لبنانيون وسوريون لدى دخولهم سوريا هربا من القصف الإسرائيلي على لبنان
لبنانيون وسوريون لدى دخولهم سوريا هربا من القصف الإسرائيلي على لبنان

عندما بدأت الحملة الإسرائيلية على جنوبي لبنان، سارع النظام السوري إلى إطلاق خطط استجابة لاستقبال اللبنانيين مع حديثه عن وجود "مراكز إيواء" تتسع للآلاف منهم، لكن رغم أن طريقة التعاطي هذه قد تكون إجراء طبيعيا لدولة جارة، فإن الصورة تختلف عند النظر إلى الموقف الذي أبدته دمشق مع اللاجئين السوريين هناك، سابقا والآن.

وعلى مدى الأيام الماضية، كانت الحدود مفتوحة أمام اللبنانيين الهاربين من القصف الإسرائيلي باتجاه سوريا، لكن لم يكن المشهد كذلك بالنسبة لأبناء البلد الأصليين، الذين انتظروا لأيام، بسبب عدم قدرتهم على دفع ضريبة الدخول المحددة بتصريف 100 دولار أميركي إلى الليرة السورية.

لم يقتصر الأمر ما سبق فحسب، بل وصل الحد من جانب مؤسسات النظام السوري، لإبداء الاهتمام على نحو كبير بالنازحين اللبنانيين، دون أن تكشف في المقابل عن أية خطة بشأن السوريين، الذين يعيشون مرارة "النزوح المزدوج".

وطالما أكد النظام السوري خلال الأشهر الماضية، أن عملية عودة اللاجئين السوريين من لبنان إلى بلدهم، تتطلب وجود أرضية معيشية وبنى تحتية، مشترطا أكثر من مرة على الدول والمانحين، دعمه ليوفر الاحتياجات لمن يرغب بالعودة.

وبعد اليوم الأول من تصعيد إسرائيل عملياتها العسكرية في لبنان، اتضح من تصريحات مسؤوليه أن "البنى التحتية" التي كان يطالب بها موجودة بالفعل، مما يشير إلى وجود "ازدواجية" في التعامل مع أزمة اللبنانيين والسوريين الفارين من الصراع، كما يقول الباحث السوري، أيمن الدسوقي.

ويضيف الباحث في مركز "عمران للدراسات الاستراتيجية"، أنه "في حين تتوفر الإرادة السياسية لاستقبال اللبنانيين، مدفوعة بحسابات النظام سياسيا واقتصاديا، لا يبدي الأخير رغبة ولا إرادة في ملف عودة السوريين المتواجدين في دول الجوار، إلى بلادهم، دون مكاسب ينالها مباشرة".

"اعتباران"

ويعتقد الدسوقي في حديثه لموقع "الحرة"، أن تحرك النظام على الحدود مع لبنان مدفوعا بـ"اعتبارين سياسي واقتصادي".

ويتصل الأول بحاجته إلى تبني موقف "يجنبه انتقادات" حلفائه في ما يعرف بـ"محور المقاومة"، "يتجاوز حالة الحياد كما ظهر في غزة، ولا يرقى للانخراط المباشر في دعم حزب الله، خشية الانجرار إلى مواجهة مباشرة مع إسرائيل تفوق قدرته وتقوض نظامه".

وكذلك، يوفر هذا الانخراط للنظام، "فرصة لإعادة تعويم دوره في الملف اللبناني مجددا، باعتباره شريكا مسؤولا في متابعة هذا الملف، واحتواء تداعياته راهنا وتسويته مستقبلا"، حسب الباحث السوري.

أما الاعتبار الثاني، فيتعلق "باستثمار النظام لأزمة النازحين اللبنانيين" على حد تعبير الدسوقي.

ويأتي ذلك "بهدف الضغط على حليفه الإيراني لإرسال مساعدات مالية ونفطية"، بالوقت الذي أشارت فيه تقارير صحفية عن تراجع ملحوظ في مستوى الدعم الإيراني للنظام.

