لافتة تحمل صورة الأسد في دمشق
لافتة تحمل صورة الأسد في دمشق

في خطابه الأخير لم يتطرق زعيم "حزب الله" حسن نصر الله إلى ذكر اسم سوريا باعتبارها "ساحة" من "ساحات محور المقاومة" التي قد تنخرط أو تشترك في الرد المحتمل على إسرائيل، وكذلك الأمر بالنسبة لخطاب إيران التي تحرك الخيوط من الأعلى، بينما يتجنب المسؤولون فيها الإشارة إلى أي دورٍ محتمل للنظام السوري.

ويطلق هذا المشهد تساؤلات بشأن ما إذا باتت سوريا خارج "المحور الإيراني"؟ ويسلط الأضواء من جانب آخر على الأسباب التي تقف وراء حالة "عدم الانخراط"، رغم الرسائل التي أكد عليها المرشد الإيراني، علي خامنئي مؤخرا، بقوله إنه ينبغي الحفاظ على هوية "سوريا المقاومة".

وتتجه الأنظار في الوقت الحالي إلى طبيعة "الرد" الذي ستنفذه إيران على مقتل زعيم حركة حماس، إسماعيل هنية في طهران، والخطوة المشابهة التي قد يتخذها "حزب الله" ضد إسرائيل، بعدما قتلت القيادي البارز به فؤاد شكر.

وفي ظل التهديدات المتواصلة، والتحليلات المتلاحقة للمراقبين والخبراء العسكريين، التي تذهب باتجاه تنفيذ "الرد" من اتجاهات عدة، تغيب سوريا عن القائمة المحتملة للمنخرطين.

الساحات المرجحة لا تخرج عن نطاق العراق واليمن وإيران ولبنان، كما استعرضها نصر الله في خطابه قبل أيام، معتبرا أن الأمر لم يعد يقتصر على "جبهات إسناد"، بل "أصبحنا أمام حرب مفتوحة".

وقبل حرب إسرائيل في غزة، ردا على هجوم السابع من أكتوبر، وبعد هذا التاريخ، تعرضت سوريا لسلسلة ضربات جوية إسرائيلية قاسية، كان أبرزها التي استهدفت القنصلية الإيرانية في العاصمة السورية دمشق، أبريل الماضي.

وبينما كان النظام السوري بعيدا عن التهديد بالرد، أو حتى تنفيذه بعدما استهدف "العدوان" أراضيه، تولت إيران المهمة، وأطلقت مسيرات وصواريخ باليستية باتجاه إسرائيل، فيما أعلنت الأخيرة التصدي لها، بنسبة 99 بالمئة.

سلوك النظام جاء ضمن حالة تكشفت تفاصيلها على نحو أكبر بعد اليوم الأول لهجوم حماس على إسرائيل، وبالتوازي مع اتجاه الأخيرة تنفيذ الضربات الجوية، ونقل السلاح والعتاد إلى الجبهات مع غزة.

وفي حين لم ينخرط النظام على صعيد "التهديد" بالرد، والانخراط بجبهات "المحور"، أقدم من جانب آخر على منع الوقفات والمسيرات المؤيدة لغزة، المناهضة للحرب الإسرائيلية فيها.

ووصل الحال به مؤخرا إلى حد عدم التعليق على ما يجري من تصعيد بين وكلاء إيران وإسرائيل، مع تغيير طريقة تعاطيه مع الضربات الإسرائيلية، من الرد في المكان والزمان المناسبين، إلى التصدي لـ"العدوان" بأنظمة الدفاع الجوي، وانتهاءً بنقل أخبار الخسائر والمكان العام للاستهداف، فقط.

هل خرج الأسد من المحور؟

وفقا لوجهة نظر الكاتب والصحفي اللبناني، منير ربيع "لا يمكن الجزم بأن سوريا أصبحت خارج المحور الإيراني كليا".

