب الديمقراطي، إيلاي أكسوي، وحتى أن الأخيرة ذهبت قبل أيام إلى العاصمة السورية دمشق، وادعت أن "المعيشة فيها غير مكلفة"، بينما قالت: "أتينا إلى دمشق عاصمة سوريا لفضح أكاذيب السوريين في تركيا الواحدة تلو الأخرى".
في المقابل وفي حين لم يصدر أي تعليق خاص بوضع السوريين بالتحديد من جانب الحكومة التركية والوجوه الجديدة التي عينها الرئيس التركي رجب طيب إردوغان من بينها وزير الداخلية، علي يريكايا، إلا أن تصريحات للأخير فتحت الباب أمام حملة تستهدف فئة "المهاجرين غير الشرعيين".
وفتح باب الحملة أيضا والي إسطنبول الجديد، داوود غول، بقوله بعد تعيينه إنه لن يسمح لأي أجنبي غير مسجل البقاء أو الإقامة في مدينة اسطنبول، مضيفا أن السلطات "ستعمل على ترحيل المقيمين غير الشرعيين خارج البلاد فور ضبطهم".
وعاد الرئيس إردوغان ليؤكد يوم الخميس على ما سبق، بقوله للصحفيين في أثناء عودته من ليتوانيا إن "مواطنونا سيشعرون بالتغييرات الواضحة فيما يتعلق بالمهاجرين غير الشرعيين في وقت قصير، وقواتنا الأمنية شددت الإجراءات والأنشطة".
"ثمن التعلق بإسطنبول"
ويزيد عدد السوريين في تركيا عن أربعة ملايين شخص، ويتركز القسم الأعظم منهم في مدينة إسطنبول، بشقيها الأوروبي والآسيوي.
ومنذ سنوات يفضل الكثير من اللاجئين البقاء في المدينة أو السفر إليها بغرض العمل. ورغم أن البعض منهم يحظى بقيود وأوراق ثبوتية صادرة عنها، إلا أن آخرين تصنفهم السلطات ورئاسة الهجرة في قائمة "المخالفين"، كون قيودهم ترتبط بولايات تركية أخرى.
ويمنع السوريون منذ عام 2016 في تركيا من مغادرة الولايات المسجلين فيها، أو الإقامة في ولايات أخرى من دون "إذن سفر" صادر عن "إدارة الهجرة التركية".
وإلى جانب المهاجرين غير الشرعيين من جنسيات مختلفة شهدت إسطنبول خلال الأيام الماضية حملة استهدفت "المخالفين من السوريين"، من بينهم شقيق الشاب السوري محمد بكار، الذي كان قد وصل إلى المدينة قبل شهرين، لكن "بطاقة الحماية المؤقتة" التي يحملها تعود إلى مدينة بورصة.
ويقول محمد بينما يتابع المراحل التي يمر بها شقيقه بعد إلقاء القبض عليه من حي الفاتح يوم الثلاثاء: "الكثير من الشبان يدفعون ثمن تعلقهم بإسطنبول والعمل فيها. شقيقي ليس الوحيد بل حالته تنطبق على آلاف الشبان".
وتستهدف الحملة الخاصة بالمهاجرين غير الشرعيين مدينة إسطنبول على نحو أكبر، قياسيا بباقي الولايات التركية.
يعمل محمد منذ 2016 بورشة لحياكة الألبسة بحي باغجلر، ويرى في حديث لموقع "الحرة" أن البطاقة التي يحملها والصادرة عن إدارة هجرة إسطنبول "بمثابة النعمة". ومع ذلك لم يحظ أخيه بذات الحالة، ما جعله عرضه للاعتقال.
ومن المفترض أن تنقل السلطات التركية شقيق الشاب السوري إلى الولاية التي تعود قيوده إليها، حسب حديث الأخير، وأن "السلطات نقلته بعد عملية إلقاء القبض إلى مركز الترحيل في توزلا، وإلى جانبه عشرة شبان آخرين".
ويجب على السلطات في تركيا أن "تميّز بين المهاجرين غير الشرعيين والسوريين"، بحسب كلام الناشط الحقوقي، طه الغازي، موضحا أن "طبيعة الوجود السوري في تركيا مختلف لأن الحرب في سوريا ماتزال قائمة".
ويقول الغازي لموقع "الحرة": "تركيا وقّعت على اتفاقية حقوق اللاجئين سابقا، ورغم السوريين لم يأخذوا حق اللجوء في البلاد، إلا أن قانون الحماية المؤقتة أعطى لهم كل الميزات الحقوقية، ومنها عدم الإعادة القسرية".
ويشير الناشط الحقوقي إلى أن "رئاسة الهجرة رحلّت في أواخر يونيو الحالي قرابة 130 لاجئا من مركز الإيواء المؤقت في كلس إلى مناطق الشمال السوري". وهو ما لم تؤكده السلطات أو تعلق عليه.
ويضيف الغازي أن "قرار الهجرة جاء بعد مساعي بعض المحتجزين في المركز للهروب منه، نتيجة سوء الظروف و المعاملة، وبسبب عدم تسوية أوضاعهم القانونية، لاسيما مع انقضاء مدة توقيفهم فيه منذ أشهر".
"إذا كانت الحكومة لا تعترف بتقارير المنظمات الحقوقية فهناك أحداث واقعية على أرض الواقع"، ويتابع الناشط الحقوقي أنه وبالتزامن مع حادثة الترحيل المذكورة قتل مدنيون بقصف روسي على جسر الشغور.
