سلطت حادثة إقدام النظام السوري على اعتقال طالب جامعي من محافظة السويداء الجنوبية بـ"شكل تعسفي" الضوء على المخاطر التي قد يتعرض لها ناشطو الحراك السلمي الذي مضى على انطلاقته أكثر من 8 شهور، وفقا لمحللين ونشطاء تحدثوا إلى موقع "الحرة".
وكان الحراك السلمي في السويداء قد انطلق في 17 أغسطس الماضي للمطالبة بشكل أساسي بتطبيق القرار الدولي رقم 2254، والذي يمهد لإنهاء الأزمة الدامية التي تشهدها البلاد منذ سنوات طويلة.
وحسب "شبكة السويداء 24"، فإن مجموعات أهلية في المحافظة قد أفرجت، الخميس، عن ثلاثة ضباط من النظام السوري كان قد جرى احتجازهم ردا على اعتقال الطالب الجامعي، داني عبيد، الذي يدرس في جامعة تشرين بمحافظة اللاذقية الساحلية.
وأوضحت المصادر أن الضباط الثلاثة الذين تم الإفراج عنهم، هم: العميد ركن مازن القصاص، والعميد محمود محمد، والملازم ويس فارس.
وكانت المجموعات الأهلية قد أفرجت أيضاً عن العقيد منار محمود، رئيس فرع الهجرة والجوازات في السويداء، بعد احتجازه لبضع ساعات من صباح يوم الخميس، نتيجة تدخل وساطات عديدة في سبيل الإفراج عنه.
وجاءت تلك التطورات بعد أن داهمت عناصر أمنية تابعة للنظام حرم السكن الجامعي في اللاذقية، في شهر فبراير الماضي، لاعتقال الطالب، داني عصام عبيد، من غرفته.
وكان المحامي السوري، أيمن شيب الدين، قد أوضح في صفحته على موقع "فيسبوك"، أن داني قد تعرض للضرب المبرح أمام رفاقه، وذلك قبل اقتياده إلى فرع الأمن الجنائي في اللاذقية، ومن ثمّ إلى فرع الأمن السّياسي.
وبعدها مثل الشاب أمام قاضي التحقيق في اللاذقية، الذي أمر بتوقيفه بجرم (النيل من هيبة الدولة)، وإحالته خلال شهر من التوقيف ليحاكم في محكمة الجنايات باللاذقية.
ولفت المحامي المهتم بشؤون المعتقلين، إلى أنه كان قد جرى تفتيش هاتف الطالب الذي احتوى على تظاهرات سلمية ضد النظام، مؤكدا أن قاضي التحقيق وقاضي الإحالة قد رفضا جميع طلبات إخلاءات السّبيل (إطلاق السراح)التي قُدّمت لهما.
وفي حديثه إلى موقع "الحرة"، أوضح رئيس تحرير شبكة "السويداء 24"، ريان معروف، أن المجموعات الأهلية لا تزال تتحفظ على ضابط برتبة عقيد من مرتبات الجيش وثلاثة عناصر من مرتبات فرع أمن الدولة إلى أن يتم إطلاق سراح الطالب يوم الإثنين القادم.
وأضاف أن والدة الطالب المعتقل كانت قد تمكنت من زيارته، حيث شاهدت آثار الضرب والتعذيب على جسده، مما أثار غضبا كبيرا في محافظة السويداء، على حد قوله.
"خيار وحيد"
ورغم أن السويداء تقع في أقصى الجنوب السوري المحاذي للأردن، فإنها لا ترتبط بأي معبر حدودي كما هو الحال بالنسبة لجارتها الواقعة إلى الغرب، محافظة درعا.
وتعتبر السويداء منطقة فقيرة وغير قادرة على إقامة مشروعات مستقلة، حسب ما يقول سكان فيها، وكانت تعتمد في السابق على أموال المغتربين وحصاد المواسم الزراعية، في حين أسهمت القروض الصغيرة في تأسيس مشروعات بسيطة، خاصة قبل الاحتجاجات الشعبية التي شهدتها سوريا في العام 2011.
