صورة أرشيفية لعناصر من "رجال الكرامة" بالسويداء
صورة أرشيفية لعناصر من "رجال الكرامة" بالسويداء | Source: social media

ضمن مشهدٍ تصعيدي، تزامن معه خطاب لافت وحاد اللهجة، خرج قائد "حركة رجال الكرامة" في السويداء السورية، الشيخ يحيى الحجار، بتسجيل مصور وجه فيه تحذيرا للمجموعات التي "يعاد تدويرها" في المحافظة، قائلا قبل ثلاثة أيام إن "الجبل لم يعد يحتمل ممارسات التشبيح"، على حد تعبيره.

وبعدما أكد أن "أي جهة مسلحة تخرج عن توصيات المرجعيات الدينية والاجتماعية وتمارس الانتهاكات ستواجه نفس مصير المجموعات الأخرى الخارجة عن أعراف وتقاليد الجبل" سرعان ما ترجم جزءا من التهديد باستعراض عسكري لقواته المدججة بالأسلحة على الأرض.

وتعتبر "حركة رجال الكرامة" من أبرز الفصائل المحلية المسلحة في السويداء ذات الغالبية الدرزية، وتثير التهديدات العلنية التي أطلقها قائدها الحجار تساؤلات عن الأسباب التي تقف ورائها وتداعياتها،على مشهد المحافظة، التي تشهد حراكا سلميا، منذ عام.

وحسب ما قال ناشطون إعلاميون وسياسيون وصحفيون لموقع "الحرة" ترتبط التهديدات التي وصلت إلى حد توجيه "الإنذار الأخير" من جانب "رجال الكرامة" وقائدها بالمجموعات التي يعاد تشكيلها في السويداء، "بدفع من النظام السوري وأفرع مخابراته".

ولم يستبعد النشطاء والصحفيون أن تصل مجريات الحالة العسكرية والتهديدية القائمة إلى ما حصل عام 2022، عندما أطلقت حركة "رجال الكرامة" عملا عسكريا بالشراكة مع فصائل محلية أخرى، واستهدفت مجموعات مرتبطة بأفرع النظام، ضالعة بعمليات الخطف وتهريب المخدرات.

لقطة عامة لمدينة دمشق.. أرشيفية
من يملك منزلا سيأخذ "أسهما".. خفايا "لعبة خبيثة" تجري في دمشق
الأخبار المتعلقة بـ"المخططات التنظيمية" التي تعمل عليها حكومة النظام السوري في محيط دمشق باتت روتينية ضمن تغطية وسائل الإعلام المحلية، لكن وعند الغوص بالتفاصيل وحيثياتها على الأرض تتكشف ملامح "هندسة تغيير خطيرة"، كما يصفها خبراء وقانونيون لموقع "الحرة".

واعتبر الحجار في الخطاب الذي ألقاه، مطلع الأسبوع الحالي، مع مجموعة من مشايخ الطائفة الدرزية أن "ظاهرة إعادة تشكيل الفصائل الخارجة عن الأعراف والتقاليد، والمخالفة لتوصيات المرجعيات الدينية والروحية مرفوضة، مهما كانت الجهة التي تسلح هذه التشكيلات وتقف خلفها وتزود أفرادها بالبطاقات".

وحذّر من إطلاق حملة عسكرية جديدة، مردفا: "الجبل اليوم لا يحتاج إلى فصائل تسعى إلى التفرقة والتشتت"، كما شدد على أهمية الاجتماع ووحدة الصف من أجل كرامة "الجبل والوطن".

وفي بيان لاحق، أصدرته الحركة التي يقودها، أكدت أن التحركات العسكرية الأخيرة التي نفذتها تأتي بمثابة "إنذار أخير لكل مجموعة تحاول إحياء تلك النشاطات"، بغض النظر عن الجهة التي تدعمها.

كما استنكرت محاولات "بعض الجهات"، في إشارة مبطنة للنظام السوري، إعادة إحياء نشاط العصابات الإجرامية بصورة علنية بعد "انتفاضة الجبل المسلحة" عام 2022، معتبرة أن ذلك يعكس نهجا غير وطني يهدد أمن واستقرار أهالي المحافظة.

"اختفت وعادت من جديد"

الحديث عن المجموعات والعصابات المرتبطة بأفرع النظام، التي يتردد ذكرها في السويداء الآن ليس بجديد، بل يعود إلى الأعوام الأولى من أحداث الثورة السورية، وصولا إلى محطة يوليو 2022.

