عناصر من قوات سوريا الديمقراطية (قسد) - أرشيفية
عناصر من قوات سوريا الديمقراطية (قسد) - أرشيفية

المواجهات الحاصلة على ضفتي نهر الفرات في محافظة دير الزور السورية ليست الأولى لكنها تعتبر الأشد والأكثر وضوحا على صعيد الأطراف المنخرطة على الأرض، ومن شأنها، حسبما يرى خبراء ومراقبون، أن تفرض قواعد جديدة، وتعيد تشكيل أسس العلاقة "الملتبسة" بين الطرفين المتحاربين.

الطرف الأول هو "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) المدعومة من الولايات المتحدة، والثاني هو النظام السوري والميليشيات الموالية له، التي يرتبط جزء كبير منها في دير الزور بإيران.

وأسفرت المواجهات المستمرة، منذ الأسبوع الماضي، عن قتلى عسكريين من كلا الطرفين وضحايا مدنيين بينهم أطفال، ودفعت الكثير من العائلات المقيمة في القرى والبلدات الواقعة على ضفتي "الفرات" للنزوح إلى مناطق آمنة.

وفي حين أنها اشتعلت أولا بيد قوات عشائرية متهمة بالارتباط بإيران، سرعان ما تطورت الأحداث لتصل، الاثنين، إلى حد مشاركة عناصر من "الجيش السوري" في عمليات القصف والرد المضاد، حسبما قال صحفيون من المنطقة لموقع "الحرة".

وأوضح الصحفي، زين العابدين العكيدي، أن "الأمور تتجه نحو التأزم"، وأن القصف من جانب "قسد" وقوات النظام السوري لا يزال مستمرا "بصورة عشوائية".

ويضيف أن النظام استقدم تعزيزات عسكرية إلى ريف دير الزور، في الساعات الماضية. وجاء ذلك بعد مقتل 7 من عناصره، بعملية تسلل نفذتها "قسد" انطلاقا من بلدة الصبحة باتجاه بلدة البوليل، الواقعة على ضفة الفرات الغربية.

تصعيد بين روايتين

قصة المواجهات بدأت بعد تسلل "قوات عشائرية" مسلحة، الأربعاء الماضي، من الضفة الغربية لنهر الفرات إلى الشرقية منه، الخاضعة لسيطرة "قسد" شريكة واشنطن في محاربة تنظيم داعش.

وبعدما اشتبكت لساعات مع عناصر القوات الكردية المتمركزة في قرى وبلدات عدة، انسحبت إلى مواقعها، ومن ثم اتجهت إلى تنفيذ عمليات قصف أسفرت، الجمعة، عن مقتل 11 مدنيا، حسبما قالت "قسد" والمرصد السوري لحقوق الإنسان.

واتهم النظام "قسد" أيضا بتنفيذ عمليات قصف أسفرت عن ضحايا مدنيين بالقرى والبلدات الخاضعة لسيطرته على الضفة الغربية للفرات.

وتحدث أيضا عن فرض القوات الكردية طوقا على مناطقه في محافظة الحسكة، "مما تسبب في معاناة المدنيين".

وهذه المرة الأولى التي يتبنى فيها النظام السوري، بشكل علني وواضح، المواجهات ضد "قسد" في دير الزور.

في السابق كان السلوك مقتصرا على تغطية وسائل إعلامه غير الرسمية، إذ كانت تدعم من خلال الخطاب ما وصفته بـ"انتفاضة العشائر العربية" ضد القوات الكردية.

وفي بيان لخارجيته الأحد، هاجم النظام "قسد"، وقال إنها "شنت هجمات إجرامية على أهلنا في دير الزور والحسكة والقامشلي"، وقرى أخرى في المناطق الشمالية والشرقية والشمالية الشرقية للبلاد.

واعتبر أن دعم الولايات المتحدة لمن وصفهم بيان الخارجية بـ"ميليشيات انفصالية عميلة لها" يمثل "أداة رخيصة" لتنفيذ مخططاتها.

وردا على ذلك، قالت "الإدارة الذاتية"، وهي المظلة السياسية لـ"قسد"، إن "عقلية تزييف الحقائق" التي يتبعها النظام هي ما أوصل البلاد إلى ما هي عليها الآن.

واعتبرت أن "النظام السوري آخر من يحق له التحدث عن التبعية والانفصالية"، وأن "عقليته ارتكبت مجازر بحق الشعب السوري، وأنه لا يزال على ذات المنهج".

