مع دخول الاحتجاجات السلمية التي تشهدها محافظة السويداء، جنوبي سوريا، شهرها الخامس، وهي لا تزال تصر على المطالبة بإسقاط نظام بشار الأسد، وإيجاد تسوية سياسية للأزمة التي تعيشها البلاد منذ أكثر من 12 سنة، وفقا لقرارات الشرعية الدولية، فإن العديد من الأسئلة يجري طرحها بشأن مستقبل ذلك الحراك، ومدى قدرة سلطات دمشق على احتوائه والسيطرة عليه.
واعتادت ساحة "الكرامة" أن تشهد وقفات احتجاجية منذ أن اندلعت شراراة تلك الأحداث في 17 أغسطس الماضي، في حين تشهد أيام الجمعة حضور عشرات آلاف المتظاهرين من كافة أنحاء تلك المحافظة.
وكان لافتا في الأونة الأخيرة، إقدام أهالي العديد من القرى والبلدات على إغلاق مقار حزب البعث الحاكم، وتحويل بعضها إلى مراكز لتقديم العديد من الخدمات إلى سكانها.
وبحسب الباحث الأكاديمي والناشط السياسي، فايز القنطار، الذي ينتمي إلى محافظة السويداء، فإن ذلك الحراك السلمي "حقق إنجازات مهمة جدا، بعد مرور أكثر من 18 أسبوعا عليه، حيث تميز عما حدث سابقا من احتجاجات كانت تتصاعد حينا وتخبو حينا آخر. تميز الحراك الحالي باستمراريته بشكل يومي صباحا ومساء، إضافة إلى شموله معظم فئات المجتمع صغارا وكبارا، رجالا ونساء".
مشاركة فعالة للنساء
وشدد القنطار في حديثه إلى موقع "الحرة" على أن أهم ما يميز هذا الحراك هو "المشاركة الواضحة للمرأة، ودورها البارز، بالإضافة إلى مساهمة بقية مكونات المجتمع، كما لقي دعما وترحيبا كبيرين من الهيئة الدينية لطائفة الموحدين الدروز ممثلة بشيخ العقل حكمت الهجري، وشيخ العقل حمود الحناوي".
و"مشيخة العقل" في السويداء هي عبارة عن هيئة روحية وزعامة دينية متوارثة، ومنذ العهد العثماني كانت هناك 3 عائلات يتولى أبناؤها مشيخة العقل ويتصدرون رأس الهرم في الطائفة الدرزية.
وتعتبر مكانة المشايخ متوارثة، ولا يمكن أن تخرج المشيخة عن أسماء عائلات الهجري، والجربوع، والحناوي.
"ظاهرة غير مسبوقة"
من جانبه، رأى الناشط الحقوقي ورئيس شبكة "السويداء 24" الإعلامية، ريان معروف، في حديثه إلى موقع "الحرة"، أن "الحراك يعتبر ظاهرة غير مسبوقة في التاريخ المعاصر لسوريا، حيث ليس من المألوف أن نشاهد الناس يتظاهرون بشكل متواصل منذ أكثر من 123 يوما".
وتابع: "المشهد غير مسبوق، ليس لأن النظام تغيّر وبات يتيح حرية التظاهرات، بل على العكس فهو لديه أساليب قمعية وملاحقات أمنية"، لافتا إلى أن "الظروف التي تمر فيها البلاد منذ اندلاع الثورة السورية قبل نحو 12 عاما، جعلت السويداء ترفع سقف مطالبها".
وتابع:"الحراك السلمي فتح آفاقا عديدة أمام الناس، حيث أصبحوا يتظاهرون بكل حرية ويعبرون عن مطالبهم، كما تشكلت الكثير من الهيئات والأحزاب السياسية، وبالتالي يمكننا الحديث عن وجود حالة من العمل السياسي المنظم".
وبشأن مآلات الحراك، أجاب القنطار: "الاحتجاجات والوقفات ستستمر رغم ظروف الطقس الباردة في فصل الشتاء، وتواصل هذا الحراك مهم جدا لأنه يهدف إلى تحريك الشارع السوري، وهذا ما يخشاه الأسد، لأن نظامه في حالة وهن كون الظروف الاقتصادية الصعبة أصابت الحاضنة الاجتماعية القريبة جدا منه، وهي بالتالي في طور التفكك".
واستطرد: "بناء على ذلك، فإن المتظاهرين في السويداء يأملون بانضمام بقية أبناء المحافظات التي لا تزال تحت قبضة تلك السلطة الأمنية الأسدية".
