الجيش السوري الحر
صورة أرشيفية لعناصر من الجيش السوري الحر (تعبيرية)

رغم أن المواجهات التي تندلع بين الفصائل العسكرية في شمال سوريا ليست جديدة وتكررت لأكثر من مرة خلال السنوات الماضية، فإن الحادثة التي شهدتها مدينة مارع بريف حلب، ليل الخميس، حملت ملابسات "استثنائية"، كونها أخرجت إلى العلن ملفات "فساد" صادمة.

والحادثة كان مسرحها البيت الداخلي لما تعرف باسم "فرقة المعتصم" التابعة لـ"الجيش الوطني السوري" المعارض.

وتمحورت المواجهة فيها بين طرفين، الأول هو القائد العام، المعتصم عباس والفريق الموالي له، والثاني هو المجلس العسكري وقادته، ومن أبرزهم مصطفى سيجري وعلاء الدين أيوب الملقب بـ"الفاروق أبو بكر".

وفي التفاصيل، نشر "المجلس العسكري" في ساعة متأخرة من ليل الخميس بيانا، أعلن فيه "عزل القائد المعتصم عباس وتجريده من جميع الصلاحيات العسكرية والأمنية والإدارية"، وإحالته للتحقيق الداخلي بتهمة "الخيانة والفساد وإساءة استخدام السلطة وسرقة أموال الثورة والمال العام".

ونص البيان أيضا على إحالته مع 4 آخرين من أقربائه إلى التحقيق الداخلي، مع الشروع بمصادرة جميع الأموال والممتلكات والأراضي والعقارات العائدة لهم، والمسجلة بعد عام 2011.

ولم تمر مثل هذه الخطوة دون تبعات، حيث اندلعت اشتباكات محدودة بين الطرفين المتصارعين، أسفرت عن إصابة قائد الفرقة واعتقاله ومقتل أخيه، وإصابة آخرين من الفريق التابع له.

وبعدما أشار بيان منفصل آخر إلى تسليم المعتقلين لقيادة "الجيش الوطني"، ذكر نشطاء وصحفيون لموقع "الحرة"، أن "قائد الفرقة نقل إلى أحد مستشفيات المنطقة بعد إصابته، في حين لا تزال حالة التوتر سائدة" حتى نشر هذا التقرير.

"أكبر ملف فساد مالي"

وتعتبر "فرقة المعتصم" من أبرز الفصائل المنضوية ضمن تحالف "الجيش الوطني السوري" المدعوم من تركيا، ويتركز نفوذها بالتحديد في مدينة مارع بريف حلب الشمالي.

وكانت قد عاشت قبل أشهر حالة توتر بين الجناحين المتصارعين الممثلين بقائدها وقادة "المجلس العسكري"، بسبب ملفات فساد مالية.

ووصلت المجريات إلى نقطة الانفجار بعد وصول معلومات لكل طرف عن نية الأول تحييد الثاني.

وفي بيان عزل "القائد العام"، ذكر القيادي في الفرقة العسكرية، مصطفى سيجري، أن القرار اتُخذ بعد "اكتشاف أكبر ملف فساد مالي وأخلاقي في تاريخ الثورة السورية، تورط فيه المدعو أبو العباس (المعتصم) وإخوته". 

واعتبر أن القائد العام "حوّل الفصيل من عسكري ثوري إلى شركة تجارية أمنية خاصة بعائلته في مارع"، كما بنى "ثروة وإمبراطورية مالية هائلة من خلال تهريب وبيع شحنات ضخمة من الأسلحة أميركية النوعية، والأسلحة والذخائر الروسية من سوريا إلى ليبيا، وتقدر بملايين الدولارات".

واتهم قائد الفرقة أيضا بـ"إخفاء وسرقة كامل العائدات المالية الخاصة بالفصيل، وتقدر بملايين الدولارات".

إضافة إلى "نهب وسرقة رواتب المقاتلين القادمة من تركيا، والمخصصات الشهرية من المعابر الداخلية والخارجية والمشاريع الاقتصادية، وتقدر بمئات الآلاف من الدولارات شهريا".

