اعتداءات على سوريين في قيصري
اعتداءات على سوريين في قيصري | Source: Courtesy

لم تكن الأحداث التي استهدفت لاجئين سوريين في ولاية قيصري التركية، الأحد، وما تبعها من احتجاجات تخللها مواجهات وأعمال عنف في شمال سوريا "عابرة" كما يرى خبراء ومراقبون.

وبينما تسير مجريات الأمور على طرفي الحدود باتجاه "التهدئة الحذرة" تثار تساؤلات عن مآلات وأبعاد "الصدع الخطير" الذي لم يسبق وأن انكشف على هذا النحو، رغم حصول حوادث سابقة ومشابهة.

وبعد تعرض ممتلكات سوريين في قيصري، الأحد، لأعمال تخريب وتحطيم وحرق نفذها شبان أتراك، شهدت مناطق في ريف حلب وإدلب ضمن مناطق سيطرة المعارضة السورية أحداثا تمثلت بالاعتداء على سائقين أتراك واستهداف شاحناتهم، الاثنين.

وتطورت الأحداث في الشمال السوري شيئا فشيئا لتصل إلى حد إحراق العلم التركي وإنزاله من أسطح مؤسسات رسمية في الباب وإعزاز، مما أشعل غضبا ترجمه شبان أتراك، الاثنين، بحوادث اعتداء في غازي عنتاب ومناطق حدودية أخرى.

وفي غضون ذلك، أخذ التوتر مسارا أكبر في عفرين، حيث اندلعت فيها مواجهات بين مسلحين من جهة وقوات تركية من جهة أخرى، مما أسفر عن سقوط قتلى وجرحى.

ولم تعرف حتى الآن الجهة التي اشتبكت مع قوات تركية في عفرين، وما إذا كان المسلحون يتبعون لإحدى الفصائل العسكرية هناك، والتي تتلقى دعما منذ سنوات من جانب أنقرة، في سياق عملياتها العسكرية هناك.

وفيما يتعلق بحوادث الاعتداء التي شهدتها قيصري، فقد أعلن وزير الداخلية، علي يرلي كايا، أنهم ألقوا القبض على 67 شخصا ضالعين في حملات "الاستفزاز"، وقال أيضا إنهم أطلقوا تحقيقا فوريا وواسعا، وما تزال مجرياته قائمة حتى الآن.

وبدورها أصدرت وزارة الخارجية التركية بيانا أضافت فيه أن "جهود بلادنا وموقفها المبدئي من أجل ضمان سلامة الشعب السوري فوق أي استفزاز".

وتابعت: "ليس من الصواب استغلال الحوادث المؤسفة التي وقعت في ولاية قيصري، والتي أطلقت دولتنا على إثرها إجراءات عدلية بحق المتورطين، كأداة للاستفزاز خارج حدودنا".

ما آخر التطورات الآن؟

وفقا لصحفيين في شمال سوريا تحدثوا لموقع "الحرة" تشهد المناطق الخاضعة لسيطرة فصائل المعارضة وفي ريف حلب على الخصوص حالة من الهدوء، ويتزامن ذلك مع اتجاه الجانب التركي لإغلاق المعابر البرية، وآخرها معبر "باب الهوى".

ورغم غياب مؤشرات اندلاع التوتر من جديد يرى الصحفي، عدنان الإمام، في حديثه لموقع "الحرة" أنه "لا أحد يعرف أين ستذهب الأمور".

ويقول إن فصائل "الجيش الوطني السوري" المنتشرة في ريف حلب عقدت اجتماعا، الاثنين، مع مسؤولين أتراك في منطقة كفر جنة، "وربما صدر قرار بالتهدئة".

وتباينت ردود الأفعال، خلال الساعات الماضية، بين الأوساط التركية وأوساط المعارضين السوريين، ووسط كل ذلك لم يقدم أي طرف فكرة أو طرح لتبيان ما ستؤول إليه الأحداث على مشهد المنطقة الشمالية من سوريا أو حتى على وضع اللاجئين في تركيا.

وكان لكل جهة رأي، وبينما رفض سياسيون وباحثون أتراك حوادث الاعتداء التي استهدفت سوريين في قيصري، طالبوا من جانب آخر بضرورة "العمل على إعادتهم كونهم يشكلون مشكلة وطنية".