وأيضا يهدف من وراء ذلك، وفق ذات المتحدث، إلى "استقطاب دعم من الدول المانحة، سيما الخليج وأوروبا، لمواجهة تحديات اللجوء والحيلولة دون تفاقهما، إضافة إلى توظيف هذا الملف كورقة تفاوضية لإعادة النظر بملف العقوبات المفروضة عليه".

ولا تزال حركات الخروج مستمرة من لبنان إلى سوريا عبر المعابر الحدودية الواصلة بين البلدين، وأبرزها جديدة يابوس.

ووفقا لآخر الإحصائيات التي نشرتها الأمم المتحدة، فقد تجاوز عدد العابرين حتى ظهر الإثنين، حاجز الـ100 ألف شخص.

ويتوزع اللبنانيون الداخلين إلى سوريا في عدة محافظات، بينها حمص ودمشق وريف دمشق وطرطوس، وبعض القرى الواقعة في ريف محافظة حماة.

وقال مصدر مطلع (متطوع في مؤسسة الهلال الأحمر السوري) لموقع "الحرة"، إن غالبية الفارين من اللبنانيين "يفضلون الذهاب إلى معارفهم في حمص وريف دمشق، فيما توجهت قلة منهم إلى المدارس ومراكز الإيواء".

وأضاف أن "جزءا آخر خرج من سوريا بعد دخولهم إليها، قاصدين وجهتين هما العراق والأردن".

"ترميم صورة"

ومنذ بدء الحرب في غزة في السابع من أكتوبر 2023، وبعد الحملة الإسرائيلية القائمة على جنوبي لبنان، التزم النظام السوري بسياسة قامت على "الانكفاء"، رغم أنه جزء مما يعرف بـ"محور المقاومة".

واقتصرت مواقفه خلال الأشهر الماضية، على تقديم "الدعم المعنوي" المتأخر، القائم على إصدار بيانات التنديد والإدانة، ومطالبة مؤسسات الأمم المتحدة بالتدخل لوقف الحرب.

وكان لـ"حزب الله" اللبناني الذي تعرض لسلسلة ضربات قتلت آخرها أمينه العام حسن نصر الله، دور كبير في بقاء النظام السوري ورئيسه بشار الأسد، بعدما اندلعت الثورة السورية ضده في 2011.

وفي تلك الفترة، أدخل حزب الله قوات وقادة كبار لسوريا، وشارك في غالبية المعارك على الأرض، ليحرف آنذاك دفة الصراع لصالح الأسد.

لكن رئيس النظام السوري لم يبد حتى الآن أية نية للانخراط إلى جانب الحزب من أجل دعمه.

ويأتي سلوكه بشأن استقبال اللبنانيين على نحو لافت، ومن منطلق "ترميم صورته"، حسب تعبير مدير البرنامج السوري في "مرصد الشبكات السياسية والاقتصادية"، كرم شعار.

ووفقا لشعار، يرى النظام السوري أن عبء استضافة أعداد من اللبنانيين سيكون "صغيرا جدا"، لذلك يحاول من منطلق "استثماري" أن يوجه رسالة بأنه "لا يزال يحافظ على الجزء المتبقي من سردية أننا ندعم المقاومة".

ورغم أنه "يعي بأن السردية تلك تمت تعريتها" وهو ما ينطبق على إيران أيضا، يوضح شعار لموقع "الحرة"، أن ما يجري من جانب الأسد على حدود لبنان "يظل محاولة لتعويض تخلخل الصورة الثانية المتعلقة بالانكفاء".

ويعتبر الباحث في "معهد الشرق الأوسط" بواشنطن، سمير التقي، أن "النظام السوري أصبح الآن في وضع محرج جدا فيما يتعلق بموقفه من إيران وحزب الله".

كما أن "موقفه الملتبس بعد مقتل نصر الله، يجعله أيضا في موضع ضعف"، وفق التقي الذي يضيف لموقع "الحرة"، أن "أحد الأشكال التعويضية للضعف من جانبه، هو قضية الحديث عن استقبال اللبنانيين من الباب المفتوح".

