داعش
بعد تراجع عملياته منذ هزيمته على يد قوات التحالف، تحاول خلايا داعش العودة مجددا للساحة السورية (أرشيف)

وصف المرصد السوري لحقوق الإنسان، هجوم تنظيم "داعش" على حافلة عسكرية تابعة للنظام السوري، بكونه الأعنف منذ بداية العام، حيث أوقع ما لا يقل عن 26 قتيلا.

وأفاد المرصد عن "استهداف عناصر التنظيم ليل الخميس حافلة عسكرية"، في بادية الميادين في ريف دير الزور الشرقي، حيث "نصبوا كميناً للحافلة واستهدفوها بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة".

ووقع الهجوم الدامي في شرق سوريا، وفق ما أفاد المرصد، الجمعة، وهو تصعيد جديد للتنظيم المتطرف الذي كثّف من وتيرة هجماته مؤخرا.

وهذا هو الهجوم الثالث على الأقل للتنظيم ضد قوات النظام والمسلحين الموالين له منذ مطلع الشهر الحالي، و"الأكثر دموية"، وفق ما قال مدير المرصد رامي عبد الرحمن.

فهل يؤشر هذا التصعيد على عودة التنظيم الذي تسبب في قتل وتشريد آلاف المدنيين في سوريا والعراق على مدى أكثر من عقد؟ ولماذا يضرب التنظيم بهذه "السهولة"؟

يجيب رامي عبد الرحمن، على السؤال بطريقة مباشرة بالقول "بالفعل التنظيم بدأ يعود بقوة، وكل من يقول عكس ذلك، لا يعرف جيدا المشهد السوري".

وفي حديث لموقع الحرة، شدد عبد الرحمن على أن تصعيد التنظيم لهجماته ضد قوات النظام والمدنيين يؤكد أن "قيادات تُحرّكه"، بينما الجيش السوري له قدرات محدودة على ملاحقته في البادية السورية.

ومنذ خسارة مناطق سيطرته، قُتل أربعة من زعماء التنظيم آخرهم، المدعو، أبي الحسين الحسيني القرشي، الذي قضى في اشتباكات في شمال غرب سوريا، بينما أعلن التنظيم في الثالث من أغسطس، تعيين خلف له.

وفي 2014، حينما أعلن التنظيم إقامة "الخلافة الاسلامية" على مساحة تفوق 240 ألف كيلومتر مربع تمتد بين سوريا والعراق، بث عناصره الرعب وفرضوا تطبيقا صارما للشريعة الإسلامية، ونفذوا اعتداءات وحشية حول العالم، قبل أن تتقلص مساحة سيطرتهم تدريجا.

وبعدما مُني بهزيمة أولى في العراق عام 2017 إثر معارك مع القوات العراقية، أعلنت قوات سوريا الديمقراطية، المدعومة من الولايات المتحدة، في 23 مارس 2019 هزيمة التنظيم إثر معارك استمرت بضعة أشهر، حوصر خلالها مقاتلوه من جنسيات مختلفة من أوروبا ودول آسيوية وعربية، والآلاف من أفراد عائلاتهم في الباغوز الحدودية مع العراق.

وإذ يؤكد رامي عبد الرحمن أن التنظيم بصدد العودة لعملياته، التي يستهدف من خلالها قوات النظام والمدنيين ليبرز تواجده في الساحة، يؤكد أنه لن يعمد لبسط نفوذه على مناطق واسعة ومأهولة بالسكان "لأنه يعلم أنه بذلك سيكون هدفا سهلا للقصف".

وأضاف "يعلم التنظيم أنه إذا سيطر على أي منطقة، سيكون مصيره التدمير سواء عن طريق الطائرات الأميركية أو الروسية".

وبرغم ضربات تستهدف قادته وتحركاته ومواقعه، ينفّذها بالدرجة الأولى التحالف الدولي بقيادة واشنطن أو القوات الروسية الداعمة لدمشق، لا يزال التنظيم قادرا على شنّ هجمات وتنفيذ اعتداءات متفرقة خصوصا في شرق وشمال شرق سوريا.

