نحو 52 ألف شخص في مخيمي الهول والروج 60 في المئة منهم أطفال
نحو 52 ألف شخص في مخيمي الهول والروج 60 في المئة منهم أطفال

قالت خبيرة أممية مستقلة إن الاحتجاز الجماعي للأطفال إلى أجل غير مسمى ودون إجراءات قانونية ينتهك القانون الدولي ويجب إيقافه على الفور، وذلك في ختام زيارة قامت بها إلى سوريا، استمرت ستة أيام.

وفي بيان صدر، الجمعة، أوضحت المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بتعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية في سياق مكافحة الإرهاب، فيونوالا ني أولين، أن الزيارة تأتي في إطار معرفة حجم الاعتقال التعسفي إلى أجل غير مسمى في شمال شرق سوريا.

ووصلت ني أولين إلى دمشق في 15 يوليو، في زيارة تركزت على قضايا الاحتجاز وإعادة المواطنين الأجانب في شمال شرق البلاد، حيث التقت بمسؤولين حكوميين وزارت سجون ومواقع احتجاز في القامشلي والحسكة والهول والمالكية.

وتشير تقارير إلى وجود نحو 52 ألف شخص محتجز في مخيمي الهول والروج في سوريا، 60 في المئة منهم أطفال، وغالبيتهم دون سن 12 عاما. وعبرت ني أولين عن مخاوف جدية بشأن وضع النساء في ملحق مخيم الهول، بالنظر إلى عدم قدرة وصول أي شخص فعليا إلى ذلك الموقع، باستثناء الجهات الأمنية.

وأعربت عن قلقها العميق بشأن الاعتقال التعسفي واسع النطاق في شمال شرق سوريا للأطفال من البنين والبنات، بناء على صلاتهم وصلات أولياء أمورهم السابقة المزعومة بتنظيم داعش.

وقالت ني أولين "القلق الأكبر لي ولفريقي في أثناء زيارتنا إلى شمال شرق سوريا هو الاحتجاز الجماعي التعسفي وغير المحدد المدة للأطفال، وخاصة الصبية".

وأضافت أن احتجازهم في المعسكرات والسجون والمراكز "جاء بسبب ما أثير عن تشكيلهم تهديدا على الأمن بسبب الصلات السابقة المزعومة لهم أو لوالديهم بتنظيم داعش".

صدمة نفسية

وتعليقا على الممارسة المنهجية المتمثلة في فصل الأولاد، ولا سيما رعايا البلدان الثالثة، عن أمهاتهم في المخيمات عند بلوغهم سن المراهقة، قالت الخبيرة الأممية: "من الواضح أن جميع الأطفال الذين قابلتهم مصابون بصدمة نفسية بسبب الانفصال عن أمهاتهم، والذي غالبا ما يتم بشكل عنيف وفقا للتقارير." 

وقالت إن هذه "الممارسة المقيتة" تعتبر انتهاكا واضحا للقانون الدولي لحقوق الإنسان وتتعارض مع حقوق الطفل، ودعت إلى إنهائها على الفور.

وأعربت المقررة الخاصة عن انزعاجها الشديد من وجود عدد كبير من الأولاد الصغار في سجون الذكور البالغين، مضيفة أنه لا يبدو أن هناك خطة لهؤلاء الصبية عندما يصلوا إلى سن الرشد سوى السجن.

وقالت إن "احتجاز الأحداث والمراهقين السوريين والعراقيين ومن جنسيات أخرى، دون إجراءات قانونية، هو ببساطة أمر غير مقبول وينطوي على انتهاكات أساسية متعددة لحقوق الطفل بموجب القانون الدولي".

أضرار تتعذر معالجتها

ونددت ني أولين، الجمعة، بفصل المراهقين الذكور بشكل "منهجي" عن أمهاتهم في مخيمات احتجاز في شمال شرق سوريا، ما يسبب لهم أضرارا تتعذر معالجتها ويشكل "انتهاكا للقوانين الدولية"، وفقا لفرانس برس.

وقالت الخبيرة الأممية لصحفيين في جنيف بعد عودتها من سوريا إنها لاحظت أن "مئات المراهقين الذكور مفصولون عن أمهاتهم بغياب أي أساس قانوني لذلك".

وأوضحت أنه يتم تبرير هذه الممارسة بـ"مخاطر أمنية غير مثبّتة يشكلها الأطفال الذكور عندما يبلغون سن المراهقة"، مؤكدة أنها رأت أطفالا لا تتجاوز أعمارهم 11 عاما مفصولين عن أمهاتهم.