وبعد تلك المحطة اختفت أسماء تلك العصابات والشخصيات البارزة فيها، بعدما أطلقت فصائل محلية، على رأسها "حركة رجال الكرامة"، عمليات عسكرية بمواجهتها، كانت الأكبر من نوعها، على صعيد المحافظة ككل.

لكن خلال الأيام الماضية عاد المشهد ليتكرر كما كان سابقا، حيث شهدت بلدة مفعلة، الواقعة في ريف المحافظة، إعادة تشكيل فصيل مسلح جديد تصدّره سليم حميد، وبدعم من شعبة المخابرات العسكرية.

وأعلن الفصيل وقوفه خلف "قائد الوطن" في فيديو مسجل، وحذّر في بيان آخر المتظاهرين السلميين المناهضين للنظام السوري من دخول البلدة التي تشكّل فيها مجددا.

ويوضح مدير تحرير شبكة "السويداء 24"، ريان معروف، لموقع "الحرة" أن الخطوة التصعيدية من جانب "رجال الكرامة"، وقائدها الحجار، جاءت بعد إعلان تشكيل "بيرق مفعلة"، وظهور سليم حميد من جديد.

ويقول إن "البيرق المذكور مجموعة مسلحة تم إعلان تشكيلها تحت ظل النظام السوري"، وإنه توجد معلومات لدى "رجال الكرامة" بأن الأخير يعمل على "إعادة تدوير مجموعات عدة وتسليحها في قرى وبلدات تتبع للسويداء".

ولا تعتبر المجموعة التي يقودها سليم حميد الوحيدة التي أعيد تشكيلها في الوقت الحالي، بدفع من النظام السوري وأفرع مخابراته، كما يشير الناشط الإعلامي، ساري الحمد.

ويضيف لموقع "الحرة" أن "عصابات" أخرى ظهرت خلال الفترة الماضية بشكل مفاجئ، بينها تلك التي يتزعمها فداء العنداري، الذي كان اختفى سابقا، وعاد بظروف مريبة.

ويعتقد الناشط الإعلامي أن رد فعل الحركة التصعيدي ربما يرتبط بثلاثة مسارات، موضحا أن المسار الأول هو سعيها "لحقن الدماء"، وثانيا لكي "لا تتمادى العصابات المشكّلة حديثا".

وتسعى، في مسار ثالث، أن "لا يحصل أي صدام مع النظام السوري وأجهزته في المحافظة"، وفق الناشط الحمد.

"محاولات تفجير من الداخل"

ولم يبدِ النظام السوري منذ انطلاقة الحراك السلمي في السويداء أي بادرة إيجابية أو سلبية، والتزم بسياسة واحدة قامت على "عدم التعليق".

وبينما كانت وسائل إعلامه وصحفيون مقربون منه يتخذون مسارا هجوميا عبر مواقع التواصل الاجتماعي، شهدت المحافظة تطورات عنيفة على مدى الأشهر الـ12 الماضية أسفرت عن قتلى، لكنها لم تتدهور إلى حد انزلاق الشارع للعنف.

ويعتبر الكاتب والناشط السياسي، حافظ قرقوط، أن "النظام السوري يحاول الآن، من خلال دعمه للعصابات الجديدة، أن يفجّر السويداء من الداخل"، بمعنى ضرب المجتمع ببعضه البعض.

ويربط في حديثه لموقع "الحرة" ما يجري من إعادة تشكيل مجموعات لها تاريخ بالخطف وتهريب المخدرات والسرقة بالسلوك الأمني، الذي عكسه المحافظ المعيّن حديثا، اللواء أكرم علي محمد.

ويقول قرقوط إن المحافظ، صاحب الخلفية الأمنية والمخابراتية، كان من الواضح أنه "جاء بخطة أمنية بدأت بالتعاطي مع الناس بصورة أمنية، ومن ثم اتجه لتعزيز ونصب الحواجز على مداخل المحافظة".

وعلاوة على ذلك، شهدت الأيام الأولى من فترة ولايته للمنصب استقدام النظام السوري لتعزيزات عسكرية كبيرة، توزعت على الحواجز المنتشرة في السويداء والقطع والوحدات المنتشرة في محيطها.

