مئات الآلاف نزحوا في لبنان بسبب القصف الإسرائيلي
مئات الآلاف نزحوا في لبنان بسبب القصف الإسرائيلي

قبل اجتيازه الحدود اللبنانية-السورية الأسبوع الماضي انتاب الشاب السوري عبدو "لهفة حنين" كسرت جزءا من المعاناة التي عاشها مع شقيقته وعائلتها لعدة أيام، لكن هذه المشاعر سرعان ما تبددت عندما وضع أول خطوة داخل أرض الوطن.

تلك الخطوة الأولى كلفته 20 دولار أميركي، ودفعها بالتدريج لأربعة عناصر من النظام السوري كانوا اصطفوا بعد البوابة الجمركية بأمتار وبدأوا "تحصيل حلوان الإعفاء من عملية التختيم بشكل مؤقت"، حسب قول عبدو لموقع "الحرة".

والشاب من إحدى القرى التابعة لمحافظة إدلب السورية، وكان يقيم في الضاحية الجنوبية بلبنان منذ 12 عاما.

وبعد بدء حملة القصف الإسرائيلية انتقل إلى صيدا كغيره من الآلاف، ومن هناك حجزت له عائلته مقعدا في إحدى الشركات العاملة على خط بيروت-شمال سوريا، من أجل الفرار من لبنان مع أخته وزوجها وعائلتها المكونة من 3 أطفال.

يضيف عبدو أن الحالة التي شهدها بعد اجتياز الحدود وفي أثناء استقباله من "العساكر" لم تكن إلا نقطة في بحر ممارسات "ابتزاز واستغلال"، ولم تقتصر على الطريق المار من مناطق سيطرة النظام فحسب، بل شملت أيضا مناطق النفوذ الأخرى في البلاد، وبدرجات أقسى.

"أبو محمد" وهو سوري يبلغ من العمر 50 عاما عاش ذات التجربة الخاصة بالشاب عبدو.

ولخصها بعدة كلمات قائلا لموقع "الحرة": "جئنا من لبنان إلى شمال سوريا.. الطريق كان تشليح بتشليح"، في إشارة منه إلى الإتاوات التي فرضت عليهم للعبور من منطقة باتجاه أخرى.

كما أشار إلى "أصناف مختلفة من الذل" التي عاشوها، وخاصة على المعابر الداخلية الواصلة بين مناطق النفوذ المتناحرة، حيث انتظروا على أحدها لخمسة أيام.

"إلى وطن بعدة دويلات"

ووفقا لـ"وحدة إدارة مخاطر الكوارث" التابعة للحكومة اللبنانية عَبر أكثر من 400 ألف شخص من لبنان إلى سوريا، غالبيتهم سوريون، في غضون أسبوعين، أي منذ أن كثفت إسرائيل غاراتها على مناطق مختلفة في لبنان.

وأوضحت الوحدة في تقرير لها، الاثنين، أنه منذ تاريخ 23 سبتمبر لغاية الخامس من أكتوبر سجّل الأمن العام عبور أكثر من 300 ألف سوري.

يختار هؤلاء بعد اجتيازهم الحدود وجهات متفرقة، وبينما يفضل البعض منهم البقاء في مناطق سيطرة النظام يقرر آخرون الذهاب إلى قراهم وبلداتهم الأصلية في شمال وشرق سوريا وشمال وغربي البلاد، وهو ما تؤكده إعلانات رسمية.

ومع ذلك، لا تبدو عملية الانتقال من منطقة نفوذ إلى أخرى في سوريا بالأمر السهل بناء على الحدود المرسومة بين كل من مناطق النظام والأكراد في شمال شرقي البلاد وفصائل المعارضة، حيث تسيطر في ريف محافظة حلب وإدلب.

وتؤكد تفاصيل الرحلة التي تحدث عنها عبدو لموقع "الحرة" ما سبق، موضحا أن عملية انتقاله من بلدة جديدة يابوس المقابلة لمعبر المصنع الحدودي مع لبنان إلى معبر "التايهة" الداخلي في ريف حلب كلفته 325 دولارا أميركا.

دفع عبدو المبلغ للشركة التي استقل حافلاتها مع عائلة شقيقته، وأشار إلى أنه ضمن مروره على الحواجز العسكرية دون تفتيش أو مساءلات أمنية، أو كما بات يعرف محليا منذ سنوات بـ"الترفيق".