كما أن القائد العام "انتهج سياسة الكسب غير الشرعي من خلال نقاط التهريب في مارع وعفرين ورأس العين، تتضمن إدارة شبكات تهريب البشر والمواد الممنوعة ومشاريع التنقيب عن الآثار، التي تقدر بملايين الدولارات شهريا".

ولم يصدر أي بيان رسمي من الفرقة العسكرية ككل بشأن ما شهده بيتها الداخلي ليلا. 

ومع ذلك، نشر مقربون من "المعتصم عباس" تسجيلات صوتية له عبر تطبيق "واتساب" و"تلغرام"، رد فيها على ما وُجه له من اتهامات.

وبعدما وصف المنقلبين عليه بـ"الغدارين"، قال إنهم "كاذبون"، مهددا بعدم ضياع "دم أخيه" الذي قتل.

وأضاف أنه احتُجز لأربعة ساعات ثم خرج، مردفا: "غدروا بي (سيجري وعلاء الدين أيوب).. لكي يستلموا القيادة".

اتهامات "التعامل مع النصرة"

وهذه ليست المرة الأولى التي تشهد فيها فصائل ريف حلب صراعات داخلية، إذ سبق أن وثقت منظمات حقوقية وتقارير صحفية، اشتباكات راح ضحيتها في غالب الأحيان مدنيون.

تنظيم داعش يشن هجمات من آن لآخر على قوات النظام السوري
طرقات البادية السورية.. لماذا يقع النظام دائما في "المصيدة"؟
يكاد لا يمر أسبوع دون إعلان النظام السوري سقوط قتلى له على يد "داعش" في منطقة البادية السورية، ومع توثيق "المرصد السوري لحقوق الإنسان" 275 عنصرا قتلوا منذ بداية 2024، تثار تساؤلات عن أسباب وقوعهم في كل مرة بـ"المصيدة"، كما يطلق عليها خبراء

وتباينت تعليقات مراقبين وخبراء عبر مواقع التواصل الاجتماعي بشأن ما حصل.

ففي حين أن هناك من اعتبر الحادثة والمواجهات أنها "بدوافع انقلابية"، كتب آخرون أنها تندرج في إطار "تصحيح المسار العسكري"، يأتي كشف ملفات الفساد كخطوة أولى منها.

وفي إحدى التسجيلات الصوتية التي استمع إليها موقع "الحرة"، قال القيادي علاء الدين أيوب، الملقب بـ"الفاروق أبو بكر" ،إن قائد الفرقة العسكرية قد حوّل الفصيل إلى "شركة استثمار".

ووُجه له اتهام يتعلق بالتنسيق مع "جبهة النصرة" (هيئة تحرير الشام حاليا) للتوغل في مناطق ريف حلب الشمالي، خاصة أن نفوذ الأولى يقتصر على محافظة إدلب فقط، وتصنف على قوائم الإرهاب.

وأضاف: "المعتصم عباس حاول  التنسيق مع تحرير الشام لاغتيال قادة عسكريين من مارع، وكنا نقف ضده في هذا الموضوع".

لكن "القائد العام" نفى هذه الاتهامات، وأضاف أنه تفاجأ بعد وصوله إلى مبنى الفرقة برفقة مسؤول في "الحكومة المؤقتة" المعارضة، باقتحام عناصر للمبنى وإطلاق النار عليه وإصابته في يده، وإصابة شقيقه، الذي قتل فيما بعد متأثرا بجروحه.

"المال جذر المشكلة"

ويسيطر تحالف "الجيش الوطني السوري" على مناطق واسعة في ريف حلب الشمالي والشرقي. كما يسيطر على جيب في شمال شرق البلاد، يمتد بين مدينتي رأس العين وتل أبيض بريف محافظة الرقة.

ورغم أنه يبدو من الخارج كتحالف عسكري موحد، غالبا ما تندلع مواجهات بين فصائله العسكرية لعدة أسباب، لم تخرج عنها نوايا الاستحواذ وبسط النفوذ على صورة أكبر. 

ويرى الباحث السوري في مركز "جسور للدراسات"، وائل علوان، أن "المشكلة التي اندلعت في فرقة المعتصم داخلية بحتة".