"يد ممدودة من طرف واحد"

ويخضع جزء من محافظة دير الزور لسيطرة النظام السوري، وآخر لسيطرة "قسد".

كما يشترك الطرفان بالسيطرة على محافظة الحسكة، التي توجد فيها "مربعات أمنية" ومؤسسات حكومية رسمية انقطعت كامل الطرق المؤدية لها خلال الأيام الماضية.

ومنذ عام 2019 أبرم الطرفان "تفاهمات" برعاية روسية، أتاحت لقوات من الجيش السوري الانتشار داخل المناطق الخاضعة لـ"قسد"، خاصة في ريف حلب والرقة وأقصى الشمال الشرقي للبلاد.

وكان هناك تفاهمات أخرى، انعكست تفاصيلها على شحنات النفط الخام التي كانت تخرج من مناطق سيطرة القوات الكردية، باتجاه مناطق سيطرة النظام والمصافي الخاصة به.

وعلاوة على ذلك، دائما ما كانت "قسد" تمد يد الحوار باتجاه النظام السوري.

وقالت لأكثر من مرة على لسان قائدها، مظلوم عبدي، إنها تتطلع لأن يكون لها "دور وخصوصية في الجيش السوري".

لكن النظام السوري قابل تلك الدعوات بالتجاهل، ولم يؤكد في أي مرة أو يتطرق للتقارير التي كشفت عن "طاولة حوار" تجمعه مع القوات الكردية بين الفترة والأخرى، وبدفع وبتنسيق من موسكو.

"من 2011 إلى ما بعد كوباني"

يشرح الباحث السوري في مركز "عمران للدراسات الاستراتيجية"، أسامة شيخ علي، أنه يجب التفرقة بين محطات عدة جمعت "حزب الاتحاد الديمقراطي" و"قسد" بالنظام السوري في شمال شرق سوريا.

"الاتحاد الديمقراطي" (PYD) كان تأسس "كوريث لحزب العمال الكردستاني" في سوريا، بعد أن قرر الأخير تغيير استراتيجيته إبان اعتقال عبد الله أوجلان، مطلع عام 1999، عبر تأسيس أحزاب كردية محلية في الدول الأربع: تركيا، إيران، العراق، سوريا، وفق حديث شيخ علي.

ويقول لموقع "الحرة" إنه، بناء على ذلك، حصل "الاتحاد الديمقراطي" على إرث "حزب العمال" في سوريا، سواء على صعيد الحاضنة الشعبية أو العلاقة مع النظام السوري.

وظلت تلك العلاقات "في شد وجذب" بناء على استراتيجية بشار الأسد في التعاطي مع ملف "حزب العمال".

ويضيف شيخ علي أنه، مع بداية الثورة السورية، حصل توافق من نوع ما بين "الاتحاد الديمقراطي" و"حزب العمال"، نصّ على انسحاب النظام من معظم مناطق التوزع الكردي وتسليمها لعناصر "وحدات حماية الشعب" (العماد العسكري لقسد).

وكان هدف النظام يصب في إطار منع توسع الحراك الكردي المؤيد للثورة السورية، والحفاظ على موارد المنطقة من نفط وغاز وقمح، وضمان استمرار وصولها لقبضته في دمشق، وأيضا استخدام ملف "حزب العمال" لمناكفة تركيا، حسب الباحث السوري.

ويشير إلى أن محطة معركة كوباني، التي يجب التفريق بين ما قبلها وما بعدها، فتحت الباب أمام مشهد جديد،وعززه الدعم المقدم من التحالف الدولي، واتخاذ قرار الاعتماد على "وحدات حماية الشعب"، والانخراط العسكري المباشر ضد داعش.

وبعد تأسيس "قسد"، كما يوضح شيخ علي، "لم تعد كوادر (العمال الكردستاني) و(الاتحاد الديمقراطي) تدين بالولاء لنظام الأسد فقط".

وبموازاة ذلك تم تأسيس "الإدارة الذاتية".

وبعدما زادت قوة الإدارة الكردية، وارتفع سقف المطالب السياسية، بدأت "قسد" تنظر للنظام السوري باعتباره "ندا"، واختلفت طبيعة العلاقة بين الطرفين، حسب شيخ علي.

"معادلة ند.. لند"

ومنذ تأسيسها نشأت تيارات أخرى ضمن "قسد"، كان بعضها قريبا من الغرب والولايات المتحدة، ويرى أولوية في هذه العلاقة للحفاظ على المكاسب.