وتعد فيونوالا ني أولين مقررة الأمم المتحدة الخاصة المعنية بمكافحة الإرهاب وحماية حقوق الإنسان، أول خبيرة أممية في مجال حقوق الإنسان تزور معسكرات الاحتجاز والسجون التي يديرها الأكراد في شمال شرق سوريا، وفقا لفرانس برس.

وفي حين أقرت الخبيرة بأن الوضع المحلي شديد التعقيد على الصعيدين السياسي والأمني، اعتبرت بأن ذلك لا يبرر بأي حال من الأحوال "الاحتجاز الجماعي التعسفي للأطفال إلى أجل غير مسمى".

تنظيم عودتهم إلى بلدانهم

وشددت على ضرورة تنظيم إعادتهم إلى أوطانهم "بشكل عاجل"، مؤكدة أن بلادهم، إلى جانب السلطات المحلية المدعومة من الولايات المتحدة، تتحمل مسؤولية انتهاكات حقوق الإنسان التي يتعرضون لها.

وناشدت جميع الدول التي لديها رعايا محتجزين في شمال شرق سوريا أن تفي بالتزاماتها الأساسية في مجال حقوق الإنسان وأن تعيد مواطنيها إلى أوطانهم، وأكدت أن "ظروف الاعتقال القاسية لجميع الفئات، بما في ذلك الرجال والنساء وخاصة الأطفال، والتي شاهدتها بنفسي، تجعل مثل هذه الإعادة مهمة للغاية".

وتواجه الدول الغربية انتقادات متزايدة لرفضها إعادة المزيد من مواطنيها الذين غادروا إلى العراق وسوريا للانضمام إلى جماعات جهادية مثل تنظيم داعش، وفقا لفرانس برس.

وأشارت الخبيرة الأممية إلى حصول "بعض التحركات الإيجابية"، إذ أن المخيمات استضافت في ذروة إشغالها ما يصل إلى 70 ألف شخص، لكنها حذرت من أن وتيرة الإعادة الحالية "ستبقي (المخيمات) مفتوحة على الأقل لمدة 20 عاما" إضافية.

وقالت الخبيرة "فكروا في ما يعنيه ذلك بالنسبة لطفل يبلغ عامين ويعيش حاليا في أحد هذه الأماكن. يبدو أنه لا يوجد وعي بأن احتجاز الأطفال لفترة تبدو بلا نهاية (...) يشكل انتهاكا مطلقا للقانون الدولي".

وأشارت إلى أن العودة متاحة فقط للنساء والأطفال، ما يعني أنه ليس أمام المراهقين الذكور على الأرجح مكان يلجؤون إليه.

كما استنكرت الخبيرة عدم تمكنها من الوصول إلى "ملحق" لمخيم الهول يحتجز فيه 10 آلاف أجنبي.

"خطف مئات الأطفال"

وقالت فيونوالا ني أولين، في اليوم التالي لعودتها من سوريا، إنها قلقة أيضا حيال "خطف" مئات الصبية من المخيمات، وفقا لرويترز.

ويوجد الآلاف من الأشخاص النازحين داخليا وعائلات مقاتلي تنظيم داعش المشتبه بهم، ومنهم سوريون وعراقيون وأشخاص من جنسيات أخرى، في معسكرات الاحتجاز المنتشرة في المنطقة بعد فرارهم من المناطق التي يسيطر عليها المتشددون في أثناء الصراع في سوريا.

ومن بين الأماكن التي زارتها كان مخيم الهول الذي يديره الأكراد ويضم نحو 55 ألف شخص من بينهم 31 ألف طفل. كما يضم ​المخيم ​رعايا دول غربية رغم الضغوط التي تبذلها الأمم المتحدة لإعادتهم لأوطانهم، وفقا لرويترز.

ويقع مخيم الهول في شمال شرق سوريا تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة. ولم يرد مسؤول من السلطات التابعة لقوات سوريا الديمقراطية التي تدير المنطقة على طلب للتعليق من رويترز.

ودائما ما يطالب المسؤولون في قوات سوريا الديمقراطية الدول الأجنبية باستعادة عائلات مقاتلي تنظيم داعش الموجودة في المخيمات.