ويقول ربيع لموقع "الحرة" إنه "يوجد حرص على البقاء في المحور بالمعنى السياسي، وليس الفعلي".

وفي حال أراد النظام السوري الابتعاد عن إيران سياسيا فإن طهران مع "حزب الله" يبقيان المسيطران، ولهما التأثير الكبير على سوريا، على حد تعبير الكاتب اللبناني.

ويشير الباحث السوري في مركز "عمران للدراسات الاستراتيجية"، أيمن الدسوقي، إلى رسائل من دول عدة كانت وصلت خلال الأشهر الماضية للنظام السوري.

ويوضح لموقع "الحرة" أن تلك الرسائل، التي تطالب النظام السوري بعدم الانخراط في الأحداث الجارية إقليميا، وجدت صداها لدى بشار الأسد.

وجاء الصدى إيجابيا من جانب رئيس النظام السوري، مدفوعا بجملة من التهديدات والحوافز المستندة لـ"مصالح ذاتية"، ليعزز الأسد شعار "سوريا أولا" في السياسة الخارجية السورية، كما يضيف الدسوقي.

وانطلاقا مما سبق، يرى الباحث السوري أن "الأسد يجد في التوترات الإقليمية نافذة لكسر العزلة عن نظامه، وإعادة إدماجه في المعادلات الإقليمية، فضلا عن نيل مكاسب سياسية واقتصادية، مع تخفيف نفوذ (محور المقاومة) في سوريا".

ويتابع أن الأثمان المذكورة تفرض على الأسد "العمل ما أمكنه وفق اعتباراته ومصالحه الذاتية، التي لا تتطابق بالضرورة مع خيارات محور (المقاومة)"، مما يثير مخاوف وانتقادات طهران و"حزب الله" تجاهه.

"العلاقة ليست واحدة"

ويرتبط النظام السوري بعلاقة طيبة مع "حزب الله"، وكذلك الأمر مع الحوثيين في اليمن، والميليشيات العراقية التي شكّلت بعد حرب غزة ما يسمى بـ"المقاومة الإسلامية في العراق".

ورغم استقبال الأسد للقيادي البارز في حماس، خليل الحية، بالعاصمة دمشق، أكتوبر 2022، لم تكسر المصافحة في تلك الفترة الجليد الذي شاب العلاقة بين الطرفين، التي امتدت لسنوات.

ودانت الخارجية السورية قبل أيام حادثة اغتيال هنية في طهران.

ومع ذلك، عكست تعليقات صحفيين مقربين من النظام السوري على مواقع التواصل الاجتماعي حالة من "التشفي"، مما يشير إلى أن الحركة لا تزال غير مقبولة في دمشق وأوساط الأسد، بسبب اتخاذها موقفا ضده، مطلع أحداث الثورة السورية عام 2011.

ويقول الكاتب ربيع إنه، منذ هجوم الذي نفذته حماس في السابع من أكتوبر، حاول النظام السوري تمييز نفسه عن القضية، و"عدم الانخراط" بشكل مباشر.

وذكر أن بعض المعلومات تذهب باتجاه أن "النظام طلب وأبلغ حلفاءه (في المحور) أنه غير قادر على جعل سوريا ساحة مفتوحة بسبب العقوبات والضغوط وتبعاتها".

وبالتوازي مع ذلك، كان لافتا المحاولات عربية والمحادثات السورية – العربية، لإبعاد سوريا عن المسار، أو كما يقال "إبعادها عن الانخراط بشكل كامل في المحور الإيراني"، وفق الكاتب.

ويشير أيضا إلى مفاوضات أخرى، مباشرة وغير مباشرة، كانت قد جرت بين الجانبين السوري والأميركي، تتعلق بإطلاق محتجزين أميركيين في سوريا، بينهم الصحفي أوستن تايس.