وفي المقابل كانت هناك تيارات أخرى "ظلّت على ولائها لنظام الأسد، ولها ميول نحو إيران والمعسكر الشرقي بشكل عام"، وفق حديث الباحث شيخ علي.

وعلى مدى السنوات الماضية، وبناء على تجارب كردية سابقة في دول الجوار، لم تقطع "الإدارة الذاتية" علاقتها كليا مع النظام السوري، لتضمن: إبقاء قناة تواصل فعالة للمفاوضات، وقطع الطريق أمام تهم السعي نحو "الانفصال"، وحتى لا تستعدي روسيا كليا.

وكان أحد أهداف "قسد" الأساسية التوصل إلى اتفاق مع النظام السوري لكسب شرعية دستورية للإدارة الذاتية، وهو ما أشار إليه مظلوم عبدي سابقا بإحدى مقابلاته.

لكن في المقابل رفض النظام السوري التعامل مع "قسد" باعتبارها ندا، كما يتابع الباحث شيخ علي.

ويضيف أنه "لم يقبل تقديم أي تنازل عن أي جزء من السلطة"، مما يفسر تصريحات "قسد" والنظام، المتباينة بين الفترة والأخرى.

مشهد عام لدير الزور في سوريا
زعزعة وأجندات.. إيران "تنفخ على جمر العشائر" في دير الزور السورية
لم يكن الهجوم الذي استهدف "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) في دير الزور السورية يوم الأربعاء الأول من نوعه ولن يكون الأخير حسبما يتوقع خبراء ومراقبون، ورغم تنفيذه تحت "عباءة عشائرية" تشير الاتهامات والسياق العام إلى "أياد خفية" تحركها إيران بهدوء، بهدف "إحداث الزعزعة".

يرى شيخ علي أن سماح "قسد" لقوات النظام السوري بعد 2019 بالانتشار في نقاط التماس في شمال وشرق البلاد جاء "بناء على اتفاقيات بضمانات روسية.

وأوضح أن هذا الخيار لجأت إليه "قسد" لمنع العمليات العسكرية التركية.

كما أشار إلى أنها "لم تسمح بانتشار واسع لجيش النظام، وإنما وحدات حرس حدود وأسلحة متوسطة.. بينما تمر هذه الشحنات تحت أعينها.

من جهته، يعتقد الباحث السياسي الكردي، إبراهيم كابان أن المشكلة ما بين "قسد" والنظام السوري تكمن بأن الأخير "يريد العودة للمناطق الغنية بالثروات، بطرق تشوبها الخديعة.

ويضيف لموقع "الحرة" أن المشكلة تكمن أيضا بعدم اعتراف النظام بـ"قسد"، وخصوصية هذه القوات في المنطقة.

وكانت معظم "الحوارات" التي حصلت في السنوات الماضية بين الطرفين وصلت إلى طريق مسدودة، "بسبب ذهنية النظام وعدم قبوله بالاعتراف الجدي بقسد".

ويتابع كابان في تعليقه على التفاهمات السابقة التي جمعتهما بالقول إن "معظم العلاقات كانت اضطرارية وإجبارية"، وأن "العمليات العسكرية التركية هي ما أجبرت قسد في منبج وريف حلب لفتح قنوات مع الروس".

ودفعت روسيا "قسد" من خلال تلك القنوات للتنسيق مع قوات دمشق.

وأكد كابان أن "العلاقة السابقة كانت وما زالت عسكرية مؤقتة"، وأن "البوابات التجارية والاقتصادية التي فتحت بذات الحال أيضا".

ما الأصداء في دمشق؟

ولا يعرف ما ستؤول إليه مجريات الأحداث في دير الزور، وتشير معظم مواقف النظام السوري والخطاب الذي تبثه وسائل إعلامه إلى التصعيد.

ويعتبر الصحفي المقيم في دمشق، عبد الحميد توفيق، أن العلاقة بين النظام السوري و"قسد" كانت خلال السنوات الماضية "تخادمية".

ويقول لموقع "الحرة" إن "قسد" ذهبت في كثير من الأحيان إلى تحويلها لـ"عمليات انتهازية" ولاعتبارات تتعلق بـ"الحضانة الأميركية والنزعة الانفصالية"، على حد تعبيره.

ورغم اللقاءات التي حصلت بين الطرفين، يوضح توفيق أن "وفود قسد لم تستقبل في دمشق إلا من قبل أجهزة الأمن السورية".

