اعتداءات على سوريين في قيصري
اعتداءات على سوريين في قيصري | Source: Courtesy

لم تكن الأحداث التي استهدفت لاجئين سوريين في ولاية قيصري التركية، الأحد، وما تبعها من احتجاجات تخللها مواجهات وأعمال عنف في شمال سوريا "عابرة" كما يرى خبراء ومراقبون.

وبينما تسير مجريات الأمور على طرفي الحدود باتجاه "التهدئة الحذرة" تثار تساؤلات عن مآلات وأبعاد "الصدع الخطير" الذي لم يسبق وأن انكشف على هذا النحو، رغم حصول حوادث سابقة ومشابهة.

وبعد تعرض ممتلكات سوريين في قيصري، الأحد، لأعمال تخريب وتحطيم وحرق نفذها شبان أتراك، شهدت مناطق في ريف حلب وإدلب ضمن مناطق سيطرة المعارضة السورية أحداثا تمثلت بالاعتداء على سائقين أتراك واستهداف شاحناتهم، الاثنين.

وتطورت الأحداث في الشمال السوري شيئا فشيئا لتصل إلى حد إحراق العلم التركي وإنزاله من أسطح مؤسسات رسمية في الباب وإعزاز، مما أشعل غضبا ترجمه شبان أتراك، الاثنين، بحوادث اعتداء في غازي عنتاب ومناطق حدودية أخرى.

وفي غضون ذلك، أخذ التوتر مسارا أكبر في عفرين، حيث اندلعت فيها مواجهات بين مسلحين من جهة وقوات تركية من جهة أخرى، مما أسفر عن سقوط قتلى وجرحى.

ولم تعرف حتى الآن الجهة التي اشتبكت مع قوات تركية في عفرين، وما إذا كان المسلحون يتبعون لإحدى الفصائل العسكرية هناك، والتي تتلقى دعما منذ سنوات من جانب أنقرة، في سياق عملياتها العسكرية هناك.

وفيما يتعلق بحوادث الاعتداء التي شهدتها قيصري، فقد أعلن وزير الداخلية، علي يرلي كايا، أنهم ألقوا القبض على 67 شخصا ضالعين في حملات "الاستفزاز"، وقال أيضا إنهم أطلقوا تحقيقا فوريا وواسعا، وما تزال مجرياته قائمة حتى الآن.

وبدورها أصدرت وزارة الخارجية التركية بيانا أضافت فيه أن "جهود بلادنا وموقفها المبدئي من أجل ضمان سلامة الشعب السوري فوق أي استفزاز".

وتابعت: "ليس من الصواب استغلال الحوادث المؤسفة التي وقعت في ولاية قيصري، والتي أطلقت دولتنا على إثرها إجراءات عدلية بحق المتورطين، كأداة للاستفزاز خارج حدودنا".

ما آخر التطورات الآن؟

وفقا لصحفيين في شمال سوريا تحدثوا لموقع "الحرة" تشهد المناطق الخاضعة لسيطرة فصائل المعارضة وفي ريف حلب على الخصوص حالة من الهدوء، ويتزامن ذلك مع اتجاه الجانب التركي لإغلاق المعابر البرية، وآخرها معبر "باب الهوى".

ورغم غياب مؤشرات اندلاع التوتر من جديد يرى الصحفي، عدنان الإمام، في حديثه لموقع "الحرة" أنه "لا أحد يعرف أين ستذهب الأمور".

ويقول إن فصائل "الجيش الوطني السوري" المنتشرة في ريف حلب عقدت اجتماعا، الاثنين، مع مسؤولين أتراك في منطقة كفر جنة، "وربما صدر قرار بالتهدئة".

وتباينت ردود الأفعال، خلال الساعات الماضية، بين الأوساط التركية وأوساط المعارضين السوريين، ووسط كل ذلك لم يقدم أي طرف فكرة أو طرح لتبيان ما ستؤول إليه الأحداث على مشهد المنطقة الشمالية من سوريا أو حتى على وضع اللاجئين في تركيا.

وكان لكل جهة رأي، وبينما رفض سياسيون وباحثون أتراك حوادث الاعتداء التي استهدفت سوريين في قيصري، طالبوا من جانب آخر بضرورة "العمل على إعادتهم كونهم يشكلون مشكلة وطنية".

وفي المقابل اعتبر ناشطون سوريون أن ما حصل في شمال سوريا عبارة عن "ردة فعل". ورغم أن آخرين اتفقوا مع هذه الفكرة نددوا واستنكروا "التعامل بأسلوب غير سلمي"، في إشارة منهم إلى حوادث الاعتداء التي استهدفت الشاحنات التركية والعلم التركي والسائقين.

