مشهد عام لدير الزور في سوريا
مشهد عام لدير الزور في سوريا

لم يكن الهجوم الذي استهدف "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) في دير الزور السورية يوم الأربعاء الأول في نوعه ولن يكون الأخير حسبما يتوقع خبراء ومراقبون، ورغم تنفيذه تحت "عباءة عشائرية" تشير الاتهامات والسياق العام إلى "أياد خفية" تحركها إيران بهدوء، بهدف "إحداث الزعزعة".

وانطلق الهجوم من الضفة الغربية لنهر الفرات الخاضعة لسيطرة النظام السوري والميليشيات المدعومة من إيران، وتمكن خلاله "مقاتلون عشائريون" من دخول عدة قرى وبلدات على الضفة الشرقية.

وبعدما استهدفوا مركبات ومواقع لـ"قسد" المدعومة من الولايات المتحدة الأميركية ونشروا فيديوهات توثق ذلك انسحبوا إلى مواقعهم، بعدما استقدمت القوات الكردية تعزيزات، وأعلنت حالة استنفار وحظر كامل للتجول في المنطقة المستهدفة.

المواجهات التي لم تزد عن 4 ساعات أسفرت عن قتلى مدنيين، ودفعت "قسد" على الفور لإصدار بيان يتهم النظام السوري ورئيس "جهاز المخابرات العامة"، حسام لوقا، بتنسيق الهجوم المفاجئ.

ولم تتوقف مجريات الأحداث عند ذلك، إذ اتجهت "قسد" في مرحلة لاحقة إلى قطع الطرقات الواصلة إلى "المربع الأمني" التابع للنظام السوري في محافظة الحسكة، كما ورد في نشرة إخبارية للتلفزيون السوري الرسمي، صباح الخميس.

ويخضع جزء من محافظة دير الزور شرقي سوريا منذ سنوات لسيطرة "قسد"، التي تتركز مناطق انتشارها بشكل رئيسي على الضفة الشرقية لنهر الفرات، وتحظى بدعم من التحالف الدولي، الذي تقوده الولايات المتحدة.

ويسيطر النظام السوري مع ميليشيات تتبع لـ"الحرس الثوري" الإيراني في المقابل على مدن وبلدات المحافظة الواقعة على الضفة الغربية.

وفي حين أن الهجمات التي تنطلق من الشرق إلى الغرب على ضفاف "الفرات" ليست جديدة تسلط الأحداث التي حصلت الأربعاء الضوء على "الورقة العشائرية" التي باتت تستغلها إيران بقوة في المنطقة المعروفة بطابعها العشائري العربي.

وجذور محاولات الاستغلال هذه نمت قبل عدة سنوات. وتفرعت على نحو أكبر بعد سبتمبر 2023، عندما دخلت "قسد" في صدام مع شيخ قبيلة العكيدات في دير الزور، إبراهيم الهفل، مما اضطر الأخير بعد مواجهات للفرار إلى مناطق سيطرة النظام السوري.

ما الذي تريده إيران؟

ولإيران وميليشيات "الحرس الثوري" انتشار واسع في شرق سوريا، وبالتحديد في محافظة دير الزور، ومدينتي البوكمال والميادين.

ولأكثر من مرة كانت تلك الميليشيات تطلق الصواريخ والقذائف باتجاه القواعد الأميركية المتواجدة في المنطقة.

وبينما كانت واشنطن ترد ضمن مسار متواتر بدأت تبرز بالتدريج تشكيلات تحت غطاء "قوات العشائر العربية". وانخرط قسم منها في هجوم الأربعاء، وأبرزها "أسود العكيدات" التي يتزعمها، هاشم المسعود السطام.

ويرى الباحث السوري في مركز "عمران للدراسات الاستراتيجية"، سامر الأحمد، أن أحداث الأربعاء هي عبارة عن "هجوم من ميليشيات مدعومة من إيران تحت مسمى قوات العشائر".

ويشرح أنها عبرت نهر الفرات وحاولت التمركز، لكنها انسحبت في وقت لاحق، وسط توارد معلومات عن تدخل التحالف الدولي من خلال الطيران.

ويقول الأحمد لموقع "الحرة" إن لإيران "هدف واضح وهو العبور من ضفة الفرات الغربية إلى الشرقية، وخلق حالة من الفوضى والزعزعة"، مستغلة بذلك حالة "الغضب العشائري" على "قسد" في المنطقة.

ومن جهته يعتقد مدير شبكة "دير الزور 24"، عمر أبو ليلى، أن هجوم الخلايا التابعة لإيران على قرى وبلدات الضفة الشرقية للفرات يبعث برسائل.

ويضيف لموقع "الحرة" أن "إيران تحاول الضغط على الولايات المتحدة الأميركية في هذه المرحلة بالتحديد"، والقول بأنها "تمتلك بديلا عن الميليشيات العراقية وقادرة على الدخول لمناطق نفوذ التحالف والضرب ومن ثم العودة".

يربط أبو ليلى ما حصل في دير الزور مع حالة الترقب الحاصلة بشأن الرد الإيراني المحتمل على إسرائيل.

ويشير من ناحية أخرى إلى أن هدف الهجوم يكمن أيضا "بإحداث نوع من التغطية على عمليات تهريب الأسلحة"، ولاسيما مع تواتر عبور القوافل العسكرية من معابر "الحشد الشعبي" العراقي، باتجاه مدينة البوكمال.

