قوات نظام الأسد أصبحت تستخدم المسيرات على نطاق كبير وواسع (أرشيف)
قوات نظام الأسد أصبحت تستخدم المسيرات على نطاق كبير وواسع (أرشيف)

خلال يوم واحد فقط وثقت منظمة "الدفاع المدني السوري" 13 هجوما بالطائرات المسيرة الانتحارية على مناطق مأهولة بالمدنيين في شمال غرب سوريا، مما يهدد بموجة نزوح جديدة للسكان، حسبما يقول ناشطون إنسانيون لموقع "الحرة".

ويضيف باحثون وخبراء عسكريون أن السلاح الخاص بالمسيرات باتت تستخدمه قوات رئيس النظام السوري بشار الأسد على نطاق كبير وواسع، في مسعى منها لتحقيق أهداف عدة.

وتخرج جميع الطائرات من مناطق سيطرة النظام السوري وحلفائه الروس والإيرانيين، وهي عبارة عن أجسام صغيرة بأربع مراوح تحمل متفجرات، وعندما تصل إلى الهدف تضربه على الفور وتوقع الخسائر.

وأوضح "الدفاع المدني السوري" في تقرير، الأحد، أنه، في هجوم هو "الأوسع" منذ بداية العام الحالي، استهدفت الطائرات الـ13 سيارات ومناطق مدنيّة في كل من بلدة النيرب وأطرافها، وأطراف مدينة سرمين في ريف إدلب الشرقي.

وذكر أنه من بين الاستهدافات 7 لسيارات مدنية، بينها سيارة لنقل الخبز على طريق سرمين – النيرب، وآلية لحفر الآبار، والبقية على مبانٍ سكنية وأراض زراعية. ووثقت فيديوهات وصور ذلك.

ولا يعتبر استخدام الطائرات المسيرة الانتحارية جديدا على مشهد المناطق الخاضعة لسيطرة فصائل المعارضة في شمال غرب سوريا، لكن إطلاق هذا السلاح يتصاعد بالتدريج، خاصة في المناطق التي تضم أراض زراعية كثيرة ومأهولة بمنازل المدنيين.

وتحدث موقع "الحرة" مع رجلين من ريف حماة الشمالي ومنطقة جبل الزاوية في ريف إدلب الجنوبي، أشارا إلى حالة خوف كبيرة وشلل "تخيم على حياة المدنيين"، الساعين لجني محاصيلهم في الأراضي القريبة من خطوط التماس. 

ووفقا لحديث محمد الأمين، "أصبح السكان يمشون أمام منازلهم وفي أراضيهم وأعينهم موجهة إلى السماء"، مضيفا أنه "لا يمكن درء خطر الدرونات الانتحارية، لأنها تضرب من دون أي إنذار".

وبدوره، أوضح سامر عبد الجواد أن العديد من العائلات القريبة من خطوط التماس في ريف إدلب وريف حماة وريف حلب الغربي باتت تراودها أفكار النزوح من جديد.

وأضاف لموقع "الحرة" بالقول: "لم يعد هناك أي مأمن.. الدرون تستهدف أي شيء أمامها ولا تفرق بين هدف مدني أو عسكري.. وفي أي لحظة يكون مصيرك الموت".

"حياة الناس مهددة"

ولا يعلن النظام السوري صراحة استخدام المسيرات الانتحارية في شمال غرب سوريا، رغم أن فيديوهات لوزارة الدفاع التابعة له وثقت ذلك.

وعادت حسابات موالية عبر مواقع التواصل الاجتماعي خلال الأشهر الماضية لتؤكد عملية الزج بها.

ووصل بتلك الحسابات مؤخرا إلى حد نشر صور وتسجيلات مصورة عبر موقع "إكس" أظهرت ضباطا روسا يدربون عناصر وضباط آخرين من الجيش السوري على عملية الإطلاق، والتصدي لـ"الطائرات المعادية" في المقابل بواسطة سلاح "غاربيا".

وتستهدف الدرون الانتحارية مناطق واسعة من سهل الغاب في ريف حماة، مرورا بريف إدلب الجنوبي ومنطقة جبل الزاوية وقرى وبلدات في الريف الشرقي، وصولا إلى منطقة دارة عزة في ريف حلب الغربي.

ويقول حسن الحسان، المسؤول في "الدفاع المدني" بمحافظة إدلب لموقع "الحرة"، إن "طبيعة الطائرات ودقة إصابتها وقدرتها على ملاحقة السيارات سببت حالة من الشلل الكامل في الأراضي الزراعية".

ويعتبر أن "الهدف منها تهديد وتقويض حياة الناس وسبل العيش وحرمان المدنيين من قوت يومهم، خاصة أننا على أبواب مواسم كثيرة في المناطق المستهدفة".

ولا يعرف بدقة حتى الآن المدى الذي يمكن أن تسلكه الدرون الانتحارية التي تخرج من مناطق النظام السوري. 