وبناء على ذلك يضطر الكثير من سكان تلك المحافظة إلى الذهاب إلى دمشق وغيرها من المناطق التي يسيطر عليها النظام، طلبا للرزق أو الدراسة في إحدى الجامعات، أو للعلاج، وليس انتهاء بضرورة السفر عبر إحدى المطارات في العاصمة أو حلب أو اللاذقية.
وهنا يوضح معروف أن ما حدث مع الطالب، داني عبيد "يتكرر فعلا مع أبناء محافظة السويداء في كل فترة، وبالتالي تحدث ردود الفعل نفسها من أهالي المعتقلين".
وفي نفس السياق، أوضح الناشط الحقوقي والسياسي "أبو تيمور"، المقيم في السويداء، أن "فقدان الثقة بالسلطة وبنزاهة القضاء أغلق كل أبواب الحلول القانونية والسلمية في وجه المتظاهرين مما أجبرهم على احتجاز ضباط في الجيش السوري والشرطة".
وتابع في حديثه إلى موقع "الحرة": "كان هذا الخيار الوحيد والمُتاح لإطلاق سراح اليافع، داني عبيد، الذي اعتقل بسبب مشاركة منشور في موقع فيسبوك، أي انه لم يُعتقل لارتكابه مخالفة أو جنحة".
وعن تأثير تلك الاعتقالات التي تلاحق الكثير من أبناء السويداء لدى خروجهم من محافظتهم، قال الباحث والمحلل السياسي السوري، سامر خليوي، لموقع "الحرة": "الحراك في تلك المحافظة مستمر منذ عدة أشهر رغم محاولات النظام الالتفاف عليه بكل الوسائل ومنها المحاصرة الاقتصادية، ولكنه فشل إلى حد الآن".
وشدد على أن النظام لم يستطيع "أن يفعل بالسويداء كما فعل بالمحافظات الأخرى كون معظم سكانها ينتمون إلى أقلية دينية، وبالتالي لايستطيع اتهام ابناءها بأنهم (تكفيريون وظلاميون)، خاصة وأنه يرفع شعار (حماية الأقليات)".
وزاد: "قيام النظام بأعمال مخلة بالأمن للإساءة إلى الحراك واعتقال بعض ناشطيه لم لم يوقف تلك الحركة السلمية، وذلك لسبب بسيط يكمن في أن أهالي السويداء يدركون أساليب النظام التي يتبعها في مواجهة أي احتجاج ضده".
وأما معروف، فرأى أن تكرار "اعتقال النظام لمواطنين من السويداء قبل أن ترد الفصائل المحلية باحتجاز ضباط وعناصر للنظام، يؤدي إلى أوضاع غير مستقرة قد تجر المنطقة في أي وقت إلى دوامة عنف".
وفي المقابل، أعرب خليوي عن اعتقاده بعدم حدوث مواجهات عسكرية خطيرة بين النظام والفصائل المحلية في السويداء.
وتابع: "لن يجرؤ النظام الحاكم في دمشق على قصف تلك المحافظة بالصواريخ والبراميل المتفجرة والأسلحة الكيماوية كما فعل مع مناطق أخرى في البلاد، لأنه غير قادر على إلصاق (تهمة الانضمام إلى داعش أو الإخوان) بهم".
ولفت إلى أن عوامل أخرى تمنع نظام الأسد من التصعيد في السويداء، ومنها "وضعها الجغرافي وامتداد الطائفة الدرزية إلى إسرائيل ولبنان، وكي لا يثير حفيظة الغرب الذي يدعي حماية الأقليات، وأيضًا كي لا يثبت النظام على نفسه بأنه يستهدف الأقليات ولا يحميها كما يدعي".
وتوقع الباحث السوري أنه في حال "استمر الحراك في السويداء، فقد يواجهه النظام بطرق جديدة مبتكرة بدل أن يلبي مطالب المتظاهرين المشروعة".
من جهته، أعرب الناشط أبو تيمور عن "وجود مخاوف كبيرة تتعلق بالمواطنين الذين لديهم ظروف تجبرهم الخروج من المحافظة سواء إلى دمشق أو غيرها من المناطق التي تسيطر عليها الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الحاكمة".
ومع ذلك أعرب عن اعتقاده أن "المحتجين والمحتجات متمسكون إلى حد كبير بسلميتهم رغم محاولة السلطة وأذرعها دفع الناس إلى المواجهات العسكرية".