"إبقاء الصراع محليا"

وفي مايو 2024 توصل تحليل نشرته "مجموعة الأزمات الدولية" إلى فكرة أن "إيران حولت تركيزها بعد الضربات الانتقامية الأميركية الأخيرة إلى تخفيف القبضة الهشة بالفعل لـ(قسد) التي يقودها الأكراد شرق نهر الفرات".

واستندت بذلك على "الميليشيات القبلية العربية"، وعلى الطابع العشائري الذي تعرف به المنطقة هناك.

التحليل توصل أيضا إلى أن "استهداف قسد له منطق استراتيجي واضح".

وأوضح أن مفاد ذلك المنطق يذهب باتجاه "إبقاء الصراع محليا، وبالتالي فرض خطر محدود من الانتقام الأميركي". ويصل كل ذلك إلى نقطة دفع واشنطن لتقليص وجودها هناك.

الولايات المتحدة الأميركية من جهتها كانت قد علّقت في السابق على محاولات الاستغلال التي تقوم بها إيران في المنطقة ذات الطابع العشائري.

وردا على سؤال يتعلق بموقفها من التحركات الإيرانية قال السكرتير الصحفي لوزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، بات رايدر، قبل ثلاثة أشهر إن ذلك "ليس سلوكا جديدا على إيران".

وأضاف أن الطريقة التي تدير فيها إيران أعمالها هي تدريب المجموعات الوكيلة والتأثير عليها، في إطار سياستها الخارجية الهادفة لطرد الولايات المتحدة من الشرق الأوسط.

رايدر أشار أيضا إلى أن هدف طهران من إزاحة واشنطن من المنطقة هو إتاحة المجال لتنفيذ ما ترغب به إيران في المنطقة "دون رادع"، وأكد أن تلك المساعي هي مسار تواصل الولايات المتحدة مراقبته.

كما تابع أنه من المهم، من وجهة نظر الولايات المتحدة، وعندما يتعلق الأمر بالشرق الأوسط، أن تحترم سيادة البلدان التي تعمل معها، على عكس بعض هذه المجموعات الوكيلة (الميليشيات الموالية لإيران)، التي دمجت نفسها في هذه الدول.

"النفخ على الجمر تحت الرماد"

وكانت أحداث سبتمبر 2023 قد كشفت عن "شرخ" في العلاقة بين "قسد" وأبناء العشائر العربية، الذين يقيمون في مناطق سيطرتها على الضفة الشرقية للفرات.

وتمثلت تلك الحالة بخروج مظاهرات، وانخراط العديد من أبناء العشائر في مواجهات ضدها، دعما لشيخ قبيلة العكيدات، إبراهيم الهفل، الذي فر من معقله في بلدة ذيبان باتجاه مناطق سيطرة النظام السوري.

وفي أعقاب تلك المواجهات الأولى في نوعها اتخذت "قسد" بالصورة العامة خطا جديدا، لكنه لم يخرج عن نطاق اللقاءات التي جمعت قائدها، مظلوم عبدي، مع شيوخ عشائر دير الزور.

ورغم أن عبدي أكد في تصريحات سابقة له أن "العشائر هم الضمانة الأساسية لحماية المنطقة من كل التهديدات التي تتعرض لها" يعتبر مراقبون أنه لم تكن هناك أي إجراءات حاسمة وفعلية من جانبه على الأرض.

ويقول الباحث السوري الأحمد إن "قسد" تتحمل مسؤولية كبيرة عما يحصل في مناطق سيطرتها بدير الزور.

ويوضح أنها قدمت عدة وعود في الأشهر الماضية بشأن مطالب تحسين الواقع الخدمي والاقتصادي والسياسي والحريات "ولم تلبي منها إلا جزء يسير".

الأحمد يعتبر أن "حالة العناد من قبل (قسد) تجاه أبناء العشائر وإصرارها على تعيين كوادر من حزب العمال الكردستاني في دير الزور تثير غضب الأهالي، وتدفعهم لكي يكونوا وقودا لتنفيذ استراتيجية إيران في المنطقة".

ويتابع قائلا: "الأهالي في دير الزور يرفضون إيران ويقولون إن (قسد) أفضل الأسوأ لكن الوضع قد لا يدوم طويلا ومن المحتمل أن يزداد سوءا على المستوى الأمني والاقتصادي والسياسي".

دخان يتصاعد جراء قصف جوي على حي في دير الزور السبت
خارطة الانتشار الإيراني بسوريا.. "عاصمة ميليشيات الحرس الثوري" والمناطق الأخرى
عندما يتردد اسم إيران عسكريا في سوريا دائما ما تتجه الأنظار إلى شرقي البلاد حيث محافظة دير الزور ومدينة البوكمال الواقعة على الحدود مع العراق، ورغم أن هذه المنطقة يصفها خبراء ومراقبون باسم "عاصمة ميليشيات الحرس الثوري" لا يقتصر الانتشار فيها فحسب، بل ينسحب إلى مناطق أخرى على كامل الجغرافيا السورية.

ويعتقد الأكاديمي والناشط السياسي المقيم في القامشلي، فريد سعدون، أن هجمات يوم الأربعاء "تحمل رسائل سياسية أكثر منها عسكرية".

ويقول لموقع "الحرة" إن "الدليل على ذلك أن ما جرى في سبتمبر 2023 كان شبه انتفاضة عشائرية، لكن بسبب عدم التنظيم وامتلاك الخطط والتكتيكات العسكرية لم تتكلل الأمور بنتيجة".