"إصلاح سمعة"

ولا تبدو مؤشرات واضحة حتى الآن عن الحد الذي ستصل إليه إسرائيل في جنوب لبنان، بعد أن أعلنت، الثلاثاء، بدء توغل بري "محدود"، وقالت إنها تخوض "قتالا عنيفا مع حزب الله".

ويوضح الباحث السوري التقي، أن "الحقائق تقول إن النظام السوري وبسلوكه المتعلق بعبور اللبنانيين على الحدود، يحاول إصلاح سمعته"، في إشارة منه إلى حالة الانكفاء السياسي والعسكري التي يتبعها.

ويضيف أن ما تقوم به السلطات السورية أيضا "يصب في إطار محاولة تقديم أوراق اعتماد جديدة في مرحلة ما، بعد إعادة تشكيل المنطقة".

ومع ذلك، يعتقد التقي أن "قدرة النظام على أن يكون نقطة توافق إقليمية، ستكون صعبة جدا".

ويشرح أن "المشكلة الرئيسية تكمن بمدى قدرته على أن يكون عامل استقرار في سوريا بدلا من عامل اضطراب. بمعنى قدرته على المصالحة وإدارة البلاد ومنعها من التورط في اتجاه الفوضى.. وهذه عوامل لا تشفع له فيها قضية اللاجئين".

"عين على الدعم"

ويخضع النظام السوري لعقوبات دولية من جانب دول أوروبية والولايات المتحدة، دون أن تشمل القطاع الإنساني المتعلق بمؤسسات الأمم المتحدة.

وكان قد استفاد مؤخرا من كارثة الزلزال الذي ضرب شمالي البلاد، حيث بدأت عدة دول بالتواصل معه، ووصلت إلى حد إعادة تطبيع العلاقات وتقديم الدعم الإنساني لمؤسساته.

ومع استمرار حركة العبور من لبنان، يوضح التقي أن اللبنانيين الجدد داخل سوريا "يتوزعون في إطار قسمين: الأول مرتبط بحزب الله والحاضنة الشعبية المرتبطة به"، أما الثاني "فيشمل اللبنانيين الذين اضطروا للهجرة لأسباب مختلفة، ويفضل قسم منهم استخدام سوريا كبلد عبور فقط باتجاه الأردن أو العراق".

وقد يحاول النظام السوري في الوقت الحالي أن يحجز له مكانا في قائمة الدول "المستفيدة من الدعم الدولي والعائدات المخصصة لأولئك اللبنانيين"، وفق التقي.

لكنه في المقابل، يضيف أن "النظام السوري لن يكون قادرا في وقت لاحق على أن يستمر بالسياسة التي يتبعها الآن، لأن ذلك قد يعني تغييرا ديمغرافيا لن يكون في صالحه".

مبنى سكني أصيب بغارة جوية إسرائيلية في ضاحية المزة على المشارف الغربية للعاصمة السورية دمشق
المزة حي سكني في قلب العاصمة دمشق تحول إلى هدف متكرر لإسرائيل

خلال أسبوع واحد فقط قتل 12 مدنيا سوريّا جراء ضربات جوية نسبت لإسرائيل واستهدفت عدة مناطق من البلاد، ووفقا لنشطاء حقوقيين وسكان تحدثوا لموقع "الحرة" لم تكن هذه الحصيلة الأولى من نوعها على صعيد الضحايا من غير المقاتلين أو المنخرطين بأعمال عسكرية، وربما لن تكون الأخيرة أيضا بناء على مسار القصف القائم.

واستهدفت آخر الضربات بناء سكنيا في منطقة تعرف بأبنية الـ14 بحي المزة بدمشق، وأسفرت قبل يومين عن مقتل ما لا يقل عن 8 مدنيين، بينهم 4 أطفال و3 سيدات إحداهن طبيبة، كما أصيب قرابة 11 آخرين بجروح متفاوتة الخطورة، بحسب "الشبكة السورية لحقوق الإنسان".