وشدد القنطار على أن "النظام حاول بشتى السبل خلق الانقسامات، بيد أن المجتمع الأهلي كان يحتوي أي مخططات تهدف إلى ذلك، وقامت الهيئة الدينية مع العديد من وجهاء المحافظة، بدور كبير في ذلك، وبالتالي فإن الحرص الشديد على سلمية الحراك وعدم الاستجابة إلى أي استفزازات، أهم ما يميز تلك الفعاليات والأنشطة الشعبية".
وأضاف: "بناء على ما سبق، لا توجد أي أخطار على الحراك، لأن المجتمع بكافة فئاته يقف معه إلى أبعد الحدود، ولذلك من المستبعد حدوث قتال واشتباكات أو عنف كما حدث في بعض المحافظات الأخرى".
وعن خيارات السلطة الحاكمة في دمشق لاحتواء الحراك، أجاب القنطار: "لا أعتقد أن نظام الأسد قادر على فعل ذلك، فقد استخدم كل الأساليب الممكنة، كما أنه لن يجرؤ على استخدام القوة، لأنه يعلم يقينا أن ذلك سيكون بمثابة ضربة قاضية بالنسبة له، لأن السويداء منيعة وعصية، ولها تاريخ حافل بمواجهة إمبراطوريات كبرى واحتلالات غاشمة رغم عدم توازن القوى في معظم الأحيان".
وزاد: "النظام في حالة ضعف، وميليشياته مفككة إلى أبعد حدود، مما سيمنعه من محاولة استخدام الحل الأمني كما فعل في بقية مناطق البلاد، وبالتالي فهو يراهن على تعب المتظاهرين، على أمل أن يعودوا إلى بيوتهم مع قدوم فصل الشتاء".
لكنه، بحسب القنطار، "رهان خاطئ". وأوضح قائلا: "السويداء خرجت من القمقم ولن ترجع إليه وشعبها ماض نحو الحرية، وفي حال تبلور توافق مع محافظتي درعا والقنيطرة المجاورتين وريف دمشق، فقد تقوم هذه المنطقة بإدارة شؤونها، ومع ذلك فإن أهل السويداء لا يرغبون في ذلك، لأن سوريا الآن متشظية ولا تحتاج إلى المزيد من التشظي، فهناك 4 سلطات أمر واقع في مختلف أنحاء البلاد".
وأردف: "نخشى أن يتحول الجنوب السوري إلى سلطة أمر واقع جديدة، وهذا ما لا يرغب به الناس، فنحن نصر على الاستمرارية لطي الصفحة السوداء لهذا النظام الذي أوصل البلاد إلى درجات مأساوية من الانقسام والجوع والفقر وانعدام مقومات العيش".
احتمالات مفتوحة
أما معروف، فيرى أن "كل الاحتمالات مفتوحة أمام مستقبل الحراك، وبالتالي فإمكانية تحول المشهد إلى صراع عسكري سيكون رهن برد فعل النظام".
واستطرد: "في عام 2011 كانت الاحتجاجات في سوريا قد بدأت بشكل سلمي، لكن تعامل السلطات معها بشكل عنيف وقعمي نقل التظاهرات إلى صراع دموي دمّر سوريا".
وحتى الآن، والكلام لا يزال لمعروف، "لا توجد أية رغبة لدى أهالي السويداء والمشاركين في الاحتجاجات بالتصعيد، لكن أي محاولة تصعيدية قد تحوّل المحافظة إلى جبهة لصراع عسكري، خاصة مع انتشار السلاح والميليشيات في كل مكان".
وتابع: "مع ذلك، أستبعد حتى الآن أن تنجر السويداء إلى دوامة عنف، لأن نظام الأسد على ما يبدو مدرك تماما أن تكلفة الصراع العسكري والقتل ستكون باهظة، أكثر بكثير من تكلفة تجاهل الحراك وترك الناس تتظاهر وتحتج كما تشاء".
وبشأن احتمال حدوث انقسامات سياسية واجتماعية داخل المحافظة جراء تواصل الحراك، أجاب معروف: "تلك أمور واردة في أي وقت، فحتى داخل الحراك هناك جهات وأشخاص لديهم رؤى وأفكار مختلفة، ودون أن ننكر أيضا أن ثمة شرائح لا تزال تؤيد النظام، وإن كانت محدودة بشكل واضح".
وتابع: "لكن الاختلافات لا تعبر عن انقسامات حادة تؤدي إلى مشهد سيء، بل هي أمر صحي، وبالمجمل فإن هناك رفض للأوضاع التي كانت سائدة قبل انطلاق الحراك، والدليل على ذلك أن النظام لم يستطع تنظيم مسيرة موالية واحدة له".
وختم معروف بالتأكيد على أن مواطني محافظة السويداء الذين لا يتجاوز عددهم 450 ألف نسمة، "أصبحوا يشكلون حاضنة اجتماعية قوية للحراك".