وبعد هذه الحادثة تعرضت مدينة إعزاز في ريف حلب لقصف من "مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية"، ما أدى إلى مقتل جندي تركي.
"لا توجد مناطق آمنة في سوريا وهو ما أكدت عليها لجنة التحقيق الدولية المستقلة في تقريرها الأخير، مشيرة إلى أن هذه الحالة تنسحب على كامل الجغرافيا السورية"، وفق الغازي.
"مرحلة مختلفة"
وقبل الانتخابات وبالتزامن مع تنظيم جولاتها أكدت الحكومة التركية على هدفها المتمثل بإعادة مليون لاجئ سوري إلى "المناطق الآمنة في شمال سوريا"، موضحة أن "الأمر سيكون طوعيا وبشكل آمن".
وفي السادس من يوليو الحالي أعلنت وزارة الدفاع التركية أن أكثر من مليون سوري عادوا إلى سوريا "عودة طوعية"، أكثر من 470 ألفاً منهم في محافظة إدلب.
وذكر مستشار الصحافة والعلاقات العامة في الوزارة، زكي أكتورك، خلال مؤتمر صحفي عقده، أن أنشطة المساعدات الإنسانية ودعم البنية التحتية من أجل تطبيع الحياة في سوريا، تجري بالتنسيق مع المؤسسات والمنظمات العاملة ذات الصلة، وفق ما نقلته وكالة "الأناضول" التركية.
وقال إن من عادوا من السوريين كانت عودتهم "طوعية وآمنة وباحترام" إلى منازلهم وأراضيهم، مضيفا: "نحن مستمرون في العمل على ضمان الاستقرار في سوريا بأسرع وقت ممكن، وإعادة السوريين إلى بيئة آمنة".
بدوره قال إردوغان الخميس للصحفيين إنه "سيتم اتخاذ العديد من الخطوات التي تستهدف المهاجرين غير الشرعيين. إما من خلال الحملات البوليسية أو تلك الخاصة بالحدود".
وأضاف: "من المهم أن يتم منع هؤلاء المهاجرين غير الشرعيين من دخول تركيا"، و"مع الخطوات التي يجب اتخاذها، من المهم حصر هذا العمل بشكل أكبر ومنع الهجرة بشكل خاص من شمال سوريا".
لكن ومن جانب آخر أوضح الرئيس التركي أن ما تقوم به السلطات "لن يتم بطريقة تنتهك كرامة أي إنسان"، وأنه "يجب ألا نخلط بين المهاجرين غير الشرعيين واللاجئين الذين لجأوا إلى بلدنا".
وربما تتسع الحملة الخاصة بإسطنبول إلى ولايات تركية أخرى في المرحلة المقبلة، بحسب المحامي السوري المقيم في مرسين، غزوان قرنفل.
ويرى قرنفل في حديث لموقع "الحرة" أن "الحملة الحالية محقة في بعض الجوانب وتخالف ذلك في جوانب آخرى".
ويوضح أن "تركيا لا يمكنها أن تفض النظر عن الهجرة غير الشرعية، ولاسيما أن مئات الآلاف يقصدون إسطنبول من أجل العبور إلى أوروبا".
"هي ملزمة بأن لا تسمح بوجود مهاجرين غير شرعيين على أراضيها ولا يمتلكون وضعا قانونيا، لأنهم أيضا يمثلون مخاطر أمنية، كونهم يفتقدون للداتا".
ولا تعتبر الحملة التي تشهدها إسطنبول جديدة بل سبقتها الكثير، واستهدفت بالتحديد السوريين المخالفين، والذين ترتبط قيودهم بولايات تركية أخرى. وهذا الأمر لطالما حذر منه المسؤولون الأترك وفي "رئاسة الهجرة".
ويضيف المحامي السوري: "من المفترض أن يتم حل قضية الوجود السوري في إسطنبول وأولئك الذين يستمرون في التردد إليها من أجل العمل. هذه المهمة يجب أن تقوم به الحكومة من خلال شرعنة إذون العمل فيها".
في المقابل يرى قرنفل أوجه غير محقة في الحملة القائمة، وخاصة عندما يتعلق الأمر بـ"الترحيل التعسفي والإعادة غير الطوعية"، ويعتبر أن "الحكومة وإردوغان لطالما أعلنوا عن مشروع العودة الطوعية"، ولذلك كان "على السوريين ألا يعيشوا بالوهم عندما انتهت الانتخابات".
من جانبه يرى الناشط الحقوقي الغازي أن "المجتمع اللاجئ السوري دائما ما يكون بين فكي الحكومة والمعارضة فيما يتعلق بالصراع الانتخابي".
ويقول: "السوريون كانوا يتوقعون أن الأوضاع ستهدأ بعد حسم الانتخابات، لكن كنا نحذّر أن انتخابات البلدية هي الأهم".
وستكون تركيا في مارس 2024 على موعد بانتخابات البلديات، ويضيف الغازي: "من الآن وزارة الداخلية تشير إلى أن أعداد اللاجئين ستقل في إسطنبول".
"هناك حملة دعائية لانتخابات البلدية القادمة، والحكومة تسعى حاليا من أجل إعادة كرسي إسطنبول وأنقرة إليها، ولذلك سيبقى السوريون في البازار السياسي"، حسب تعبير ذات المتحدث.