ويضيف: "التقييم الرسمي السوري لهذه المجموعة (قسد) هي عبارة عن ظاهرة تمرد ذات طابع أمني، ولا يجوز أبدا إعطائها أي صيغة لها علاقة بالدولة السورية، حتى لا تصبح طرفا يقابل دولة".

"العلاقة تخادمية وحتى اللحظة هي كذلك"، كما يؤكد الكاتب والصحفي توفيق.

ويقول في تعليقه على ما يجري في دير الزور: "هناك هبة عشائرية حقيقية لها علاقة بقيم العشائر وممارسات غير أخلاقية ارتكبتها قسد، وما أحدثته من تطهير عرقي".

لافتة تحمل صورة الأسد في دمشق
الأسد والمحور الإيراني.. أسباب وأثمان "عدم الانخراط"
في خطابه الأخير لم يتطرق زعيم "حزب الله" حسن نصر الله إلى ذكر اسم سوريا باعتبارها "ساحة" من "ساحات محور المقاومة" التي قد تنخرط أو تشترك في الرد المحتمل على إسرائيل، وكذلك الأمر بالنسبة لخطاب إيران التي تحرك الخيوط من الأعلى، بينما يتجنب المسؤولون فيها الإشارة إلى أي دورٍ محتمل للنظام السوري.

لكن الباحث السياسي كابان يقول إن "النظام يحاول الضغط في منطقة حساسة بالنسبة للولايات المتحدة، أو بمعنى آخر: إلقاء حجر وتشكيل ورقة ضغط على قسد".

ويرجح أن يكون تحركه في دير الزور "مرتبط بعلاقة مباشرة مع محور أستانة، للضغط على قسد وواشنطن، من أجل الانسحاب من سوريا".

"بين مسارين"

ويتفق المراقبون من كل الأطراف أن المشهد في دير الزور يذهب باتجاه التصعيد.

لكن، حتى الآن، لا يعرف من ستكون له الكلمة الأقوى في الميدان، خاصة أن الأعمال العسكرية لا تزال ضمن نطاق التسلل والقصف والرد المضاد.

ويرى الباحث السوري شيخ علي أن الأحداث الحاصلة يمكن قراءتها ضمن مسارين.

الأول أنها "بتحريض إيراني، وهي جزء من الاستراتيجية الإيرانية للضغط على القوات الأميركية ودفعها للانسحاب".

كما أنها "نوع من التحرش بالقوات الأميركية، كجزء من (الرد) على العمليات الاسرائيلية ضدها، وهو رد محسوب والأقل كلفة على إيران، سواء من ناحية الموارد المادية أو البشرية أو تبعاتها السياسية عليها".

ويذهب المسار الثاني باتجاه التقارب التركي مع النظام السوري، ويوضح شيخ علي أن "أحد دوافع تركيا للتقارب مع الأسد هو محاربة قسد".

ورغم أن الأسد لا يملك القوة، ولا الجرأة، على إعلان الحرب النظامية على "قسد" في ظل التواجد الأميركي، إلا أنه "خبير في اللعب على التوازنات الاجتماعية، ويمكنه بسهولة الاستثمار في الثغرات الأمنية والاجتماعية في مناطق عدة بشرق الفرات".

وبالتالي، يتابع الباحث السوري، أنه "يحاول حالة عدم الاستقرار وتشتيت قوة قسد مما يسهل ويعجل تفتيتها، بالتعاون من تركيا".

المواجهات الأخيرة والحالية تثبت أن النظام السوري "ما زال يملك أوراق قوة في شرق الفرات، بإمكانه تحريكها في الوقت الذي يشاء".

ويقول شيخ علي إن ما سبق "تنبهت له قسد، وإذا لم تتمكن من معالجة هذه النقطة فإنها ستشكل تحديا حقيقيا لها في الأيام المقبلة".

ويعتبر الصحفي المقيم في دمشق، توفيق، أن رواية "المواجهات بين قسد والمجموعات الإيرانية كلام باطل".

ويقول إن "دير الزور تعاني من التطهير العرقي من قبل حزب العمال و(قسد)، وأن الأخيرة تدفع ثمن ذلك".

لكن الباحث السياسي كابان يشير إلى أن ما يجري "نابع من ذهنية النظام القائمة على إعادة الهيمنة على المنطقة".