واضطر بعد سفر استمر لثمانية ساعات لدفع 100 دولار إضافية لحاجز "الفرقة الرابعة"، قبل أن يتجاوز الحدود الداخلية (معبر التايهة) باتجاه المناطق الخاضعة لسيطرة "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) في ريف حلب.

ويقول "المرصد السوري لحقوق الإنسان" إن حواجز قوات النظام السوري واصلت خلال الأيام الماضية تضييق الخناق وابتزاز السوريين العائدين من لبنان ماليا، حيث تفرض رسوما تصل إلى 200 ألف ليرة سورية على كل حافلة تقلهم.

وتفرض أيضا نفس المبلغ عن كل شخص مطلوب للخدمة العسكرية، وهو الأمر الذي أكده عبدو.

كما يتعرض كل من يرفض الدفع للاعتقال، وفق ما أكده مواطن من مدينة الرقة أجبر على دفع مبلغ قدره 3 ملايين ليرة سورية لعناصر حاجز "الفرقة الرابعة" للعودة إلى منطقته، بحسب المرصد.

ويضيف "أبو محمد" أن رحلة الانتقال من منطقة جديدة يابوس إلى ريف حلب الشمالي حيث تسيطر "قسد" لم تخل من دفع الرشاوى لضباط النظام السوري المتواجدين على الحواجز الأمنية.

ويتابع عبدو من جانبه بالقول إن "جيش النظام السوري لا يتحدث مع أحد. يقول الضباط لمعاون سائق الحافلة: اعطيني مصاري وامشي".

"كانت الرشاوى علنية إلى درجة الوقاحة"، على حد تعبير الشاب.

وأردف بالقول: "دفعنا الكثير ووزعنا دولارات على طول الطريق المار من دمشق وحمص إلى ريف حلب قبل اجتياز معبر التايهة (الذي يفصل مناطق النظام مع قسد)".

"فري زون الزكوري"

ولا تعتبر المعابر الداخلية التي تفصل بين أطراف النفوذ في سوريا جديدة على مشهد البلاد الممزقة، وكانت قد ارتسمت معالمها بعدما استقرت العمليات العسكرية على الأرض.

على مدى السنوات الماضية كان الكثير من السوريين المتوزعين في مناطق النفوذ المتناحرة اضطروا لقطع مسافات طويلة ودفع إتاوات على الطرقات والمعابر الداخلية، لقاء وصولهم إلى وجهتهم أو طلبا للعلاج.

وبحسب إحصائية حصل عليها موقع "الحرة" من منظمة "الدفاع المدني السوري" بلغ عدد السوريين القادمين من لبنان إلى مناطق شمال سوريا الخاضعة لسيطرة فصائل المعارضة 1700 شخص.

ووصل غالبيتهم إلى شمالي البلاد "بحالة وهن وتعب وإرهاق وضغوط نفسية، بسبب مشقة السفر والنزوح"، وفقا لـ"الدفاع المدني".

وفي وقت سابق من هذا الأسبوع أعلنت "الحكومة السورية المؤقتة" المعارضة إغلاق المعبر الذي يمر منه السوريون القادمين من لبنان، والمعروف باسم "عون الدادات" نسبة للقرية الموجودة هناك.

يفصل هذا المعبر مناطق "الحكومة المؤقتة" عن المناطق الخاضعة لـ"قسد".

وعند "استراحة الزكوري"، وهي أشبه بمنطقة "حرة" تفصل بين الطرفين تعرض المئات من السوريين الفارين لعمليات ابتزاز وذل واستغلال، بحسب رواية الشاب عبدو لـ"الحرة" وأحمد الذي وصل إلى إدلب قبل خمسة أيام، قادما من لبنان.

يوضح عبدو أنه احتجز لخمسة أيام مع أكثر من 400 شخص في أرض مخصصة للمواشي قرب "الاستراحة" المذكورة.

وقال إنهم تعرضوا هناك لابتزاز وضرب واعتداءات نفذها مسلحون يتبعون لميليشيا يقودها شخص من أبناء قرية عون الدادات، يدعى هزاع الزكوري.

الشخص ذاته يمتلك شركة حافلات (شركة العوني) تنقل مسافرين بين مناطق النفوذ المختلفة، ويحظى بنفوذ كبير في المنطقة الفاصلة بين "الحكومة المؤقتة" و"قسد" والممثلة بقرية عون الدادات.