ويعتقد ربيع أن "تلك المفاوضات ألزمت النظام بألا يكون شريكا في خطوات محور المقاومة، بحثا عن إمكانية وقف العمل بقانون قيصر، وما ترجم خلال الأيام الماضية بعرقلة قانون مكافحة التطبيع معه".

ولا تزال أصوات الساسة في الإقليم والعالم قائمة، وتسير باتجاه التحذير من حرب إقليمية واسعة.

ولا يعرف ما إذا كان الرد المحتمل الذي ستنفذه إيران شبيها بما حصل في أبريل الماضي، أو قد يكون نسخة مطورة وتصعيدية على نحو أكبر، الأمر الذي سيدفع إسرائيل لإعادة الكرّة من جديد.

ويرى الباحث السوري الدسوقي أن الخطوات التي يتبعها الأسد الآن "قابلة للاحتواء والتفهم من قبل طهران، طالما لم يتطور الموقف إلى حرب إقليمية جزئية أو موسعة".

لكن، وفي حال حصلت حرب إقليمية، سيكون النظام في دمشق "أمام موقف صعب"، وستضيق الخيارات أمامه، وفق الدسوقي.

"الحزب وإيران على الجغرافيا السورية"

على مدى السنوات الماضية لم تكن الضربات الإسرائيلية على سوريا بسبب تحركات مباشرة يقودها الأسد، بل استندت، وفقا للمسؤولين الإسرائيليين، على محاولات تمرير السلاح، برا وجوا وبحرا.

والخطوط التي تمر من البحر والجو والبر تبدأ من إيران، وتجعل من سوريا ممرا باتجاه "حزب الله" اللبناني.

وتسود ضبابية في الوقت الحالي بشأن ما إذا كان موقف الأسد في "عدم الانخراط" منسحبا على الميدان، الذي تنتشر عليه ميليشيات إيرانية كثيرة، وقادة وعناصر من "حزب الله".

وبينما يرى الكاتب ربيع أنه قد تكون هناك محاولات لقطع شريان السلاح لـ"حزب الله"، يوضح أن الأخير، وإيران، يمسكان بالكثير من مفاصل الجغرافيا السورية، القادرة على تأمين طرق آمنة لتمرير الشحنات.

ويضيف أن "الحزب وإيران لا يزالان قويان في سوريا، على صعيد القدرة على إدخال الأسلحة".

ولا تزال سوريا حتى الآن "جزءا من المجموعة المؤيدة لإيران، وهي تشارك من خلال محاولة الدفاع عن مجالها الجوي ضد إسرائيل والسماح لإيران ووكلائها باستخدام أراضيها"، كما يشير الباحث الأميركي في شؤون الشرق الأوسط، راين بوهل.

ويعتقد الباحث في حديثه لموقع "الحرة" أن "سوريا لا تشارك بشكل كبير ضمن (المحور)، لأن قواتها العسكرية لا تزال ضعيفة للغاية بعد الحرب الأهلية".

ويضيف أن "الهجمات المباشرة على إسرائيل (من الأراضي السورية) يمكن أن تؤدي إلى تفكيك العديد من المكاسب (بالنسبة للنظام السوري)".

ومن ناحية أخرى، يرى بوهل أن سلوك النظام الحالي مما يجري في محيطه "من شأنه أن يعود عليه بالنفع الدبلوماسي مع بعض الدول مثل الأردن وتركيا التي لا تريد أن ترى سوريا غير مستقرة".

ويقول إنه "من غير المرجح أن يعرض الغرب عليه أي مكافآت في شكل تخفيف العقوبات، لأن نظام العقوبات المفروضة عليه مرتبط بالإصلاح السياسي داخل سوريا".

مغردون نشروا فيديوهات قالوا أنها تظهر غارة إسرائيلية في مصياف
لقطة أرشيفية لضربات على مصياف

رغم أن الغارات التي نسبت لإسرائيل، واستهدفت مواقع عدة في منطقة مصياف بريف حماة وسط سوريا، ليست جديدة على مشهد البلاد الممزقة، تشي طبيعة الهدف الذي ضربته، وشدتها، وحصيلة القتلى، بأنها "غير عادية".

