مشهد عام من مدينة إدلب - صورة أرشيفية.
مشهد عام من مدينة إدلب - صورة أرشيفية.

وردت معلومات متضاربة حول صحة خبر وفاة طفلة تحت التعذيب على يد والدها في مدينة إدلب، بعدما كان قد كشف ذلك تقرير للمرصد السوري لحقوق الإنسان، وصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي. 

وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان، السبت، إن طفل توفيت تحت التعذيب والضرب المبرح على يد والدها، في مدينة إدلب الخاضعة لسيطرة هيئة تحرير الشام شمال غربي سوريا.

وأضاف المرصد أن والد الطفلة "أقدم على ربطها لساعات طويلة دون ملابس فوق سطح المنزل مع الارتفاع الكبير لدرجات الحرارة"، مشيرا إلى أنه "ضربها بقسوة" وقام "بتعذيبها بشتى الوسائل حتى فارقت الحياة بين يديه (..) وذلك بسبب خلاف مع زوجته الثانية".

وتابع: "اعتقل عناصر من جهاز الأمن العام في إدلب والد الطفلة لإجراء التحقيقات معه عن سبب ارتكابه لهذه الجريمة، وتمت إحالته إلى القضاء المختص".

في المقابل، أجرت منصة (تأكد) بحثا للتحقق من صحة الادعاء الذي يزعم وقوع جريمة قتل طفلة بعد قيام والدها بربطها فوق سطح المنزل في محافظة إدلب فتبيّن أنَّه مضلل، بحسب المنصة المختصة بالتأكد من دقة المعلومات.

وقالت المنصة إن وكالة (فكر الإعلامية _ Fikr Media Agency) زعمت عبر صفحتها على فيسبوك، أن "أب قتل طفلته بعد ربطها فوق سطح المنزل لساعات عدة حتى وفاتها وتم اعتقاله من قبل الأجهزة الأمنية"، ولم تشر إلى ورود الخبر في موقع المرصد. 

ولم تعثر المنصة على أي نتائج تدعم الادعاء خلال البحث في المعرفات المعنية التابعة حكومة الإنقاذ السورية العاملة في إدلب، وتبين عبر البحث باستخدام محرك البحث العكسي غوغل، أنّ الجريمة ليست من إدلب بل في العاصمة العراقية.

في المقابل، تواصل موقع "الحرة" مع رامي عبد الرحمن، مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان، ولم يقدم تفاصيل دقيقة عن الحادثة وحيثاتها. 

وبعد الاستفسار عن اسم الجاني الذي "قتل طفلته"، قال عبد الرحمن إنه تواصل مع الفريق لديه وأخبروه أن المصدر الذي أعطاهم المعلومة "قال لهم إن الجاني من هيئة تحرير الشام".

وتحدث عبد الرحمن أنهم قد يحذفون الخبر وأنه توجد مشاكل أشار إليها مصدر المعلومة الأولي وأنه لم يكن بصدد أن يتم إعداد خبر حول الواقعة.

وكان بيان لقيادة شرطة بغداد الكرخ، قد ذكر أنّ قوة من الشرطة اعتقلت "أبًا قام بتعذيب ابنته من خلال وضعها لساعات طويلة مربوطة في سطح المنزل تحت أشعة الشمس الحارقة في منطقة حي الجهاد".

وأفادت وسائل إعلام عراقية بوفاة طفلة بعد ضربها وتعذيبها على يد والدها في حي الجهاد جنوب غربي بغداد، أمس الجمعة.

وأفاد قائد شرطة منطقة إدلب الرائد طاهر العمر، في حديثه لمنصة "تأكد"، بأن الخبر المتداول عارٍ عن الصحة، مؤكداً عدم تسجيل جريمة مماثلة في إدلب شمال غربي سوريا.