"أسباب دولية ومحلية"

وترتبط "قسد" بالنظام السوري بعلاقة ملتبسة منذ سنوات.

ورغم أنها تتهمه بالقيام بعمليات "تخريب" في دير الزور كانت قد فتحت الباب أمامه في 2019، حيث أدخل قوات وتعزيزات إلى طول المناطق الحدودية مع تركيا وإلى الرقة وريف حلب.

وقبل خمسة أيام فقط من الهجوم في دير الزور سمحت له وللقوات الروسية بتأسيس قاعدة في منطقة عين العرب (كوباني)، حسبما ذكرت صحيفة "الوطن" شبه الرسمية.

ويرجع الأكاديمي سعدون ما يجري في دير الزور إلى أسباب "دولية ومصالح متباينة ومتناقضة"، ومنها ما يتعلق بـ"الإدارة الذاتية" الكردية في شمال شرق سوريا.

ويوضح حديثه بالقول إن "الإدارة الذاتية لم تتمكن من كسب العشائر في دير الزور وتعاطف الشعب في المناطق الكردية، التي تشكل حاضنتها الشعبية".

وتعود أسباب ذلك إلى "ضعف الخدمات والغلاء والضرائب والأسعار، وفرض التبرعات الخاصة بحزب العمال الكردستاني، ومحاولة تنظيم مسيرات مؤيدة للأخير بشكل يومي".

سوريون يتجمعون للحصول على مساعدات غذائية إيرانية في دير الزور- صورة تعود إلى سبتمبر 2017
يريدون الصغار.. خفايا أداة إيران الناعمة بدير الزور السورية
بعيدا عن العسكرة وتشكيل الميليشيات ونشرها والمناورة بها على الأرض تقود إيران في مناطق شرق سوريا وبالتحديد في محافظة دير الزور "سياسة ناعمة"، كما يراها مراقبون، وهي "أشد خطرا" من بقية الممارسات والخطوات المعلنة، حسب تعبيرهم كونها تستهدف أفراد المجتمع هناك بهدوء.

ويضيف الأكاديمي أن هناك أسباب أخرى تتعلق بـ"الخلخلة الحاصلة في محاكم الشعب والفساد"، وأن كل ذلك "يؤدي إلى ضعف الإدارة الذاتية في التأثير على الشعب واستملاك تعاطفه".

وفي دير الزور الزور بالتحديد يشعر أبناء العشائر "بالمظلومية" بأن الإدارة في قمة الهرم ومتحكمة كرديا بينما المنطقة عربية، وهذا الشعور يخلق على حد تعبير سعدون "رد فعل بأن المنطقة خاصة بالعشائر بينما يتحكم بها الآخرون".

ويضاف إلى ما سبق فقدان الطاقة والوقود وغياب التوزيع العادل للثروات.

ويتابع الأكاديمي: "الإدارة الذاتية كانت مطالبة بتحقيق هذه المطالب الشعبية والاجتماعية والمعيشية وإلى الآن لم تفلح في تحقيق ذلك".

"الأهالي يرفضون إيران"

ولا تعتبر المناطق الخاضعة لسيطرة النظام السوري وإيران في دير الزور أفضل حالا من الواقعة على الضفة الشرقية للفرات، وخاصة على المستوى الخدمي والاقتصادي.

وعلى مدى السنوات الماضية تحولت تلك المناطق لما هو أشبه بالمنطقة العسكرية، التي تنتشر فيها ميليشيات إيرانية وعناصر غير سوريي الجنسية.

وفي غضون ذلك وثقت عدة تقارير غربية ومحلية المساعي التي تقودها إيران للتغلغل في المجتمع هناك، عن طريق وسطاء ومغريات مالية.

ويرى مدير شبكة "دير الزور 24" أبو ليلى أنه "توجد مظلومية واسعة في المنطقة ضد (قسد) وأن الأخيرة ما تزال تدور بنفس الدائرة ولا تعمل على تحقيق مطالب الناس".

لكنه في المقابل يشير إلى أن "مئات الآلاف من أهالي دير الزور لم يطبعوا مع النظام السوري وما يزالون يرفضون الانضمام لقواته وقوات العشائر التي تستغلها إيران".

ويوضح الباحث الأحمد من جانب آخر أن إيران ومن خلال هجوم الأربعاء تكون قد غيّرت استراتيجيتها من القصف والتفجير عن بعد إلى الزج بقادة محللين يتبعون لها، مثل هاشم المسعود السطام.

ويعتبر أن "الهجوم انعكس سلبا على أبناء المنطقة"، وأن "قسد استقدمت تعزيزات وأصبحت تلقي التهم باتجاه بعض أبناء العشائر بأنهم عملاء لإيران".

"زعزعة وأجندات"

ولم يتمكن المهاجمون الذين انطلقوا من ضفة الفرات الغربية من التثبت في المناطق التي تقع تحت نفوذ "قسد".

ومع ذلك يعتقد الباحث السوري الأحمد أنه قد تكون هناك "حالة تصاعد في الفوضى الأمنية وعمليات إيران المستقبلية في المنطقة".

وتذهب مجريات الأمور كما ينظر أبو ليلى لها باتجاه "إرسال الرسائل المبطنة من قبل النظام السوري وإيران بأن لدينا أياد خفية من أبناء المنطقة وقادرون على الضغط (على الولايات المتحدة الأميركية)".