ويضيف الناشط السياسي: "الآن انتقلت الحالة التي يحاول فرضها اللواء أكرم محمد إلى حد العبث داخليا بالسويداء بهدف ضرب الحراك السلمي، بيد العصابات التي يتم تشكيلها من جديد".

ولا يزال المتظاهرون يتجمعون بشكل يومي بساحة "الكرامة" وسط السويداء، وينادون بإسقاط النظام السوري ورحيل رئيسه بشار الأسد، وتطبيق القرار 2254 الخاص بالحل السياسي في سوريا.

ورغم غياب موقف النظام، وتحرشاته بالخفاء، لم يكن ذلك كفيلا لوقف الحراك. ويؤكد القائمون عليه حتى الآن الاستمرار بالمطالب حتى تحقيقها.

"رسالة واضحة ووضع مقلق"

ويعتقد الصحفي معروف أن "رسالة حركة رجال الكرامة كانت واضحة في مسألة إعادة تشكيل الميلشيات التابعة للنظام السوري في السويداء".

ويرى أن تحركها خلال الأيام الماضية يهدف إلى "استعراض القوة من جهة، وإظهار الثقل العسكري الكبير، بمئات المقاتلين من جهة أخرى".

من ناحية أخرى كان لها هدف باتجاه الحاجز الذي نصبه النظام السوري في مدخل السويداء، وبأنه يجب أن يبقى "هامشيا دون أي تدخل في حياة المواطنين"، وأن غير ذلك سيعني الصدام.

وفي حين لم تسم "رجال الكرامة" جهة واضحة بالاسم في بيانها التصعيدي يوضح الصحفي معروف أنها كانت تشير وتقصد النظام السوري والمجموعات التي يعيد تشكيلها.

ويضيف أن "إعادة التسليح وتشكيل المجموعات من قبل النظام أمر مؤكد، والهدف من ذلك ضرب السويداء من الداخل، وإلهائها بالاقتتال الداخلي".

ولحركة "رجال الكرامة" قوة مقبولة على صعيد ضبط المجموعات المدعومة من النظام السوري، بناء على تجربة عام 2022.

ومع ذلك، يتابع معروف: "لكن ربما الطرف المقابل تعلّم من درس 2022 وكذلك النظام السوري.. وبالتالي نحن أمام مشهد مقلق"، على حد وصفه.

وكانت "عصابة" سليم حميد مرتبطة في السابق براجي فلحوط تاجر المخدرات، الذي هرب من السويداء في 2022 بعد حملة عسكرية، ومن ثم ورد اسمه ضمن قوائم العقوبات الأميركية والأوروبية.

ويشير الناشط الإعلامي، ساري الحمد، إلى أن "ظهوره بالمشهد الآن يأتي بشكل مريب"، وما يزيد من مؤشرات الحالة المذكورة أن لديه علاقات قوية بمدير مكتب الأمن الوطني، اللواء كفاح ملحم.

وتحدث الحمد عن "عصابات أخرى" باتت أسماؤها تتردد في السويداء، ويقول إنها تنتشر داخل المدينة، وفي القرى، والبلدات التابعة للمحافظة.

ويضيف أن البعض منها "أبدى دعمه للحاجز الأمني الذي نصب عند مدخل المدينة، وبعث رسالة مفادها أننا عدنا للمشهد بشكل قوي".

وتنقسم القوى العسكرية في محافظة السويداء ما بين فصائل وتشكيلات محلية، البعض منها ذات نفس "معارض خالص" والآخر حيادي، بينما القسم الثالث له ولاءٌ قطعي لنظام الأسد، والأفرع الأمنية التابعة له

وجميع هذه التشكيلات تتداخل مناطق النفوذ فيما بينها، وفي السنوات الماضية اصطدمت مع بعضها البعض أحيانا، بينما توحدت في بعض الأحيان على جبهة واحدة، وبشكل أساسي بمواجهة تهديدات تنظيم "داعش" من الجبهة الشرقية.

الفرقة الرابعة تسيطر على غالبية الطرق الحيوية. أرشيفية - تعبيرية
الفرقة الرابعة تسيطر على غالبية الطرق الحيوية. أرشيفية - تعبيرية

تشهد مناطق البادية السورية منافسة بين التشكيلات العسكرية الموالية لإيران مع نظيرتها الروسية، بحسب ما كشفه مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان، رامي عبدالرحمن.