ولم يعرف الهدف الأساسي المراد من القصف، لكن دائما ما يسود اعتقاد تدعمه معطيات بأنه يتمثل بقيادي أو شخصية فاعلة تتبع إما لـ"الحرس الثوري" الإيراني أو لحزب الله اللبناني، وذلك استنادا للحالة التي كانت عليها ضربات سابقة شهدتها سوريا بشكل متكرر، وحي المزة على الخصوص.  

المزة هو حي سكني في قلب العاصمة دمشق ويعتبر من الأحياء الفارهة فيها، وكان تحول خلال الأشهر الماضية إلى هدف متكرر لإسرائيل. وفي حين قتل إثر القصف المتكرر قادة من حزب الله وإيران كان للمشهد جانب مأساوي على الطرف الآخر، وارتبط بالأساس بالضحايا المدنيين.

ماذا يقول القانون الدولي؟  

ونادرا ما تعلّق إسرائيل على الضربات التي تنسب إليها وتضرب أهدافا في مناطق مأهولة بالسكان، ومن جانب النظام السوري لم يخرج الموقف الخاص به مؤخرا عن نطاق التنديد والإعلان عن مصادر الإطلاق وأعداد الجرحى والقتلى من المدنيين فقط.

لكن وفي أعقاب كل قصف تشير وسائل إعلام إسرائيلية وإيرانية إلى أن الضربات تطال أهدافا عسكرية تمثلها شخصيات، وفي أكثر من مرة أقر "الحرس الثوري" بمقتل قادة لديه، آخرهم "المستشار" ماجد ديواني، الذي قتل بضربة استهدفت منطقة المزة، في الثالث من سبتمبر الحالي.  

وفي القصف ذاته ذكرت الرواية الرسمية في دمشق أنه أسفر عن مقتل 3 مدنيين، بينهم الإعلامية في التلفزيون السوري صفاء أحمد.

ويشرح الحقوقي السوري محمد العبد الله، وهو مدير مركز "العدالة والمساءلة" في واشنطن، أن القانون الدولي لا ينص على أن عدد الضحايا المدنيين في أي ضربة عسكرية "يجب أن يكون صفر".

لكنه يوضح في المقابل لموقع "الحرة" أن القانون ذاته يحدد معايير لهذه الضربات.  

ومن بين تلك المعايير: يجب أن يكون الهدف عسكريا مشروعا، وأن يكون الطرف المهاجم أخذ الحيطة والحذر للتمييز بين المدنيين والمقاتلين في مكان الضربة.  

ويجب أن يكون هناك جدوى عسكرية من الهدف، وأن يكون هناك نسبة وتناسب بالهدف والسلاح المستخدم، وألا يتسبب بـ"معاناة غير ضرورية".

ماذا عن وضع سوريا؟

في ما يتعلق بالضربات المرتبطة بإسرائيل في سوريا يقول الحقوقي السوري إنه يجب تحليل كل ضربة وحادثة على حدة، وفقا للمعايير المذكورة سابقا والتي يحددها القانون الدولي.

وعند التحليل يجب الإجابة عن تساؤلات من قبيل: هل الهدف عسكري مشروع؟ هل الشخصية المستهدفة استخباراتية؟ هل تم نسف المبنى بأكمله لقتل الشخص أو استهداف الشقة أو المكتب الموجود فيه؟ ما حجم المتفجرات ونوعها؟ وما زاوية تسليط الصواريخ، كون هذه العملية يكون لها دور في انفجار غرفة أو طابق بأكمله؟  

وبعد ذلك يضيف العبد الله أنه تبدأ عملية معاينة الحالات مع الهدف العسكري.

الحقوقي السوري يطرح مثلا تقريبيا لمعاينة الحالات واستخلاص النتائج بقوله: "عندما يقتل شخص واحد برتبة عسكرية متدنية وفي مقابله 20 مدنيا فنحن هنا أمام جريمة حرب".

وفي المقابل "إذا قتلت شخصية قيادية لها وزن استخباراتي وذات جدوى عسكرية كبيرة وراح في مقابلها 3 مدنيين فلن تجد أي محكمة في ذلك جريمة حرب"، بحسب المثال الثاني الذي طرحه العبد الله.

