إردوغان يتطلع لإعادة العلاقات مع نظام الأسد (أرشيف)
.آخر دعوات إردوغان للأسد كانت على هامش مشاركته في قمة حلف شمال الأطلسي (الناتو)

لم تخلُ تصريحات الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان خلال الأيام الماضية من الدعوات المتكررة للقاء رئيس النظام السوري، بشار الأسد، ورغم أن الأخير أظهر قبل ذلك بادرة إيجابية لم يتطور موقفه إلى مستوى "الاندفاعة" التركية.

آخر دعوات إردوغان كانت على هامش مشاركته في قمة حلف شمال الأطلسي (الناتو)، حيث قال إنه وجه دعوة "للسيد الأسد"، قبل أسبوعين، لعقد اجتماع "في تركيا أو دولة ثالثة".

كما أعلن أنه أصدر توجيهات لوزير خارجيته، حقان فيدان من أجل التواصل في هذا الشأن (ترتيب الاجتماع)، ولكي يتم "التغلب على القطيعة والمضي قدما في بدء عملية جديدة".

وقبل حديثه من واشنطن دعا إردوغان الأسد مرتين، وكانت إحداها للاجتماع في تركيا، ومع ذلك لم يجب رئيس النظام السوري ومؤسساته الرسمية حتى الآن بالسلب أو الإيجاب.

لكن الأسد ذاته، والذي لطالما وصفه الرئيس التركي في بدايات أحداث الثورة السورية لأكثر من مرة بـ"القاتل"، كان قد كسر جزءا من الجمود بإعلانه مؤخرا "الانفتاح على جميع المبادرات المرتبطة بالعلاقة بين سوريا وتركيا".

وقال إن تلك المبادرات يجب أن تكون "مستندة إلى سيادة الدولة السورية على كامل أراضيها ومحاربة الإرهاب وتنظيماته"، دون أن يتطرق إلى الشرط الذي نادى به سابقا للدفع بعملية "الحوار"، والمتمثل بانسحاب القوات التركية من سوريا.

وعلى أساس ذلك، اعتبر خبراء ومراقبون في تصريحات سابقة لـ"الحرة" أن تراجع الأسد عن شرط "الانسحاب" وبصورة مبدئية يعطي دفعة لعملية "بناء الحوار" بين أنقرة ودمشق، وأن تصريحات إردوغان المتتالية بعد ذلك زادت من الزخم على نحو أكبر.

ولا يعرف حتى الآن ما إذا كان الأسد وإردوغان سيلتقيان في المرحلة المقبلة، إن كان في تركيا أو في "دولة ثالثة".

ويرى مراقبون من أنقرة ودمشق تحدثوا لموقع "الحرة" أن ما يحصل الآن على صعيد التصريحات والدعوات يصب في إطار "وضع اللمسات الأخيرة على العملية الجديدة".

ويتوقع المحلل السياسي المقيم في دمشق، غسان يوسف أن يزور وزير خارجية تركيا، حقان فيدان العاصمة السورية دمشق، من أجل "وضع خطة مفاوضات".

وفي حين يقول يوسف لموقع "الحرة" إن "المفاوضات ستجري بالفعل" يستبعد أن تكون سريعة، بالنظر إلى المشاكل والملفات العالقة بين الجانبين.

لم تخلُ تصريحات الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان خلال الأيام الماضية من الدعوات المتكررة للقاء رئيس النظام السوري، بشار الأسد.

"3 عوامل وراء الاندفاعة"

من الجانب الرسمي في تركيا ترتبط "الاندفاعة" الحاصلة نحو الأسد ونظامه في سوريا بعدة "مشاكل" تتطلب الحل.

أولها قضية اللاجئين وضرورة عودتهم إلى البلاد.

وتتمثل الثانية بـ"الخطر" الذي يشكله "حزب العمال الكردستاني" على الأمن القومي التركي و"قوات سوريا الديمقراطية" التي تراها أنقرة مرتبطة به.