ظروف قاسية

ووصفت ني أولين الظروف في مخيم الهول بأنها "قاسية وغير عادية"، قائلة إن درجة الحرارة وصلت إلى 50 درجة مئوية في أثناء زيارتها. وقالت إن مصطلح "مخيم" غير مناسب لأن الناس ليسوا أحرارا في الدخول إليه أو الخروج منه.

وأضافت "يبدو أنه لا أحد يدرك أن احتجاز الأطفال يشكل انتهاكا صارخا للقانون الدولي فيما يبدو أنها دورة لا تنتهي من الاعتقالات للأفراد من مختلف الأعمار".

أماكن مجهولة

كما عبرت ني أولين عن مخاوفها إزاء فصل مئات الفتيان عن أمهاتهم في المخيمات على أساس الخطر الأمني ​​المزعوم الذي يمثلونه. ولم تذكر ني أولين المكان الذي ذهب إليه هؤلاء الفتيان لكنها قالت في وقت سابق إنهم ذهبوا إلى أماكن مجهولة.

وتابعت "كل امرأة تحدثت إليها أوضحت أن خطف الأطفال هو أكثر ما يصيبهن بالقلق والمعاناة والضرر النفسي الأكبر".

وكان خبراء حقوقيون تابعون للأمم المتحدة قد عبروا عن قلقهم البالغ في فبراير الماضي، حيال التقارير التي أفادت بأن السلطات في شمال شرق سوريا أخذت ما لا يقل عن عشرة صبية من مخيم روج.

وقالوا إن هناك نمطا من الإبعاد القسري للصبية الذين يبلغون من العمر 10 أو 12 عاما من المعسكرات وفصلهم عن أمهاتهم ونقلهم إلى أماكن مجهولة، ووصفوا هذا الأمر بأنه غير قانوني تماما.

وقالت الإدارة ذاتية الحكم التابعة لقوات سوريا الديمقراطية في بيان في ذلك الوقت إن هذه التقارير "لا تمت للحقيقة بصلة".

وأضافت أن إدارة المخيمات دأبت على إخراج الفتية من حين لآخر لأنهم في هذا السن أكثر عرضة للتأثر بالأفكار المتطرفة، مشيرة إلى أنهم وضعوا في "مراكز إعادة تأهيل".

الأطفال أكثر من يعاني

وفي مايو 2022 قالت، أديل خضر، المديرة الإقليمية لليونيسف في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إن ملايين الأطفال السوريين يعيشون في خوف وحاجة وعدم يقين، سواء في داخل سوريا أو في دول الجوار.

وأضافت أن "أكثر من 6.5 مليون طفل في سوريا يحتاجون إلى المساعدة، وهو أعلى رقم جرى تسجيله منذ بداية الأزمة السورية المستمرة منذ 2011".

ولا تزال نهاية الأزمة في سوريا بعيدة المنال، بحسب المديرة الإقليمية لليونيسف التي ذكرت أنه "في الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2022، قتل وأصيب 213 طفلا في سوريا".

كما أوضحت في مايو 2022، أنه جرى التحقق من مقتل وإصابة أكثر من 13 ألف طفل منذ بداية الأزمة في العام 2011.

أما في البلدان المجاورة لسوريا، فوضع اللاجئين السوريين ليس أفضل حالا. إذ تعاني تلك البلدان بما فيها لبنان، من ضغوطات بسبب عدم الاستقرار السياسي والهشاشة، ويعتمد حوالي 5.8 مليون طفل على المساعدة، حيث يعانون من الفقر والمصاعب.

تهديد للمستقبل

وفي مارس 2021، حذر ممثل اليونيسف في سوريا من أن الحرب لا تقضي على حاضر أطفال سوريا فحسب، لكنها تهدد مستقبلهم أيضا، مشيرا حينها إلى أنه بعد 10 سنوات من الحرب، ترك النزاع 90% من الأطفال السوريين في حاجة إلى المساعدة.

وقال، بو فيكتور نيلوند، ممثل منظمة الأمم المتحدة للطفولة في سوريا، إن أزمة ثلاثية من العنف والبؤس الاقتصادي وجائحة كورونا دفعت بالعائلات إلى حافة اليأس.

وأضاف قائلا: "ماذا يعني ذلك من الناحية العملية؟ هذا يعني على سبيل المثال أن عائلتين من كل ثلاث أسر تبلغان بأنهما لا تستطيعان تلبية احتياجاتهما الأساسية".

