بشار الأسد يحكم سوريا منذ عام 2000
بشار الأسد يحكم سوريا منذ عام 2000

بينما كانت التكهنات و"التسريبات" تحيط باسم علي مملوك، أشهر رجالات النظام السوري الأمنية والاستخباراتية و"المنصب الجديد الذي وضع فيه"، كشفت الرئاسة السورية، قبل أيام، عن اجتماعٍ ترأسه بشار الأسد، ضم قادة الأجهزة الأمنية في الجيش والقوات المسلحة.

وكما يعرف عن النظام السوري منذ عقود، نادرا ما يتم التطرق رسميا إلى بنيته الأمنية على صعيد رجالات الأجهزة أو هيكلتها الداخلية، لكن ما حمله بيان الرئاسة أشار إلى "تغيّر ما" طرأ أو قد يطرأ لاحقا وتتخذ الاستعدادات له، إن كان ذلك لغايات إعلامية أو لغير ذلك.

وجاء في البيان أن الاجتماع الذي ترأسه الأسد "تركز حول الأثر المرتقب لإعادة الهيكلة التي تجري في المجال الأمني وتطوير التنسيق بين الأجهزة بما يعزز أداء القوات الأمنية في المرحلة المقبلة".

وكذلك تطرق إلى "تطوير أدوات مكافحة الإرهاب بعد النتائج المهمة التي تحققت خلال السنوات الماضية"، ووضع "خارطة طريق أمنية تحاكي التحديات والمخاطر الدولية والإقليمية والداخلية بما ينعكس على أمن الوطن والمواطن وأمن القوات المسلحة أيضا"، حسب تعبير "الرئاسة السورية".

وكان هذا الاجتماع الذي ترأسه الأسد الأول من نوعه أمنيا منذ سنوات، لكنه لم يكن كذلك بشأن مسارات أخرى، ومن بينها تلك المتعلقة بالبيت الداخلي لـ"حزب البعث"، الذي يترقب "انتخابات" قريبة من أجل اختيار أعضاء "اللجنة المركزية".

رئيس النظام السوري اجتمع لثلاث مرات مع أعضاء القيادة القطرية لـ"البعث"، وأطلق تصريحات عدة كان الأبرز فيها دعوته لإعادة هيكلة داخلية في الحزب لمواكبة المرحلة أيضا، وتجاوز "سلبيات التجربة الماضية".

ما الذي يريده بشار الأسد من وراء "إعادة الهيكلة الحزبية والأمنية" التي بات الحديث عنها رسميا؟ ولماذا تتخذ هذه الخطوة في التوقيت الحالي ومع قرب دخول الحرب في سوريا عامها الـ13؟

موقع "الحرة" تحدث مع عميد أمني بارز منشق عن النظام وخبراء أمنيون وعسكريين ومحللين سياسيين، وبينما اتفقت قراءاتهم على جزئيات ترتبط بالسياق والمرحلة، تباينت الأسباب التي استعرضوها بشأن الغاية والهدف.

"داخل فضاء مغلق"

ولا تلوح في أفق سوريا، بعد 13 عاما من الحرب، أي بادرة للخروج من الركود السياسي والعسكري والمعيشي الحاصل، وعلى العكس تبدو البلاد داخليا ممزقة بين 4 مناطق نفوذ.

ورغم أن الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، دائما ما تطالب بالدفع بخطوات الحل السياسي بموجب قرار مجلس الأمن 2254 يقابل النظام هذا المطلب باستجابة "صفرية"، مع تأكيده بالتوازي على فكرة "الانتصار" ومواصلة "الحرب على الإرهابيين".

ولم يفرج النظام السوري عن أي معتقل سياسي زج بالمعتقلات منذ 2011، ولم يستجب أيضا للمطالب الدولية بالكشف عن المختفين قسريا والضحايا تحت التعذيب، ومن جهة سياسته الأمنية لا يزال المسار السابق الذي يمضي عليه قائما، رغم تبدل الوجوه والأسماء.

ويعتقد الباحث المتخصص في العلاقات العسكرية المدنية بمركز "عمران"، محسن المصطفى، أن إعادة الهيكلة التي يدور الحديث عنها و"التغييرات" لا ترتبط بالمبادرة العربية التي تصدّرت المشهد السوري منذ بداية العام الماضي.