ومع ذلك، يشير الحسان إلى أنهم وثقوا هجوما في مناطق شمال غرب سوريا على عمق 9 كيلومترات. ويضيف: "المدنيون الهدف الأبرز، سواء كانوا ثابتون أو متحركون".

"تضرب أي هدف"

ويخضع شمال غرب سوريا لسيطرة فصائل من المعارضة و"هيئة تحرير الشام".

ويُحكم هذه المناطق منذ عام 2020 اتفاق روسي-تركي، يضمن تثبيت الجبهات بشكل معلن، ودون تغيير، مع تثبيت حالة من "خفض التصعيد".

ويقول الباحث السوري في مركز "عمران للدراسات الاستراتيجية"، نوار شعبان، إنه أجرى تحليلا معمقا، وتوصل إلى أن "الدرون الانتحارية" المستخدمة في شمال غرب سوريا تشابه تلك التي يستخدمها مهربو حبوب "الكبتاغون" التي يطلقها "حزب الله" اللبناني باتجاه إسرائيل.

ويضيف لموقع "الحرة" أن الهدف من هذا السلاح "تخريبي" و"لخلق جو من الرعب والهشاشة الأمنية".

ويوضح أنه "بمجرد دخول الطائرة الانتحارية إلى المنطقة فإنها تبحث عن أي هدف من أجل استهدافه، سواء كان مدنيا أو عسكريا".

ولا يعتقد شعبان أن الهجمات القائمة تستهدف تحقيق "مصلحة عسكرية"، ويرى أن النظام السوري وحلفائه يريدون "خلق أزمة جديدة من السماء". كما يشير إلى أن الخطر المتعلق بالدرون الانتحارية يكمن بما تحمله من شظايا ومتفجرات.

وقد تكون محملة أيضا بـ"مواد كيماوية شديدة الخطورة"، وفق قوله.

"أثر لحظي ومكاني"

وبعد العمليات العسكرية الأخيرة التي وقعت في محيط إدلب السورية، عام 2020، لم يدخل "الجيش السوري" بأي معارك كبيرة مثل تلك التي قادها مع روسيا أولا.

وفي الوقت الحالي لا توجد مؤشرات إلى أي تغيّر قد يطرأ على الجبهات الفاصلة بين أطراف الصراع، مع أن الهجمات بالمسيرات مستمرة على أكثر من جبهة حتى الآن.

ولا يعرف ما إذا كان الروس هم الذين يقودون مجريات استخدام هذا التكتيك الجديد بالفعل على الأرض، وما إذا كان الإيرانيون على الخط أيضا.

لكن، وبحسب التسجيلات والصور، فإن ضباطا روسيين هم من يشرفون على تدريب قوات الأسد على عملية الإطلاق واعتراض "الدرون".

وقال أحد القادة الميدانيين في تشكيلات المعارضة المسلحة لموقع "الحرة" إن هجمات الطائرات المسيرة من جانب النظام السوري لا يمكن حصر غايتها بسياق واحد.

وقد تكون نوعا من عمليات التجريب والتدريب، من أجل الزج بها في أي أعمال قتالية جديدة. أو أن تكون في سياق اختبار قدرة الطرف الآخر على عملية التصدي، لا سيما أن أحد فصائل المعارضة أعلن قبل أيام إسقاط طائرة درون في المنطقة، بحسب ما يضيف القيادي الذي طلب عدم ذكر اسمه كونه غير مخوّل بالتصريح.

ولا يستبعد أيضا أن تكون الجولة الجديدة من الهجمات مرتبطة بما يدور الحديث عنه الآن بخصوص "العودة لتطبيق اتفاق 2020 من أجل فتح الطرقات الدولية".

ويقول الباحث شعبان إن "التعامل مع المسيرات الانتحارية من جانب المدنيين أمر صعب، بسبب عدم معرفة الزمن الذي تطلق فيه". وفي حال إسقاطها ستنفجر على الأرض بجميع الأحوال، وبمجرد اللمس، وفق حديثه.

ويضيف: "ضررها مكاني ولحظي. تسفر عن دمار وضحايا وتخلق من جانب آخر نوعا جديدا من الأزمة". ويشير الناشط الإنساني الحسان إلى أن "الناس في المناطق المرصودة والمستهدفة بدأت تفكر بالنزوح".

ويقول إن "غياب الخيارات وسبل العيش أمام الكثير منهم يضعهم تحت تهديد الموت في أي لحظة".

امرأة نازحة تحمل رضيعا داخل مخيم الكرامة للاجئين على الحدود السورية التركية في ريف إدلب الشمالي. إرشيفية من رويترز
امرأة نازحة تحمل رضيعا داخل مخيم الكرامة للاجئين على الحدود السورية التركية في ريف إدلب الشمالي. إرشيفية من رويترز

أعلن البنك الدولي، الجمعة، أنه سوى ديون سوريا البالغة 15.5 مليون دولار بعد تلقيه أموالا من السعودية وقطر، مما يؤهل دمشق للحصول على منح بملايين الدولارات لإعادة الإعمار ودعم الميزانية.