ويقول مدير الشبكة الإخبارية (دير الزور 24): "إيران تريد الزعزعة في المنطقة وتنفيذ الأجندات".

ولا يمكن لمثل الهجوم الأخير أن يغير خطوط التماس ويكسر قواعد الاشتباك، كما يضيف الأكاديمي المقيم في القامشلي، فريد سعدون.

ويوضح أن "القوات العشائرية صغيرة وليست كبيرة عدديا ولا تمتلك القوة الكافية على مستوى السلاح والتنظيم والقيادة من أجل اختراق تحصينات (قسد)".

ويشير إلى أن "قسد مدربة وتمتلك أسلحة نوعية وخبرة طويلة في القتال، كما أنها تتلقى دعما لا متناهيا من التحالف الدولي، وخاصة عن طريق الجو".

ومن ناحية أخرى يعتقد سعدون أنه "ما دام الحل السياسي غائب ستظل الهجمات مستمرة".

ويقول إن "العمليات الجراحية الموضعية التي تقوم بها قسد لا تحل المشكلة، وسيبقى أبناء العشائر يطالبون بحقوقهم"، وخاصة في الملف الأكبر والمتعلق بأبنائهم المعتقلين، بتهمة الانضمام لتنظيم داعش في السابق.

وكانت "الإدارة الذاتية" قد أصدرت عفوا عاما، قبل أسبوعين، وأفرجت بموجبه عن مئات المعتقلين في السجون والمشمولين بقانون مكافحة الإرهاب. وجاء ذلك بحسب وسائل إعلام مقربة منها بعد "مطالبات عشائرية" للعفو عن المحكومين بجنايات "الإرهاب".

الرئيس التركي في استقباله الأخير لوزير خارجية الإدارة السورية الجديدة
الرئيس التركي في استقباله الأخير لوزير خارجية الإدارة السورية الجديدة

أن يخرج مسؤول تركي ويصرّح بشأن قضية ترسيم الحدود البحرية في شرق المتوسط هو حالة مألوفة منذ سنوات وطالما ترددت على كل لسان في أنقرة. لكن هناك ما هو جديد ولافت الآن.

يتعلق هذا الجديد بسوريا، التي قد يعيد التغيير التاريخي فيها رسم خارطة الطاقة الإقليمية، بحسب خبراء ومحللين تحدثوا لموقع "الحرة".

ما إن لبثت البلاد من نفض الغبار الذي تركه عليها نظام الأسد قبل سقوطه حتى خرجت تصريحات رسمية من أنقرة. وجاءت هذه التصريحات من طرف وكأنه رمى حجرا في بركة مياه راكدة.

الطرف هو تركيا وأعلنت بعد سقوط الأسد على لسان وزير النقل فيها، عبد القادر أورال أوغلو أنها تعتزم بدء مفاوضات مع الإدارة الجديدة في سوريا من أجل ترسيم الحدود البحرية في البحر المتوسط.

وذكر الوزير أن مثل هذه الصفقة ستسمح للبلدين بـ"تحديد مساحات نفوذهما" للتنقيب عن النفط والغاز"، وهو الأمر الذي يثير عدة تساؤلات جوهرية على صعيد قضية غاز شرق المتوسط.

هذه القضية (الترسيم وغاز شرق المتوسط) هي الأساس كما وضعها المسؤولون الأتراك وسلطت وسائل الإعلام المقربة من الحكومة الضوء عليها كثيرا أيضا، خلال الأيام الماضية.

ومع ذلك، يضاف إليها قضايا أخرى، وترتبط على وجه الخصوص بخطوط أنابيب الطاقة والتغيرات التي قد تطرأ على مساراتها، ومن هم الخاسرون والرابحون؟

ولم يصدر أي تعليق حتى الآن من الجانب السوري على صعيد القضية التي أثارتها أنقرة، وقالت إنها تعتزم بدء مفاوضات بشأنها.

ورغم أن استشراف مآلاتها ومستقبلها في المرحلة المقبلة قد يكون بعيدا بالنظر إلى طبيعة الحكم المؤقت الآن في سوريا، لا تنطبق هذه الحالة عند الوقوف على الأهداف التي تقف خلف العجلة التركية بشأن عملية الترسيم.

قضية ترسيم الحدود البحرية الذي دائما ما تطرحها أنقرة هو ملف معقد وشائك، وتدور منذ سنوات طويلة في حالة من الأخذ والرد.

علاوة على ذلك، تعد قضية غاز شرق المتوسط واحدة من أبرز القضايا الجيوسياسية والاقتصادية في المنطقة، حيث تتداخل فيها مصالح العديد من الدول المتنافسة على الموارد الطبيعية في هذه المنطقة الاستراتيجية.

وتتنازع عدة دول على حقوق الاستفادة من هذه الموارد، وهي تركيا، اليونان، قبرص، إسرائيل، لبنان ومصر، حيث تقوم كل دولة بالمطالبة بحقوق بحرية تمتد على مسافات شاسعة في المتوسط.

ويعود ما سبق جزئيا إلى عدم وضوح الحدود البحرية في بعض المناطق، والتي لم يتم الاتفاق عليها بين الدول المعنية، مما يعقد عملية استخراج الغاز، ويجعلها عرضة للتهديدات السياسية والاقتصادية.

