إدلب تتعرض باستمرار لغارات جوية - صورة أرشيفية.
إدلب تتعرض باستمرار لغارات جوية - صورة أرشيفية.

ذكرت وكالة إنترفاكس الروسية، في وقت متأخر الأحد، نقلا عن نائب رئيس مركز المصالحة الروسي في سوريا أن "القوات الروسية قتلت 34 مقاتلا وأصابت أكثر من 60 في ضربات جوية على أهداف في محافظة إدلب" السورية.

ونقلت إنترفاكس عن الأميرال، فاديم كوليت، قوله تعليقا على الهجوم الذي وقع السبت "نفذت القوات الجوية الروسية ضربات جوية في محافظة إدلب على أهداف لجماعات مسلحة غير قانونية متورطة في قصف مواقع قوات الحكومة السورية".

وقال كوليت إنه خلال 24 ساعة، تعرضت مواقع القوات الحكومية السورية للهجوم سبع مرات.

ولم تتمكن وكالة "رويترز" من التحقق بشكل مستقل من التقرير الروسي.

ويتهم الجيش السوري مقاتلي المعارضة، الذين يقول إنهم متشددون إسلاميون، بشن هجمات على المناطق التي تسيطر عليها الحكومة في محافظتي إدلب وحلب، وينفي القصف العشوائي للمناطق المدنية الخاضعة لسيطرة المعارضة.

ويقول مسؤولو المعارضة إن موسكو ودمشق تستغلان انشغال العالم بالصراع في غزة لتصعيد القصف على منطقة يقطنها أكثر من ثلاثة ملايين نسمة يرفضون العيش تحت حكم رئيس النظام السوري، بشار الأسد.

وكرر كوليت الاتهامات الروسية بانتهاك طائرات التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة المجال الجوي السوري، قائلا إن عددا من الطائرات والطائرات المسيرة حلقت دون تنسيق مع الجانب الروسي.

والأحد، قال وزير الدفاع الأميركي، لويد أوستن، إن القوات الأميركية نفذت "ضربات جوية على الحرس الثوري الإيراني وجماعات متحالفة مع إيران ردا على هجمات على جنود أميركيين في العراق وسوريا.

وأضاف أوستن أن "الضربتين استهدفتا منشأة تدريب ومنزلا آمنا قرب مدينتي البوكمال والميادين".

وتابع أن "الرئيس (جو بايدن) ليس لديه أولوية أهم من سلامة الجنود الأميركيين، وأصدر أمرا بشن هجوم اليوم لتوضيح أن أميركا ستدافع عن نفسها وجنودها ومصالحها".

وقتل عنصر وأصيب 3 آخرين من الميليشيات الموالية لإيران، في حصيلة أولية للضربات الجوية الأميركية على الميادين والبوكمال بريف دير الزور، والعدد مرشح للارتفاع نتيجة وجود حالات خطرة ومفقودين، وفق "المرصد السوري لحقوق الإنسان".

ونفذ الطيران غارة واحدة استهدف خلالها منصة إطلاق صواريخ في مزارع الحيدرية بالقرب من مدينة الميادين، وسط معلومات مؤكدة عن وقوع قتلى وجرحى، حسبما ذكر المرصد.

ورصد المرصد السوري لحقوق الإنسان، منذ تاريخ 19 أكتوبر الجاري 29 استهدافا لقواعد "التحالف الدولي".

تحديات أمنية واقتصادية واجتماعية تواجه السوريين العائدين - رويترز
تحديات أمنية واقتصادية واجتماعية تواجه السوريين العائدين - رويترز

منذ سقوط نظام بشار الأسد قبل شهرين، تدفق آلاف اللاجئين السوريين من تركيا إلى سوريا، محملين بآمال العودة إلى وطن أكثر استقرارًا وحياة أكثر كرامة. لكن سرعان ما اصطدم الكثير منهم بواقع أشد قسوة مما توقعوا، فتحول الحلم إلى عبء ثقيل يصعب احتماله.

وكشفت البنية التحتية المدمرة، والأوضاع الاقتصادية الخانقة، وانعدام الأمن عن تحديات هائلة جعلت التأقلم شبه مستحيل بالنسبة إلى قسم كبير من العائدين.

