تقرير يتهم المستشفيات العسكرية التابعة للنظام السوري بقتل المعارضين (صورة تعبيرية)
تقرير يتهم المستشفيات العسكرية التابعة للنظام السوري بقتل المعارضين (صورة تعبيرية)

بعدما انقطع نَفسه حوالي ربع ساعة، اعتقد السجّانون في "نظارة مشفى تشرين العسكري" بدمشق أنهم أجهزوا على الشاب السوري محمود، مما دفعهم لوضعه بجانب جثث المعتقلين، الذين قضوا بجواره بسبب القتل والتعذيب.

لكن "قشعريرة مؤلمة من أصابع قدمي الشاب امتدت إلى باقي أعضاء جسده" جعلت قلبه ينبض ويعود إلى الحياة، ليكون شاهدا على فظائع وحوادث وحشية حدثت على مدى السنوات الماضية داخل أسوار مشفى تصوره السلطة في سوريا على أنه "للرعاية الطبية"، لكن ما يحصل في فنائه يقود إلى غير ذلك.

وتكشف دراسة مطولة أصدرتها "رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا"، الثلاثاء، آليات القتل والإخفاء في المشافي العسكرية التابعة للنظام السوري في سوريا، فيما تسلط الضوء على نحو أكبر على "مشفى تشرين العسكري بدمشق"، وكيف أنه تحول إلى "مصنع لقتل ودفن السوريين بصمت".

واعتمدت الدراسة، التي وصلت نسخة منها لموقع "الحرة" في وقت سابق، على 154 مقابلة مع 32 سجينا سابقا، وتنقسم إلى 6 أجزاء، توضح هيكلية المشافي العسكرية وأهمية "مشفى تشرين العسكري" بالتحديد.

كما تغوص في تفاصيل عمل مفارز "الشرطة العسكرية" و"المخابرات العسكرية"، وتكشف عمليات التصفية المرعبة داخل أولى المحطات المعروفة باسم "النظارة"، وصولا إلى توثيقها بناء على شهادات لآلية نقل جثث المعتقلين، حتى يتم دفنها في مقابر جماعية.

"مشان الله سكتوه!"

اعتقل محمود الذي يقيم الآن في إحدى الدول الأوروبية، في أغسطس 2014، بعمر السادسة عشر، بسبب مشاركته في المظاهرات المناهضة للنظام السوري. وبعد تعرضه للتعذيب لمدة عامين، أُفرج عنه في أغسطس 2016، بعدما اضطرت عائلته لدفع أموال طائلة. 

ويروي الشاب لموقع "الحرة"، حيث يقيم في أوروبا الآن، قصته التي بدأت من سجن صيدنايا العسكري سيء الصيت، وصولا إلى مشفى "تشرين العسكري" في دمشق، بعدما نقل إليه، بسبب إصابته بمرض السل.

ويقول محمود: "كانوا يحملوني ويضربوني بالأرض في نظارة مشفى تشرين العسكري. استمر هذا ربع ساعة وتوقعوا بعد ذلك أنني انتهيت، فوضعوني مع الموتى. كانت الجثث توضع فوق بعضها البعض، وجاء نصيبي فوق جثتين.. ثم وضعوا فوقي اثنتين أخريين..".

وبعد حوالي نصف ساعة "أخذت أصحو".. يضيف الناجي مستذكرا لحظات لا يتمنى أن تعاد مرة ثانية: "سرت قشعريرة مؤلمة في جسدي بدأت من أصابع قدمي وامتدت تدريجيا إلى باقي أعضاء جسدي. تحركت قليلا فوقعت الجثتان من فوقي".

صاح محمود بعد ذلك بشكل مهول وبصوت "لا يدري من أين أتى"، وحتى أنه ظنّ حينها أن "كل من في مشفى تشرين العسكري سمعه".

ويتابع: "شعر الشاويشة الشبيحة بالخوف فهرعوا إلي ثانية. ضربوني على رأسي وبطني وكليتي وعلى كل مكان. رغم ذلك لم أتوقف عن الصراخ. صار أحدهم يبكي ويقول: مشان الله سكتوه.. وهم يستمرون في ضربي".

