مشهد عام من مدينة دمشق - صورة أرشيفية - رويترز
مشهد عام من مدينة دمشق - صورة أرشيفية - رويترز

أصدر مصرف سوريا المركزي، الاثنين، قرارا يسمح بموجبه للزوار الإيرانيين القادمين عن طريق "منظمة الحج والزيارة الإيرانية"، بتسديد أجور الإقامة في الفنادق بالليرة السورية.

وصدر القرار بناء على مذكرة تفاهم موقعة في مايو الماضي، بين وزارة السياحة التابعة لحكومة النظام السوري والمنظمة، خلال زيارة الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، إلى دمشق.

ووفقا للقرار "يسمح للزائر الإيراني القادم عبر المنظمة بتسديد أجور الإقامة لدى الفنادق بالليرة السورية (...) شريطة تقديم مانيفيست (وثيقة) مختومة من المنظمة تثبت أنه قادم عن طريقها، ويحتفظ الفندق بصورة عنها".

وكان القرار السابق يلزم النزلاء غير السوريين وغير المقيمين ومن في حكمهم بتسديد فواتير إقامتهم بالعملات الأجنبية.

ويلزم القرار الجديد الفنادق بتزويد المصرف بكشف شهري يبين وارداتها.

وتراجعت أسعار صرف الليرة السورية مقابل الدولار الأميركي إلى مستويات قياسية جديدة قبل أيام.

وحدد مصرف سوريا المركزي، الثلاثاء، سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار الأميركي للحوالات والصرافة بـ 9900 ليرة للدولار الواحد، وفقا لوكالة أنباء النظام الرسمية "سانا".

وفي مايو الماضي، اختتم الرئيس الإيراني، ابراهيم رئيسي، زيارة استمرت ليومين إلى دمشق، بتأكيده ورئيس النظام السوري، بشار الأسد، على تطوير العلاقات بين الجانبين.

وزيارة رئيسي إلى دمشق هي الأولى لرئيس إيراني منذ 2010، رغم أن طهران قدمت خلال سنوات الحرب دعما سياسيا وعسكريا واقتصاديا ساعد في تغيير مجرى النزاع لصالح دمشق، وفقا لفرانس برس.

ومنذ سنوات النزاع الأولى، أرسلت طهران مستشارين عسكريين لمساندة جيش النظام السوري في معاركه ضد التنظيمات المعارضة، التي تصنفها دمشق "إرهابية". وساهمت كذلك في دفع مجموعات موالية لها، على رأسها حزب الله اللبناني، للقتال في سوريا إلى جانب قوات النظام.

وهدأت الجبهات نسبيا منذ 2019، وإن كانت الحرب لم تنته فعليا، وتسيطر قوات النظام حاليا على غالبية المناطق التي فقدتها في بداية النزاع جراء دعم حليفين رئيسيين، إيران وروسيا.

الرئيس السوري أحمد الشرع ـ أرشيفية/رويترز.
الرئيس السوري أحمد الشرع ـ أرشيفية/رويترز.

عندما نشرت كارولين ليفيت، المتحدثة باسم البيت الأبيض، بيانا على منصة "أكس" حدّدت فيه خمس نقاط أساسية حث الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الرئيس السوري أحمد الشرع على تنفيذها، لم يكن ذلك مجرد بادرة دبلوماسية، بل خارطة طريق لعودة سوريا إلى النظام الدولي.

بعد سنوات من الحرب والعزلة والتدخلات الخارجية في سوريا، يقف الرئيس الشرع أمام مفترق طرق تاريخي. رفع العقوبات الأميركية، بدعم من السعودية وتركيا، يفتح الباب لتحول سياسي جذري. لكن النوايا الحسنة وحدها لا تكفي لإعادة بناء سوريا. ما سيفعله الشرع الآن هو ما سيحدد مستقبل البلاد.

بحسب بيان ليفيت، حث ترامب نظيره السوري على حسم خمسة ملفات أساسية:

الملف الأول: الانضمام إلى اتفاقيات أبراهام والاعتراف بإسرائيل. وهو ما سيكون خطوة تقلب الموازين في الشرق الأوسط، إذ تصبح سوريا أول دولة من "دول المواجهة" التقليدية التي تطبّع علاقاتها مع إسرائيل، وتوقع اتفاقية سلام. وهذا ليس ملفا بسيطا في سوريا، مع أنه يلاقي قبولا شعبيا بعد سقوط نظام بشار الأسد.