وقال في تصريحات لموقع "الحرة" إن التشكيلات والفرق العسكرية الموالية لإيران في سوريا، بدأت في الاستحواذ على مناطق كانت تسيطر عليها وحدات عسكرية مدعومة من روسيا.

وأوضح أن الفرقة الرابعة المدعومة من طهران، بدأت في السيطرة على مناطق كانت تسيطر عليها فرقة "المهام الخاصة 25" ولواء "القدس" ضمن مناطق بادية دير الزور وتدمر.

وتابع عبدالرحمن أن الفرقة الرابعة يديرها ماهر، شقيق رئيس النظام السوري، بشار الأسد، مستبعدا أن هذه التحركات تتم ضمن إطار تنسيق مسبق بين الطرفين.

ويرى أن ما يحدث يأتي في إطار "المنافسة والتوسع" للفرق العسكرية والميليشيات الموالية لإيران، مع انحسار نفوذ تلك المدعومة من روسيا، مؤكدا وجود "استياء" في الداخل السوري بين تقاعس الطيران الروسي وأنظمة الدفاع الجوية في صد الضربات الإسرائيلية وطائراتها التي تنفذ هجمات في العمق السوري.

ويشير مدير المرصد السوري إلى أن الفرقة الرابعة تحاول إثبات وجودها في المناطق التي تسيطر عليها، حيث استقدمت "تعزيزات عسكرية، تتضمن مركبات وعناصر" ووضعت العديد من النقاط العسكرية بهدف إحكام نفوذها والاستمرار في جهود محاربة بقايا تنظيم داعش في البادية.

وما زالت بعض خلايا داعش تنتشر في مناطق بالبادية السورية، وتنفذ هجمات تستهدف قوات النظام والألوية العسكرية الموالية لها، وحتى مدنيين.

وبهذا التوسع للفرقة الرابعة أصبحت "تسيطر على عدد من الممرات والطرق الحيوية" والتي تمر منها الشاحنات المحملة بالبضائع، كما أنها تسيطر على غالبية المناطق القريبة من "منطقة الـ 55 كيلو"، وهي التي تمثل مثلث الحدود السورية الأردنية العراقية، وتقع ضمنها قاعدة التنف التابعة لقوات التحالف الدولي.

وتعد الفرقة الرابعة أبرز الفرق العسكرية المنتشرة في المنطقة الحدودية بين لبنان وسوريا، وتتمتع بنفوذ كبير في مرفأ اللاذقية في غرب البلاد.

الفرقة الرابعة السورية على حدود لبنان.. "تضييق وإتاوات" وحماية لتجارة المخدرات
بالتزامن مع تقارير نقلها المرصد السوري لحقوق الإنسان، عن تسلم الفرقة الرابعة من جيش النظام السوري، التي يترأسها، ماهر الأسد، شقيق بشار الأسد، رئيس النظام، عددا من الحواجز التي كانت تديره قوات الدفاع الوطني، عند الحدود مع لبنان، قال المرصد، وناشطون آخرون إن جنود الفرقة بدأوا "بفرض إتاوات مالية على الأهالي".

وتعتبر الفرقة الرابعة من أبرز الأجهزة العسكرية السورية المتورطة في تجارة وصناعة الكبتاغون وفق ما أفادت مصادر عدة بينها أمنيون سابقون في سوريا ومهربون وخبراء لوكالة فرانس برس.

وقالت كارولين روز، من معهد نيولاينز، الذي نشر تحقيقا حول صناعة الكبتاغون في عام 2022 إن "الفرقة الرابعة لعبت دورا أساسيا في حماية وتسهيل وتهريب الكبتاغون في حمص واللاذقية، وفي نقل الشحنات إلى مرفأي طرطوس واللاذقية".

ونقلت الوكالة عن ناشط معارض متابع لعمليات التهريب "يحصل مصنعو الكبتاغون أحيانا على المواد الأولية من الفرقة الرابعة، وتكون موضوعة أحيانا في أكياس عسكرية".

وتتوزع دولارات الكبتاغون بين مسؤولين سوريين كبار وأصحاب ثروات وتجار وصولا إلى شبان يعانون البطالة أو سكان ولاجئين يرزحون تحت عبء الفقر يعملون في تصنيع تلك الحبوب وتهريبها بحسب الوكالة.