وبعد خروجه حيا من المعتقل، روى الشاب الناجي لأحد الأطباء ما حصل معه داخل "نظارة مشفى تشرين العسكري"، وأخبره الأخير أن "قلبه توقف ومن ثم عاد إلى الحياة. وعندما شعر بالقشعريرة كان الدم قد بدأ يضخ مجددا".

وهذه القصة هي واحدة من بين آلاف القصص المرعبة داخل المشافي العسكرية بسوريا، والتي لم يسبق أن سُلطت الأضواء على دورها في عمليات قتل وتصفية المعتقلين، ومن ثم دفنهم "بصمت".

وتوصلت الدراسة التي أصدرتها الرابطة الحقوقية، إلى أن الإجراءات التي يتبعها نظام الأسد في هذه المشافي، بدءا من دخول المعتقل ووصولا إلى نقل ودفن جثته في المقابر الجماعية، تعطي تأكيدا على أنها "سياسة متعمدة".

وتتم هذه السياسية بتواطؤ مؤسسات رسمية مختلفة، بما فيها الطبية، التي يتصدرها مشفى "تشرين" في العاصمة السورية، والواقع في منطقة برزة.

"الذهاب إليها رعب"

منذ تأسيسه في ثمانينيات القرن الماضي، كان "مشفى تشرين العسكري" بدمشق مكانا تتفاخر فيه السلطة في سوريا، وتتحدث عن جهوزيته ومهارة كوادره الطبية، ولم يكن له وجود على خرائط التعذيب والتصفية، حتى استعصاء سجن صيدنايا في 2008.

لكن بعد هذا التاريخ برز اسمه كمكان لتصفية المعتقلين والسجناء المتمردين، أو الذين فضلوا الذهاب إليه هربا من أزمة التمرد في صيدنايا، ولقوا حتفهم هناك، وكذلك الأمر لبقية المشافي العسكرية التي خرجت منها صور قيصر "الشهيرة"، ويحاكم بسب الجرائم المرتكبة فيها، طبيب التعذيب علاء موسى في ألمانيا، منذ عام 2020.

 و"قيصر" ضابط سوري منشق سرب آلاف الصور لجثث معتقلين في سجون نظام بشار الأسد، وأصدرت الولايات المتحدة قانونا حمل اسمه وقضى بفرض عقوبات منذ 2020 على شخصيات وكيانات، ثبت ضلوعها في جرائم حرب وضد الإنسانية.

وفي حين لا يزال يقبع مئات الآلاف من المعتقلين في سجون النظام السوري، أشهرها "صيدنايا"، فإن الأجهزة الأمنية تنقل قسما منهم إلى المشافي العسكرية، من بينها "تشرين"، وتحول إليه أيضا جثث من قضوا في الأفرع.

ويتم التعامل مع المعتقلين عند وصولهم إلى مشفى "تشرين" ضمن سلسلة محطات، يخيم الموت والتعذيب على كل تفاصيلها، وفق ناجين وموظفين سابقين تحدث إليهم معدو الدراسة.

وكشفت الدراسة دورا تلعبه مفرزة "الشرطة العسكرية" ومفرزة "المخابرات العسكرية" في المشفى، في عمليات التصفية و"طمس الجرائم".

وتتولى الأولى مهمة استلام الجثث واحتجاز المعتقلين في "النظارة"، بينما الثانية توكل بمهمة مراقبة العاملين والإشراف على تحميل الجثث ونقلها بسيارات مختلفة إلى المقابر الجماعية.

في غضون ذلك، تتولى أقسام داخل المشفى دورا أيضا، من بينها "الإسعاف البديل" (يختلف عن قسم الإسعاف الرئيسي)، والذي يعتبر المحطة الثانية التي ينقل إليها المعتقلون، ليتم نقل من يموت منهم إلى "الطبابة الشرعية".