ويشير إلى ذلك أيضا خبراء ومراقبون تحدثوا لموقع "الحرة" وتقارير لوسائل إعلام عبرية، إضافة إلى صور أقمار اصطناعية ومشاهد أخرى نشرتها وسائل إعلام رسمية، وثقت فيها كما كبيرا من الأضرار على الأرض.

الغارات تم تنفيذها على أكثر من جولة، وأسفرت عن مقتل 18 شخصا وجرح أكثر من 37 آخرين، حسبما ذكرت وزارة الصحة التابعة للنظام السوري، وأضافت وزارة الدفاع، في بيان منفصل، أن القصف "شنته إسرائيل من اتجاه شمال غرب لبنان"، واستهدف عددا من المواقع العسكرية.

ولم تحدد وزارة دفاع النظام هوية القتلى، ووفقا لإحصائية نشرها "المرصد السوري لحقوق الإنسان"، الثلاثاء، فإن من بينهم 5 مدنيين، والقسم الآخر يتبعون قوات "الجيش السوري" والميليشيات الإيرانية والتابعة لـ"حزب الله".

وأوضح المرصد أن الغارات استهدفت بالتحديد "مركز البحوث العلمية" في مصياف ومواقع عسكرية أخرى على الطرق الواصلة إليه، وأسفرت عن تدمير عدد من المباني والمراكز، واندلاع حرائق في المناطق الحراجية على طرق مصياف.

ولم تتبن إسرائيل مسؤوليتها عن الضربة، في سياسة تعتمدها منذ سنوات، عندما كانت تقصف مواقع عسكرية في جميع أنحاء البلاد، ضمن إطار ما تسميه بـ"الحرب بين الحروب".

لكن، وفي مقابل ذلك، دائما ما تذهب وسائل الإعلام العبرية باتجاه مغاير، إذ تربط، في أعقاب الكشف عن الضربات، الغارات بإسرائيل، وتقول إن الأخيرة تضرب من خلالها مواقعا عسكرية وطرق إمداد تستخدمها طهران لإنتاج وتطوير الأسلحة، ومن ثم تمريرها إلى "حزب الله" في لبنان.

ما هو "مركز البحوث"؟

ويعد "مركز البحوث العلمية" في مصياف أحد أبرز الأهداف الحيوية التي دأبت إسرائيل على استهدافها بشكل متكرر، علما بأن الغارات الأخيرة كانت الأعنف من حيث القتلى والدمار الذي خلفته، كما يوضح الباحث السوري في مركز "عمران للدراسات الاستراتيجية"، أيمن الدسوقي.

ولأكثر من مرة خلال السنوات الماضية سلطت وسائل إعلام إسرائيلية الضوء على تلك المنشأة، من منطلق أن إيران تعمل داخلها على تطوير أسلحة وصواريخ.

وتأكدت تلك الرواية من جانب إسرائيل رسميا عام 2022، عندما اعتبر وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس أن "مركز البحوث العلمية في مصياف يستخدم لإنتاج صواريخ متطورة على وجه التحديد".

ووفقا لغانتس أيضا فإن "إيران استخدمت أكثر من 10 منشآت عسكرية في سوريا لإنتاج صواريخ وأسلحة متطورة لوكلائها، وأن هذه المنشآت باتت "جبهة إيرانية أخرى"، وهو ما نفته إيران سابقا، وفي أعقاب الضربة التي استهدفت مصياف، يوم الاثنين.

ويعتقد الباحث الدسوقي في حديثه لموقع "الحرة" أنه توجد عدة أسباب تفسر حجم ضربة مصياف وتوقيتها.