في المقابل لم تنكشف حتى الآن أولويات للنظام السوري، رغم أن مسؤوليه أشاروا سابقا إلى ضرورة "وضع جدول زمني لانسحاب القوات التركية من سوريا".

وطالبوا أيضا بـ"وقف دعم الإرهابيين" وبحث آلية تصنيفهم، في إشارة إلى فصائل المعارضة التي تدعمها أنقرة في شمال سوريا.

ويعتقد الباحث في الشأن التركي، محمود علوش أنه توجد "3 عوامل قوية" تدفع مشروع "التطبيع" إلى الأمام بين أنقرة ودمشق.

ويوضح لموقع "الحرة" أن أولها يتمثل بالزخم الروسي الجديد في رعاية هذا المسار ودخول العراق على خط الوساطة.

كما أن "تركيا بحاجة إلى إشراك دمشق في استراتيجيتها الجديدة لمكافحة الإرهاب على غرار العراق"، وفق الباحث.

ويضيف علوش أيضا أن "الاندفاعة" الحاصلة لا يمكن فصلها عن "الاستعداد لتحول محتمل في الموقف الأميركي في سوريا في حال عودة دونالد ترامب للبيت الأبيض".

ومن جهته يرى الباحث السياسي التركي، هشام جوناي أن اندفاعة الرئيس التركي نحو الأسد "متعلقة بمصالح تركيا وحزب العدالة والتنمية الحاكم".

ويعتقد في حديثه لموقع "الحرة" أن ترتبط أيضا بـ"مشكلة اللاجئين والأحداث الأخيرة" التي حصلت في قيصري، وبمساعي إردوغان "للخروج من العزلة التي فرضتها مواقفه السابقة من الربيع العربي".

جوناي يوضح أن "الرئيس التركي يريد حل مشكلة اللاجئين بالتشاور مع النظام، لكي يكون هناك عودة إلى المناطق التي يحكمها".

ويعتبر أن تحركاته "مرتبطة بالتغير الذي طرأ على السياسة الخارجية التركية، للبحث عن المصلحة بدلا عن المواقف السياسية والإيديولوجية".

تركيا ترفض انسحاب قواتها من سوريا

"عوامل سياسية وإقليمية"

ويمكن أن تعزى الرغبة الملحة الأخيرة في رغبة إردوغان لمقابلة بشار الأسد إلى العديد من العوامل السياسية والإقليمية ذات الصلة بالسياسة التركية الداخلية والخارجية، كما يشير أوميت نظمي هزير وهو محلل سياسي تركي مقيم في موسكو.

ويقول إن السبب الأول هو "تزايد مشكلة الهجرة في تركيا"، وما يرافقها من ضغوط داخلية تؤكد على ضرورة معالجة هذه القضية.

وتستضيف تركيا أكثر من 3 مليون لاجئ سوري.

ويضيف المحلل لموقع "الحرة" أن "قضية الهجرة كانت قد لعبت دورا في خسارة أصوات حزب إردوغان في الانتخابات المحلية الأخيرة".

ولذلك يحتاج الرئيس التركي الآن إلى إيجاد حل دائم لهذه المشكلة، ولكي يواجه أيضا الضغوط التي يتعرض لها في السياسة الداخلية التركية.

كما أنه "من الممكن تقديم التقدم الدبلوماسي الناجح مع سوريا باعتباره إنجازا كبيرا في السياسة الداخلية"، بحسب هزير.

ومن ناحية أخرى ترتبط اندفاعة إردوغان نحو الأسد بـ"التهديد الذي تشكله وحدات حماية الشعب الإرهابية"، على حد تعبير المحلل التركي.

كما يقول إن "التغييرات في سياسة الولايات المتحدة تجاه سوريا والشرق الأوسط الأوسع يمكن أن تؤثر أيضا على استراتيجية تركيا".

وإذا ما خفضت الولايات المتحدة مشاركتها في المنطقة، فقد "تشعر تركيا بالحاجة إلى اتخاذ المزيد من المبادرات في تشكيل النتائج الإقليمية"، وفق حديث هزير.