الملف الثاني: طرد الإرهابيين الأجانب، وهم على الغالب المقاتلين الأجانب، الذين قاتلوا إلى جانب الشرع، والمتهمين بارتكاب مجازر وجرائم حرب في سوريا. وهؤلاء المقاتلون، الذين انخرطوا في صفوف المعارضة منذ عام 2011، يحملون تجارب قتالية متنوعة وارتباطات أيديولوجية متعددة، معظمها تصنفها الولايات المتحدة إرهابية، وقد جرى دمج كثيرين منهم في الجيش السوري.

هذا الملف يعتبر معقدا بالنسبة إلى الرئيس السوري.

في تصريحات سابقة، أكد الشرع، أن المقاتلين الأجانب الذين ساهموا في الإطاحة بنظام الأسد "يستحقون المكافأة".
وأوضح، في لقاء مع صحفيين منتصف يناير الماضي، أن جرائم نظام الأسد أدت إلى الاعتماد على مقاتلين أجانب يستحقون المكافأة على مساندة الشعب السوري، بعدما شاركوا في الثورة وساهموا في إسقاط النظام، ملمحاً إلى إمكانية منحهم الجنسية السورية.

وأضاف: "جاؤوا من جميع أنحاء العالم الإسلامي إلى سوريا، من منطلق التعاطف مع السوريين، وعددهم حالياً ليس كبيراً جداً، وجميعهم وافقوا على الامتثال لتوجيهاتنا وسياستنا، وهم لا يشكلون خطراً على الدول الأخرى، ويستحقون أن نكافئهم على جهودهم". وأكد أنه ستتم معالجة أوضاعهم وتسويتها وفقاً للقانون.

اليوم يواجه الشرع تحدياً في ترحيل هؤلاء المقاتلين مع ما يحمله هذا الأمر من احتمالات الاصطدام معهم داخلياً.

الملف الثالث الساخن، هو ترحيل المسلحين الفلسطينيين الذين تصنفهم الولايات المتحدة على لوائح الإرهاب، خصوصاً حركتي "حماس" و"الجهاد الإسلامي". ولطالما استضافت سوريا، في عهد الرئيسين حافظ وبشار الأسد فصائل فلسطينية مسلحة ذات صلات عميقة بإيران. وبالفعل بدأ الشرع بتطبيق خطوات في هذا المجال منذ نهاية أبريل الماضي حينما قامت القوات الأمنية السورية باعتقال قياديين بارزين من حركة "الجهاد الإسلامي".

الملفان الرابع والخامس مرتبطان بتنظيم داعش الإرهابي. في الملف الرابع المطلوب من الشرع، بحسب المتحدثة باسم البيت الأبيض، التعاون مع الولايات المتحدة لمنع عودة نشاط داعش في سوريا، والعمل على عدم تحول سوريا مجددا أرضاً خصبة لنمو التنظيمات المتطرفة. 

ويرتبط الملف الخامس بإدارة معتقلات داعش في شمال سوريا. هذه السجون تقع تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، التي تتولى إدارتها والاشراف على آلاف المعتقلين من عناصر التنظيم الإرهابي. 

يطلب ترامب بوضوح من الشرع تولي هذا الملف وتحمل مسؤوليته من الدولة السورية المركزية، وهو ما قد ينعكس أيضاً على العلاقة المتوترة أصلاً بين الشرع و"قسد".

ومن خلال دعوته الشركات الأميركية للاستثمار في النفط والغاز السوري، وتأكيده على التزامه باتفاق فض الاشتباك لعام 1974 مع إسرائيل، يُطلق الرئيس الشرع نهجاً جديداً للسياسات السورية التي اتسمت بمعاداة الغرب والانخراط في محور إيران في زمن الرئيس المخلوع بشار الأسد. لكن الخطاب وحده لا يكفي. كل واحدة من الخطوات الخمس التي حددها البيت الأبيض هي متطلبات أساسية تتسم بالجدية لدى إدارة ترامب، وهي ليست مجرد مقترحات.

سيكون الشرع أمام امتحان تطبيق هذه الخطوات في الشهور المقبلة على طريق عودة سوريا إلى المجتمع الدولي بعد رفع العقوبات. إذا فشل الشرع بذلك، فإن سوريا على الأرجح مهددة بالعودة إلى العزلة. وإذا نجح، يكون قد حوّل سوريا من ساحة حرب إلى فرصة حقيقية للسلام والازدهار.