"أكبر من أحداث قيصري"

بالمشهد العام وتفاصيله يبدو ما حدث في شمال سوريا ضد تركيا مرتبطا على نحو كبير بما شهدته ولاية قيصري أو حتى ما شهدته مدن تركية أخرى بدأت فيها السلطات حملات ضد "المهاجرين غير الشرعيين"، على حد تعبيرها.

لكن وبحسب خبراء تحدث إليهم موقع "الحرة" فإن "الشرخ الحاصل" له أسباب أبعد من ذلك.

ويعتقد، سمير العبد الله، مدير وحدة تحليل السياسات في مركز "حرمون" للدراسات المعاصرة أن ما جرى، الاثنين، "هو نتيجة طبيعية للوضع الذي وصل له الشمال السوري من حالة الفصائلية والفوضى الأمنية، وتهميش وغياب للتنمية".

إضافة إلى "التمييز على حسب العرق، وفقدان للأمل وغيرها من التحديات التي تواجه السوريين في تلك المنطقة".

ومن ناحية أخرى ترتبط الأحداث "بحالة الإحباط والخيبة من المواقف التركية الأخيرة، خاصة تصريحات الرئيس التركي إردوغان"، كما يقول العبد الله لموقع "الحرة".

وقال الرئيس التركي، قبل أيام، إنه يمكن إعادة العلاقات التركية مع النظام السوري وحتى على المستوى العائلي مع "السيد الأسد"، على حد وصفه.

وسبق ذلك "الرغبة التركية بفتح المعابر مع النظام، والخطوات العملية التي أعلن عنها بفتح معبر أبو الزندين"، والذي يصل مناطق الأخير مع المعارضة في ريف حلب، بحسب العبد الله.

وكذلك يشير الباحث إلى "تصاعد حالات الإعادة القسرية إلى الشمال السوري والتي ازدادت بشكل كبير في السنوات الأخيرة".

ويضيف أن كل ما سبق يدل على أن ما حصل في شمال سوريا "غير مرتبط بأحدث قيصري"، والتي ربما قدمت الشرارة  التي أدت إلى انفجار الوضع".

"3 أسباب"

وأظهرت التصريحات التي أدلى بها إردوغان ورئيس النظام السوري، بشار الأسد، الأسبوع الماضي، أن حقبة جديدة يمكن أن تبدأ على صعيد عملية التطبيع بين أنقرة ودمشق.

وكانت تلك العملية قد بدأت نهاية عام 2022 لكنها توقفت العام الماضي، بسبب إصرار الأسد على شرط انسحاب القوات التركية من شمال سوريا قبل أي عملية حوار.

لكن الأسد نفسه تراجع قليلا إلى الوراء خلال الأيام الماضية.

وبعد لقائه مبعوث بوتين إلى سوريا، ألكسندر لافرنتيف أعلن أنه "منفتح على كل المبادرات المرتبطة بالعلاقة بين سوريا وتركيا والمستندة إلى سيادة الدولة السورية على كامل أراضيها ومحاربة الإرهاب وتنظيماته".

وينظر الباحث السياسي التركي، عمر أوزكيزيلجيك، للأحداث التي حصلت في شمال سوريا من زاوية أنها "غير مرتبطة مباشرة بما حصل في قيصري".

ويقول لموقع "الحرة" إن "أحداث قيصري هي المحفز بالتأكيد، لكن السبب الرئيسي وراء كل ما رأيناه يمكن تلخيصه تحت ثلاثة جوانب".

الجانب الأول هو تصريح إردوغان تجاه بشار الأسد، ويوضح أوزكيزيلجيك أن كلماته "غير الإيجابية" أثارت حفيظة السوريين كثيرا، وأدت إلى شعورهم بـ"الخيانة".

ويرتبط الجانب الثاني بـ"إحباط السكان المحليين السوريين من الوضع الإداري في شمال غرب سوريا".

ويقول الباحث التركي وهو زميل غير مقيم في "المجلس الأطلسي" إن السوريين في الشمال "لديهم قدر كبير من الاهتمام بالقضايا الإدارية، والنقص الإداري في الخدمات، وما إلى ذلك، ويحملون تركيا مسؤولية ذلك".

أما الجانب الأخير وهو الأكثر تأثيرا من الناحية العملية، فيتعلق بحسب إشارة أوزكيزيلجيك بـ"اتجاه بعض المحرضين عبر مجموعات تلغرام إلى تحريض الناس في شمال سوريا ضد تركيا".