تركيا استهدفت عدة مواقع للأكراد في شمال سوريا

ما الأصداء في دمشق؟

ومنذ بدء عملية "بناء الحوار" بين تركيا والنظام السوري في أواخر العام 2022 كانت تعليقات الأخير تذهب بمسارين.

المسار الأول على لسان وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد ومسؤولين آخرين والثاني بشكل غير رسمي عبر صحيفة "الوطن" المحلية.

ويقول المحلل السياسي المقيم في دمشق يوسف إن النظام السوري "ينظر إلى تركيا الآن على أنها في وضع صعب".

ويأتي ذلك "في ظل المنافسة الحاصلة بين المعارضة والعدالة والتنمية للتقارب مع سوريا"، بحسب حديثه.

ويضيف أن "سوريا تعرف أن حل اللاجئين والأمن والاقتصاد والسياحة في تركيا لن يتم ما لم تحل المشاكل معها"، ولذلك تتخذ موقفا ثابتا من الاندفاعة.

ويوضح الباحث في الشأن التركي علوش أن "الأسد يتطلع إلى المزايا السياسية والاقتصادية للتطبيع مع تركيا".

وفي المقابل "يسعى إلى حصد أكبر قدر من المكاسب قبل منح إردوغان ما يحتاجه"، بحسب حديثه.

من ناحية أخرى، يشير الباحث إلى أن "إردوغان جاد في رغبة التطبيع مع دمشق، ويعتقد أن مثل هذه الخطوة ستعزز مصالح تركيا في سوريا وتخلق فرصا لإنهاء الصراع بدلا من مواصلة انتظار الوقت".

كما يقول إن "قضية اللاجئين تضغط بشكل متزايد على السياسة التركية في سوريا وتشكل حافز آخر لمشروع التطبيع".

ويردف أن "أحداث قيصري الأخيرة أظهرت مخاطر انفجار هذه القضية إلى صدام بين المجتمع التركي والسوريين".

قضية اللاجئين تضغط بشكل متزايد على السياسة التركية في سوريا.

"بين 3 وسطاء"

وترعى موسكو مسار التطبيع بين دمشق وأنقرة منذ بدايته، وانضمت إليها إيران في وقت لاحق.

وتتجه الأنظار الآن إلى العراق كلاعب رابع، بعدما أبدى المسؤولون في بغداد استعدادهم لـ"الوساطة".

ويعتقد أنطون مارداسوف، وهو محلل روسي وباحث غير مقيم في "معهد الشرق الأوسط"، أن "دمشق وأنقرة لم يكن بوسعهما خلال الفترة الماضية إلا أن يردا على جهود الوساطة العراقية".

وبينما من المهم لتركيا أن تنفذ مشروع "طريق التنمية" عبر الأراضي العراقية وتواصل تنفيذ العمليات ضد "العمال الكردستاني" فإن العلاقة مع بغداد مهمة بالنسبة للأسد أيضا، ولذلك "كان عليه أن يكون مجاملا"، على حد تعبير مارداسوف.

يشير المحلل الروسي في حديثه لموقع "الحرة" إلى ثلاثة سياقات "هامة" يجب مراقبتهما في أثناء تقييم مسار التطبيع الحاصل بين أنقرة ودمشق.

ويرتبط الأول بالانتخابات الأخيرة التي كانت تستعد "الإدارة الذاتية" في شرق سوريا لتنظيمها.

والثاني بالملفات المتقاطعة بين موسكو وأنقرة وبين الأخيرة ودمشق.

أما المسار الثالث فيتعلق بالمنافسة الداخلية الحاصلة في تركيا بين الحزب الحاكم وحزب "الشعب الجمهوري" وورقة اللاجئين التي يتم سحبها الآن بصورة أكبر.

التوغلات التركية أدت إلى نزوح مئات الآلاف من الأكراد في شمال سوريا

كيف تفكر موسكو؟

ويعود المحلل الروسي إلى الوراء قليلا ويقول إنه من المهم "فهم الاختلافات بين الانتخابات التي أجرتها الإدارة الذاتية الكردية في شمال سوريا عام 2017، وتلك التي تخطط لها الآن".