وفي المقابل اعتبر ناشطون سوريون أن ما حصل في شمال سوريا عبارة عن "ردة فعل". ورغم أن آخرين اتفقوا مع هذه الفكرة نددوا واستنكروا "التعامل بأسلوب غير سلمي"، في إشارة منهم إلى حوادث الاعتداء التي استهدفت الشاحنات التركية والعلم التركي والسائقين.

"أكبر من أحداث قيصري"

بالمشهد العام وتفاصيله يبدو ما حدث في شمال سوريا ضد تركيا مرتبطا على نحو كبير بما شهدته ولاية قيصري أو حتى ما شهدته مدن تركية أخرى بدأت فيها السلطات حملات ضد "المهاجرين غير الشرعيين"، على حد تعبيرها.

لكن وبحسب خبراء تحدث إليهم موقع "الحرة" فإن "الشرخ الحاصل" له أسباب أبعد من ذلك.

ويعتقد، سمير العبد الله، مدير وحدة تحليل السياسات في مركز "حرمون" للدراسات المعاصرة أن ما جرى، الاثنين، "هو نتيجة طبيعية للوضع الذي وصل له الشمال السوري من حالة الفصائلية والفوضى الأمنية، وتهميش وغياب للتنمية".

إضافة إلى "التمييز على حسب العرق، وفقدان للأمل وغيرها من التحديات التي تواجه السوريين في تلك المنطقة".

ومن ناحية أخرى ترتبط الأحداث "بحالة الإحباط والخيبة من المواقف التركية الأخيرة، خاصة تصريحات الرئيس التركي إردوغان"، كما يقول العبد الله لموقع "الحرة".

وقال الرئيس التركي، قبل أيام، إنه يمكن إعادة العلاقات التركية مع النظام السوري وحتى على المستوى العائلي مع "السيد الأسد"، على حد وصفه.

وسبق ذلك "الرغبة التركية بفتح المعابر مع النظام، والخطوات العملية التي أعلن عنها بفتح معبر أبو الزندين"، والذي يصل مناطق الأخير مع المعارضة في ريف حلب، بحسب العبد الله.

وكذلك يشير الباحث إلى "تصاعد حالات الإعادة القسرية إلى الشمال السوري والتي ازدادت بشكل كبير في السنوات الأخيرة".

ويضيف أن كل ما سبق يدل على أن ما حصل في شمال سوريا "غير مرتبط بأحدث قيصري"، والتي ربما قدمت الشرارة  التي أدت إلى انفجار الوضع".

"3 أسباب"

وأظهرت التصريحات التي أدلى بها إردوغان ورئيس النظام السوري، بشار الأسد، الأسبوع الماضي، أن حقبة جديدة يمكن أن تبدأ على صعيد عملية التطبيع بين أنقرة ودمشق.

وكانت تلك العملية قد بدأت نهاية عام 2022 لكنها توقفت العام الماضي، بسبب إصرار الأسد على شرط انسحاب القوات التركية من شمال سوريا قبل أي عملية حوار.

لكن الأسد نفسه تراجع قليلا إلى الوراء خلال الأيام الماضية.

وبعد لقائه مبعوث بوتين إلى سوريا، ألكسندر لافرنتيف أعلن أنه "منفتح على كل المبادرات المرتبطة بالعلاقة بين سوريا وتركيا والمستندة إلى سيادة الدولة السورية على كامل أراضيها ومحاربة الإرهاب وتنظيماته".

وينظر الباحث السياسي التركي، عمر أوزكيزيلجيك، للأحداث التي حصلت في شمال سوريا من زاوية أنها "غير مرتبطة مباشرة بما حصل في قيصري".

ويقول لموقع "الحرة" إن "أحداث قيصري هي المحفز بالتأكيد، لكن السبب الرئيسي وراء كل ما رأيناه يمكن تلخيصه تحت ثلاثة جوانب".

الجانب الأول هو تصريح إردوغان تجاه بشار الأسد، ويوضح أوزكيزيلجيك أن كلماته "غير الإيجابية" أثارت حفيظة السوريين كثيرا، وأدت إلى شعورهم بـ"الخيانة".