وبالتالي يقول المصطفى لموقع "الحرة" إن "النظام السوري لا يسمح لأحد أن يتدخل بهياكل أجهزته الأمنية".

وفي أي بلد يشهد حالة صراع يعيد نظام الحكم في مرحلة ما دراسة "نقاط القوة ونقاط الضعف" التي تكشفت على مر السنين.

ولذلك يضيف الباحث السوري أن "ما يحصل الآن هو حالة طبيعية".

وقد يكون مرتبطا بمحاولة النظام الاستفادة من "دعوات الإصلاح" سواء العربية أو الغربية من أجل رسم صورة خاصة به ومناسبة "تساعده في ضبط الشارع أكثر وبقوة أكبر"، وفق ذات المتحدث.

وبدا واضحا من حديث رأس النظام أمام "اللجنة المركزية" للحزب الحاكم أواسط شهر ديسمبر الماضي أنه "يبحث عن أفق جديدة ولكن داخل فضاء مغلق"، كما يوضح الكاتب والمحلل السياسي، حسن النيفي.

النيفي يعتقد أن "الأسد يريد أن يوحي للآخرين بأنه يقوم بخطوات إصلاحية على المستوى الإداري والأمني"، ويزعم أيضا أن "ما يقوم به سوف يكون له انعكاسات مجدية على مستوى الإدارة ومنع الفساد أو تقليصه".

لكن المحلل يشير إلى أن "الوقائع تؤكد أن مجمل ما قام به النظام لا يتجاوز عملية اللعب بتبديل المواقع، مع الحفاظ على الأداء الوظيفي السابق من حيث النوع".

"جواكر أمنية"

ولم يوضح النظام السوري رسميا ماهية التغييرات الأمنية التي أجراها، رغم أنه أعلن رسميا عن إعادة الهيكلة.

لكن في المقابل ذكرت وسائل إعلام روسية، وحسابات موالية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أن الأسد عيّن رئيس الاستخبارات العسكرية السورية السابق كفاح ملحم رئيسا لمكتب الأمن الوطني السوري خلفا لعلي مملوك.

وأضاف أيضا أن كمال حسن تولى إدارة الاستخبارات العسكرية السورية خلفا لملحم.

ويوضح علي الجاسم، وهو باحث مختص في الجماعات شبه العسكرية، أن المعيار الأهم بالتغييرات الأمنية في سوريا "هو نوعية الخدمات التي قدمها الأشخاص في مواقع معينة".

ويقول لموقع "الحرة" إن "كفاح ملحم كان الجوكر بكل مكان يضعه به بشار الأسد"، وذلك بدءا من 2012 في حلب ونهاية ذات العام في اللاذقية.

ومن ثم إلى فرع المعلومات بدمشق في 2015، واللجنة الأمنية بالمنطقة الجنوبية، قبل تعيينه في منصب مملوك.

الجاسم يضيف أن "أي تنازل من جانب النظام السوري يعتبره مقدمة لتنازلات ولتفكيك هيكلية"، ولذلك لا يخوض في هذا المسار "تفاديا لاحتمالية زواله".

ويؤكد الباحث المصطفى أن "الوجوه الأمنية الجديدة ليست أفضل من القديمة".

ورغم أن مملوك لديه خبرة أمنية أوسع على مستوى الملف الخارجي، لملحم مسيرة أمنية واستخباراتية طويلة في الجيش وشعبة المخابرات العسكرية.

وعلى صعيد الخطوات المتعلقة بالحزب الحاكم، يتابع الباحث السوري، أن النظام يريد من خلالها أن "يكون حزب البعث أقوى، لأنه الأداة السياسية التي يصدرها كواجهة للطائفية التي يتمتع بها".

3 أهداف

ويعتقد العميد المنشق عن النظام السوري نبيل الدندل الذي كان رئيسا ومديرا لفرع "الأمن السياسي" في مدينة اللاذقية أن خطوات "إعادة الهيكلة" المعلنة من جانب النظام أمنيا وحزبيا تستهدف تحقيق 3 مآرب.

ويستعرضها الدندل كالتالي: الأول تحميل ما جرى في سوريا لأشخاص بعينهم، وكمقدمة لتبييض صفحة جرائمه.

الثاني: أنه يريد إرسال رسالة للداخل والخارج بأنه "بدأ عملية إصلاح شاملة".