"خطة اللاعب الرئيسي"

ومن الواضح أن تركيا ترغب في التفاوض بسرعة على اتفاق لترسيم الحدود مع الحكومة السورية الانتقالية، من أجل "تعزيز خطتها لتصبح اللاعب الرئيسي في غاز شرق المتوسط"، كما يعتقد خبير الطاقة والجغرافيا السياسية، توماس أدونيل.

ولديها هدف آخر بأن "تكون المحور الذي يخدم أوروبا، مما يحل محل روسيا".

كما أن تركيا بحاجة إلى الغاز للاستخدام المحلي، وفق أدونيل.

ولذلك يعمل الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، بحسب قوله "على الحصول على أكبر قدر ممكن من الغاز من شرق المتوسط وقطر، لتقليل اعتماد بلاده المفرط والخطر على الغاز الروسي".

الباحث في الشأن التركي، محمود علوش، يوضح من جانبه أن تركيا كشفت عن نواياها الاستراتيجية في ما يتعلق بالعلاقة مع سوريا الجديدة.

ويقول لموقع "الحرة" إنها "تطمح أن تعيد العلاقة تشكيل موازين القوى على مستوى الصراع الجيوسياسي في شرق المتوسط".

لكن علوش يعتقد أن مثل هذه الاتجاهات الاستراتيجية بين تركيا وسوريا "لا يمكن أن نلحظها في المستقبل المنظور".

ويضيف من جانب آخر "نحن أمام وضع جديد في سوريا.. وهذا الوضع يشكل مناسبة لتشكيل علاقة تحالف استراتيجي بين تركيا وسوريا".

وسيكون لهذه العلاقة آثار كبيرة على إعادة تشكيل الجغرافيا السياسية الإقليمية.

كما قد تعيد تشكيل توازن القوى في قضايا حيوية للبلدين ولتركيا على وجه الخصوص، لاسيما قضية الصراع الجيوسياسي في شرق المتوسط.

ورغم أن العديد من الدول الإقليمية والدولية تتعامل مع الإدارة السورية الجديدة، من الناحية القانونية، فإن هذه الإدارة لا تمتلك السلطة القانونية لتوقيع أي اتفاق يعيد ترسيم الحدود البرية أو البحرية.

ومع ذلك ترى الباحثة اليونانية في شؤون الشرق الأوسط، إيفا كولوريوتيس، أن "أنقرة تريد من إثارة قضية ترسيم الحدود البحرية الضغط على نيقوسيا وأثينا".

وهذا الضغط لا يمكن فصله عن الشعبية المحلية الكبيرة لما يُعرف بـ "الوطن الأزرق" في المجتمع التركي.

من ناحية أخرى، تعتقد كولوريوتيس في حديثها لموقع "الحرة" أن أنقرة قد تسعى في مرحلة لاحقة لفتح ملف ترسيم الحدود البحرية مع سوريا لتقليص الخلافات ووضع أساس للدولة السورية الجديدة.

كما قد تسعى إلى التوصل إلى اتفاق على مذكرة تفاهم مع الإدارة السورية الحالية أو مع الحكومة الانتقالية التي قد تتشكل لاحقا، في خطوة مشابهة لمذكرة التفاهم التي تم توقيعها في ديسمبر 2019 بين أنقرة والمجلس الرئاسي في طرابلس الليبية.

هل الترسيم سهل؟

عملية ترسيم الحدود البحرية، التي أعاقتها سابقا الخلافات حول وضع هاتاي (لواء إسكندرون) توقفت في عام 2011 بسبب تدهور العلاقات بين تركيا وسوريا.

وحتى الحدود الجانبية التي تفصل المياه الإقليمية التي يبلغ عرضها 12 ميلا لكلا البلدين لم يتم تحديدها لهذه الأسباب، وفقا للباحث التركي، يوجيل آجار.

ولا شك أن مثل هذه الاتفاقية من شأنها أن توفر مكاسب لتركيا، حيث تعترف سوريا رسميا بأن منطقة هاتاي تحت السيادة التركية.

في أوائل الثمانينيات، عقدت الدولتان مفاوضات لتحديد الحدود الجانبية للمياه الإقليمية، لكن المحادثات فشلت بسبب الخلافات حول هاتاي.

ويشير الباحث آجار إلى مكاسب أخرى تركز على الطاقة، في حال تمت اتفاقية ترسيم الحدود.

ويشرح فكرته بالقول "مع تحديد الحدود البحرية، ستوفر المعرفة والخبرة والبنية التحتية والتكنولوجيا التركية لسوريا ميزة، من حيث أنشطة استكشاف الطاقة".

ومن ناحية أخرى، يمكن القول إن الدور الإقليمي القوي لتركيا في شرق البحر الأبيض المتوسط يمكن أن يساعد سوريا أيضا في تعزيز علاقاتها مع الجهات الفاعلة الإقليمية الأخرى.

لكن ما سبق لن يكون بالأمر السهل وفق خبراء آخرين. لماذا؟

لأننا أمام ملف معقد ومتشابك يرتبط بعدد من الدول في البحر الأبيض المتوسط، كما تقول الباحثة كولوريوتيس.

بالإضافة إلى ذلك، هناك نزاع بين تركيا واليونان حول المنطقة الاقتصادية الخالصة بين البلدين وقضية قبرص، ونزاعات أخرى بين تركيا ومصر وبين اليونان ومصر.