وفي سياق حديثه عن الهجمات التي نفذها عناصر "داعش" ضد النظام قال عبد الرحمن "لقد نفذوا نحو 106 عمليات ضد النظام" في إشارة إلى تصاعد وتيرة "عمليات" داعش بشكل ملفت.

ومضى مؤكدا "هذا مؤشر على أن التنظيم يعود".

لماذا هذه السهولة في استهداف النظام؟

يقول تقرير لمعهد دراسة الحرب إن ردود فعل النظام السوري (الجيش) والتي تقوم على شكل عمليات مداهمة قصيرة المدى "لا تصمد طويلا ولا تمنع عودة داعش".

ويؤكد تحليل المعهد الذي يتخذ من واشنطن مقرا له أن عمليات الجيش السوري واسعة النطاق لداعش في عامي 2020 و2021 أدت بالفعل إلى تقليص نشاطه مؤقتًا "لكنها لم تهزمه".

ونفّذ داعش أكبر عدد من هجماته مطلع عام 2023 منذ نهاية "الخلافة" الإقليمية في 2018. 

بناء على ذلك، يرى التحليل أن خلايا داعش الهجومية ستتسمر في التسلل إلى المناطق الحضرية، وشبه الحضرية بهدف تخويف سكان المدن.

ويفتقر النظام السوري، وفق التقرير، إلى القدرة على دحر داعش في وسط الصحراء السورية، على عكس تقييم الأمم المتحدة الأخير الذي ادعى أن "الضغط العسكري" قد احتوى داعش في وسط سوريا. 

وبحسب ذات التقرير فإن النظام قادر على تحييد الخلايا الهجومية لداعش في دمشق وأماكن أخرى بشكل مؤقت فقط "لكن عملياته تفتقر إلى التنسيق الاستراتيجي والعملي والبصيرة، إذ لا يمتلك النظام خطة حملة متماسكة تسمح له بهزيمة داعش بشكل منهجي ودائم".

في ذات السياق، يقول رئيس المرصد السوري، رامي عبد الرحمن، إن الإعلان عن قائد جديد للتنظيم في حد ذاته مؤشر على نيته مواصلة هجماته وأعماله المتطرفة، لا سيما في سوريا.

يقول "تزامنت مبايعة القائد الجديد، مع تكثييف عمليات التنظيم في البادية السورية، وهي إشارة أن التنظيم موجود".

وأضاف أن هناك صورا تظهر "مبايعة مقاتلين من البادية السورية للقائد الجديد" حسب قوله.

وتابع مؤكدا صعوبة مواجهة عمليات داعش المتفرقة، مشيرا إلى ضعف الجيش السوري بالخصوص قائلا "لا يمكن لأي جيش أن يتابع مقاتلي داعش في البادية، لأن ذلك يشكل خطرا كبيرا على حياة الجنود".

ينفذ داعش هجمات في القرى السورية في محاولة لإثبات وجوده بعد الهزيمة
في البادية السورية.. داعش يستخدم "استراتيجية قديمة" لتحقيق أهداف محددة
يواصل تنظيم داعش تنفيذ هجماته في سوريا انطلاقا من "البادية الشامية" التي تنتشر فيها خلاياه، واستهدفت آخر الحوادث التي نفذها حاجزا لقوات النظام السوري على الحدود الإدارية بين محافظتي الرقة ودير الزور، ما أسفر عن مقتل 10 عناصر وإصابة 6 آخرين، بحسب إحصائية نشرها "المرصد السوري لحقوق الإنسان".

وأوضح أن الرد الطبيعي للنظام سيكون محاولة "تمشيط البادية رغم ما يشكله ذلك من خطورة" ثم تساءل عن سبب إعلان عدة دول نهاية داعش، بينما كان الأمر يتعلق بتراجع قوته فقط.

وقال متسائلا "إذا كان هناك نحو مائة ألف مقاتل للتنظيم، قتل منهم 50 ألف وتم أسر 20 ألف.. أين 30 ألف المتبقين؟" ثم كشف أن هناك نحو ثلاثة آلاف مقاتل تابع لتنظيم داعش الان في سوريا.