وتعود جذورها إلى شهور مضت، عندما اطلع القيادي سيجري وقادة آخرون على الكشوفات المالية الخاصة بالفصيل العسكري، ومصاريف الكتلة المالية.

وفي السابق لم يكن متاحا للقيادي المذكور اتخاذ مثل هذه الخطوة، حيث كانت محصورة على القائد العام المعتصم عباس وإخوته.

ويضيف علوان لموقع "الحرة"، أن الشرخ بدأ عندما بدأ التلميحات بشأن وجود فساد مالي، وأن الفرقة تعيش في ضنك وقلة بينما قادتها في وادٍ آخر".

ورغم المبادرات الداخلية والخارجية بقيت حالة التوتر قائمة، بسبب رفض القيادة العامة الشروط التي وضعت بعد تحسس حالة الفساد الموجودة.

ويشير الباحث إلى أنه وحتى الآن لا يعرف إلى أين ستتجه الأموال.

ويوضح أن "المزاج لدى قادة الفصائل لا يتفاعل بشكل كبير مع هذا النوع من تصفية الخلافات الداخلية، أي من مبدأ الانقلاب وفرض الشفافية المالية، والذهاب لفرض النموذج الثوري".

كما يتابع بالقول: "توجد خشية أيضا من أن يكون هناك حل لا يكبح المشكلة، بل يزيد من تداعياتها، ويؤدي إلى شرخ أكبر على المستوى الفصائلي والمجتمعي".

مقاتلون تابعون للإدارة السورية الجديدة في شوارع مدينة اللاذقية

انتشرت مقاطع فيديو عبر مواقع التواصل الاجتماعي، الخميس، توثق قيام عناصر أمنية في محافظة اللاذقية بالقبض والاعتداء على عدد من العابرات جنسيا. الفيديوهات، التي تم التحقق منها من قبل موقع "الحرة"، يتحفظ عن إعادة نشرها لخصوصية الضحايا. 

وفي مقابلة مع موقع "الحرة"، أعربت منظمة "سين للعدالة الجنسية والجندرية"، وهي منظمة محلية غير حكومية تعمل في مجال قضايا مجتمع الميم عين السوري، عن قلقها من تصاعد الانتهاكات التي تستهدف هذا المجتمع.

 وأكدت المنظمة أن الأيديولوجية العنيفة ضد المثليين/ات والعابرين/ات سواء من قبل الأفراد المسلحين أو الحكومة الحالية، مستمرة بشكل متصاعد منذ سقوط النظام، وأن بعض الفصائل المسلحة المعارضة مارست انتهاكات ضد أفراد منهم منذ عام 2013.

وقالت المنظمة أيضاً: "الانتهاكات منتشرة في عدة محافظات، وقد وصلتنا شهادات متعددة عن حالات تعرض فيها أفراد لانتهاكات في أماكن عامة". 

كما حذرت من أن مستقبل العابرين والعابرات في سوريا يواجه تهديدات واضحة في ظل تصاعد النزعة المحافظة في المجتمع، والتي تدعم هذه الانتهاكات عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

وتابعت: "واحدة من أكبر المخاوف هي احتمال تبني الإدارة الجديدة عقوبات قاسية ومشددة، شبيهة بتلك التي شوهدت في إدلب وريف حلب الشمالي بين عامي 2013 و2015. حينها، تضمنت العقوبات إعدامات علنية مبررة بتفسيرات دينية زائفة".

وكانت منظمات حقوقية قد دعت السلطات السورية الجديدة إلى إجراء تحقيق بعد ظهور وزير العدل، شادي الويسي، حاضراً أثناء إعدام امرأتين ميدانياً، في مقطعي فيديو جرى تداولهما عبر الإنترنت، ويعود تاريخ نشرهما إلى العام 2015.

وفي هذا الصدد، أشارت المنظمة إلى تقارير سابقة من "حكومة الإنقاذ" في إدلب عام 2018 تؤكد حدوث اعتقالات وانتهاكات بحق مجتمع الميم عين.