ويرتبط الجانب الثاني بـ"إحباط السكان المحليين السوريين من الوضع الإداري في شمال غرب سوريا".

ويقول الباحث التركي وهو زميل غير مقيم في "المجلس الأطلسي" إن السوريين في الشمال "لديهم قدر كبير من الاهتمام بالقضايا الإدارية، والنقص الإداري في الخدمات، وما إلى ذلك، ويحملون تركيا مسؤولية ذلك".

أما الجانب الأخير وهو الأكثر تأثيرا من الناحية العملية، فيتعلق بحسب إشارة أوزكيزيلجيك بـ"اتجاه بعض المحرضين عبر مجموعات تلغرام إلى تحريض الناس في شمال سوريا ضد تركيا".

ويتابع: "لا نعرف لصالح من يعمل هؤلاء المحرضون، إذا كانوا يعملون لصالح نظام الأسد أو وحدات حماية الشعب أو داعش أو روسيا أو أي شخص آخر".

أين يسير الوضع؟

وما تزال أحزاب من المعارضة التركية تضغط باتجاه وضع خريطة طريق واضحة لإعادة اللاجئين إلى بلادهم، وأكد زعيم حزب "الشعب الجمهوري"، أوزغور أوزيل، الاثنين، أنه يجب الالتقاء مع بشار الأسد.

وفي مقابل هذه الدعوات تؤكد الحكومة التركية على مواصلتها استهداف "المحرضين والمستفزين" والأشخاص الذين يقفون وراء الأحداث التي شهدتها قيصري وفي مناطق أخرى من البلاد.

وأعلنت أيضا على لسان وزير العدل، يلماز تونش، أنها فتحت تحقيقا بشأن الصور والتسجيلات التي وثقت إقدام أشخاص على حرق العلم التركي في ريف حلب.

وفي شمال سوريا يشير الباحث العبد الله إلى "وجود حالة عدم رضا من إدارة تركيا للمنطقة بشكل عام، واستمرار الفصائلية والفوضى الأمنية، والتمييز بين سكان المنطقة حسب العرق، وغيرها من الأمور التي أدت لحالة غضب لدى الناس".

وفي حين يرى أن "الشرخ" لن يكون معقدا وخاصة بالنسبة للناحية الأمنية في شمال سوريا يوضح أن "الشرخ الذي مازال يكبر هو حالة خيبة الأمل وفقدان الأمل من تركيا وخاصة في حال استمرار السياسة التركية الحالية بالتطبيع مع النظام والترحيل القسري، مما سيؤدي إلى استمرار حالة الاحتقان وانفجارها في أي لحظة أو سبب".

ويعتقد العبد الله أن على تركيا فعل الكثير وهي قادرة في حال توفر الرغبة بذلك، على إعادة النظر بسياساتها في الشمال السوري، وإصلاح نظام الحوكمة هناك، وضبط للأوضاع الأمنية، وتعزيز التنمية الاقتصادية في المنطقة.

وكذلك عليها "إعادة تقييم اعتمادها على كثير من الشخصيات والمؤسسات السورية والتي ثبت فشلها، وأنه ليس لها أي تأثير على الشارع السوري سواء في الداخل التركي أو في الشمال السوري".

"رسالة قوية"

والذي جرى بحسب مدير وحدة تحليل السياسات في مركز "حرمون" هو "رسالة قوية وصلت للإدارة التركية، ونتمنى أن تدركها، بأنه لا يمكنها فرض أي حلول في سوريا تخدم الأمن القومي التركي والمصلحة التركية فقط، ولا تحقق تطلعات السوريين".

ويوضح العبد الله أن "السياسة التركية الحالية تتمثل في الاستعداد لليوم التالي للانسحاب الأميركي من سوريا، وهذا ما تحاول روسيا إقناع تركيا به، وبضرورة التنسيق معها ومع النظام السوري استعدادا لذلك اليوم".

لكن احتمالية تحقيق هذا الأمر ليست كبيرة حتى موعد الانتخابات الأميركية، وليس لدى النظام السوري شيء يقدمه لها في هذا الملف.

ولذلك "قد تمشي تركيا عدة خطوات تطبيعية مع النظام، لكن بعد ذلك يتكرر ما حصل مع الدول العربية حيث تبين لها مراوغات النظام وعدم جدوى التطبيع معه"، بحسب الباحث.