ولم يتمكن موقع "الحرة" من كشف ارتباطاته وخفايا النفوذ الذي يتلقاه في المنطقة.

بدوره أكد مدير "المرصد السوري لحقوق الإنسان"، رامي عبد الرحمن الانتهاكات والابتزاز الذي يمارسه الزكوري والمسلحين التابعين له على السوريين القاصدين الانتقال من مناطق "قسد" باتجاه مناطق سيطرة فصائل المعارضة.

ورجح عبد الرحمن أن ارتباطاته تنسحب على مختلف أطراف النفوذ في سوريا (النظام السوري، المعارضة، قسد)، في وقت أشار ناشط إعلامي (فضل عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية) من مدينة منبج لموقع "الحرة" إلى أن الزكوري يعتبر بمثابة "صلة وصل" بين أطراف النفوذ.

"استغلال ونوم في العراء"

ظّل الشاب عبدو مع مئات الفارين من لبنان لخمسة أيام في العراء، وكان يحيط بهم من كل جانب مسلحين يتبعون لهزاع الزكوري، صاحب النفوذ والسطوة في قرية عون الدادات الفاصلة بين مناطق "قسد" وفصائل المعارضة.

ورغم أنه تمكن من العبور بعد ذلك وكذلك الأمر بالنسبة لبقية أفراد رحلته لم ينس حتى الآن ما عاشوه في الأرض المخصصة للمواشي.

ويقول: "منعوا علينا الاتصال بالهاتف أو حتى استخدامه، واضطررنا لتصريف فئات من الدولار إلى الليرة التركية وبسعر أرخص مما هو متداول".

ويضيف أن "مسلحي الزكوري" كانوا يمنعونهم من الاختلاط ببقية الركاب.

كما أوضح أنه رأى حالات نساء تعرضن للضرب بخراطيم بلاستيكية، لأنهن خالفن التوجيهات، وانتقلن من مكان لآخر دون علم المسلحين.

وذكر مشهد آخرا حصل في أثناء الليل، إذ "أقدم الزكوري على معاينة المسافرين الفارين النائمين في ساحة المواشي وهو على ظهر فرس، الأمر الذي عرض البعض منهم لمخاطر الدعس".

وقال الشاب السوري أحمد لموقع "الحرة" إن "الزكوري ومسلحيه يديرون عمليات عبور المسافرين من مناطق قسد إلى مناطق سيطرة فصائل المعارضة وبالعكس، منذ سنوات".

وأضاف أن إدارة عمليات العبور لا تقتصر على معبر "عون الدادات" الداخلي الرسمي، بل تشمل أيضا حركات تهريب البشر التي تتم بين المنطقتين.

"اعتقالات وتمييز"

وما تزال حركات عبور السوريين مستمرة من لبنان باتجاه سوريا، ويشمل ذلك أيضا الوافدين من اللبنانيين.

ولا تعرف حتى الآن ظروف الكثيرين منهم، نظرا للعدد الكبير الذي دخل من لبنان، بحسب مدير "الشبكة السورية لحقوق الإنسان"، فضل عبد الغني.

لكن عبد الغني وفيما يتعلق بالمناطق الخاضعة لسيطرة النظام السوري قال لموقع "الحرة" إنهم وثقوا خلال الأيام الماضية اعتقال أجهزة الأخير لتسعة شبان سوريين كانوا عادوا من لبنان هربا من حملة القصف الإسرائيلية.

ومعظم المعتقلين من محافظة ريف دمشق، وأضافت الحقوقي السوري أن عملية اعتقالهم جاءت "على خلفية التجنيد الإلزامي والاحتياطي".

ويوضح عبد الغني أن عمليات الاعتقال من جانب النظام لا تتم بموجب مذكرة قضائية، ويقول إن ما يجري "يتم بشكل تعسفي وبقرار تصدره الأجهزة الأمنية".

علاوة على ذلك، يشير الحقوقي السوري إلى حالة "تمييز" في التعاطي التي أبداها النظام السوري خلال الأيام الماضية، حيث أعلن عن تسهيلات وامتيازات تخص الوافدين اللبنانيين، دون أن ينطبق ذلك على أبناء البلد الأصليين.