ويتابع: "لا نعرف لصالح من يعمل هؤلاء المحرضون، إذا كانوا يعملون لصالح نظام الأسد أو وحدات حماية الشعب أو داعش أو روسيا أو أي شخص آخر".

أين يسير الوضع؟

وما تزال أحزاب من المعارضة التركية تضغط باتجاه وضع خريطة طريق واضحة لإعادة اللاجئين إلى بلادهم، وأكد زعيم حزب "الشعب الجمهوري"، أوزغور أوزيل، الاثنين، أنه يجب الالتقاء مع بشار الأسد.

وفي مقابل هذه الدعوات تؤكد الحكومة التركية على مواصلتها استهداف "المحرضين والمستفزين" والأشخاص الذين يقفون وراء الأحداث التي شهدتها قيصري وفي مناطق أخرى من البلاد.

وأعلنت أيضا على لسان وزير العدل، يلماز تونش، أنها فتحت تحقيقا بشأن الصور والتسجيلات التي وثقت إقدام أشخاص على حرق العلم التركي في ريف حلب.

وفي شمال سوريا يشير الباحث العبد الله إلى "وجود حالة عدم رضا من إدارة تركيا للمنطقة بشكل عام، واستمرار الفصائلية والفوضى الأمنية، والتمييز بين سكان المنطقة حسب العرق، وغيرها من الأمور التي أدت لحالة غضب لدى الناس".

وفي حين يرى أن "الشرخ" لن يكون معقدا وخاصة بالنسبة للناحية الأمنية في شمال سوريا يوضح أن "الشرخ الذي مازال يكبر هو حالة خيبة الأمل وفقدان الأمل من تركيا وخاصة في حال استمرار السياسة التركية الحالية بالتطبيع مع النظام والترحيل القسري، مما سيؤدي إلى استمرار حالة الاحتقان وانفجارها في أي لحظة أو سبب".

ويعتقد العبد الله أن على تركيا فعل الكثير وهي قادرة في حال توفر الرغبة بذلك، على إعادة النظر بسياساتها في الشمال السوري، وإصلاح نظام الحوكمة هناك، وضبط للأوضاع الأمنية، وتعزيز التنمية الاقتصادية في المنطقة.

وكذلك عليها "إعادة تقييم اعتمادها على كثير من الشخصيات والمؤسسات السورية والتي ثبت فشلها، وأنه ليس لها أي تأثير على الشارع السوري سواء في الداخل التركي أو في الشمال السوري".

"رسالة قوية"

والذي جرى بحسب مدير وحدة تحليل السياسات في مركز "حرمون" هو "رسالة قوية وصلت للإدارة التركية، ونتمنى أن تدركها، بأنه لا يمكنها فرض أي حلول في سوريا تخدم الأمن القومي التركي والمصلحة التركية فقط، ولا تحقق تطلعات السوريين".

ويوضح العبد الله أن "السياسة التركية الحالية تتمثل في الاستعداد لليوم التالي للانسحاب الأميركي من سوريا، وهذا ما تحاول روسيا إقناع تركيا به، وبضرورة التنسيق معها ومع النظام السوري استعدادا لذلك اليوم".

لكن احتمالية تحقيق هذا الأمر ليست كبيرة حتى موعد الانتخابات الأميركية، وليس لدى النظام السوري شيء يقدمه لها في هذا الملف.

ولذلك "قد تمشي تركيا عدة خطوات تطبيعية مع النظام، لكن بعد ذلك يتكرر ما حصل مع الدول العربية حيث تبين لها مراوغات النظام وعدم جدوى التطبيع معه"، بحسب الباحث.

ومن المرجح أن تهدأ الأمور كما يرى الباحث التركي، عمر أوزكيزيلجيك.

لكنه يقول: "إذا لم تتم معالجة المشكلات، ولم يتم التعامل مع مجموعات الغوغاء العنصرية ضمن القانون، وتواصل تركيا محاولة التطبيع مع نظام الأسد، فقد نشهد حدوث أحداث مماثلة".

امرأة نازحة تحمل رضيعا داخل مخيم الكرامة للاجئين على الحدود السورية التركية في ريف إدلب الشمالي. إرشيفية من رويترز
امرأة نازحة تحمل رضيعا داخل مخيم الكرامة للاجئين على الحدود السورية التركية في ريف إدلب الشمالي. إرشيفية من رويترز

أعلن البنك الدولي، الجمعة، أنه سوى ديون سوريا البالغة 15.5 مليون دولار بعد تلقيه أموالا من السعودية وقطر، مما يؤهل دمشق للحصول على منح بملايين الدولارات لإعادة الإعمار ودعم الميزانية.