والمخاوف المتعلقة بمصير مجتمع "الميم عين" في سوريا تمتد إلى تاريخ هذه الفصائل في فرض أحكام متشددة كالتي فرضت من قبل هيئة تحرير الشام أثناء سيطرتها على مناطق في إدلب، حيث فرضت قوانين صارمة ترتكز إلى تفسيرات دينية محافظة، وشهدت تلك الفترة تنفيذ عقوبات قاسية علنية ضد من اتُهموا بمخالفة هذه القوانين.

وبحسب من تحدث معهم موقع "الحرة"، فالقلق يرتكز على ما مارسه تنظيم داعش الذي عرف بعقوباته المتشددة، إذ أشارت تقارير حقوقية إلى أن التنظيم، الذي كان يسيطر على مناطق واسعة في سوريا والعراق، مارس خلال فترة حكمه أشد العقوبات وحشية بحق المثليين، بما في ذلك الرجم حتى الموت.

وفي عام 2015، وثقت منظمات حقوقية حالات في مدينة الموصل بالعراق والرقة في سوريا، حيث تم رجم رجال بتهمة المثلية الجنسية بعد أن أُلقي بهم من أسطح المباني أمام جمع من الناس.

وأشارت المنظمة إلى أن غياب منظومة قانونية تحمي الأفراد بغض النظر عن توجهاتهم الجنسية أو هويتهم الجندرية يزيد من حدة هذا التهديد.

وقال "الدرويش"، وهو ناشط حقوقي سوري مقيم في ألمانيا، بمقابلة مع "الحرة": "شيء مؤسف وقاهر أن أكثر فئة مجتمعية مضطهدة بين كل فئات المجتمع تصبح أكثر استهدافاً من قبل عناصر أمنية تنادي سلطتها بالحرية والأمان. هذه حرب نفسية وجسدية تتكرر بغض النظر عن أي نظام جديد".

المثلية يعاقب عليها في سوريا ضمن المادة  520 من قانون العقوبات السوري. المصدر: أ ف ب.
"هل نرجم حتى الموت؟".. أسئلة بلا إجابات عن واقع مجتمع الميم عين في سوريا
ووسط هذه الضباية والترقب، وداخل مقهى في أحياء دمشق القديمة يتجمع العديد من أفراد مجتمع الميم عين يشربون الكحول، يرقصون جنب كراسيهم، يتعارفون، ويشتكون من المستقبل الغامض الذي قد يزيد معاناتهم في دولة كان نظامها يجرّم المثلية الجنسية بقانون العقوبات.

وحالة الخوف هذه، تطرح في نفوس أفراد مجتمع الميم عين السوري العديد من التساؤلات التي كانت معظمها بلا إجابات، على حد قول من تحدث معهم موقع "الحرة".

وأضاف الدرويش: "أتمنى أن يتم توثيق هذه الاعتداءات بطريقة ما، حتى تتمكن الجمعيات الإنسانية من التدخل مع دلائل لحماية الأفراد العابرين/ات والمثليين/ات. ستكون مرحلة صعبة، لكن سوياً نحن أقوى. فرض العقوبات لتحقيق العدالة الاجتماعية لن يكون بعيد المنال".

من جهة أخرى، أكدت "سين للعدالة الجنسية والجندرية" أن الوضع الحالي يشير إلى تهديد مستقبلي أكبر لمجتمع الميم عين في سوريا إذا استمرت هذه الانتهاكات في التصاعد، مشيرة إلى أن المجتمع الدولي يجب أن يتحرك لحماية حقوق الأفراد في سوريا بغض النظر عن هويتهم الجندرية أو توجهاتهم الجنسية.

هذا ولم يصدر حتى الآن أي بيان رسمي من الإدارة الجديدة بشأن واقع مجتمع الميم عين في سوريا، ويقول الدرويش: "حتى في عهد النظام القديم، لم يكن هناك أي اعتراف رسمي بهذا المجتمع."

ويضيف أن المادة 520 من قانون العقوبات، التي تعود لعام 1949، ما زالت تشكل خطرًا على حريات الأفراد.. "هذه المادة تجرّم العلاقات المثلية بسجن يصل إلى ثلاث سنوات، لكنها صيغت بطريقة مبهمة تُستخدم لاضطهاد مجتمع الميم عين".