أما بالنسبة لليبيا، ومع وجود حكومتين، واحدة ذات مرجعية برلمانية في الشرق والأخرى في طرابلس، فلكل حكومة تفسيرها الخاص للحدود البحرية، بحسب ذات الباحثة.

تبرز تعقيدات أخرى، على الصعيد القانوني بالتحديد.

وتوضح كولوريوتيس أن أي خطوة قانونية في هذا الاتجاه (ترسيم بين تركيا وسوريا) ستتطلب موافقة قبرص، سواء الجزء التركي أو اليوناني.

وتعتبر القضية المذكورة شائكة للغاية بالنظر إلى الخلافات حول مستقبل الجزيرة بين الجانب التركي الذي يطالب بالانفصال ونيقوسيا التي ترفض أي خطوة انفصالية وتدعم وحدة الجزيرة مقابل نوع من الفيدرالية للجزء الشمالي.

وفي المقابل يجب على تركيا وسوريا أيضا الانخراط في حوار مع لبنان، حيث يتطلب ترسيم الحدود السورية اللبنانية أيضا التنسيق.

وكان الرئيس القبرصي نيكوس كريستودوليديس أجرى زيارة عاجلة إلى بيروت في اليوم الثاني من تولي العماد جوزاف عون رئاسة لبنان، كخطوة استباقية.

وتضيف كولوريوتيس أن "الزيارة تسلط الضوء على وجود عدة ملفات تربط بين البلدين، بما في ذلك ملف ترسيم الحدود البحرية".

لم تنس كولوريوتيس أيضا الخلافات الكامنة بين تركيا ومصر بشأن الحدود البحرية أيضا.

وتؤكد "ملف ترسيم الحدود البحرية بين تركيا وسوريا في ضوء التغيرات السياسية الجارية في سوريا بعد سقوط نظام الأسد، لن يتم حله في أي وقت قريب".

لماذا الآن؟

بعد عامين من اندلاع الثورة السورية كتبت ربا الحصري وهي خبيرة ومحللة في قضايا الطاقة في الشرق الأوسط مقالا تحليلا استهدف تلك الفترة ويكاد يواكبها الآن.

جاء في المقال على مركز أبحاث "كارنيغي" أن "سوريا قد لا تكون منتجا رئيسيا للنفط أو الغاز في الشرق الأوسط، ولكن نتائج الانتفاضة فيها قد تحدد شكل خريطة الطاقة الإقليمية في المستقبل".

المقال أوضح أن "الموقع الجغرافي للبلاد يوفر إمكانية الوصول إلى المتوسط للكيانات غير الساحلية التي تبحث عن أسواق لمنتجاتها الهيدروكربونية".

وأضاف أن الموقع يعطي أيضا فسحة أخرى للبلدان التي تسعى إلى الوصول إلى أوروبا دون الحاجة إلى المرور عبر تركيا.

نظام الأسد سقط بالفعل فجأة وقد لا تنحصر التبعات على الداخل بل على مستوى الإقليم. هذا ما أشار إليه أيضا "تشاتم هاوس"، في السابع عشر من ديسمبر 2024.

وأشار المركز إلى أن "ترسيم الحدود البحرية بين تركيا وسوريا يعطي الأولى فرصة حاسمة".

فقد تكون الحكومة السورية الجديدة أكثر استعدادا للاعتراف بمطالبات تركيا بالمنطقة الاقتصادية الخالصة في شرق المتوسط، وهو ما من شأنه أن يعزز موقف أنقرة في النزاعات الجارية مع اليونان وقبرص.

وقد يشمل ذلك المطالبات التركية ومطالبات جمهورية شمال قبرص التركية - وهي دولة بحكم الأمر الواقع لا تعترف بها إلا أنقرة، بحسب "تشاتم هاوس".

"فرصة"

الفرص أمام تركيا والطموحات كانت برزت في قمة الطاقة الكبرى التي عقدت في إسطنبول، نوفمبر 2024.

فقد استضاف المسؤولون الأتراك وزراء من كبار منتجي الغاز بما في ذلك أذربيجان وليبيا وأوزبكستان، إلى جانب ممثلين من بلدان العبور مثل جورجيا ومستوردين من أوروبا الشرقية.

وتتمثل رؤية أنقرة في أن تعمل تركيا كنقطة عبور رئيسية بين منتجي الغاز إلى الشرق والجنوب، والأسواق إلى الغرب.

يقول مقال "تشاتم هاوس" إن البنية الأساسية الحالية للطاقة توفر أساسا جيدا لهذه الطموحات التركية.

ويوضح أن خط أنابيب الغاز الطبيعي عبر الأناضول، الذي يشكل جزءا من ممر الغاز الجنوبي الذي ينقل الغاز الأذربيجاني إلى أوروبا، يثبت بالفعل مدى ملاءمة تركيا كدولة عبور.

كما تمتلك البلاد سبعة خطوط أنابيب للغاز، وخمس محطات للغاز الطبيعي المسال، وثلاث وحدات تخزين عائمة، ومنشأتين للتخزين تحت الأرض ــ فضلا عن فائض كبير من القدرة على الاستيراد يمكن استخدامه في التجارة.

وفي ما يتعلق بسوريا فإن إمكانية قيام دولة سورية جديدة مستقرة تخلق فرصة لتركيا للاستفادة من هذه الإمكانات المذكورة.