وأشار إلى زيادة تزويج الأطفال، وإلى اضطرار العديد منهم للخروج للعمل - بعضهم لا تتجاوز أعمارهم 7 أعوام. إضافة إلى ذلك، يعاني أكثر من نصف مليون طفل دون سن الخامسة في سوريا من التقزم نتيجة سوء التغذية المزمن، بحسب وكالات الأمم المتحدة.

وتضاعف عدد الأطفال الذين ظهرت عليهم أعراض الاضطراب النفسي والاجتماعي عام 2020 حيث استمر تعرضهم للعنف والصدمات.

وقال بو فيكتور نيلوند، في مارس 2021، إن ما يقرب من خمسة ملايين طفل ولدوا في سوريا على مدى السنوات الماضية، وإن مليون طفل آخر ولدوا لاجئين في الدول المجاورة لسوريا، "وهؤلاء هم ملايين الأطفال الذين لا يعرفون سوى الموت والنزوح والدمار".

ووفقا للبيانات التي تم التحقق منها، بين عامي 2011 و2020، تم تجنيد أكثر من 5,700 طفل في القتال – بعضهم لا تزيد أعمارهم عن 7 سنوات. وفي الفترة نفسها (2011-2020) تعرضت أكثر من 1,300 منشأة تعليمية وطبية للهجوم، بما في ذلك الأشخاص الذي يعملون هناك.

وأضاف نيلوند: "يواجه التعليم الآن واحدة من أكبر الأزمات في التاريخ الحديث. هناك حوالي 3.5 مليون طفل خارج المدرسة، 40% منهم فتيات".

وذكر المسؤول الأممي بأن الوضع في شمال غرب سوريا مقلق بشكل خاص، حيث لا يزال ملايين الأطفال نازحين، إذ فرت عائلات كثيرة من العنف عدة مرات، بعضها يصل إلى سبع مرات بحثا عن الأمان. يعيش هؤلاء في خيام وملاجئ ومبان مدمرة أو غير مكتملة البناء.

ودعا ممثل اليونيسف في سوريا إلى إعادة دمج الأطفال المرتبطين بالجماعات المسلحة، وخاصة في شمال شرق سوريا، في المجتمعات المحلية، كما دعا إلى إعادة أطفال الرعايا الأجانب بأمان إلى بلدانهم الأصلية.

مشهد عام من مدينة دمشق - رويترز
مشهد عام من مدينة دمشق - رويترز

التوجه نحو "الخصخصة" في سوريا قد يكون الخيار الوحيد المتاح لدفع العجلة الاقتصادية في سوريا وتحريك عمل المؤسسات المتهالكة، لكن في المقابل يجب أن تكون هذه العملية مبنية على شروط وإجراءات، وإلا.. "ستكون مدخلا للفساد"، وفقا لخبراء وباحثين.

وبعد سقوط نظام الأسد ألمح مسؤولو الإدارة الجديدة في دمشق إلى نواياهم المتعلقة بهذا الصدد، وبينما أشاروا أولا إلى اعتزامهم "تبني نموذج السوق الحر" كشفوا قبل يومين عن خطط يفكرون بها بالفعل.

هذه الخطط تطرق لها وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، قائلا لـ"فاينانشال تايمز"، الأربعاء، إن الإدارة السورية الجديدة تخطط لخصخصة الموانئ والمصانع الحكومية، وتسعى لجلب الاستثمارات الأجنبية وتعزيز التجارة الخارجية.

يهدف هذا المسعى، بحسب الشيباني لإجراء إصلاحات اقتصادية وإنهاء عقود من الزمن كـ"دولة منبوذة".

لكن الوزير أشار في المقابل إلى تحديات تتمثل بإيجاد مشترين للمؤسسات التي كانت في حالة "تدهور" لسنوات في بلد "محطم ومعزول عن الاستثمار الأجنبي".

ما "الخصخصة"؟

"الخصخصة" هي عملية تحويل ملكية أو إدارة الأصول والخدمات التي تمتلكها الدولة (مثل الشركات الحكومية أو الموانئ) إلى القطاع الخاص بهدف تحسين الكفاءة، جذب الاستثمار، وتقليل العبء المالي على الدولة.

وتشمل عادة، كما يوضح الباحث الاقتصادي، مخلص الناظر، بيع أصول الدولة إلى مستثمرين من القطاع الخاص أو إدخال شراكات بين القطاعين العام والخاص.