وتوكل لـ"الطبابة الشرعية" مهمة دور الوسيط بين المفرزتين العسكريتين، والتي تتمثل بـ"إضفاء الشرعية على الجريمة، من خلال تزييف وقائع الوفاة، ونسب أسبابها إلى ظروف طبيعية كالسكتة القلبية"، كما جاء في الدراسة.

ويقول الشاب الناجي محمود: "عندما يذهب أي شخص إلى المشفى يضع في باله دائما أنه سيتلقى العلاج. لكن هذا المشهد يختلف جذريا بالنسبة للمعتقلين، لأنه يعرف (المعتقل) أنه سيُعذب ويُقتل فيه. هنا الفاجعة الكبرى".

ويروي رعب المحطة الأولى في "تشرين"، التي ينقل إليها المعتقلون من السجون.

ويطلق على هذه المحطة اسم "النظارة"، وهي كما تشير الدراسة عبارة عن "غرفتي توقيف للمعتقلين، تضم عناصر من (الشرطة العسكرية) و(المباحث العسكرية)، وفور الوصول إليها لابد من وجود جثة أو جثتين أمام بابها".

ويضيف الشاب: "تضم النظارة أو كما تسمى أيضا بـ(الزنزانة) عناصر ومساعد وشاويش، توكل إليه مهمة قتل وتعذيب المساجين المرضى".

و"الشاويش" يكون عنصرا من قوات النظام السوري أو تشكيل "الدفاع الوطني"، احتُجز بسبب تهمة جنائية، وفق الدراسة، وتم تجنيده من قبل السلطات لقتل المعتقلين.

ويتابع محمود: "قتل المعتقلين وأوامر التنفيذ من جانب المساعد تأتي بغرض التخلص من المرضى المعتقلين، قبل أن يتم نقلهم إلى مركز تحليل الدم".

ويفصل بين "النظارة" ومركز تحليل الدم حوالي 150 مترا، ولذلك يحاول العساكر داخل النظارة والمساعد المسؤول "الإجهاز على من يعتقدون أنه سيسبب همّا لهم في حال مات وسط الطريق، وتتطلب عملية نقله جهدا".

"عناصر مفرزة الشرطة العسكرية والمساعد المسؤول عن النظارة كانوا يأمرون الشاويش بأن يقتل المعتقلين المرضى، كي لا يضطروا لحملهم في الطريق".

ويكمل الشاب: "ببساطة يعطونه عصا صغيرة وعليها خيط. هذه هي الطريقة التي كانت تتم فيها تصفية المعتقلين بالخنق".

وعندما كان الشاب مريضا بالسل في صيدنايا نقل إلى "النظارة" لأكثر من 4 مرات.

ويوضح أن "90 بالمئة من المعتقلين الذين ينقلون إلى مشفى تشرين لا يعودون"، وأنه في إحدى الحالات نُقل مع 20 معتقلا إلى "النظارة"، "عاد منهم اثنان فقط على قيد الحياة".

في غضون ذلك، نقل معدو الدراسة عن ناجٍ من التصفية في "تشرين العسكري" قوله: "كان المساعد يفتح باب النظارة ويقول لمعتقلي الدفاع الوطني: ما بدي أسمع ولا صوت.. اشتغلوا على الهدا".

وكشفت دراسة الرابطة الحقوقية إجراءات التعامل مع المرضى المعتقلين في مشفى تشرين العسكري، بدءا من وصولهم، وحتى خروجهم منه (أمواتا في الغالب).

وجاء فيها أن "عناصر (مفرزة الشرطة العسكرية) كانوا يدوسون على الجثث مع الكادر الإداري والطبي في (تشرين)، في أثناء عملية التوثيق والتصوير، وقبل أن تنقل إلى المقابر الجماعية، انطلاقا من (قسم المرآب)".

ويوضح محمود أن "تصفية المعتقلين كانت تتم داخل الزنزانة (النظارة)، وتبقى الجثث فيها حتى تأتي سيارات النقل".

ويقول إنه اضطر إلى "نقل جثث المعتقلين إلى سيارات مغلقة تسمى (فانات)"، مضيفا: "كنا نضع الجثث فيها، ونتفاجأ بوجود أخرى تعود لأيام".