الثالث: بأن "سوريا تعافت من الإرهاب وبدأت بمرحلة بناء البلد".

العميد المنشق يشير من جانب آخر إلى أن "أغلب التغييرات تتم بإيحاءات إيرانية روسية وليست بقرار من بشار الأسد".

ويضيف أن "رئيس النظام السوري يحاول التهرب من الاستحقاقات بإجراء بعض الرتوشات الحزبية والأمنية".

ويختلف المحلل السياسي المقيم في موسكو، محمود الفندي بفكرة العميد المنشق، ويوضح لموقع "الحرة" أن "إعادة الهيكلة تستهدف إعادة السلطة الكاملة للقصر الجمهوري".

الفندي تحدث عن "سلطة خرجت خلال السنوات الماضية لصالح أجهزة أمنية بعينها وأجهزة استخبارات ترعاها حتى بدأنا نرى دولا داخل دولة".

ويضيف: "هناك خلل بجهاز السلطة يجب إصلاحه لإعادة سلطة القصر الجمهوري وهو ما يتم حاليا".

ومن المقرر أن تتم "إطاحة رؤوس كبيرة في المرحلة المقبلة، إن كان في حزب البعث أو الأجهزة الأمنية"، وفق الفندي.

ويتابع أن ما يجري "بمساعدة روسيا"، وأنه "أمر طبيعي كون الحرب توقفت ولا توجد مؤشرات على اشتعالها كما حالة 2011".

"متغيرات"

ولا يمكن فصل ما يجري من جانب النظام عن "متغيرات" يراها الباحث السوري علي الجاسم "مهمة جدا"، بينها دولية وإقليمية تفرضها الحرب في غزة.

أو معطيات أخرى تتعلق "بطلبات" الدول العربية، وبالتحديد دول الخليج، على رأسها المملكة العربية السعودية.

ومع ذلك يشير الجاسم إلى أن "النظام لم يعترف بالعلن بتاريخه بارتكابه أي خطأ يستلزم إعادة التقييم".

حزبيا، ورغم إلغاء المادة الثامنة من الدستور التي تنص على أنه "الحزب القائد في المجتمع والدولة" عمّل النظام السوري منذ 2012 على "تمكين البعث بشكل أكبر".

وجعله أيضا، حسب الباحث "نواة تعبئة وحشد لرفد صفوف القوى الأمنية والجيش في معاركه ضد الشعب السوري".

ويوضح الجاسم أن دعوة بشار الأسد لتغيير آلية الانتخابات في الحزب هي محاولة "للهروب للأمام، لأن العرف الذي كان البعث قائما عليه هو التعيين فقط بعد رفع مقترحات للقيادة القطرية".

ويحاول النظام أيضا "إلقاء اللوم على ما يسميها (القواعد الشعبية)، وإيصال فكرة أنه لم يعد يتحمل المسؤولية في مقابل رمي المهمة على المواطنين".

أمنيا يقول الباحث السوري إن "الوجوه التي يجلبها الأسد الآن هي من جيله الذي يختلف عن السابق" أو كما يسمى بـ"الحرس القديم".

"هذان الجيلان هما اللذان ربيا الأسد أمنيا"، ويعتقد الجاسم أن "الخطوات المعلن عنها قد تكون تمهيدا لدور مستقبلي لابنه حافظ وتعبيد الطريق له، وفي حال ظلّ الوضع على ما هو عليه".

ومن جانب آخر يرى الكاتب والمحلل السياسي، حسن النيفي أن "التغييرات الإدارية التي طالت الأفرع الأمنية من جهة الدمج وتغيير المهام الغاية منها بحث رأس النظام عن الطرق التي تحول دون أي اختراق أمني لمنظومة السلطة التي باتت مستهدفة من المحاكم العالمية".

وبالمجمل "يمكن التأكيد على أن بشار الأسد لا يملك خيارات أخرى لأن بنيته الأمنية لم تتغيّر ولا يستطيع تغييرها باعتبارها الضامن لاستمراره في الحكم"، وفق النيفي.

ويضيف: "هو لن يستطيع استبدال السيء إلّا بأسوأ منه، لأن المعايير التي يعتمدها ليست معايير مهنية بقدر ما هي معايير الولاء للسلطة ولا شيء غير ذلك".