وتسبب النزاع الدامي في سوريا منذ العام 2011 بمقتل نحو نصف مليون شخص وألحق دمارا هائلا بالبنى التحتية والقطاعات المنتجة وأدى إلى نزوح وتشريد ملايين السكان داخل البلاد وخارجها.

لكن الهجمات الأخيرة لداعش، تؤشر على أن ماساة سوريا ربما لم تنته بعد.

القوات السورية استقدمت تعزيزات إلى الحدود مع لبنان - رويترز
القوات السورية استقدمت تعزيزات إلى الحدود مع لبنان - رويترز

المواجهات التي اندلعت في اليومين الماضيين على حدود سوريا ولبنان، ليست الأولى من نوعها بعد سقوط نظام الأسد بل هي الثانية والأشد أيضا من حيث الخسائر التي خلفتها، وعلى مستوى نوعية السلاح الذي استخدمها الطرفان.

والاشتباكات بين قوات الإدارة السورية الجديدة ومسلحين من حزب الله، ينشطون في عدة مواقع وقرى وبلدات حدودية، انتهت باتفاق بنص مقتضب بين وزارتي الدفاع السورية واللبنانية.

ورغم أن الاتفاق كان كفيلا بإيقاف الصواريخ والقذائف التي أطلقت من الجانب السوري باتجاه اللبناني وبالعكس، وتخفيف حدة التوتر التي عكستها تحركات وحشود القوات على الأرض، فإنه لا يمكن اعتباره "حلا شاملا ومستداما"، كما يقول خبراء ومراقبون.

لماذا قد لا يكون الاتفاق "حلا شاملا ومستداما"؟ لأن الأسباب التي تقف وراء اندلاع المواجهات للمرة الثانية على التوالي بعد سقوط الأسد لما هو أبعد من "حادثة اختطاف" أسفرت عن مقتل 3 جنود سوريين، واتهم "حزب الله" بالوقوف ورائها.

على العكس ترتبط الأسباب بالنوايا المرتبطة بفرض حالة من "الاستنزاف" على الأرض، كما يقول الباحث السوري، نوار شعبان، وبـ3 عوامل أشار إليها الخبير الاستراتيجي اللبناني، ناجي ملاعب، في حديثه لموقع "الحرة".

"عوامل واستنزاف"

ويعتقد شعبان، وهو باحث في مركز "حرمون للدراسات المعاصرة"، أن "حزب الله" يحاول استنزاف قوات الإدارة السورية على طول الحدود السورية-اللبنانية، وهو الأمر الذي ينطبق على المواجهات الجديدة والتي سبقتها، في شهر فبراير.

كما تحاول الجماعة اللبنانية "جر وزارة الدفاع السورية إلى معارك مفتوحة"، بحسب حديث شعبان، في مسعى لاستنزافها واستغلالا من "حزب الله" للجبهات الأخرى المفتوحة ضد قوات إدارة أحمد الشرع. كالساحل مثلا.

ومن جهته، يشير الخبير الاستراتيجي اللبناني ملاعب إلى أنه لا يمكن فصل جولة المواجهات الجديدة بين القوات السورية و"حزب الله" عن التوقيت الذي جاءت فيه والمكان والسياق العام.

وأوضح لموقع "الحرة" أن "الإدارة السورية لاتزال تنظر إلى وجود السلاح بيد حزب الله على الحدود كعبء كبير يقتضي معالجته".

مسعى الإدارة السورية لمعالجة قضية سلاح الحزب الموجود على الحدود يأتي من منطلق المخاوف والمؤشرات التي تدلل على ضلوع الجماعة اللبنانية بما تشهده سوريا الداخلية من أحداث.

وكانت آخر هذه الأحداث عمليات التمرد التي جرت في مناطق عديدة بالساحل، فيما ردت عليها القوات السورية بحملة عسكرية تخللتها عمليات قتل ميداني استهدفت أفرد المكون العلوي.

ومن جانب آخر، لا يستبعد الخبير ملاعب أن تكون الجولة الجديدة من المواجهات مرتبطة بخصوصية المكان الذي جرت فيه وما قد يحتويه.