الشرع والجهاد الإسلامي

بالتزامن مع زيارة رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، إلى دمشق ولقائه بالرئيس السوري للمرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، تحدثت تقارير عن اعتقال القوات الأمنية السورية قياديين بارزين من حركة الجهاد الإسلامي، في حدث يبدو شديد الدلالة على التحولات الكبيرة التي تشهدها سوريا منذ سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر من العام الماضي.

وقالت "سرايا القدس"، وهي الجناح العسكري للجهاد الإسلامي، في بيان الأربعاء إن خالد خالد مسؤول الحركة في سوريا وياسر الزفري مسؤول لجنتها التنظيمية محتجزان لدى السلطات السورية منذ خمسة أيام.

وأضافت أن السلطات ألقت القبض على الرجلين "دون توضيح أسباب الاعتقال وبطريقة لم نكن نتمنى أن نراها من إخوة". ودعت إلى "الإفراج" عنهما. 

وأكد مسؤول في وزارة الداخلية السورية لوكالة رويترز نبأ إلقاء القبض على القياديين في الحركة، لكنه لم يجب عن أسئلة لاحقة حول سبب اعتقالهما.

حركة "الجهاد الإسلامي" هي إحدى أهم الفصائل الفلسطينية المسلحة، وإن كانت أكثرها غموضاً وتعقيداً، من حيث تاريخها وأيديولوجيتها. صنفتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي منظمة إرهابية، ونمت لتصبح ثاني أكبر حركة مسلحة في قطاع غزة وثالث أكبر حركة في الضفة الغربية.

وعلى الرغم من أنها أصدرت أول بيان علني لها في 11 ديسمبر عام 1987، كان وجودها واحدا من أكثر أسرار المقاومة الفلسطينية كتمانا. تأسست الحركة في قطاع غزة عام 1981 على يد مجموعة من الطلاب الفلسطينيين الذين لم يسبق لأحدهم أن أمسك بسلاح، لكنها سريعاً تحولت إلى استخدام العنف ضد أهداف إسرائيلية في عام 1984، أي قبل خمس سنوات من ظهور حركة حماس.

واكتسبت الحركة سمعة سيئة بسبب طبيعة هجماتها المثيرة للجدل في عنفها، ومواقفها المتصلبة ضد إسرائيل. وكان الشعار الذي طرحته هو: "الإسلام، الجهاد، وفلسطين": الإسلام كنقطة انطلاق، الجهاد كوسيلة، وتحرير فلسطين كهدف.

وكانت الحركة ولا تزال ملتزمة بـ"لاءات ثلاث": لا تفاوض، ولا حل الدولتين، ولا اعتراف بإسرائيل.

في كتابه "تاريخ الجهاد الإسلامي الفلسطيني: الإيمان والوعي والثورة في الشرق الأوسط"، يروي الباحث إيريك سكير حكاية جذور تأسيس حركة الجهاد الإسلامي، التي بدأت من رسم وضعه فتحي الشقاقي (مؤسس الحركة/ اغتيل في العام ١٩٩٥) على ورقة في مارس 1979، يمثل مستطيلًا يتقاطع مع دائرة. 

كان هذا الرسم، بحسب سكير، يمثل مشروعهم السياسي الجديد، ويحتوي على ثلاث مساحات متميزة. تمثل المساحة الأولى "الإخوة الذين كانوا أعضاء في جماعة الإخوان المسلمين فقط". ثم هناك "الإخوة الذين كانوا أعضاء في كل من جماعة الإخوان والمشروع الجديد الذي يشكل نوعاً ما انشقاقاً عن الإخوان. وأخيراً، هناك أولئك الذين انضموا إلى هذا المشروع دون أن يكونوا من الإخوان المسلمين. كانت هذه المنظمة تُعرف بـ "الطلائع الإسلامية"، وهي نواة حركة الجهاد الإسلامي.