وأعلنت السعودية وقطر في أبريل أنهما ستتسددان متأخرات سوريا لدى المؤسسة المالية الدولية مما يجعلها مؤهلة للحصول على برامج منح جديدة، وفق سياسات البنك التشغيلية.

وأعلن البنك الدولي أنه حتى 12 مايو، لم يكن لدى سوريا أي أرصدة متبقية في اعتمادات المؤسسة الدولية للتنمية، وهي ذراع البنك لمساعدة أشد البلدان فقرا.

وقال البنك في بيان "يسرنا أن سداد ديون سوريا سيسمح لمجموعة البنك الدولي بإعادة التواصل مع البلاد وتلبية الاحتياجات التنموية للشعب السوري".

وأضاف "بعد سنوات من الصراع، تسير سوريا على طريق التعافي والتنمية".

وأوضح البنك الدولي أنه سيعمل مع دول أخرى للمساعدة في حشد التمويل العام والخاص لبرامج تمكن الشعب السوري من بناء حياة أفضل لتحقيق الاستقرار في البلاد والمنطقة.

وذكر أن مشروعه الأول مع سوريا سيركز على توفير الكهرباء، ما سيدعم تحقيق تقدم اقتصادي ويساعد في توفير الخدمات الأساسية من الصحة والتعليم إلى المياه وسبل العيش.

وقال البنك الدولي "المشروع المقترح هو الخطوة الأولى في خطة موضوعة لزيادة دعم مجموعة البنك الدولي والذي يستهدف تلبية الاحتياجات الملحة لسوريا والاستثمار في التنمية طويلة الأجل".

البنية التحتية المالية

قال وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو أمس الخميس إن الرئيس دونالد ترامب يعتزم إصدار إعفاءات من "قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا"، الذي فرضت واشنطن من خلاله عقوبات صارمة على حكومة الرئيس السابق بشار الأسد وعقوبات ثانوية على شركات أو حكومات خارجية التي كانت تجمعها معاملات معها.

ويمهد رفع العقوبات الأميركية، والتي فرض بعضها على حكومة الأسد وبعضها الآخر قائم منذ عقود، إلى جانب تسوية متأخرات سوريا للبنك الدولي، الطريق لإعادة دمجها في النظام المالي العالمي.

واستضاف صندوق النقد والبنك الدوليان والسعودية اجتماعا رفيع المستوى مع مسؤولين سوريين في واشنطن في أبريل. وأصدروا بعد ذلك بيانا مشتركا أقروا فيه بالتحديات الملحة التي تواجه الاقتصاد السوري وعبروا عن التزامهم بدعم جهود التعافي في البلاد.

وعين صندوق النقد الدولي أول رئيس لبعثته إلى سوريا منذ 14 عاما، وهو رون فان رودن، وهو مسؤول مخضرم في صندوق النقد الدولي سبق أن ترأس جهود الصندوق في أوكرانيا.

وأصدر صندوق النقد الدولي آخر تقرير مراجعة معمق للاقتصاد السوري في عام 2009.

وقال مارتن موليسن زميل المجلس الأطلسي والرئيس السابق لإدارة الاستراتيجية في صندوق النقد الدولي، إن المهمة العاجلة الأولى للصندوق تتمثل في تقديم المساعدة الفنية للسلطات السورية لمساعدتها على إعادة بناء البنية التحتية المالية للبلاد وهيئات صنع السياسات وجمع البيانات اللازمة.

وأضاف موليسن أن هذه الجهود يمكن تمويلها من المانحين والمنح العينية ويمكن إطلاقها في غضون أشهر، بينما يمكن للبنك الدولي المساعدة على مستوى إقليمي أوسع لضمان الحوكمة الرشيدة وفعالية الوزارات.

وقال جوناثان شانزر وهو مسؤول كبير سابق في وزارة الخزانة ويرأس حاليا مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات إن المسؤولين السوريين أبلغوه بأن الاحتياجات ضخمة، لكنه حث الولايات المتحدة رغم ذلك على تخفيف العقوبات تدريجيا بحذر.

وأوضح "لم يتمكنوا حتى من الحصول على تراخيص مايكروسوفت أوفيس. ببساطة، لم يكن بإمكانهم تنزيل البرامج على أجهزة الكمبيوتر المحمولة الخاصة بهم".

وذكر مصدر جمهوري أن إعادة بناء قدرة سوريا على الوصول إلى التكنولوجيا سيكون ضروريا لإعادتها إلى نظام سويفت لمعالجة المعاملات المصرفية، لكن العملية قد تستغرق شهورا، إن لم يكن سنوات.