ويوضح أن "جوهر الوضع الحالي هو أن حكومة الأسد، مستغلة العودة إلى الجامعة العربية، حاولت تقديم مسار بديل للتطبيع من شأنه أن يحظى بالموافقة العربية".

تضمن المسار تكثيف الحوار مع "حزب الاتحاد الديمقراطي" عبر "هيئة التنسيق الوطنية للتغيير الديمقراطي"، بحسب مارداسوف.

وفي نهاية المطاف أدى عمل "الاتحاد الديمقراطي" على ما يسمى بـ "العقد الاجتماعي" إلى كتابة مسودة دستور، تتصور إنشاء مجلس عسكري من نوع ما مع بعض السوريين.

وكانت موسكو "على علم جيد بهذا الأمر"، وفقا لحديث المحلل الروسي.

ويشير إلى أن الترتيبات المذكورة سابقا وما تبعها من نية "الإدارة الذاتية" تنظيم الانتخابات "من شأنها أن تفضي الشرعية على جسم يقوم على الاندماج السريع لوحدات حماية الشعب تحت جناح دمشق"، في حال طرأ أي تغير في شكل الوجود الأميركي.

تركيا تنشر قوات في سوريا لمواجهة حزب العمال الكردستاني.

"حل المشكلة.. نحو الحوار"

بوجهة نظر المحلل الروسي كان السيناريو المذكور سيحرم تركيا من فرصة القيام بعمليات لإضعاف حزب "العمال الكردستاني" وجميع التنظيمات المرتبطة به.

ولذلك اتجهت لحل المشكلة عن طريق الحوار مع الأسد، والذي تمتد جذوره أيضا إلى السياق السياسي الداخلي للتنافس بين "العدالة والتنمية" وحزب "الشعب الجمهوري".

ومن المهم بالنسبة لأنقرة أن تعمل على إخراج الحوار مع دمشق بشأن اللاجئين من حالة الركود لاعتراض أجندة المعارضة.

وثانيا بأن تستخدم هذا العامل في المفاوضات مع الكرملين، وفقا لمارداسوف.

أما وبالنسبة لموسكو فإن الاتصالات السورية التركية مهمة لأنها حتى عبر العراق ستعمل على تحسين صورتها كطرف نجح في تحقيق المصالحة في نهاية المطاف.

ويقول المحلل الروسي أيضا إن "بعض التكثيف التجاري عبر أراضي المعارضة في سوريا سيكون على أي حال ميزة إضافية للاقتصاد السوري المدمر".

وستحاول موسكو في المرحلة المقبلة "تحويل التقدم الافتراضي في الاتصالات بين دمشق وأنقرة ضد الأكراد"، كما يتابع المحلل الروسي.

لكنه يشير إلى "خطر قد يعترض العملية".

ويتمثل أنه "وفي حالة تكثيف بعض الأعمال العسكرية فمن غير المرغوب به أن تقوم روسيا بتحويل الموارد من الصراع الأوكراني"، لأن "نفس الكتائب الإضافية من الشرطة العسكرية التي سيتم نشرها في الأراضي الجديدة المنقولة إلى الأسد تشكل عبئا إضافيا على الآلة العسكرية للكرملين".

ومن زاوية أخرى تتعلق بروسيا يوضح أوميت نظمي هزير المحلل التركي المقيم في العاصمة الروسية أنه "ومن خلال تعزيز العلاقات المحسنة بين تركيا وسوريا تستطيع موسكو تحقيق التوازن ضد القوى الأخرى، وخاصة ضد الولايات المتحدة، وتعزيز موقفها الجيوسياسي في الشرق الأوسط".

إلى جانب ذلك يشير إلى أن "روسيا التي تتعامل مع المشكلة الأوكرانية تريد حل الأزمة السورية وتخفيف أعباءها".