ومن المرجح أن تهدأ الأمور كما يرى الباحث التركي، عمر أوزكيزيلجيك.

لكنه يقول: "إذا لم تتم معالجة المشكلات، ولم يتم التعامل مع مجموعات الغوغاء العنصرية ضمن القانون، وتواصل تركيا محاولة التطبيع مع نظام الأسد، فقد نشهد حدوث أحداث مماثلة".

حزب الله يقاتل إلى جانب النظام السوري منذ 2011
حزب الله يقاتل إلى جانب النظام السوري منذ 2011

عندما انخرط حزب الله في القتال إلى جانب النظام السوري قبل 13 عاما كانت دوافع "قراره" آنذاك تذهب باتجاه حرصه على منع سقوط رئيس النظام، بشار الأسد. ورغم أن الأمر تحقق بالفعل على الأرض وضَمن الأخير بعد سنوات من القتال البقاء على كرسيه لم ينعكس ذات المشهد على صعيد هذه الجماعة اللبنانية.

وتعرض حزب الله، خلال الأسابيع الماضية، لعدة "نكبات"، آخرها مقتل أمينه العام، حسن نصر الله، وخليفته، هاشم صفي الدين، وقادة آخرين من الصف الأول والثاني، وجاء ذلك بفعل الضربات الجوية التي تم تنفيذها بناء على "سيل معلومات" حصلت عليها إسرائيل بهدوء، خلال سنوات قتال قادة وعناصر الجماعة المدعومة من إيران في سوريا.

الثمن الباهظ الذي دفعه الحزب إزاء مشاركته في سوريا لم يقتصر أيضا على "سيل المعلومات" الاستخباراتية والأمنية تلك، بل تعدى حدود العسكرة والسياسة ليكون سببا فيما آلت إليه الصورة العامة للجماعة الآن، والتي يراها خبراء تحدثوا لموقع الحرة "مهشّمة" على صعيد نظرة المجتمع العربي والداخل السوري واللبناني.

وعلى مدى الأيام الماضية وتزامنا مع الضربات المتلاحقة التي تلقاها الحزب امتلأت حسابات سوريين معارضين للنظام السوري على مواقع التواصل الاجتماعي بصور ومظاهر التعبير عن الفرح والسرور لما تتعرض له الجماعة من نكبات.

وكان المشهد المذكور جزءا من حالة أوسع تفاعل معها عرب من دول مختلفة، رغم أنه كان في مقابلها أصوات سلطت الضوء على ما فعله الحزب من جرائم وانتهاكات في سوريا، لكنها اعتبرت في المقابل أن حالة التشفي به الآن "ليست في التوقيت الصحيح".

ما الذي جناه في سوريا؟

وكان الدور الذي لعبه حزب الله في سوريا قد حرّف دفة الصراع لصالح الأسد ضد معارضيه، لكنه في المقابل ساهم وبشكل غير مباشر في تغيير السردية التي كان يسوّق لها، من منطلق أنه "حركة مقاومة" تقاتل إسرائيل.

وشيئا فشيئا وبينما كان قادته ومقاتلوه ينتقلون من القصير إلى القلمون ومناطق متفرقة من البلاد منخرطا وداعما للعمليات العسكرية لقوات النظام السوري، كانوا يرسمون في المقابل ببنادقهم صورة جديدة لـ"المقاوم" الذي تحول في لحظة انتحار إلى "مجرم ومعتدٍ".

ويعتقد الباحث في "معهد الشرق الأوسط" بواشنطن، حسن منيمنة، أن مسألة مشاركة حزب الله في سوريا أدت بالفعل إلى الإضرار بصورته "كحركة مقاومة وحركة على مستوى الأمة رغم أن كلمة أمة بقيت مبهمة وغير واضحة في أدبياته".

كما يقول لموقع "الحرة" إن قراره بالمشاركة إلى جانب "الأسد الطاغية" كان له أثر سلبي بليغ على مقام الجماعة وموقعها، من منظور المجتمع العام العربي والإسلامي "الذي كان يراه فصيلا عربيا إسلاميا، وجزء من حركة المقاومة إزاء المشروع الاستيطاني".