و"تترافق عملية نقل المعتقلين من مراكز الاحتجاز إلى المشافي العسكرية باعتداءات وحشية، تصل إلى حد فقدان الحياة في أكثر الحالات"، وفق دراسة الرابطة الحقوقية.

وتشير إلى أن "عناصر المفرزة العسكرية يجبرون المعتقلين على تجميع جثث من يفقد الحياة عند الباب الخارجي للنظارة، وفي مرحلة لاحقة يجبرون أيضا على وضعها في الآليات المجهزة للنقل إلى المقابر الجماعية".

ويقول الشريك المؤسس في الرابطة الحقوقية، دياب سرية، إنهم ركزوا في الدراسة على شكل المعاملة التي يتعرض لها المعتقلون داخل المشافي العسكرية، وفي مقدمتها "تشرين".

ويوضح مفارقة مؤلمة داخل المشفى المذكور، شارحا أن "جرحى قوات النظام ومسؤولوه يدخلون إلى تشرين ويتلقون كامل الرعاية الطبية"، وحتى أن "القتلى تسلم جثثهم لأهاليهم وبتقرير مفصل من الطبابة الشرعية".

ويضيف :"كما يخرج قتلى النظام من مشفى تشرين العسكري بمراسم جنائزية مع عزف الموسيقى، وهو مشهد يختلف عن ذاك الخاص بالمعتقلين، الذين يقتلون فيه بصمت، وتدفن جثثهم في مقابر جماعية، دون أي تقرير من الطب الشرعي".

ويضيف سرية لموقع "الحرة": "ما سبق يعكس المعاملة التي كانوا يعاملون فيها المعارضين والمعتقلين من قتل وتعذيب ورمي الجثث مثل الرمل، وصولا إلى إخفائها ودفنها في مقابر جماعية بتقارير مزيفة".

ويتابع الحقوقي السوري والمعتقل السابق في صيدنايا: "هناك تزييف للحقائق وشهادات الوفاة في المشافي العسكرية. الشرطة هناك لا تسلم الأهل جثث ذويهم، ولا أي معلومات دقيقة عن أسباب الوفاة".

و"لا تقتصر هذه الجرائم على مشفى تشرين، بل تشمل جميع المشافي العسكرية، من بينها (حرستا) و(601)، وهذان لهما دور في إضفاء الشرعية على جرائم القتل تحت التعذيب، والمساهمة في طمس الأدلة"، وفق سرية.

ويتم توقيع شهادة وفاة المعتقلين، داخل "تشرين العسكري" من قبل رئيس قسم الطب الشرعي ومن ضابط الإدارة. وفي حال عدم وجود هذا الضابط، يتم توقيعها من أي ضابط موجود، كما تورد دراسة الرابطة الحقوقية.

وبعد ذلك، يتم وضع ختم الديوان، ويرفع التقرير للشرطة العسكرية، التي تقوم بكتابة التقرير وترفعه إلى المحكمة المسؤولة عن المعتقل، ومن ثم توزعه على أمانة السجل المدني.

"إفراغ الجثث مثل الرمل"

وكانت القناة الرابعة البريطانية قد نشرت، في 2012، أدلة مصورة قدمها موظف سابق في المشفى العسكري بحمص، تظهر المسعفين وهم يعذبون المرضى، كما تصور أجنحة مليئة بالجرحى مقيدي الأيدي ومعصوبي الأعين، وبعضهم يحمل علامات الضرب المبرح.

وتتم حاليا في ألمانيا محاكمة الطبيب، علاء موسى، بتهم تتعلق بارتكابه أعمال تعذيب في مشفى "تشرين العسكري" بمدينة حمص.

من جانبها، تقول منظمة "هيومان رايتس ووتش" في تقرير تحليلي لصور قيصر، إن معظم الصور التي تم التقاطها تعود إلى المشفى العسكري 601 في المزة بدمشق، وباقي الصور في "مشفى تشرين العسكري".