ويتابع حديثه: "لا يزال حزب الله يحتفظ بأسلحته في المكان الذي جرت فيه المواجهة".

وبالإضافة إلى ذلك لا يزال يعول ويتمسك بخطوط التهريب التي يعبر الحدود السورية-اللبنانية، منذ عقود، بحسب الخبير الاستراتيجي.

ماذا بعد؟

ويبلغ طول الحدود بين سوريا ولبنان نحو 300 كيلومتر. وكانت هذه الحدود في عهد نظام الأسد تحولت إلى أرض "مشاع" استخدمها "حزب الله" لتهريب الأسلحة والذخائر وحبوب "الكبتاغون".

ولم يكن أن يتم ذلك، خلال السنوات الماضية، إلا بموجب سياسة "هادئة" يعتبر خبراء ومراقبون أنها ما تزال مستمرة حتى الآن.

تستند هذه السياسة على المعابر غير الشرعية من جهة، بينما تقوم من جهة أخرى على عمل العصابات التي استخدمها "حزب الله" كواجهات لتمرير أعماله المتعلقة بالتهريب، ولتثبيت أسس "الاقتصاد الموازي" المرتبط به.

وقالت وزارة الدفاع اللبنانية، في بيان الاثنين، إن وزير الدفاع الوطني، ميشال منسى، أجرى اتصالا بنظيره السوري، مرهف أبو قصرة، وبحثا التطورات الحاصلة على الحدود اللبنانية- السورية.

وأضاف البيان أنه جرى الاتفاق على وقف إطلاق النار بين الجانبين على أن يستمر التواصل بين مديرية في الجيش اللبناني، والمخابرات السورية.

ومن جهته، أكد المكتب الإعلامي في وزارة الدفاع السورية اتفاق الجانبين على وقف إطلاق النار على الحدود، وتعزيز التنسيق والتعاون بينهما، بحسب ما نقلت الوكالة السورية الرسمية للأنباء (سانا).

وكانت القوات السورية خاضت مواجهات حدودية مع "حزب الله"، في فبراير الماضي.

وبعد اشتباكات استمرت لأيام، حينها، وتركزت جهة مدينة القصير بريف حمص وسط البلاد،أعلنت وزارة الدفاع في دمشق أنها تمكنت من تأمين الحدود.

وأكد مدير التوجيه في الجيش اللبناني، العميد حسين غدار، في تلك الفترة لموقع "الحرة"، أن التنسيق بين الجيش اللبناني وهيئة الأركان السورية قائم لضبط الحدود "من خلال مكتب التعاون والتنسيق بين البلدين".

وقال غدار، إن "الجيش اللبناني يضبط الحدود ضمن الإمكانات المتوفرة لديه، وقد اتخذ الإجراءات اللازمة لتحقيق ذلك".

ويعتقد الخبير ملاعب أنه يوجد توجه رسمي على كافة المستويات في لبنان "يشدد على حصرية السلاح بالدولة اللبنانية. وكذلك الأمر بالنسبة لخيار السلم والحرب".

ويضيف: "وبالتالي انتقلنا من حالة الجيش اللبناني الذي كان يتماهى مع أعمال حزب الله في سوريا إلى الجيش الذي عاد إلى دوره الصحيح".

وفي حال لم تشهد المرحلة المقبلة دورا حقيقيا للجيش اللبناني ستكون نتائج أي مواجهة فردية على الحدود مع سوريا "كارثية"، وفق الخبير.

ولا تمتلك وزارة الدفاع السورية أي رفاهية لفتح أكثر من جبهة الآن، كما يقول الباحث السوري، شعبان.

وبينما يؤكد على ضرورة أن يتم التعاطي السوري مع هكذا نوع من أحداث "بمنطق الدولة" لا يستبعد الباحث أن يواصل "حزب الله" القيام بهجمات مماثلة، في مسعى منه لاستنزاف قوات الإدارة السورية في دمشق وولكي يحدث "بلبلة إعلامية" تعود عليها بالسلب.