وأعلنت السعودية وقطر في أبريل أنهما ستتسددان متأخرات سوريا لدى المؤسسة المالية الدولية مما يجعلها مؤهلة للحصول على برامج منح جديدة، وفق سياسات البنك التشغيلية.

وأعلن البنك الدولي أنه حتى 12 مايو، لم يكن لدى سوريا أي أرصدة متبقية في اعتمادات المؤسسة الدولية للتنمية، وهي ذراع البنك لمساعدة أشد البلدان فقرا.

وقال البنك في بيان "يسرنا أن سداد ديون سوريا سيسمح لمجموعة البنك الدولي بإعادة التواصل مع البلاد وتلبية الاحتياجات التنموية للشعب السوري".

وأضاف "بعد سنوات من الصراع، تسير سوريا على طريق التعافي والتنمية".

وأوضح البنك الدولي أنه سيعمل مع دول أخرى للمساعدة في حشد التمويل العام والخاص لبرامج تمكن الشعب السوري من بناء حياة أفضل لتحقيق الاستقرار في البلاد والمنطقة.

وذكر أن مشروعه الأول مع سوريا سيركز على توفير الكهرباء، ما سيدعم تحقيق تقدم اقتصادي ويساعد في توفير الخدمات الأساسية من الصحة والتعليم إلى المياه وسبل العيش.

وقال البنك الدولي "المشروع المقترح هو الخطوة الأولى في خطة موضوعة لزيادة دعم مجموعة البنك الدولي والذي يستهدف تلبية الاحتياجات الملحة لسوريا والاستثمار في التنمية طويلة الأجل".

البنية التحتية المالية

قال وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو أمس الخميس إن الرئيس دونالد ترامب يعتزم إصدار إعفاءات من "قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا"، الذي فرضت واشنطن من خلاله عقوبات صارمة على حكومة الرئيس السابق بشار الأسد وعقوبات ثانوية على شركات أو حكومات خارجية التي كانت تجمعها معاملات معها.

ويمهد رفع العقوبات الأميركية، والتي فرض بعضها على حكومة الأسد وبعضها الآخر قائم منذ عقود، إلى جانب تسوية متأخرات سوريا للبنك الدولي، الطريق لإعادة دمجها في النظام المالي العالمي.

واستضاف صندوق النقد والبنك الدوليان والسعودية اجتماعا رفيع المستوى مع مسؤولين سوريين في واشنطن في أبريل. وأصدروا بعد ذلك بيانا مشتركا أقروا فيه بالتحديات الملحة التي تواجه الاقتصاد السوري وعبروا عن التزامهم بدعم جهود التعافي في البلاد.

وعين صندوق النقد الدولي أول رئيس لبعثته إلى سوريا منذ 14 عاما، وهو رون فان رودن، وهو مسؤول مخضرم في صندوق النقد الدولي سبق أن ترأس جهود الصندوق في أوكرانيا.

وأصدر صندوق النقد الدولي آخر تقرير مراجعة معمق للاقتصاد السوري في عام 2009.

وقال مارتن موليسن زميل المجلس الأطلسي والرئيس السابق لإدارة الاستراتيجية في صندوق النقد الدولي، إن المهمة العاجلة الأولى للصندوق تتمثل في تقديم المساعدة الفنية للسلطات السورية لمساعدتها على إعادة بناء البنية التحتية المالية للبلاد وهيئات صنع السياسات وجمع البيانات اللازمة.

وأضاف موليسن أن هذه الجهود يمكن تمويلها من المانحين والمنح العينية ويمكن إطلاقها في غضون أشهر، بينما يمكن للبنك الدولي المساعدة على مستوى إقليمي أوسع لضمان الحوكمة الرشيدة وفعالية الوزارات.

وقال جوناثان شانزر وهو مسؤول كبير سابق في وزارة الخزانة ويرأس حاليا مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات إن المسؤولين السوريين أبلغوه بأن الاحتياجات ضخمة، لكنه حث الولايات المتحدة رغم ذلك على تخفيف العقوبات تدريجيا بحذر.

وأوضح "لم يتمكنوا حتى من الحصول على تراخيص مايكروسوفت أوفيس. ببساطة، لم يكن بإمكانهم تنزيل البرامج على أجهزة الكمبيوتر المحمولة الخاصة بهم".

وذكر مصدر جمهوري أن إعادة بناء قدرة سوريا على الوصول إلى التكنولوجيا سيكون ضروريا لإعادتها إلى نظام سويفت لمعالجة المعاملات المصرفية، لكن العملية قد تستغرق شهورا، إن لم يكن سنوات.