ويشرح كاتب مقال "تشاتم هاوس"، كريم الجندي أنه من خلال إنشاء خط أنابيب للغاز إلى الغرب من سوريا والاتصال بشبكة خط أنابيب الغاز العربي القائمة (التي تربط بين سوريا والأردن ومصر)، تستطيع تركيا أن تقدم لمنتجي الغاز الإقليميين مثل إسرائيل ومصر طريقا أكثر جدوى تجاريا إلى الأسواق الأوروبية مقارنة بالبدائل الحالية للغاز الطبيعي المسال.

ومن شأن هذا أن يشكل تحديا فعليا لمنتدى غاز شرق المتوسط، وهو تحالف يضم مصر وإسرائيل واليونان وقبرص وفلسطين والأردن وإيطاليا وفرنسا، بحسب الجندي.

وكان مشروع خط أنابيب شرق المتوسط الرائد التابع لمنتدى غاز شرق المتوسط قد عانى من حيث الجدوى الفنية والمالية.

ولم يحقق خط الأنابيب المقترح بطول 1900 كيلومتر، والذي يربط بين إسرائيل وقبرص واليونان سوى تقدم ضئيل، كما تعرض لضربة قوية عندما سحبت الولايات المتحدة دعمها في عام 2022.

ولذلك فإن الطريق البري عبر سوريا إلى البنية التحتية القائمة في تركيا من شأنه أن يوفر بديلا أقصر وأبسط من الناحية الفنية وأكثر فعالية من حيث التكلفة، وفق "تشاتم هاوس".

وقد يمثل هذا أيضا فرصة مستقبلية للبنان، الذي بدأ مؤخرا أعمال التنقيب البحرية ويفتقر إلى البنية التحتية الخاصة به للتصدير.

"لعبة أنابيب"

علاوة على ما سبق، فإن الاستقرار في سوريا قد يسمح بإحياء مشروع خط الأنابيب المعطل منذ فترة طويلة لربط حقول الغاز الطبيعي القطرية بتركيا عبر المملكة العربية السعودية والأردن وسوريا.

أشار إلى ما سبق مركز مركز "بيجين-السادات للدراسات الاستراتيجية الإسرائيلي" (مركز بيسا).

كما سلطت الضوء عليه وكالة "الأناضول" التركية شبه الرسمية، لترسم خارطة تحدد الفوائد المكاسب الخاصة به. بعد يوم واحد فقط من سقوط نظام الأسد!

مركز الأبحاث الإسرائيلي نشر أيضا خارطة أنابيب طاقة أخرى تمر من سوريا.

وأوضح أن سقوط نظام الأسد في سوريا "أدى إلى إحياء خطط تركيا لبناء خطوط أنابيب النفط والغاز عبر البلاد، وتحويلها إلى ممر طاقة إقليمي للدول المجاورة".

ومن شأن بعض هذه الخطط أن توفر لدول الخليج العربية طريقا بريا أكثر ملاءمة لتصدير الطاقة إلى أوروبا عبر تركيا، مما يشكل تحديا لتطلعات إسرائيل المماثلة، وفقا لمركز "بيسا".

وأضاف أنه ورغم أن إسرائيل تتمتع بفرص أخرى لتصدير غازها الطبيعي إلى أسواق جديدة عبر خطوط الأنابيب، إلا أنها تشكل خطر تقويض علاقات إسرائيل مع اليونان وقبرص.

وختم المركز تقريره بتوصية مفادها: "يجب على إسرائيل أن تتابع (لعبة خطوط الأنابيب) في سوريا عن كثب لضمان عدم مرور الفرص الاقتصادية الجديدة في المنطقة دون أن تستغلها".

ما الذي تأمله أنقرة؟

بناء على الواقع القائم في سوريا لا يمكن أن نتصور اتفاقا لترسيم الحدود مع تركيا في المدى المنظور، بحسب الباحث علوش.

لكنه يضيف أن "ما تأمله أنقرة في نهاية المطاف هو أن تكون هناك حكومة مستقرة وطويلة الأمد في دمشق تساعد في التأسيس لعلاقات استراتيجية معها".

وهذه العلاقات ترتبط بالأساس بالمجالات الخاصة بقضية شرق المتوسط.

وفي حال تم الاتفاق "سيكون له آثار كبيرة على المنافسة الجيوسياسية في شرق المتوسط".

ومن جانب "سيعزز موقف تركيا في هذه المعادلة، ويضعف مواقف الأطراف الأخرى المتصارعة لاسيما قبرص الجنوبية واليونان"، بحسب علوش.

ولم تعلّق مصر خلال الأيام الماضية على القضية التي أثارتها أنقرة.

وفي المقابل سارعت كلا من اليونان وقبرص للتعليق على الخطة التركية وإعلان رفضهم القاطع لها.

ويوضح علوش أن "خطوة ترسيم الحدود البحرية بين تركيا وسوريا ستقلق دول حوض المتوسط الأخرى مثل مصر وإسرائيل".

ويقول: "لأن أي تفوق لتركيا في المعادلة سيؤثر على مكانة الأطراف الأخرى في هذا الصراع".

ومع ذلك وبينما هناك فرص واحتمالات وسيناريوهات تلوح في الأفق سلسلة من العقبات.

من هذه العقبات أن "أي اتفاق ثنائي مع الحكومة السورية الانتقالية الضعيفة من جانب تركيا سيواجه معارضة من اليونان، قبرص، الاتحاد الأوروبي، وربما إسرائيل".

