لم تكن "المواجهات" التي عاشتها محافظة السويداء، ليلة الاثنين، بمعناها الحقيقي، بين مسلحين محليين ضد آخرين يتبعون لجيش النظام السوري، لكنها أثارت مخاوف جدية لدى سكان وناشطين من "الانزلاق إلى العنف" وكسر حالة السلمية التي تشهدها المنطقة ذات الغالبية الدرزية، منذ أغسطس العام الماضي.
وتخلل المواجهات إطلاق رصاص وقذائف من وباتجاه الأفرع الأمنية ومقار "حزب البعث"، وجاءت اندلاعها في أعقاب اتجاه جيش النظام السوري لإقامة حاجز أمني على مدخل السويداء الشمالي، مما أثار غضب سكان وناشطين معارضين، وعناصر تشكيلات محلية مسلحة.
ووفقا لشبكات إخبارية، بينها "السويداء 24"، أسفرت تلك المواجهات عن إصابات بين الجانبين، وأحدثت خسائر مادية في ممتلكات المدنيين، وقال صحفي من شبكة إخبارية أخرى (الراصد) لموقع "الحرة" إن "المواجهات" هدأت صباح الاثنين، في ظل الحديث عن "هدنة مؤقتة" و"مفاوضات".
وبدوره أوضح مدير شبكة "السويداء 24"، ريان معروف لموقع "الحرة" أنه توجد "مطالبات بضمانة الجانب الروسي لانسحاب الحاجز الأمني الذي ثبتته قوات الأسد عند دوار العنقود".
وتتضمن المطالب أيضا "عدم إنشاء أي حاجز جديد للسلطات الأمنية السورية داخل المحافظة، لانعدام الثقة بدور هذه الحواجز".
الصحفي معروف أشار، نقلا مصدر من الفصائل المحلية المسلحة، قوله إن "الحل الذي ينزع فتيل الأزمة هو إعادة كافة عناصر الحاجز الجديد إلى ثكناتهم"، وأضاف أن "عدم التجاوب مع هذا المطلب، سيفتح الباب أمام تصعيد أكبر في الساعات القادمة، يفوق ما شهدته المدينة من اشتباكات ليلة الأحد-الاثنين".
"عصيبة على المدنيين"
وتركزت مواجهات ليلة الاثنين في محيط الحاجز الجديد والمراكز الأمنية القريبة منه، بينها قسم "المخابرات الجوية" ومبنى قيادة فرع "حزب البعث".
وامتدت إلى بلدة قنوات في الريف الشمالي والشرقي، وتعرض فرع "أمن الدولة" الواقع على طريقها لعدة ضربات بالقذائف الصاروخية.
ولا يعرف حتى الآن ما إذا كان النظام السوري سيتراجع عن إنشاء الحاجز الأمني على مدخل مدينة المدينة أو قد يضطر لسحبه وإعادة نشر حاميته في مواقع أخرى، استجابة للمطالب الشعبية والمحلية.
وكانت خطوة إنشاء الحاجز الأمني جاءت بشكل مفاجئ وبالتزامن مع تواصل الاحتجاجات السلمية ضد نظام الأسد في "ساحة الكرامة" وسط السويداء، حيث يردد المتظاهرون منذ أكثر من 300 يوم شعارات تنادي بإسقاط بشار الأسد، وتطبيق القرار 2254 الخاص بالحل في سوريا.
ويقول الصحفي معروف إن "المفاوضات متواصلة في الوقت الحالي".
ويضيف أنها "إما أن تفضي لاتفاق ينهي حالة التوتر بإزالة الحاجز من مكانه وسحب العناصر إلى ثكناتهم أو قد تدخل المحافظة في دوامة عنف غير محسوبة النتائج، في حال استمر تعنت مسؤولي الأجهزة الأمنية بعدم سحب الحاجز".
وسبق أن شهدت السويداء مواجهات بين تشكيلات عسكرية مسلحة وقوات النظام السوري المتواجدة في الأفرع الأمنية وعلى الحواجز المنتشرة في المنطقة.
لكنها لم تسفر في غالبية الأحيان عن قتلى أو إصابات، وظلّت في نطاق "المواجهات عن بعد"، كما يشير الصحفي سليمان فخر العامل في شبكة "الراصد" الإخبارية.
وعلى أساس ذلك يرى فخر أن "ليلة الاثنين كانت عصيبة على المدنيين وليس على الفريقين المتضاربين"، مردفا بالقول: "انكب رصاص وقذائف وصواريخ... لكن عن بعد".
حدث "مفصلي"؟
ومنذ بداية الاحتجاجات الشعبية على نظام الأسد في السويداء اتبع الأخير سياسة عدم التعليق والتجاهل حيال ما ينادى ضده.
وكان لهذا التعاطي تفسيران: الأول أنه غير قادر على استخدام القوة والعنف نظرا لحساسية المدينة الدينية، والثاني أنه يعوّل على "ملل الشارع من تلقاء نفسه".