وبينما فقد بعضهم حق العودة إلى تركيا، بدأ آخرون، لا سيما من حاملي الإقامات والجنسية التركية، بإعادة النظر في قرارهم والتفكير جديًا في العودة إلى "وطن اللجوء".

في المقابل، لا تزال عائلات سورية أخرى تقيم في تركيا تترقب المشهد بحذر، مترددة في اتخاذ قرار العودة أو تؤجله مؤقتًا ريثما تتضح الصورة بشكل أكبر.

ندم وتريث

تقول السورية لجين دالاتي، 33 عامًا، المقيمة في مدينة غازي عنتاب، لموقع "الحرة": "الحياة في تركيا صعبة، نعمل لساعات طويلة وبالكاد نؤمن قوتنا ومصاريفنا، لكن فكرة العودة إلى سوريا غير مناسبة إطلاقًا ومؤجلة..".

وتتابع: "أعرف عائلات عادت، والرسائل التي تصلني منهم محبطة، لا ماء، لا كهرباء، لا فرص عمل، والوضع الأمني غير واضح".

بدوره، أعرب محمد عزام عن ندمه على اتخاذه قرار العودة من إسطنبول إلى مدينته حماة دون دراسة الأوضاع جيدًا.

وفي اتصال هاتفي من مدينته حماة، قال عزام لموقع "الحرة": "تملكني الحماس في الأيام الأولى لسقوط النظام فعدت، لكنني أدركت سريعًا فداحة القرار الذي اتخذته في لحظة حماس، وأشعر بالندم، إذ لم أجد عملًا مناسبًا، والإيجارات مرتفعة جدًا، ومقومات الحياة الأساسية مفقودة، والأسوأ أنني لا أستطيع العودة إلى تركيا بعد توقيعي على وثيقة العودة الطوعية".

فرصة التجول والمشاهدة

وشهدت تركيا، التي تستضيف ما يفوق ثلاثة ملايين لاجئ سوري، موجة عودة للاجئين بعد سقوط النظام السوري. ووفقًا لوكالة "رويترز"، فإن أكثر من 80 ألف شخص عادوا إلى سوريا منذ سقوط الأسد.

لكن بعضهم بدأ يشعر بالندم، حيث فقد 35 ألف سوري حق العودة إلى تركيا بعد توقيعهم على وثيقة العودة الطوعية في الأسابيع الثلاثة الأولى بعد الإطاحة بالنظام في الثامن من كانون الأول 2024.

وفي خطة جديدة تهدف إلى مساعدة اللاجئين في التخطيط بشكل أفضل لعودتهم، أعلنت السلطات التركية، على لسان وزير الداخلية علي يرلي كايا، عن برنامج جديد يسمح لأرباب الأسر السورية بزيارة سوريا حتى ثلاث مرات بين يناير ويونيو من هذا العام، بهدف تقييم الظروف قبل اتخاذ قرارهم النهائي بشأن العودة.

ورغم أن هذه المبادرة قد تتيح للسوريين فرصة لتفقد منازلهم ومعالجة القضايا العالقة، فإن قدري جونجورور، مدير الرعاية الاجتماعية في جمعية اللاجئين في تركيا، أشار في حديثه لوكالة "رويترز" إلى أن الحماس الأولي للعودة بدأ يتلاشى مع مرور الوقت.

ويواجه العائدون صعوبات كبرى مثل نقص التعليم والخدمات الصحية، وفقًا لجونجورور، الذي أكد أن بعض العائلات تشعر بالندم وترغب في العودة إلى تركيا بعد مقارنة ظروف المعيشة في البلدين.

وفي السياق ذاته، يقول منير المدلل، الذي يحمل إقامة سياحية في تركيا ويدير ورشة خياطة في إسطنبول، لموقع "الحرة"، إنه عاد إلى حلب بهدف نقل عمله إلى داخل سوريا، إلا أنه اختار العودة إلى تركيا مجددًا، مؤكدًا أن الوضع غير مناسب للعودة الكاملة، وسينتظر عامًا آخر ليرى كيف ستسير الأمور.

وأضاف: "الوضع لا يزال مبكرًا على تأسيس عمل في سوريا، لا أريد المغامرة وخسارة رأس مالي الذي جمعته في تركيا".

وأكّد الخبير الاقتصادي، يونس الكريم، لموقع "الحرة"، أن السوريين العائدين من تركيا إلى بلادهم يواجهون تحديات اقتصادية معقدة تجعل من الاستقرار مسألة صعبة للغاية.