ويضيف أن "مشاركة روسيا أمر حاسم في تشكيل مسار العلاقات بين أنقرة ودمشق"، ويعتقد أنها "ستقدم بعض الضمانات للجانبين، وهناك احتمال أن تستضيف موسكو اجتماع إردوغان والأسد في المستقبل".

الشرع والجهاد الإسلامي

بالتزامن مع زيارة رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، إلى دمشق ولقائه بالرئيس السوري للمرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، تحدثت تقارير عن اعتقال القوات الأمنية السورية قياديين بارزين من حركة الجهاد الإسلامي، في حدث يبدو شديد الدلالة على التحولات الكبيرة التي تشهدها سوريا منذ سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر من العام الماضي.

وقالت "سرايا القدس"، وهي الجناح العسكري للجهاد الإسلامي، في بيان الأربعاء إن خالد خالد مسؤول الحركة في سوريا وياسر الزفري مسؤول لجنتها التنظيمية محتجزان لدى السلطات السورية منذ خمسة أيام.

وأضافت أن السلطات ألقت القبض على الرجلين "دون توضيح أسباب الاعتقال وبطريقة لم نكن نتمنى أن نراها من إخوة". ودعت إلى "الإفراج" عنهما. 

وأكد مسؤول في وزارة الداخلية السورية لوكالة رويترز نبأ إلقاء القبض على القياديين في الحركة، لكنه لم يجب عن أسئلة لاحقة حول سبب اعتقالهما.

حركة "الجهاد الإسلامي" هي إحدى أهم الفصائل الفلسطينية المسلحة، وإن كانت أكثرها غموضاً وتعقيداً، من حيث تاريخها وأيديولوجيتها. صنفتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي منظمة إرهابية، ونمت لتصبح ثاني أكبر حركة مسلحة في قطاع غزة وثالث أكبر حركة في الضفة الغربية.

وعلى الرغم من أنها أصدرت أول بيان علني لها في 11 ديسمبر عام 1987، كان وجودها واحدا من أكثر أسرار المقاومة الفلسطينية كتمانا. تأسست الحركة في قطاع غزة عام 1981 على يد مجموعة من الطلاب الفلسطينيين الذين لم يسبق لأحدهم أن أمسك بسلاح، لكنها سريعاً تحولت إلى استخدام العنف ضد أهداف إسرائيلية في عام 1984، أي قبل خمس سنوات من ظهور حركة حماس.

واكتسبت الحركة سمعة سيئة بسبب طبيعة هجماتها المثيرة للجدل في عنفها، ومواقفها المتصلبة ضد إسرائيل. وكان الشعار الذي طرحته هو: "الإسلام، الجهاد، وفلسطين": الإسلام كنقطة انطلاق، الجهاد كوسيلة، وتحرير فلسطين كهدف.

وكانت الحركة ولا تزال ملتزمة بـ"لاءات ثلاث": لا تفاوض، ولا حل الدولتين، ولا اعتراف بإسرائيل.

في كتابه "تاريخ الجهاد الإسلامي الفلسطيني: الإيمان والوعي والثورة في الشرق الأوسط"، يروي الباحث إيريك سكير حكاية جذور تأسيس حركة الجهاد الإسلامي، التي بدأت من رسم وضعه فتحي الشقاقي (مؤسس الحركة/ اغتيل في العام ١٩٩٥) على ورقة في مارس 1979، يمثل مستطيلًا يتقاطع مع دائرة. 

كان هذا الرسم، بحسب سكير، يمثل مشروعهم السياسي الجديد، ويحتوي على ثلاث مساحات متميزة. تمثل المساحة الأولى "الإخوة الذين كانوا أعضاء في جماعة الإخوان المسلمين فقط". ثم هناك "الإخوة الذين كانوا أعضاء في كل من جماعة الإخوان والمشروع الجديد الذي يشكل نوعاً ما انشقاقاً عن الإخوان. وأخيراً، هناك أولئك الذين انضموا إلى هذا المشروع دون أن يكونوا من الإخوان المسلمين. كانت هذه المنظمة تُعرف بـ "الطلائع الإسلامية"، وهي نواة حركة الجهاد الإسلامي.