وتشير لجنة التحقيق الدولية إلى 3 مشاف عسكرية (المزة، تشرين، حرستا) كان يتم فيها إصدار تقارير تزيّف ظروف الوفيات الخاصة بالمعتقلين، بطريقة تخفي مسؤولية أجهزة الأمن.

ويوضح الحقوقي السوري، سرية، أن "ما يحصل في المشافي العسكرية، وتحديدا مشفى تشرين من التعامل مع المعتقلين المرضى يمثل سياسة دولة ممنهجة، مما يجعل حالات الإعدام تحت التعذيب أو التصفية أو سوء الرعاية الطبية ترقى إلى مستوى جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية".

ولا يقتصر دور "الشرطة العسكرية" في سوريا على إدارة السجون العسكرية وتنفيذ أوامر القضاء العسكري، بل تلعب دورا محوريا ورئيسيا في "مسيرة التصفية والدفن في المقابر الجماعية والإخفاء القسري".

كما تلعب "الشرطة العسكرية" دورا أساسيا في "توثيق الوفيات في صفوف المعتقلين وغيرهم من قتلى النظام السوري أو المدنيين الذين يسقطون في مناطق سيطرة الحكومة السورية، وتحتفظ بالتفاصيل الدقيقة عن الوفيات حتى عام 2015".

ومنذ تلك الفترة، بدأت الأجهزة الأمنية إجراء جديدا لا تتم معه إحالة المعتقلين المتوفين في الأجهزة الأمنية إلى المشفى العسكري، وعوضا عن ذلك بدأت بدفن هؤلاء في مقابر جماعية بعد الحصول على تقرير طب شرعي شكلي".

ويوضح سرية أن "تغيير الإجراءات وإنشاء قسم إسعاف منفصل داخل تشرين العسكري، يعزل المعتقلين المرضى عن التواصل مع موظفي وأقسام المشفى الأخرى".

وأشارت الدراسة التي أعدتها الرابطة الحقوقية، إلى "استحداث مغسل لسيارات نقل الجثث إلى المقابر الجماعية، مما يدل على أن الممارسة في مشفى تشرين سياسة ممنهجة تم رسمها بالتفصيل من جانب الأطراف المشرفة على المشفى، مع رصد موارد مالية لبناء الأقسام وتنفيذ السياسة".

ونقل المعدون عن عامل سابق في مكتب الآليات في محافظة دمشق قوله، إنه "طُلب منه حفر خندق بطول 10 إلى 15 مترا وبعمق أكثر من 3 أمتار في مقبرة (نجها) الجماعية".

ويقول: "عقب ذلك، وصلت سيارات فيها أكثر من 450 جثة، وطلب مني ضابط أمن أن أجرفها وأنزلها في الخندق. كانت الجثث الملقاة على الأرض تعيق حركتي.. حاولت الالتفاف حولها كي لا أسحقها تحت البلدوزر".

وتابع: "لكن الضابط لوح بيده وأمرني بالتقدم وأجبرني على سحقها تحت الدولاب (العجلات)، وصرت أحمل الجثث بسطل (مجرفة) البلدوزر وأرميها في منتصف الخندق الذي حفرته".

ويقول الناشط الحقوقي سرية: "في مشفى تشرين تقدم الرعاية الممتازة والفريدة للموالين للنظام السوري ونخبته العسكرية والسياسية، وفيه أيضا يتم تعذيب وتصفية المعارضين بصمت".

ندى فضل خلال أحد نشاطات مركزها "مبادرة روح"، موقع مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة
ندى فضل خلال أحد نشاطات مركزها "مبادرة روح"، موقع مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة

فازت خمس نساء بجوائز "نانسن للاجئ" لعام 2024، التي تقدمها سنوياً المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.

والفائزات الـ5 راهبة، وناشطة، ورائدة أعمال اجتماعية، وعاملة إغاثة متطوعة، ومناصرة في مجال القضاء على انعدام الجنسية.

وحظيت بالجائزة العالمية لهذا العام الراهبة روزيتا ميليزي (79 عاماً)، وهي محامية برازيلية، ناشطة اجتماعية دافعت عن حقوق وكرامة الأشخاص المهجرين منذ قرابة 40 عاماً.