وعلى أساس ذلك، يستبعد الصحفي فخر أن يحصل تصعيد من جانب أي طرف في الساعات المقبلة.
ويقول إن "أهالي السويداء يريدون إزالة الحاجز الأمني لأنه نوع من القمع وتقييد الحرية، لاسيما وسط استمرارهم في المناداة بمطالب إسقاط النظام وكف أذرعه الأمنية والحزبية".
لكن الناشطة السورية المشاركة في الحراك السلمي، لبنى الباسط، ترى أن ما حصل ليلة الاثنين "سيكون مفصليا نوعا ما بالنسبة لما تشهده المحافظة منذ أشهر طويلة".
وتوضح لموقع "الحرة": "كنا ومازلنا نؤكد على سلميتنا.. لكن في المقابل نرفض محاولات نظام الأسد ترهيب السويداء".
ويسعى النظام، على حد تعبير الباسط، عبر إنشاء الحواجز العسكرية إلى "تقطيع أوصال المحافظة وحصارها وملاحقة من يقف ضد نظامه القمعي".
وتضيف: "هذا الحواجز لم تكن يوما لحفظ الأمن، بل على العكس كانت لقمع السكان وابتزازهم اقتصاديا ونشر الفلتان الأمني والسماح بعبور شحنات المخدرات".
"مخاوف من الانزلاق للعنف"
الناشطة الحقوقية، ريما فليحان تؤكد من جانبها أن "من المهم جدا عدم الانجرار إلى العنف وضبط النفس، وعدم الانجرار إلى العنف".
وبينما ترى أن "وجود الحواجز الأمنية مستفز وخطير لما يحمله من احتمالات لاعتقالات"، تقول لموقع "الحرة" إن "التصعيد نحو الاقتتال المسلح قد تكون له عواقب وخيمة في ظل انشغال العالم بملفات ساخنة في المنطقة".
وثمة مخاوف، بحسب فليحان "من استغلال النظام لما حدث، ليصعد عسكريا ويخمد الحراك السلمي الحضاري المستمر لما يزيد عن 300 يوم".
وتضيف أن "الانزلاق نحو العنف ليس من مصلحة أحد، وستكون له آثار كارثية على المحافظة".
ولا ترى الناشطة لبنى الباسط أن ما حصل ليلة الاثنين "لجوء إلى العنف.. بل إلى التهديد".
وتقول إن المواجهات "رسالة من سكان السويداء برفضهم المطلق للوجود العسكري الترهيبي لقوات الأسد في السويداء".
وفي المقابل تعتبر أن "العنف هو لغة النظام السوري"، وأن الأخير "هو من يحاول جر أي احتجاج سلمي للسلاح كما فعل في السابق".
ما المتوقع؟
وكان الحراك السلمي في السويداء، الذي انطلق في أغسطس 2023، أخذ خلال الأشهر الماضية عدة أشكال. كان اللافت منها إقدام المحتجين على تخريب مقار "حزب البعث" وحرق صور بشار الأسد، وأبيه حافظ، وصورة "الدولة الأمنية"، أو كما يصفها الموالون بـ"دولة الأسد".
وقبل مواجهات ليلة الاثنين كان محتجون بدأوا بإزالة تمثال لأخ بشار الأسد الراحل باسل الأسد، وذلك عند مدخل السويداء الشمالي أيضا.
ويشير الناشط السياسي، مشهور حمشو، إلى أن ما حصل لا يمكن فصله عما شهدته السويداء من سلسلة أحداث في الأيام الماضية، كان من بينها ترهيب المتظاهرين في "ساحة الكرامة" عن طريق رمي قنابل قبل تجمعهم للهتاف ضد الأسد هناك، وما تبع ذلك من حوادث خطف استهدفت مؤخرا رجل الدين الدرزي، رائد المتني.
ويربط حمشو، في حديثه لموقع "الحرة"، ما يحصل أمنيا من جانب النظام السوري في السويداء بالمحافظ صاحب الخلفية السيئة، الذي تم تعيينه مؤخرا.
ويقول إنه "يحاول تطبيق الحل الأمني" بينما "شبابنا يصرون على إزالة الحاجز الأمني في مدخل السويداء، وأي حاجز تفتيش آخر".
كما يضيف أن "الإدارة قوية والمرجعية الدينية الممثلة بالشيخ حكمت الهجري ممتازة.. نحنا نقف عند كرامة أهلنا ومطالبنا بالخلاص من السلطة الحاكمة.. ودائما صاحب الأرض هو الأقوى".
و"عندما يستقدم النظام السوري دبابات وأسلحة ثقلية إلى وسط مدينة السويداء لا يوجد خيار لنا سوى رفض هذا السلوك العنيف الإجرامي"، كما تتابع الناشطة، لبنى الباسط.
وتضيف: "يحاول النظام دائما استغلال الأحداث لخدمة مصالحه. هو يدعى أن الحواحز لحفظ أمن السويداء من الدواعش، ولكن الجميع يعلم كيف سهل دخول التنظيم الإرهابي إلى المحافظة عام 2018".