والتعقيد في سيرة الجهاد الإسلامي وتموضعها، مرده إلى عوامل عديدة لعبت دوراً في رسم هوية الحركة وتشكيل أفكارها من روافد متنوعة، وقد تبدو أحياناً متناقضة. فهي كما يرى باحثون، بينهم الباحثة الإسرائيلية مائير هاتينا، نشأت من تأثير حاسم للجماعات المصرية المتطرفة في السبعينيات. 

وفي المقابل، تركز الباحثة، بفيرلي ميلتون إدواردز، على صراع الحركة مع جماعة الإخوان المسلمين في أوائل الثمانينيات، بشأن المقاومة المسلحة. وبينهما رأي، يتوقف عنده إيريك سكير في كتابه، يقول بأن "الجهاد الإسلامي" خرجت تأثراً بالثورة الإيرانية عام ١٩٧٩. 

وفي الحالات كلها، تبدو حركة "الجهاد الإسلامي" اليوم في قلب هذه التناقضات، فهي الفصيل الأقرب فلسطينياً إلى إيران تمويلاً وتسليحاً مع إشارات إلى حالات "تشيّع" داخل الحركة. ومع ذلك فإن تنسيقها مع حماس لم يتوقف، حتى مع التباين بين حماس و"الجهاد" حول قضية الثورة السورية، وبقاء الجهاد الإسلامي في "حضن" النظام السوري مستفيدة من الحماية التي وفرها لها، في وقت كانت حماس تبتعد عن النظام بسبب مزاج الثورة القريب من الإخوان المسلمين.

مع ذلك نسقت حماس مع "الجهاد" هجومها على إسرائيل في السابع من أكتوبر ٢٠٢٣، وتحتفظ بأسرى إسرائيليين.

ومع تولي أحمد الشرع السلطة في سوريا، تزداد الأمور تعقيداً. فالشرع يميل، بحسب معطيات عديدة، إلى الاقتراب أكثر من تسوية مع إسرائيل قد تستكمل باتفاقية سلام، والابتعاد أكثر عن حماس وما تمثله. ولقاؤه بالرئيس الفلسطيني محمود عباس يصب في هذا السياق.

ولا يحيد اعتقال الأمن السوري القياديين في "الجهاد" عن هذا "النهج"، ويأتي استكمالاً للمزاج السياسي للشرع المبتعد بوضوح، إلى حد القطيعة، عن إيران. إذ قطعت القيادة السورية الجديدة العلاقات الدبلوماسية مع إيران، وتأمل في إعادة بناء الدعم الإقليمي والدولي لسوريا، لا سيما رفع العقوبات وتمويل إعادة الإعمار بعد حرب أهلية مدمرة استمرت 14 عاماً.

لكن قد لا يعني اعتقال القياديين في الجهاد أن الشرع سيفعل الشيء ذاته مع حركة "حماس" في سوريا، على الأقل في الفترة المقبلة، كما يوضح نائب مدير مركز كارنيغي، الباحث مهند الحاج علي، لموقع "الحرة". بل إن الشرع على الغالب سيحافظ على العلاقة التاريخية بحماس لما تمثله من امتداد يرتبط بالإخوان المسلمين. 

وإذا كان الشرع في وارد "بيع" حماس، فإنه بالتأكيد سيطلب ثمناً عالياً لقاء ذلك. ويعتقد الحاج علي أن حماس لن تُحرج الشرع وستلتزم بما يناسبه في سوريا، حتى لو عنى ذلك قطع التواصل مع إيران، وإن كان الباحث في كارنيغي يتوقع أن تلعب حماس أدواراً في المستقبل لتحسين علاقات الشرع بإيران.

وأوردت وكالة رويترز في تقرير الشهر الماضي أن الولايات المتحدة قدمت لسوريا قائمة شروط يتعين الوفاء بها مقابل تخفيف جزئي للعقوبات. وذكرت مصادر لرويترز أن أحد الشروط هو إبعاد الجماعات الفلسطينية المدعومة من إيران.