ويشير، أولا، إلى أن ما حصل جاء عقب الحديث في مجلس الأمن عن عدم التعاون الكامل من قبل النظام السوري، فيما يتعلق بتفكيك برنامجه للأسلحة الكيماوية.

ومن جانب آخر يرى الباحث أن الضربة تؤكد أيضا "حرص إسرائيل على تثبيت خطوطها الحمراء في سوريا فيما يتعلق بإزالة خطر أسلحة الدمار الشامل وبرنامج الصواريخ الباليستية التي تشكل تهديدا لها، سيما في ظل إشاعات عن وجود إنزال في المناطق المستهدفة غايته أخذ عينات لتحليلها والتأكد من الشكوك بخصوص المكان المستهدف ودوره في تطويره أسلحة كيماوية".

"سياسة قص العشب"

وورد في تقرير لموقع "واي نت" العبري، نشر الثلاثاء، أن الضربات على مصياف كان الهدف منها ضرب البنى التحتية التي أنشأتها إيران، من أجل تسريع تمرير الأسلحة إلى "حزب الله" في لبنان.

وأضاف التقرير أن "فكرة إنشاء مصنع في سوريا يرتبط بنوايا تقصير المسافة بين إيران ولبنان، وبالتالي تقليص المساحة التي يمكن لإسرائيل من خلالها إحباط وسائل الحرب في الممر البري بين العراق وسوريا، كما فعلت مرات عدة".

وإذا كان هناك صحة بشأن المعلومات التي تدفقت بعد الكشف عن الضربات "فهذا هو الهجوم الأبرز على الأراضي السورية، منذ بداية حرب السيوف الحديدية"، وفقا للموقع العبري.

ويشرح ألكسندر لانغلويس، وهو باحث أميركي يركز على شؤون الشرق الأوسط، أن الضربات التي تنفذها إسرائيل في سوريا هي "جزء من استراتيجية قص العشب خارج الأراضي الفلسطينية المحتلة".

ويمثل "قص العشب" استراتيجية استنزاف عسكرية إسرائيلية تهدف إلى تقليل قدرة خصومها على إلحاق الأذى بها،  وتحقيق الردع عبر عمليات دورية.

ويوضح لموقع "الحرة" حديثه بالقول إن "إسرائيل تستهدف تحركات الميليشيات الإيرانية والحرس الثوري الإيراني وشحنات الأسلحة والمواقع الاستراتيجية الأخرى، بناءً على المعلومات الاستخباراتية التي جمعتها".

ويهدف ما سبق إلى "إدارة القوة الإيرانية في سوريا وإبطاء طرق التهريب الممتدة من إيران إلى لبنان لدعم حزب الله اللبناني".

ويتابع لانغلويس أن "المنشأة العلمية في مصياف أحد عناصر الشبكة الإيرانية متزايدة التعقيد"، و"من المرجح أن تنظر إليها إسرائيل باعتبارها تهديدا كبيرا، بسبب الفرص المتاحة لصنع أسلحة تقليدية و/أو كيماوية".

"تراخي الرد الإيراني"

وقبل ضربة مصياف نفذت إسرائيل عشرات الضربات الجوية في سوريا، كان أبرزها تلك التي استهدفت القنصلية الإيرانية في دمشق، وهجمات أخرى أسفرت عن مقتل قادة كبار في "الحرس الثوري" الإيراني.

ولا يزال الرد من جانب النظام السوري مقتصرا على بيانات التنديد التي تصدرها وزارة خارجيته.

وفي حين أعلنت إيران "الرد" على ضربة قنصليتها في دمشق بإطلاق مسيرات وصواريخ بالستية باتجاه إسرائيل، إلا أن طبيعة ما فعلته قبل أشهر لم يتناسب مع حجم الهجوم الذي طالها.

ويعتقد الباحث السوري الدسوقي أن "تراخي الرد الإيراني وأذرعه ساعد على الهجمات الإسرائيلية المتكررة خشية الانجرار إلى حرب إقليمية".