لهذه العملية 3 مراحل تبدأ من "تحليل الأصول"، أي بمعنى تحديد القطاعات المؤهلة للخصخصة ودراسة جدواها الاقتصادية، وتليها عملية إعداد السياسات والتشريعات.

وبعد المرحلتين المذكورتين يتم تحديد القيمة السوقية للأصول من خلال دراسات مالية واقتصادية، وفقا للناظر.

الباحث يرى أن "الخصخصة أداة اقتصادية يمكن أن تكون فعالة لتحسين أداء الاقتصاد السوري، لكنها تحتاج إلى تنفيذ مدروس ومُحكم لضمان تحقيق الفوائد الاقتصادية دون تفاقم المشكلات الاجتماعية أو الاقتصادية".

و"إذا لم يتم التعامل مع هذه العملية بشفافية وعدالة، فقد تُسهم في زيادة الفقر وتفاقم الأزمات"، وفقا لما يشير إليه.

"فرص ومخاوف"

بلغة الأرقام فقد تقلص الناتج المحلي الإجمالي السوري بنسبة تزيد عن 50 بالمئة بين 2010 و2020، وأعيد تصنيف سوريا دولة منخفضة الدخل منذ 2018.

كما انخفضت قيمة العملة المحلية، وارتفعت معدلات الفقر، وباتت البلاد الآن بين الدول الـ 10 الأكثر انعداما للأمن الغذائي عالميا.

علاوة على ذلك، كان البنك الدولي قدّر الخسائر التراكمية للناتج المحلي الإجمالي السوري بين 2011 و2016 بحوالي 226 مليار دولار، وهو ما يفوق الناتج المحلي لسوريا في 2010 بأربع مرات.

ويقول الباحث والأكاديمي الاقتصادي السوري، فراس شعبو: "لدينا في سوريا الكثير من المؤسسات الفاشلة والمتهالكة. تكاليفها أكثر من إيراداتها".

ويضيف شعبو لموقع "الحرة" أن "الإدارة الجديدة عاجزة تماما عن إدارة كل شيء في البلد. لا مقومات ولا قدرة"، وعلى أساس ذلك من الطبيعي أن تلجأ إلى "الخصخصة"، على حد قوله.

هذه العملية ورغم أنها لم تكن معلنة على الملأ في عهد نظام الأسد المخلوع، إلا أن حكومته لجأت إليها بالتدريج خلال السنوات الماضية.

وكان ما سبق قد انعكس بمراسيم تشريعية وبقرارات فتحت الباب أمام مستثمرين داخليين وخارجيين للانخراط في قطاعات سيادية.

من بين هذه القطاعات مرفأ طرطوس الذي استثمرته شركة روسية لمدة 49 عاما، وأعلنت الإدارة الجديدة قبل أيام إلغائه من طرف واحد.

وتوجد أمثلة أخرى، بينها الاستثمارات الخاصة والمرتبطة بشركات، والتي استهدفت قطاعي الاتصالات والكهرباء. وأخيرا مطار دمشق الدولي.

ويعتبر الباحث شعبو أن "الخصخصة هي الحل المتاح حاليا في سوريا في ظل غياب الموارد والمساعدات".

لكنه في المقابل يشير إلى "إيجابيات وسلبيات" تكمن وراء التوجه نحو هذه العملية.

ولكي تسود الإيجابيات يجب أن "تضع الحكومة شروطا ناظمة لعملية الخصخصة، وحرصا على أن لا تتحول إلى بيع أصول وشروط إذعان"، وفقا لقول شعبو.

مدير البرنامج السوري في "مرصد الشبكات السياسية والاقتصادية"، والدكتور في الاقتصاد، كرم شعار ومن جانبه يسلط الضوء على "مخاوف" تتعلق بشق قانوني.

ويوضح لموقع "الحرة" أن "حكومة تسيير الأعمال الحالية ليس من صلاحياتها أن تتخذ قرارات بهذا الحجم (الخصخصة)".

كما يقول إن "هذه العملية مرتبطة بشكل الدولة.. وبقرار جميع السوريين".

هل من تجارب سابقة؟

المخاوف ذاتها التي أشار إليها الباحث شعار تطرق إليها أستاذ القانون الدستوري السوري، سام دلة في منشور له على "فيس بوك"، يوم الخميس.