ويقول من ناحية أخرى إنه مرتبط بـ"الصراع الإسرائيلي والإيراني"، معتبرا أن جزءا كبيرا من دير الزور يخضع لسيطرة ميليشيات إيرانية موالية للنظام السوري.

طفلة تمشي أمام مدرسة في مخيم للاجئين في إدلب، حيث احتفظت هيئة تحرير الشام (HTS) بإدارتها في الوقت الذي كانت فيه خطوط المواجهة في الحرب الأهلية السورية مجمدة، سوريا، 17 ديسمبر 2024. رويترز
طفلة تمشي أمام مدرسة في مخيم للاجئين في إدلب، حيث احتفظت هيئة تحرير الشام (HTS) بإدارتها في الوقت الذي كانت فيه خطوط المواجهة في الحرب الأهلية السورية مجمدة، سوريا، 17 ديسمبر 2024. رويترز

قال الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، إنه سيرفع العقوبات المفروضة منذ سنوات على سوريا والتي عزلت البلاد عن النظام المالي العالمي في عهد الرئيس السابق بشار الأسد.

رفع الاتحاد الأوروبي وبريطانيا بالفعل بعض عقوباتهما، لكن إذا مضت واشنطن الآن في رفع كل عقوباتها سيمهد ذلك الطريق أمام الآخرين ليحذو حذوها.

فيما يلي ملخص للوضع الحالي للاقتصاد السوري وكيف أعادت حرب أهلية على مدى 14 عاما، انتهت بسقوط الأسد في ديسمبر، تشكيل التجارة والمالية الحكومية.

ما هو وضع الاقتصاد السوري؟

تشير تقديرات البنك الدولي إلى أن قيمة الاقتصاد السوري تبلغ حوالي 21 مليار دولار، وهو ما يعادل تقريبا ما لدى ألبانيا وأرمينيا، اللتين يقل عدد سكانهما عن سوريا بأكثر من 20 مليون نسمة.

وتُظهر البيانات السورية الرسمية أن حجم الاقتصاد انخفض إلى أكثر من النصف بين عامي 2010 و2022. ويرجح البنك الدولي أن حتى ذلك المعدل أقل من الأرقام الحقيقية وسط تقديرات تشير إلى انكماش أكثر حدة بنسبة 83 في المئة بين عامي 2010 و2024.

وأُعيد تصنيف سوريا دولة منخفضة الدخل في عام 2018 إذ يعيش أكثر من 90 بالمئة من سكانها البالغ عددهم حوالي 25 مليون نسمة تحت خط الفقر، وفقا لوكالات الأمم المتحدة.

ماذا حدث للعملة السورية؟

تفاقمت الاضطرابات الاقتصادية في سوريا في عام 2019 عندما انزلق لبنان المجاور إلى أزمة، نظرا للعلاقات الاقتصادية والمالية الواسعة التي تربط البلدين. ثم طرحت دمشق أسعار صرف متعددة للمعاملات المختلفة لحماية العملة الصعبة الشحيحة.

وبعد تولي الحكومة الجديدة السلطة في ديسمبر، تعهد المصرف المركزي باعتماد سعر صرف رسمي موحد لليرة السورية.

واختيرت ميساء صابرين حاكما للمصرف المركزي لتكون بذلك أول امرأة تتولى هذا المنصب في تاريخه الممتد لأكثر من 70 عاما.

بلغ سعر الصرف أمس الأربعاء 11065 ليرة للدولار الواحد وذلك مقارنة مع أسعار السوق السوداء التي بلغ فيها سعر الدولار حوالي 22 ألف ليرة في وقت سقوط الأسد العام الماضي و47 ليرة في مارس 2011 عندما اندلعت الحرب.

كم تبلغ الديون المستحقة على سوريا؟

قالت الحكومة إن ديونها تتراوح ما بين 20 و23 مليار دولار معظمها في شكل قروض ثنائية، إلا أنها قد تكون أعلى بكثير نظرا لأنها قد تواجه مطالبات من إيران وروسيا بمبلغ يتراوح بين 30 و50 مليار دولار.

يقول محامون بارزون في مجال الديون السيادية إن تلك الالتزامات التي تعود إلى عهد الأسد يمكن شطبها لاعتبارها ديون حرب "بغيضة"، وهي ديون تحملتها البلاد دون موافقة الشعب السوري أو إنفاقها لصالحه بسبب توجيه كثير منها لتزويد حكومة الأسد بالأسلحة.