المعارضة السورية لطالما اتهمت نصرالله وسليماني بارتكاب مجازر في سوريا.
من المغرب إلى سوريا.. "نكبات" حزب الله تثير انقسام الإسلاميين
انتهى الزمن الذي كانت فيه الحروب مع إسرائيل تشهد شبه إجماع في المنطقة، فحتى التيارات الإسلامية التي شكلت المواجهة المقدسة مع إسرائيل جزءا من وعيها الحركي وهويتها الدينية، تغيرت أولويات كثير منها بعد الربيع العربي.

وحزب الله هو أحد أهم الأطراف التي ساعدت في حماية نظام الأسد من السقوط، كما يشير الصحفي اللبناني، رامي نعيم.

ويقول لموقع "الحرة" إن انخراطه في سوريا "دفع الكثير من السوريين المعارضين والأشخاص في العالم العربي لاعتباره منظمة إرهابية ساهمت في القتل والقمع".

لم يكن ما فعله في سوريا السبب الرئيس لصورته "المهشمة" الآن.

ويعود نعيم للوراء مستعرضا ما فعله في السابع من أيار (7 مايو) عام 2008 والاغتيالات في لبنان، وما فعله أيضا عندما حاول قتال السعودية انطلاقا من اليمن، فضلا عن تدخله في ساحات أخرى مثل البحرين والكويت والعراق.

ويضيف: "بسبب كل ذلك لا يجد له نصيرا الآن في الداخل اللبناني أو حتى سوريا وكل العالم والمجتمع العربي".

وعلاوة على ذلك، "أصبح في موقف الضعيف الذي يحاول جاهدا أن يحافظ على صورته السابقة".

لكن تلك الصورة باتت بلا مقومات عسكرية ومادية وشعبية أو على صعيد "التمثيل التشريعي في لبنان، لأن معظم الذين كانوا إلى جانبه سابقا لن يصوتوا معه في الوقت الحالي"، بحسب الصحفي اللبناني.

"الضرر أكبر من المكاسب"

ووفقا لتقرير نشرته صحيفة "فايننشال تايمز"، الأسبوع الماضي، فقد ألحقت الحرب في سوريا بحزب الله ضررا كبيرا، ووضعته في مواجهة مع المسلمين السنة ما تسبب في تآكل دعمه بين السنّة وآخرين في الشرق الأوسط.

وبات كل هؤلاء "يرونه قوة طائفية تدعم دكتاتورا مكروها"، في إشارة لبشار الأسد.

كما أنه وباختياره دعم الأسد اختار "المقامرة الكبيرة" واستنفد قدرا كبيرا من الاستحسان الذي كان يتلقاه بسبب مواجهته لإسرائيل عام 2006 في لبنان، وحينها حظيت الجماعة "بإشادة واسعة النطاق واعتبرها كثيرون منتصرة حينها".

ويرى الباحث المختص في الدراسات الأمنية والاستراتيجية، عامر السبايلة، أن عملية تهشيم صورة الحزب بدأت بعد 2006 واستمرت حتى اندلاع الحرب في سوريا، لتكون إحدى المحطات المهمة.

لماذا بقي نظام الأسد خارج الصراع بين إسرائيل وحزب الله؟
في وقت يتصاعد فيه الصراع بين إسرائيل وجماعة حزب الله اللبناني، يرى محللون أن النظام السوري يحرص على عدم الانجرار إلى تلك الحرب، وذلك رغم تأثيرها السلبي الكبير على أحد أكبر حلفائه في المنطقة، وفقا لتقرير نشره موقع "صوت أميركا" الإخباري.

انتقل الحزب بانخراطه في سوريا من قوة تقاتل إسرائيل انطلاقا من لبنان إلى جزء من خلاف عربي-عربي ودولي، وبالتالي وضع نفسه "في محطات استهداف مباشرة"، وفق قول السبايلة لموقع "الحرة".

ولم تقتصر محطات الاستهداف تلك على المستوى العملياتي فحسب، بل شملت أيضا النتائج المجتمعية وموضوع الصعوبات الاقتصادية والمالية، وما جرى لاحقا.

ويوافق السبايلة على الفكرة المتعلقة بأن "الصورة المهشمة" التي تبدو لحزب الله الآن تعتبر الحرب السورية إحدى أسبابها.