ويوضح دلة أن "أي حكومة لا تملك الحق بالتصرف بهذه الأصول (التابعة للدولة) إلا بناء على تفويض واضح من أصحاب الحق ويضمن عدالة إعادة توزيع الموارد المُخصخصة".

ولا يكفي أن يكون هذا التفويض نتاج عملية ديمقراطية (حرة وعادلة) وإنما أن تتم ممارسته في إطار حوكمي يضمن المشاركة والشفافية ويفرض المساءلة، وفق دلة.

ويؤكد أن "الخصخصة تحتاج بداية بناء مؤسسات الدولة/دولة قانون: لاسيما قضاء كفء وعادل، وإدارة حكومية كفؤة وغير فاسدة".

وفي حال كانت العملية خارج الإطار المذكور ستكون "مجرد بيع لأصول الدولة وخلق (أوليغارشية) تسيطر على المجتمع وتحكم الدولة"، بحسب دلة الذي لفت إلى المثال الروسي.

وتقول التجارب السابقة إن اللجوء إلى "الخصخصة" في الدول التي تشهد مستويات مرتفعة من الفساد وتكتل الثروة بأيدي أطراف محددة دون وجود عدل في توزيع الثقل السياسي تكون "مدخلا مذهلا للفساد"، بحسب شعار.

وبينما يضيف الباحث وهو مدير البرنامج السوري في "مرصد الشبكات السياسية والاقتصادية" أن ما سبق تعكسه حالة ألمانيا بعد انهيار جدار برلين وما حصل في روسيا أيضا يوضح أن الأمر لم ينسحب على بريطانيا مثلا.

ويتابع: "في بريطانيا ورغم الإشكاليات التي كانت تعاني منها لم تكن عملية التوجه فيها نحو الخصخصة مدخلا للفساد".

وارتبطت الحالة، حينها، بالشروط والإجراءات والبرنامج الاقتصادي الليبرالي الذي سارت عليه، رئيسة الوزراء مارغريت تاتشر، في ثمانينيات القرن الماضي.

"فتح أبواب"

ولا يزال عمل الحكومة الجديدة في دمشق حتى الآن ضمن إطار مؤقت.

ومن المقرر أن تتشكل حكومة دائمة في شهر مارس المقبل، بحسب تصريحات سابقة لمسؤولين في الإدارة الجديدة.

من ناحية أخرى، وفي وقت تعيش فيه سوريا أزمات اقتصادية ومالية وتعاني مؤسسات من حالة ترهل كبيرة تواجه في المقابل معضلة تتعلق بإرث العقوبات الدولية التي تركها نظام الأسد قبل سقوطه.

وقد يكون ما سبق عائقا أمام التحول باتجاه عملية "الخصخصة"، بحسب الباحث الاقتصادي، شعبو.

وبالإضافة إلى ذلك يوضح أن التحول أيضا بحاجة "مؤسسات قوية وقادرة على فرض شروطها" من أجل منع تشكل اللوبيات والاحتكار.

كما يؤكد شعبو على فكرة أن تكون "الخصخصة مدروسة لا عشوائية"، مع مراعاة تشغيل الإيرادات وتشغيل العمالة وتحسين القطاعات التي تستهدفها.

وفي تقرير البنك الدولي بعنوان "مراقبة الاقتصاد السوري: الجيل الضائع" الصادر في يونيو 2022، تم التأكيد على أن النزاع المستمر منذ عقد قد دمر مكاسب التنمية في سوريا، حيث انخفض النشاط الاقتصادي بنسبة 50 بالمئة بين 2010 و2019.

كما أن التضخم المرتفع أثر بشكل غير متناسب على الفقراء والفئات الضعيفة.

وبالإضافة إلى التأثيرات المباشرة للنزاع، يعاني الاقتصاد السوري من آثار جائحة كورونا، الأزمات الإقليمية، والاضطرابات الاقتصادية العالمية.

ولا يعرف حتى الآن ما إذا كان المستثمرون الأجانب سيأتون إلى سوريا أم لا، كما يشير الباحث شعبو.

ويقول: "إذا لم ترفع العقوبات وبدأنا نرى حالة من الاستقرار سيكون دخول المستثمرين أمرا سابقا لأوانه".

ومع ذلك، يرى الباحث أن خطوة التحول نحو الخصخصة التي كشف عنها الشيباني بمثابة "فتح الباب على مصراعيه للمستثمر الداخلي والخارجي"، وهو الأمر الذي اتبعته الإمارات سابقا وتعمل عليه تركيا.