والتعقيد في سيرة الجهاد الإسلامي وتموضعها، مرده إلى عوامل عديدة لعبت دوراً في رسم هوية الحركة وتشكيل أفكارها من روافد متنوعة، وقد تبدو أحياناً متناقضة. فهي كما يرى باحثون، بينهم الباحثة الإسرائيلية مائير هاتينا، نشأت من تأثير حاسم للجماعات المصرية المتطرفة في السبعينيات. 

وفي المقابل، تركز الباحثة، بفيرلي ميلتون إدواردز، على صراع الحركة مع جماعة الإخوان المسلمين في أوائل الثمانينيات، بشأن المقاومة المسلحة. وبينهما رأي، يتوقف عنده إيريك سكير في كتابه، يقول بأن "الجهاد الإسلامي" خرجت تأثراً بالثورة الإيرانية عام ١٩٧٩. 

وفي الحالات كلها، تبدو حركة "الجهاد الإسلامي" اليوم في قلب هذه التناقضات، فهي الفصيل الأقرب فلسطينياً إلى إيران تمويلاً وتسليحاً مع إشارات إلى حالات "تشيّع" داخل الحركة. ومع ذلك فإن تنسيقها مع حماس لم يتوقف، حتى مع التباين بين حماس و"الجهاد" حول قضية الثورة السورية، وبقاء الجهاد الإسلامي في "حضن" النظام السوري مستفيدة من الحماية التي وفرها لها، في وقت كانت حماس تبتعد عن النظام بسبب مزاج الثورة القريب من الإخوان المسلمين.

مع ذلك نسقت حماس مع "الجهاد" هجومها على إسرائيل في السابع من أكتوبر ٢٠٢٣، وتحتفظ بأسرى إسرائيليين.

ومع تولي أحمد الشرع السلطة في سوريا، تزداد الأمور تعقيداً. فالشرع يميل، بحسب معطيات عديدة، إلى الاقتراب أكثر من تسوية مع إسرائيل قد تستكمل باتفاقية سلام، والابتعاد أكثر عن حماس وما تمثله. ولقاؤه بالرئيس الفلسطيني محمود عباس يصب في هذا السياق.

ولا يحيد اعتقال الأمن السوري القياديين في "الجهاد" عن هذا "النهج"، ويأتي استكمالاً للمزاج السياسي للشرع المبتعد بوضوح، إلى حد القطيعة، عن إيران. إذ قطعت القيادة السورية الجديدة العلاقات الدبلوماسية مع إيران، وتأمل في إعادة بناء الدعم الإقليمي والدولي لسوريا، لا سيما رفع العقوبات وتمويل إعادة الإعمار بعد حرب أهلية مدمرة استمرت 14 عاماً.

لكن قد لا يعني اعتقال القياديين في الجهاد أن الشرع سيفعل الشيء ذاته مع حركة "حماس" في سوريا، على الأقل في الفترة المقبلة، كما يوضح نائب مدير مركز كارنيغي، الباحث مهند الحاج علي، لموقع "الحرة". بل إن الشرع على الغالب سيحافظ على العلاقة التاريخية بحماس لما تمثله من امتداد يرتبط بالإخوان المسلمين. 

وإذا كان الشرع في وارد "بيع" حماس، فإنه بالتأكيد سيطلب ثمناً عالياً لقاء ذلك. ويعتقد الحاج علي أن حماس لن تُحرج الشرع وستلتزم بما يناسبه في سوريا، حتى لو عنى ذلك قطع التواصل مع إيران، وإن كان الباحث في كارنيغي يتوقع أن تلعب حماس أدواراً في المستقبل لتحسين علاقات الشرع بإيران.

وأوردت وكالة رويترز في تقرير الشهر الماضي أن الولايات المتحدة قدمت لسوريا قائمة شروط يتعين الوفاء بها مقابل تخفيف جزئي للعقوبات. وذكرت مصادر لرويترز أن أحد الشروط هو إبعاد الجماعات الفلسطينية المدعومة من إيران.