وعلى المستوى الإقليمي، مُنحت 4 نساء أخريات جوائز إقليمية بحسب مناطق عملهن، هنّ ميمونة با من بوركينا فاسو، وجين داوود اللاجئة السورية في تركيا، وندى فضل اللاجئة السودانية في مصر، بالإضافة للناشطة النيبالية ديبتي غورونغ.

كما سيحصل شعب مولدوفا على تكريم فخري لعمله كـ"منارة إنسانية"، نتيجة لدوره في "وضع الصعوبات الاقتصادية التي يمر بها جانباً، لتحوّل البلاد بسرعة مدارسها ومساحاتها المجتمعية ومنازلها إلى ملاذ آمن لأكثر من مليون شخص اضطروا للفرار من الحرب في أوكرانيا"، وفق بيان لمفوضية الأمم المتحدة، نُشر على موقعها الإلكتروني.

وسيتم توزيع الجوائز غداً الاثنين خلال حفل سيُقام في مدينة جنيف السويسرية.

 

ما هي جائزة نانسن؟

وفق المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، تأسست الجائزة عام 1954"إحياءً لإرث فريدجوف نانسن، العالم النرويجي، المستكشف القطبي والدبلوماسي والمفوض السامي الأول في حقبة عصبة الأمم، الحاصل كذلك على جائزة نوبل للسلام 1922".

ويحصل الفائز على مبلغ 150 ألف دولار أميركي تتبرع به حكومتا سويسرا والنرويج، بهدف متابعة مشروع موجه لمساعدة النازحين قسراً، يتم تطويره بالتشاور الوثيق مع مفوضية اللاجئين.

وخلال وجوده في المنصب لعشر سنوات بين 1920 و1930، ساعد نانسن مئات آلاف اللاجئين على العودة إلى وطنهم، وأسهمت جهوده في تمكين عدد كبير من الأشخاص من الحصول على إقامة قانونية وإيجاد عمل في البلدان، التي وجدوا فيها الملجأً.

وتقول المفوضية "أدرك نانسن أن إحدى المشكلات الرئيسية التي كان يواجهها اللاجئون هي افتقارهم لوثائق هوية معترف بها دولياً، فعمل على إيجاد حل عرف بجواز سفر نانسن، كان أول صك قانوني يُستخدم لتوفير الحماية الدولية للاجئين". 

يُشار إلى أن أول من فاز بجائزة "نانسن للاجئ" كانت إليانور روزفلت، وهي أول رئيسة للجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة وهي قرينة الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت، وعُرفت بدورها في صياغة الوثيقة العالمية لحقوق الإنسان.

"مبادرة روح"

من بين النساء الخمس، فازت السودانية ندى فضل، عن فئة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وهي تُدير مركز "مبادرة روح" الواقع في مدينة الإسكندرية بمصر، حيث يتلقى فيه اللاجئون خدمات الرعاية الصحية المجانية والتدريب على المهارات.

بحسب تقرير للمفوضية عن رحلة فضل (31 عاماً) التي أوصلتها لنيل جائزة "نانسن للاجئ"، فقد وصلت إلى الإسكندرية عام 2015 بمفردها، وليس لديها سوى التصميم على إعادة بناء حياتها.

لكن التكيّف مع الحياة في بلد جديد كان "أمراً صعباً" بالنسبة لفضل، خصوصاً أنها لم تكن تعمل أو تواصل دراستها، لذلك قررت أن تعلم الأطفال اللاجئين في الحيّ الذي عاشت فيه، وكان معظمهم من السوريين.

تقول: "كانوا يسألونني: كيف أحل هذه المسألة؟ وكيف أقرأ هذا؟ وكيف أفعل ذلك؟ لذا، قررت جمعهم معاً وإعطاءهم دروساً في المنزل".

وسرعان ما أسست لنفسها سمعة جيدة داخل المجتمع، مما أدى إلى حصولها على طلبات إضافية للمساعدة، لتتعاون على أثر ذلك مع مجموعة لاجئين آخرين، أطلقوا معاً "مبادرة روح" من أجل حشد المزيد من الدعم للاجئين.