وعلاوة على ما سبق، يوضح الكاتب، أن "حاكم دمشق، وفضلا عن حاجته الأمنية لتلك التغييرات التي أجراها، ربما يريد أيضا إيهام الرأي العام الداخلي والخارجي بأنه يقوم بخطوات إصلاحية من شأنها امتصاص النقمة المحلية والدولية على نظامه".

إسرائيل تحتل مرتفعات الجولان السورية منذ حرب يونيو 1967
إسرائيل تحتل مرتفعات الجولان السورية منذ حرب يونيو 1967

أكد الجيش الإسرائيلي، الخميس، أنه نفذ غارتين جويتين في جنوب سوريا وقضى على عنصر في حزب الله اللبناني.

وقال الجيش في بيان إن إحدى الغارتين استهدفت "منطقة القنيطرة"، ما أسفر عن مقتل العنصر في حزب الله أحمد الجابر، فيما استهدفت ضربة ثانية "في منطقة الرفيد في جنوب سوريا، إرهابيا مارس أنشطة إرهابية ضد دولة إسرائيل وعمل بتعاون وتوجيه من إيران".

وكان المرصد السوري لحقوق الإنسان المعارض أفاد في وقت سابق بأن سوريين يعملان مع حزب الله اللبناني في سوريا قتلا جراء ضربة جوية إسرائيلية على محافظة القنيطرة في جنوب البلاد.

وقال المرصد في بيان "استهدفت غارة جوية إسرائيلية سيارة شرق بلدة خان أرنبة على طريق دمشق - القنيطرة ما أدى لمقتل شخصين، أحدهما شخصية عسكرية، كانا بداخلها وتدمير السيارة".

وأوضح المرصد أن أحد القتيلين "يعمل مع حزب الله اللبناني ومسؤول عن عمليات تجنيد السوريين في المنطقة لصالح الحزب وعن عمليات نقل السلاح"، والآخر مساعده، مضيفاً انهما يتحدران من "قرية العشة بريف القنيطرة".

وأكدت وكالة الأنباء السورية الرسمية "سانا" مقتل مواطنين "جراء عدوان إسرائيلي عبر طائرة مسيرة استهدفت سيارة مدنية بصاروخ عند المدخل الشرقي لبلدة خان أرنبة على طريق دمشق القنيطرة".

وأفاد مصدر أمني محلي وكالة فرانس برس عن "انتشال جثتين متفحمتين" من السيارة المستهدفة.

وجاءت الضربة الخميس بعد أيام على غارات نُسبت إلى إسرائيل وأودت ب18 شخصا في محافظة حماة (وسط)، وفق السلطات السورية.

وقال المرصد من جهته إن 27 شخصا، بينهم ستة مدنيين، قتلوا في تلك الغارات التي استهدفت "مركز البحوث العلمية" ومواقع أخرى في منطقة مصياف. وأشار إلى أنه يتم تطوير "صواريخ دقيقة ومسيرات" في المركز الذي يضم خبراء إيرانيين.

ومنذ بدء النزاع في سوريا عام 2011، شنت إسرائيل مئات الضربات الجوية مستهدفة مواقع لقوات النظام وأهدافا لحليفيه إيران وحزب الله، لكن نادرا ما تؤكد إسرائيل تنفيذ هذه الضربات.

وتزايدت الضربات الإسرائيلية على سوريا منذ بدء الحرب بين إسرائيل وحماس في قطاع غزة في السابع من أكتوبر، في أعقاب شن الحركة الفلسطينية هجوما غير مسبوق على جنوب إسرائيل.

وإن كان حزب الله أعلن فتح "جبهة إسناد" لغزة من جنوب لبنان ضد إسرائيل، فإن سوريا تحاول البقاء بمنأى من التصعيد الإقليمي، لكن حزب الله اللبناني وفصائل أخرى موالية لإيران تنفذ أحيانا هجمات ضد مواقع إسرائيلية في هضبة الجولان انطلاقا من سوريا.

وتحتل إسرائيل مرتفعات الجولان السورية منذ حرب يونيو 1967، وأعلنت ضم أجزاء واسعة منها مطلع ثمانينات القرن الماضي. ولم يعترف المجتمع الدولي بهذه الخطوة، باستثناء الولايات المتحدة في 2019.