يؤكد الحقوقي السوري أن القانون الدولي ينص أنه على عاتق الطرف الذي قام بالضربة التحقيق بمسألة سقوط مدنيين إن استطاع ونشر اعتذار وتعويض الضحايا، ويشير إلى أن "مقتل مدنيين جراء ضربات لا يعتبر جريمة حرب في حال تم إثبات أن الطرف المهاجم كان ملتزما بالمعايير المطبقة".

في غالب الأحيان تنشر القليل من التسجيلات المصورة والصور التي توثق مكان الضربات الإسرائيلية على شقة أو بناء، وتكون في معظمها على وسائل التواصل الاجتماعي.  

ومع ذلك كانت ضربة المزة الأخيرة استهدفت تجمعا سكنيا كبيرا يعرف محليا بمباني الـ14، وأظهر بث مباشر للتلفزيون السوري آثار دمار في شقتين وأضرار مادية في السيارات المركونة هناك.  

ويقول العبد الله إن الفيديوهات الشحيحة التي انتشرت لم تظهر أنه "تم استخدام عنف غير مبرر وتهديم مبانٍ عن بكرة أبيها".

لكن في المقابل لم يظهر نوع الصواريخ والأسلحة وما إذا كان متناسبا مع الأهداف.  

وعلاوة على ذلك، تجدر الإشارة بحسب الحقوقي السوري إلى أنه حتى الآن لم نصل إلى طبيعة الأهداف، والتي غالبا ما تكون مجهولة، إلا إذا تم الإعلان عن تصفية شخص يتولى منصبا كملحق أمني أو قيادي في حزب الله أو إيران.  

"أضرار جانبية"

رغم أن منطقة المزة تركزت فيها غالبية الاستهدافات التي أسفرت عن ضحايا مدنيين وقتلى من إيران وحزب الله كانت حوادث مشابهة حصلت في مدن سورية أخرى كحمص الواقعة وسط البلاد.  

وفي هذه المدينة أسفر قصف نسب لإسرائيل، في فبراير 2024، عن انهيار بناء كامل قبالة الملعب البلدي، ومقتل 4 شبان بداخل شقة وامرأة مسنة تدعى نبيلة رسلان مع ابنها الشاب محمد الحسن الموصلي.

وفقا لـ"الشبكة السورية لحقوق الإنسان" لم تنشر القوات الإسرائيلية أي تحذيرات للمدنيين بمغادرة المباني قبل استهدافها. كما لم يتم تمييز المدنيين عن المقاتلين في هجوم المزة الأخير، ولم تنشر أيضا أي صور أو فيديوهات تثبت وجود مقاتلين أو معدات عسكرية في المنطقة المستهدفة.  

ويوضح العبد الله أنه من الناحية النظرية يستطيع أهالي الضحايا المطالبة بالتعويضات.

لكن عمليا فإن الأمر يكاد يكون مستحيلا، إذ لا يستطيع أهالي الضحايا الوصول للقضاء الدولي أو الإسرائيلي، وحتى أنهم لا يستطيعون قبول تعويضات من إسرائيل بسبب وضع الحرب، ولاعتبار يتعلق بشق قانوني في سوريا.  

وفي المقابل يعيد التذكير بأن "مبدأ النسبة والتناسب" يحظر عموما الضربات التي من المتوقع أن يكون فيها ضحايا مدنيون أو جرحى أو تحدث ضررا بالأعيان المدنية، وذلك بصيغة لا تكون متناسبة مع الجدوى العسكرية من الضربة.  

ويكمل حديثه بالتأكيد على الشق المتعلق بماهية الهدف، قائلا: "أن تضرب مجندا إيرانيا مقيما في بناء وتقتل 20 مدنيا فهذا الأمر جريمة حرب.. أن تضرب غرفة بصاروخ نائب فيلق القدس و3 مدنيين سيتم اعتبار الضحايا أضرارا جانبية، ولن ترى أي محكمة في الحادثة بعد مراجعتها جريمة حرب".