ويشير إلى انخراطه في عدة ساحات خلال السنوات الماضية، بينها اليمن والعراق واستعداءه لدول الخليج، وأن "كل ذلك كان بمثابة الرصيد الذي يدفعه الآن".

وفي مقابل الضرر الذي لحق به بسبب الحرب السورية يعتقد الباحث في "معهد الشرق الأوسط"، حسن منيمنة، أن للقضية وجه آخر وترتبط بعامل استفادة كسبتها الجماعة اللبنانية قبل سنوات.

ويوضح أن "حزب الله وعندما انخرط في سوريا بدا وكأنه لم يتدخل لصالح النظام، بل دفاعا عن الأقليات والتعددية والحق والاختلاف إزاء المعارضة السورية التي اختزلت في هذه الحالة بأنها مدعومة من أنظمة رجعية".

وحاول حزب الله في أوساط عديدة قبل المحطة التي يتعرض لها الآن على التأكيد أن "تدخله في سوريا لم يكن لصالح نظام طاغية، بل لصالح مشروع يواجه مشروع طغيان".

وكان لتلك الصورة دورا في استمرار الدعم المقدم له من قبل اليسار العربي، ومن منطلق فكرة أن الجهات التي يقاتلها مدعومة من الغرب.

لكن منيمنة يؤكد أن "الضرر الذي تعرض له الحزب على الصورة يفوق الفائدة التي جناها".

ويقول: "هو من جهة تضرر ومن جهة استفاد.. لكن الضرر الحقيقي يكمن في الانفلاج والاتساع وحالة الاستقطاب التي شهدتها أوساطه، مما أدى إلى تمكين أجهزة الاستخبارات من اختراقه في العمق وأبرزها الإسرائيلية".

"دين لم يسترد"

ومنذ بدء الحملة الإسرائيلية ضد حزب الله اقتصر موقف الأسد الذي ساهمت الجماعة اللبنانية في تثبيته على كرسي الحكم على إبداء التنديد والاستنكار.

كما بدا موقف رئيس النظام السوري مختصرا في إطار استقبال الوافدين وتقديم المساعدات الإنسانية لهم داخل البلاد.

ويقول الناشط والطبيب اللبناني، هادي مراد، إن الحزب لم يجن من تدخله في الحرب السورية سوى "الدمار لتنظيمه الداخلي والعسكري" والحقد والنفور الذي لم يقتصر فقط على أوساط السوريين المعارضين.

وليس ذلك فحسب، بل ذهب إلى هناك "ظنّا منه أن النظام السوري وفي حال بقائه سيكون سندا ودرعا حاميا"، وهو ما لم يترجم الآن.

ويعتقد مراد في حديثه لموقع "الحرة" أن الجماعة اللبنانية كانت تخطط عندما دخلت إلى سوريا "للبعيد لكن بطريقة سطحية وغير عقلانية".

وكانت ترى أن مشاركتها بمثابة "رد الدين للنظام السوري بعدما خرج من لبنان عام 2005".

وفي ظل ما يتعرض له الآن لم تحصّل أي شيء و"لم يحرك النظام السوري ساكنا قيد أنملة وكأن قادة وعناصر الحزب لم يذهبوا إلى سوريا للحفاظ على كرسيه"، وفقا للناشط مراد.

وبوجهة نظر الصحفي نعيم كان أحد أسباب مشاركة الحزب في سوريا "خوفه من المد السني وتحول النظام في البلاد من علوي إلى سني"، الأمر الذي قد يحد من عمليات تهريب الأسلحة الإيرانية إليه.

ويقول إن "حزب الله أراد الإبقاء على خط الإمداد والدعم الحقيقي من الأسد وفريقه السياسي".

ماذا عن "ولاء الحاضنة"؟

ولا تلوح في الأفق أية ملامح إسرائيلية لوقف الحملة التي تشن ضد حزب الله في لبنان.

وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، أعلن، الثلاثاء، عن مقتل خليفة نصر الله، هاشم صفي الدين، والخليفة الثالث أيضا لمنصب الأمين العام.

ويعتبر الباحث منيمنة أن "إسرائيل ارتكبت خطأ فادحا حينما اغتالت نصر الله ليس لأنها جعلت منه شهيدا، بل شهيدا على طريق القدس".