ويظهر تقرير صدر عن معهد بيترسون في الآونة الأخيرة أنه يجب أيضا تحديد الجهات الملزمة السورية مثل الحكومة أو البنك المركزي أو الشركات المملوكة للدولة أو المؤسسات التجارية إذ تحتاج الأنواع المختلفة من الديون إلى معاملة مختلفة عند إعادة الهيكلة.

ما هي احتياطيات المصرف المركزي؟

قالت مصادر لرويترز في وقت سابق إن المصرف المركزي يملك احتياطيات نقدية من النقد الأجنبي لا تتعدى نحو 200 مليون دولار، وهو انخفاض كبير عن مبلغ 18.5 مليار دولار قدر صندوق النقد الدولي أن سوريا كانت تملكه قبل اندلاع الحرب الأهلية.

ولديه أيضا ما يقرب من 26 طنا من الذهب بقيمة تزيد عن 2.6 مليار دولار بأسعار السوق الحالية.

قالت الحكومة الجديدة إنها تتوقع استرداد ما يصل إلى 400 مليون دولار من أصولها المجمدة للمساعدة في تمويل إصلاحات تشمل زيادات حادة في رواتب بعض موظفي القطاع العام أقرتها الدولة في الآونة الأخيرة.

جمدت الحكومات الغربية هذه الأصول خلال فترة حكم الأسد لكن لم تتضح بعد قيمتها الدقيقة وموقعها الآن ومدى سرعة استعادتها.

وقالت سويسرا إن ما قيمته حوالي 99 مليون فرنك سويسري (118 مليون دولار) موجود حاليا في بنوك هناك. ويقدر موقع (تقرير سوريا) أيضا أن ما قيمته 163 مليون جنيه إسترليني (217 مليون دولار) موجود في بريطانيا.

كيف أثرت الحرب والعقوبات على التجارة والاقتصاد؟

بحسب البنك الدولي، أدى تضاؤل إيرادات النفط والسياحة إلى انخفاض صادرات سوريا من 18.4 مليار دولار في عام 2010 إلى 1.8 مليار دولار في عام 2021.

يقول خبراء إن الضغوط المالية التي تعرضت لها الحكومة دفعتها إلى سداد ثمن بعض الواردات الرئيسية بأموال غير مشروعة من مبيعات المنشطات الشبيهة بالأمفيتامين المسببة للإدمان والمعروفة باسم الكبتاغون، أو من تهريب الوقود.

وأصبح إنتاج الكبتاغون القطاع الاقتصادي الأكثر قيمة وقدر البنك الدولي العام الماضي القيمة السوقية الإجمالية للمخدر المنتج في سوريا بما يصل إلى 5.6 مليار دولار.

ما هي تحديات الطاقة؟

في عام 2010، صدّرت سوريا 380 ألف برميل يوميا من النفط. وانحسر مصدر الإيرادات هذا بعد اندلاع الحرب في عام 2011. واستولت جماعات مختلفة منها تنظيم الدولة الإسلامية والمقاتلون الأكراد على حقول نفطية. ورغم توقيع جماعات الأكراد صفقات مع شركات أميركية، فإن العقوبات جعلت من الصعب تصدير النفط بشكل مشروع.

أجبرت تلك الخسائر سوريا على الاعتماد على واردات الطاقة ومعظمها من الحليفين روسيا وإيران. وقالت راشيل زيمبا كبيرة المستشارين في مجال العقوبات لدى شركة هورايزون إنجيج للاستشارات المعنية بالمخاطر إن وقودا يتراوح بين مليون وثلاثة ملايين برميل كانت سوريا تحصل عليه من إيران شهريا توقف في أواخر ديسمبر مع انسحاب طهران.

كيف عانت الزراعة؟

أدى الصراع والجفاف إلى انخفاض عدد المزارعين وتضرر الري وتضاءلت إمكانية الحصول على البذور والأسمدة.

وتراجع الإنتاج الزراعي إلى مستويات غير مسبوقة في عامي 2021 و2022 حين هبط إنتاج القمح وحده إلى ربع الكمية التي كانت تبلغ حوالي أربعة ملايين طن سنويا قبل الحرب.

واستوردت سوريا نحو مليون طن من الحبوب سنويا من روسيا. وتوقفت التدفقات مؤقتا عندما تغير النظام الحاكم لكنها استؤنفت الشهر الماضي. وأبدت أوكرانيا أيضا استعدادها لتوريد القمح دون وضوح الآلية التي ستسدد بها سوريا المدفوعات.