"تحوّل بعد حرب غزة"

على مدى السنوات الماضية كانت إسرائيل تنفذ سلسلة ضربات جوية وصاروخية، وتستهدف بها مواقع ينتشر فيها عناصر وقادة إيرانيون وآخرون يتبعون لميليشياتهم ولحزب الله اللبناني.  

وكان الإسرائيليون يستهدفون أيضا طرق إمداد الأسلحة والذخائر التي تصل إلى حزب الله، وتبدأ خيوطها الأولى من إيران وتمر من الأراضي السورية.  

لكن بعد اندلاع الحرب في غزة طرأ تحوّل كبير على شكل تلك الضربات، إذ بدأت تطال قادة كبارا في "الحرس الثوري" داخل شقق سكنية يقيمون فيها، سواء في أحياء منطقة المزة أو حيث تتركز ميليشياتهم في منطقة السيدة زينب ومواقع أخرى من البلاد.  

وفي فبراير الماضي قتل 6 قادة من "الحرس الثوري" بضربة جوية نسبت لإسرائيل واستهدفت شقة في منطقة المزة فيلات، وكان أبرزهم مسؤول استخبارات "الحرس الثوري"، صادق أوميد زادة، الذي كان يتحدث العربية ولم يكن السكان في محيطه يعرفون المنصب الذي يشغله بالتحديد، وفق الصحفي في موقع "صوت العاصمة"، خليل سامح.

وقبل أسبوع أسفرت ضربة حصلت في منطقة المزة أيضا عن مقتل حسن جعفر قصير صهر الأمين العام الراحل لحزب الله، حسن نصر الله.

يضيف سامح لموقع "الحرة" أنه وفي ظل تتالي الضربات الإسرائيلية وسقوط ضحايا مدنيين بات الخوف أكثر ما يخيّم على مشهد الحياة اليومية الخاص بأهالي العاصمة السورية دمشق.

كما يوضح بالقول إن هذا الخوف "لا يرتبط من خشية وجود قيادي إيراني أو من حزب الله أو ضابط ارتباط سوري بالقرب من السكان فحسب، بل وصل خلال الأيام الماضية إلى حد الخشية من الوقوف بجانب سيارات مشبوهة يعتقد أنها تتبع لشخصيات نافذة من حزب الله".  

"قد تستهدف طائرة مسيرة إسرائيلية تلك السيارات في أي لحظة"، على حد وصف الصحفي.

ويشير إلى أن وجود قادة إيرانيين أو من حزب الله داخل الشقق السكنية في العاصمة غالبا ما يكون في إطار عملية تأجير يقودها وسطاء.  

وهؤلاء الوسطاء سوريون وبعد إبرام عقد التأجير باسمهم يتجهون لاحقا إلى تسليم الشقق لـ"الغرباء".  

ويتابع سامح: "توجد مكاتب عقارية في دمشق تسير أمور الأشخاص الغرباء وبنفس الوقت هناك مكاتب عقارية لا تعرف من استأجر المنزل في وقت لاحق!".  

كما يشير إلى أن "عقود تأجير المنازل والشقق في سوريا لا تتم مع شخص أجنبي إلا بموافقة أمنية".

من يتحمل المسؤولية؟  

يرى بروس فاين، المساعد السابق لنائب وزير العدل الأميركي والخبير القانوني أن إسرائيل من المحتمل أنها "قد ارتكبت جرائم حرب من خلال ضربات تعرض حياة المدنيين للخطر، وتسبب دمارا أيضا على نطاق واسع".

ومن جانبه يشير رئيس مركز الشرق الأوسط والقانون الدولي في كلية سكاليا للقانون بجامعة جورج ماسون، يوجين كونتوروفيتش إلى أن "استهداف الأفراد العسكريين مسموح به بطبيعة الحال بموجب القانون الدولي".

ويقول لموقع "الحرة" إن "الخسائر المدنية التي تحدث نتيجة لضربة قانونية على أهداف عسكرية لا تجعل الضربة غير قانونية ـ فلم تخض أي حرب دون وقوع خسائر مدنية".