وبالتالي "ثبتت مقولة الحزب بأنه يقاتل لقضية أكبر من الحزب ومن الطائفة ومن لبنان.. وهي فلسطين"، وفق حديث الباحث.

ومن ناحية أخرى يوضح منيمنة أن نصر الله كان ملتزما بموقفين قبل مقتله وأكد أنه "لا تراجع عنهما"، ويتلخص الأول بمنع عودة السكان الإسرائيليين إلى الشمال والثاني بمنع فك ارتباط جبهة غزة ولبنان.

ومن الصعب جدا على حزب الله الحالي دون أمينه العام أن يتراجع عن الموقفين، وفقا لمنيمنة.

وفي حين أنه ليس من الواضح الآلية التي ستتصرف بموجبها القيادة الحالية يضيف أنه "كل ما اقتربت من موقف نصر الله كلما كان لها إمكانية على المحافظة على ولاء القاعدة والحاضنة الشعبية".

إسرائيل تتنصت على حزب الله منذ عام 2015
إسرائيل تتنصت على حزب الله منذ عام 2015
ناقشت الحرة الليلة الهجمات الإسرائيلية الحالية على لبنان والتفاصيل جديدة عن "هجمات البيجرز"، وحقيقة الانتقادات الموجهة للانتخابات الرئاسية التونسية، و إلى موقع محاولة اغتياله، ومدى خطورة هجوم القراصنة الصينيين على البنية التحتية أو الأنظمة الحكومية الأميركية.

وفي المقابل كلما حاولت أن تتصرف بشكل مختلف عرضت نفسها لمقولة "إنها أداة إيرانية ولا بد للتراجع والتخلي عنها".

ومن جهته يوضح الخبير الأردني السبايلة أن "حالة تضخيم القوة لحزب الله والتسويق السابق لفكرة إعادة معادلة رسم الردع وأنه قادر على دخول إسرائيل سيكون له انعكاسات على مستوى الإحباط والصدمة".

ويشير إلى أن "كل ما جرى منذ بداية الحرب السورية إلى الآن يشكّل بالنسبة لحزب الله عملية تدريجية لنقطة الضعف والخلخلة الداخلية".

ولعب ما جرى أيضا دورا "في غياب الدعم والتعاطف"، ويردف السبايلة بالقول: "الجميع قد يتعاطف مع لبنان لكن سينقسم كثيرون في حالة التعاطف مع حزب الله".

ويعتقد الناشط مراد أن "صورة حزب الله المستقبلية ستظل هشة وضعيفة"، بسبب غياب الإجماع الداخلي لدعمه ولغياب جزء كبير من الدعم الخارجي من إيران.

ويقول: "إيران لم تبيعه، بل تريد تحويل دوره، وكذلك الأمر بالنسبة لسوريا التي تفعل ما تمليه مصلحة النظام السوري الداخلية".

"السيد لم يعد موجودا!"

وفي غضون ذلك يعتبر الصحفي نعيم أن "حزب الله العسكري الآن انتهى. وبالتالي ليس هناك من حزب الله السياسي لأن الجماعة لا مشروع سياسيا لها".

على العكس فإن مشروعها "عسكري ديني إيديولوجي، ويعتبر امتدادا للنظام الإيراني"، وفق قوله.

ويوضح الباحث منيمنة أن حاضنة حزب الله في لبنان لا تقول "فداء للبنان وفلسطين، بل فداء للسيد".

ورغم أن "السيد" رحل في إشارة من الباحث لنصر الله "لا يزال الولاء للفكرة موجودا".

وبالتالي يعتقد أن "إسرائيل ربما لم تقرأ أو استعجلت قتل نصر الله لتسجل نصرا سريعا".

وقد تكون أرادت "إحداث حالة من التصلب" لكي تستأصل حزب الله بالكامل على مستوى العناصر والقادة، وهو سيناريو شبيه لما فعلته ضد حركة حماس.

ويختم الباحث حديثه بالقول: "لسنا أمام فترة جلية ولسنا أمام لوم حزب الله لما يجري في لبنان في الوقت الحالي. الموقف لا يزال رغم العذاب والألم يذهب باتجاه أن القاعدة الشعبية لا تزال وفية للسيد رغم أن السيد لم يعد هنا..".