ويرى أن "حيادية النظام السوري في المعادلة الإقليمية ذات الصلة بإسرائيل كانت عاملا مساعدا أيضا في منح الأخيرة الضوء الأخضر للتصعيد، دون الخشية من تبعات ذلك".

ولا تبعد مصياف كثيرا عن قاعدة "حميميم" الروسية، الواقعة في ريف محافظة اللاذقية.

وحتى الآن لم يصدر أي موقف من موسكو، وهي التي سبق أن أبرمت عدة تفاهمات مع إسرائيل، ضمن إطار آلية "عدم التضارب" أو كما تعرف أيضا بـ"الخط الساخن".

ولدى روسيا وإسرائيل تفاهم على أن الأخيرة يمكنها أن تضرب داخل سوريا دون خوف من استهداف أصولها أثناء الهجمات، وفق الباحث الأميركي لانغلويس.

ولا يبدو، وفقا لذات الباحث، أن الخطوط العريضة العامة للاتفاق بشأن الوصول العسكري إلى سوريا "مهددة".

ويرتبط غياب حالة التهديد بفكرة أن روسيا غارقة في حربها على أوكرانيا، ولأن هدفها الأساسي هو استقرار سوريا الأسد وانتصاره في الحرب ودفع القوات الأمريكية للانسحاب.

ويتابع الباحث حديثه بأن "روسيا لا تزال تعتقد أنها قادرة على تحقيق هذان البندان، حتى لو كانت إيران ملطخة بالدماء".

"تتلقى الضربات وتعود"

وتنتشر إيران في عموم الجغرافيا السورية، وتدعم ميليشيات على الأرض، وهو ما تنفيه طهران مؤكدة أن حضورها في البلاد يقتصر على "المستشارين".

ورغم أن الكثير من المواقع الخاصة بها تعرضت لضربات إسرائيلية خلال السنوات الماضية إلا أن انتشارها لم ينقطع فيها، مما يثير التساؤلات عن السبب الذي يحوّل دون تغييرها المواقع المكشوفة.

ومطلع العام الحالي كانت منشأة "البحوث العلمية" في مصياف قد تعرضت للقصف.

وانسحبت هذه الحالة أيضا على السنوات الماضية، وبدءا من عام 2017، حسب إحصائية وثقها الباحث الأمني السوري، نوار شعبان.

وفي 2018 شهدت مصياف و"مركز البحوث" التابع لها حدثا كبيرا أيضا، تمثل بمقتل المدير المسؤول عنه عزيز إسبر، إثر انفجار عبوة ناسفة استهدفته على إحدى طرقات المنطقة.

وبوجهة نظر الباحث الأميركي لانغلويس ستظل إيران تنكر وجود قوات أو ميليشيات لها في سوريا غير المستشارين، و"هو أمر معقول وبالغ الأهمية في حرب الظل مع إسرائيل".

وفيما يتعلق بالأسباب التي تقف وراء مواصلة إيران البقاء في مواقعها المكشوفة، يرى الباحث أن هذه القضية "لها علاقة أكبر بقدرة إسرائيل على الوصول إلى سوريا منه بالتفكير الاستراتيجي الإيراني".

وبوسع الإيرانيين أن يختبئوا في المخابئ، وهو ما ورد أنهم بدأوا في القيام به في أماكن مثل الميادين بريف دير الزور، في السنوات الأخيرة.

وربما يتصور المرء أن إيران قد تكون في وضع أفضل، إذا ما حفرت في شرق سوريا الأكثر جبلية كما فعل "حزب الله" في جبال وتلال لبنان، حسب الباحث.

لكنه يضيف مستدركا أن تلك الاستراتيجية "لا يبدو أنها حدثت إما بسبب القيود على الموارد أو بسبب الافتقار إلى الموافقة من جانب روسيا، التي تتواجد بالفعل بكثافة في اللاذقية وطرطوس".