كما يعتبر أنه "من الواضح تماما أن مثل هذه الضربات قانونية، خاصة بالنظر إلى أهمية الأهداف"، وبالنظر إلى أن كل من إيران وحزب الله في حالة حرب مع إسرائيل.

وفي مقابل الضربات والطرف المنفذ لها يحظر القانون الدولي بشكل واضح في النزاعات الدولية وغير الدولية استخدام المدنيين كدروع بشرية، كما يوضح الحقوقي السوري، محمد العبد الله.

المصطلح المذكور يعني "التموضع المتعمد لأهداف عسكرية بين مدنيين أو بين أشخاص عاجزين عن القتال، لتحقيق هدف واضح هو منع الطرف الآخر من ضرب هذه الأهداف العسكرية".  

وبالتدقيق فيه لاستخلاص النتائج يثار تساؤل مفاده: "هل هناك نية واضحة من إسكان هؤلاء الأشخاص وإسكانهم في الشقق للحيلولة دون استهدافهم لردع الطرف الآخر بالمعركة وهي إسرائيل؟

ويستبعد الحقوقي السوري أن يكون هدف إقامة الأشخاص التابعين لإيران وحزب الله بين الأحياء السكنية لردع إسرائيل عن تنفيذ الضربات.  

ويرى أنه "يتم وضعهم في الأبنية السكنية لحماية هوياتهم"، رغم أن الاختراق الاستخباراتي يبدو وأنه يكشف كل هذه العملية.  

ويعتقد الباحث السوري في مركز "حرمون للدراسات المعاصرة"، نوار شعبان أن "الهدف من إقامة قادة وعناصر حزب الله وإيران في مناطق مدنية وخاصة في المزة هو التخفي".

ويضاف إلى ذلك هدف آخر يذهب باتجاه محاولة "الانخراط في بيئة غير مكشوفة كما الحال في منطقة السيدة زينب بدمشق مثلا".

ويوضح شعبان أن "الضربات الإسرائيلية الحاصلة تركز على استهداف هدف معين وليس إنهاء التواجد الإيراني والخاص بحزب الله في المنطقة، وهو الأمر الذي يعيه الطرفان".  

ويشير إلى أن "عملية تأجير الشقق السكنية أو إقامة القادة والعناصر فيها يتم إما عبر سماسرة ووسطاء أو من خلال دفع مبالغ مالية طائلة تزيد عن تلك التي يدفعها المقيمون العاديون بغرض السكن".

ماذا يقول القانون الدولي الإنساني العرفي؟

وتضم المزة بدمشق سفارات عدة دول.

وغالبية الأهداف التي تضربها إسرائيل في هذا الحي لا تبعد كثيرا عن مطار المزة العسكري وفرع التحقيق الخاصة بالمخابرات الجوية والقصر الجمهوري الذي يقيم فيه رئيس النظام السوري، بشار الأسد.  

وبعد اندلاع الحرب في غزة بأشهر كانت إسرائيل استهدفت مبنى القنصلية الإيرانية الواقع في منطقة المزة أوتوستراد، مما أسفر عن مقتل قادة كبار أبرزهم محمد رضا زاهدي ومدنيين كانوا بالقرب من البناء المستهدف.  

وإلى جانب المعايير المذكورة سابقا التي يحددها القانون الدولي يحظر القانون الدولي الإنساني العرفي بشكل مباشر استخدام المدنيين كدروع بشرية سواء كان النزاع المسلح دوليا أو غير دولي، وتوجد مسؤولية جنائية في هذا الموضوع، وفق حديث الحقوقي العبد الله.

ويشرح من جانب آخر أن "الانتهاك لمنع استخدام المدنيين كدروع بشرية لا يخول ويسمح للطرف الآخر أيضا باستهداف الأهداف العسكرية وإلحاق ضرر بالمدنيين عن علم".

"حزب الله ارتكب جريمة قانونية بتموضعه وبناء مقر أمني تحت مباني سكنية لكن الأمر لا يبيح لإسرائيل تحويل المباني لتراب". وفي هذه الحالة يكون الطرفان قد ارتكبا انتهاكا، بحسب الحقوقي.