ووفقًا للخبير، فإن أبرز العقبات التي تواجه العائدين تتمثل في غياب المؤسسات الحكومية القادرة على تقديم الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه، مما يجعل الحياة اليومية مكلفة وصعبة.

وأوضح أن انعدام الأسواق المنظمة التي توفر السلع الأساسية، إلى جانب غياب الرقابة التموينية، أدّى إلى حالة من الفوضى الاقتصادية، حيث يجد العائدون أنفسهم في بيئة غير مستقرة ماليًا.

وأضاف الكريم أن عدم استقرار العملة السورية يشكل عائقًا كبيرًا، إذ لا توجد آلية واضحة للشراء والتعامل المالي، مما يزيد من الضغوط النفسية على العائدين الذين يواجهون واقعًا اقتصاديًا غامضًا.

وأكّد أن الانفلات الكبير في الأسعار، سواء فيما يتعلق بالإيجارات أو الخدمات الأساسية، يضيف عبئًا إضافيًا على العائدين، حيث يواجهون تكاليف معيشية مرتفعة مقابل مداخيل محدودة.

واعتبر أن العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا تجعل الوضع أكثر تعقيدًا، حيث يفتقد الاقتصاد السوري لأي بنية مصرفية قادرة على دعم الاستثمار أو تقديم تسهيلات مالية، مما يجعل أي مشروع جديد مرهونًا برأس المال الشخصي فقط، دون دعم مالي يساعده على النمو والاستمرار.

وأكّد أن استقرار الليرة السورية، بغضّ النظر عن قيمتها، هو مفتاح أساسي لاستعادة الثقة في الاقتصاد، “كما أن إعادة تفعيل القروض والائتمانات، حتى لو كانت داخلية، سيساعد في تخفيف الأعباء المالية على المواطنين والمستثمرين، ما يتيح لهم فرصًا حقيقية للنمو الاقتصادي”.

شعور بالندم

إلى جانب التحديات الاقتصادية والأمنية، يعاني العديد من العائدين من أزمات نفسية نتيجة الفجوة الكبيرة بين تطلعاتهم والواقع الذي وجدوه.

ويقول عبد الله الناصر، الذي عاد من مدينة أورفا بداية العام الجاري إلى مدينته حمص: "كنت أظن أن العودة ستمنحني إحساسًا بالأمان الذي افتقدته لسنوات إقامتي في تركيا، لكنني الآن أشعر وكأنني فقدت كل شيء، وأنا نادم على هذه الخطوة، الحياة هنا أصعب مما توقعت، وأفكر جديًا في المغادرة، الاستقرار الذي تمنيته غير موجود، والنزاعات والتحديات الأمنية تتصاعد، والمستقبل غير واضح".

بدورها، تقول المرشدة النفسية الاجتماعية، عائشة عبد المالك، إن مشاعر الندم لدى السوريين العائدين ستكون موجودة حتمًا، وإن هذا شعور طبيعي، خاصة لدى الفئات التي خرجت من سوريا وكان عمرها صغيرًا.

وأضافت أن “الفئات التي كانت صغيرة وكبرت في تركيا، توازن اليوم ما بين الخراب الذي تراه وما كانوا يعيشونه خارج سوريا، خاصة من كانوا أطفالًا وخرجوا مع أهاليهم، الواقع مختلف حتى عما كانوا يتصورونه، فأنا عندما أنقل الحدث يختلف كليًا عمّا أعيشه داخل الحدث”.

وتوضح عائشة أن هناك اصطدامًا بالواقع يحدث اليوم لدى العائدين إلى سوريا، بالإضافة إلى العديد من الآثار النفسية المتمثلة في الإحباط والقلق ومن ثم الندم، مشيرة إلى ضرورة العمل على جلسات توعية يتم من خلالها دراسة الواقع والتحديات داخل سوريا قبل العودة إليها.

وبين الأحلام والواقع، تبدو عودة اللاجئين السوريين إلى وطنهم محفوفة بالمخاطر والتحديات، ويجد العائدون أنفسهم أمام تحديات تفوق قدراتهم، تتمثل في الأوضاع الاقتصادية الخانقة، وانعدام الخدمات، والمخاوف الأمنية.