قال ما سبق خبير الطاقة والجغرافيا السياسية، توماس أدونيل.

وأوضح من جانب آخر أنه "من أجل بناء خطوط الأنابيب المكلفة التي يحتاجها شرق البحر المتوسط، هناك حاجة إلى ضمانات أمنية لمدة 25 عاما على الأقل للاستثمارات".

ولذلك، "فإن هذه الاستراتيجية المتعلقة بالاتفاقات الثنائية المتنازع عليها حول الحدود البحرية قد لا تكون حلا".

الحل يذهب فقط باتجاه "مؤتمر متعدد الأطراف"، يوافق فيه جميع الأطراف على ترسيم الحدود البحرية، خاصة فيما يتعلق باستغلال موارد النفط والغاز.

ومن شأن المؤتمر أيضا أن يوفر الأمان الجيوسياسي للاستثمارات في خطوط الأنابيب التي يحتاجها الفاعلون الإقليميون وتركيا من أجل أمن الطاقة لجميع الأطراف، بحسب أدونيل.

ماذا لو أبرم الاتفاق؟

"قد تبرم أنقرة ودمشق اتفاقا.. لكنني أعتقد أن الواقع هو أن الولايات المتحدة هي الوحيدة التي يمكنها التوسط في اتفاق إقليمي لخطوط الأنابيب إلى أوروبا"، بحسب أدونيل.

ويقول إن الاتفاق قد يكون بأن يتم نقل الغاز الإقليمي إلى تركيا أولا، ثم إلى أوروبا، كما يريد إردوغان.

ومع ذلك، من المحتمل أن تطلب الولايات المتحدة من تركيا تقديم تنازلات، يضيف الخبير.

ويطرح مثالا عن هذه التنازلات "مثل تقديم المزيد من الدعم لأوكرانيا، وتقليل التعامل مع روسيا، أو الموافقة على التقارب مع إسرائيل".

قانونيا، وحتى إذا توصلت تركيا وسوريا إلى تفاهم ثنائي، فإن نيقوسيا وأثينا سيرفضان ذلك بالتأكيد، مما يجعل الاتفاق غير قابل للتنفيذ، استنادا إلى حوادث مشابهة في السابق، تقول الباحثة كولوريوتيس.

على سبيل المثال، عندما توصلت بلجيكا وهولندا إلى اتفاق في الستينيات بشأن منطقة كانت ألمانيا تدعي ملكيتها، حكمت محكمة العدل الدولية بأن هذا الاتفاق غير ملزم لألمانيا، وهو ما رفضته ألمانيا.

من وجهة الباحثة "ما يجب أن يحدث في شرق البحر المتوسط هو أن تتمتع قبرص واليونان وتركيا بالإرادة السياسية للجلوس على طاولة المفاوضات من أجل التوصل إلى حل نهائي لقضية قبرص".

وبعد ذلك، يجب أن تتوحد جميع الدول المعنية لتحديد الحدود البحرية النهائية للمنطقة.

في المقابل وإذا تم التوقيع على مثل هذا الاتفاق رغم الصعوبات، فسيكون تأكيدا لتحالف استراتيجي مهم بين أنقرة ودمشق، وهو ما سينعكس في التعاون العسكري بين البلدين.

وقد يفتح ذلك الطريق لتركيا لإقامة قواعد عسكرية دائمة في سوريا، كما هو الحال في قطر وليبيا، وفقا للباحثة اليونانية.

وسيكون الاتفاق امتدادا لتحالف أكبر يجمع أذربيجان وتركيا وسوريا. و"هذا أمر ستراه إسرائيل بعين الريبة والقلق"، على حد تعبير كولوريوتس.

"الثروة تكمن بالموقع"

بلغة الأرقام كانت إنتاجية الغاز في سوريا وصلت إلى أقصى طاقتها في عام 2010 وكانت تلبي الاحتياجات المحلية، مع تصدير جزء صغير منها إلى الخارج.

أما بالنسبة للنفط، فقد وصل إنتاج سوريا في عام 2010 إلى حوالي 400,000 برميل يوميا، وهو رقم محدود مقارنة بإنتاج الدول الأخرى في المنطقة.

لكن الأرقام في وادٍ والموقع في وادٍ آخر.

وتقول الباحثة كولوريوتيس إن "سوريا تلعب دورا مهما في قطاع الطاقة بسبب موقعها الجغرافي الحيوي".

وتضيف أن "المياه الإقليمية السورية قد تكون ممرا حيويا لنقل الغاز المصري عبر الأنابيب إلى تركيا ومن ثم إلى أوروبا".

كما كانت هناك مناقشات بين تركيا وإسرائيل لتفعيل خط أنابيب غاز تحت الماء نحو الأراضي التركية، مما يعني المرور عبر المياه الإقليمية السورية.

ومن ناحية أخرى، تشير الباحثة إلى أن "مشروع نقل الغاز القطري إلى تركيا عبر الأنابيب لا يزال قابلا للتنفيذ.. وستكون سوريا ممرا مضمونا لهذا المشروع".

ويعتقد الباحث علوش أنه "يوجد قلق كبير لدول حوض المتوسط من تداعيات التحول السوري على العلاقات التركية السورية وتداعياتها على توازن القوى على شرق المتوسط".

ويقول "نستطيع القول إن هناك حقبة جديدة ستعيد تشكيل الصراع على الثروات في شرق المتوسط".