وعندما بدأ مئات الآلاف من اللاجئين السودانيين الفارين من الحرب الأهلية بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في الوصول إلى مصر، قامت فضل في البداية بإشراك شباب آخرين من مجتمعات اللاجئين والمضيفين في الإسكندرية للعمل معها بهدف مساعدة الأسر التي تقطعت بها السبل في مدينة أسوان الجنوبية.

وسافرت اثنتان من صديقاتها إلى أسوان لتقييم الوضع وبناء جسر من التواصل مع السكان المحليين في المدينة، وعند العودة إلى الإسكندرية، بدأت المجموعة على الفور في عملية جمع التبرعات.

تقول فضل "جمعنا التبرعات من السكان هنا ثم أرسلناها إلى أصدقائنا في أسوان لشراء العصير والماء والوجبات وتسليمها للأشخاص الذين يصلون الحدود".

وباعتبارها في صفوف الاستجابة الأولى على الأرض، تمكنت "مبادرة روح" من مساعدة مئات الوافدين الجدد. وبالإضافة إلى تزويدهم بالوجبات الساخنة والمساعدات النقدية، حرصوا على ربط الفئات الأكثر ضعفاً، بما في ذلك الأطفال والمرضى وكبار السن، بالسكان المحليين الذين قدموا لهم مساكن مؤقتة.

ندى، المتطوعة المثابرة ، الشخصية الفعمة بالقوة التي استطاعت بجهودها أن تساعد مجتمعات اللاجئين، بمختلف جنسياتهم حيث قدمت...

Posted by Caritas Egypt - Alex Refugees' Office on Wednesday, October 9, 2024

معالج السلام

"ولدت منصة معالج السلام جراء الحرب، لذا فإن مهمتنا دائماً هي بناء السلام - السلام الداخلي والسلام في العالم. كل شيء يبدأ من داخلنا"، تقول اللاجئة السورية من مدينة الرقة، المقيمة في تركيا، جين داود.

وبسبب عمل هذه المنصّة التي أنشئت على أثر زلزال كهرمان مرعش في 6 فبراير 2023، الذي ضرب مناطق واسعة في جنوب شرق تركيا والشمال السوري بالإضافة لمدن عدة واقعة تحت سيطرة النظام السوري، نالت مؤسستها داود جائزة "نانسن للاجئ".

وجاء في تقرير نشرته مفوضية اللاجئين الأممية أن فكرة منصّة "معالج السلام" خطرت لداود (26 عاماً) أثناء حضورها دورتين تدريبيتين خلال دراستها الجامعية، إحداهما عن تطوير تطبيقات أندرويد والأخرى عن ريادة الأعمال

تبيّن داود "في تلك اللحظة، بدأت العمل على الموضوع، وكان بمثابة الأمل بالنسبة لي. وعلى الرغم من كل الصعوبات والتجارب التي مررت بها، كنت واثقة من أن شخصاً آخر في مكان آخر يعاني منها".

أعدّت خطة عمل مفصلة وبدأت العمل مع مطوري البرمجيات وعلماء النفس لبناء المنصة. وتم إطلاق الشركة بعد عامين، ولديها الآن قائمة من 100 أخصائي/ة نفسي/ة يقدمون جلسات علاجية عبر الإنترنت باللغات التركية والعربية والكردية والإنكليزية.

وفي حين أن هناك من يستطيع تحمل تكاليف الجلسات الفردية أو الجماعية، يمكن للفئات الضعيفة مثل اللاجئين الوصول إليها مجاناً.  

ونظراً لتفانيها في تقديم الدعم الصحي النفسي للاجئين وغيرهم من الناجين من الصدمات، تم اختيار  داوود كفائزة إقليمية بالجائزة فئة أوروبا.

تعلّق داود على فوزها "ردود الفعل من المستفيدين من خدماتنا هي أكبر مكافأة بالنسبة لي، ولكن الفوز بهذه الجائزة له معنى كبير، فهو يمنحني الدافع والشجاعة لمواصلة هذا العمل".