وفي الأسبوع الأول من الحملة الإسرائيلية على لبنان عانى الكثير من السوريين الفارين إلى بلدهم من إجراء تصريف 100 دولار مقابل الليرة السورية قبل الدخول إلى الحدود.

وبعد حملة انتقاد تخللها جدل واسع ألغى النظام السوري قرار التصريف.

ويقول عبد الغني: "النظام يميّز مواطني البلد عنصريا. حتى أسوأ الديكتاتوريات لا تفعل ذلك. الدول تميز مواطنيها عن غيرهم وليس بالعكس!".

ويؤكد من جانب آخر أنه حتى الآن "لا توجد أي ضمانات أمنية بشأن سلامة الفارين باتجاه سوريا".

تواجه النساء في مناطق سورية مشاكل في الحصول على الرعاية الصحية - AFP
تواجه النساء في مناطق سورية مشاكل في الحصول على الرعاية الصحية - AFP

تتلقى مريم ضاهر، البالغة 33 عامًا، العلاج في مستشفى تدعمه منظمة "أطباء بلا حدود"، الموجودة في الأردن، والتي تقدم خدماتها شمال غرب سوريا. كانت مريم قد فقدت جنينها. قطعت مسافة 20 كيلومترًا مع ابنها البالغ من العمر 18 عامًا على دراجة نارية للوصول إلى المستشفى.

تقول "لم تتوفر أي سيارة إسعاف بالقرب من منزلي. كنت مرهقة عندما وصلت، وأتساءل كيف سأخوض هذه الرحلة للعودة إلى المنزل بعد العملية".

في ظل الحرب التي تعصف بسوريا منذ 13 عامًا، والزلزالين اللذين ضربا البلاد في فبراير 2023، ونقص البنى التحتية الصحية، تجد النساء الحوامل والأمهات الجدد صعوبات في الحصول على الرعاية الصحية اللازمة، خصوصا في شمال غرب سوريا.

أزمة خدمات صحية

في فترات سابقة، كانت تتوفر للنساء في شمال غرب سوريا الكثير من المستشفيات والعيادات التي تقدّم خدمات رعاية الأمومة، إلا أن الكثير منها قد دمّر نتيجة القصف وأعمال العنف. والآن، باتت قلّة من الأماكن تستقبل النساء الحوامل والأمهات الجدد.

أمام هذا الوضع، تعوّل النساء على عدد محدود من المرافق المستمرة في العمل، والتي تفصلهن عنها مسافات طويلة، ويضطررن إلى خوض رحلة غير مضمونة على الطرقات المتضررة وفي ظل الأخطار الأمنية.

وتوضح عائشة منصور، التي تبلغ من العمر 61 عامًا، هذا المسار قائلة "عندما حان موعد ولادة زوجة ابني، هرعنا إلى المستشفى الأقرب إلى منزلنا لنجده مغلقًا بسبب نقص التمويل بحسب ما قال الحارس أمام المستشفى. فتوجّهنا إلى المدينة المجاورة، لكننا مُنعنا من دخولها بسبب القتال".

ووفقًا لتقارير المجموعة الصحية للأمم المتحدة في شمال غرب سوريا، كان هناك 160 مرفقًا صحيًا مهددا بالإغلاق الكامل أو الجزئي حتى يونيو الماضي، ومن بينها تسعة مرافق مخصصة للرعاية الصحية المتخصصة. ويفيد تقرير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية الصادر نهاية يوليو بأنّ 50 في المئة من جميع المرافق الصحية العاملة ستعلّق أنشطتها كليًا أو جزئيًا بحلول ديسمبر المقبل نتيجة خفض التمويل.

وعلى الرغم من استمرار بعض المرافق الصحية في العمل، تبقى الخدمات المتوفّرة للنساء محدودة بسبب نقص الأطباء المتخصصين، كأطباء أمراض النساء والتوليد، ونقص المعدات الطبية والأدوية والمواد الأخرى. وعندما تحتاج النساء إلى دخول المستشفى، غالبًا ما لا يتم استقبالهنّ.

وتوضح المرجع الطبي لـ"أطباء بلا حدود" في شمال غرب سوريا، كيارا مارتينوتا، أن الأطباء المتخصصين "إما نزحوا أو هاجروا إلى البلدان المجاورة أو البعيدة بحثًا عن فرص أفضل". وقد أدى ذلك إلى "نقص في أطباء أمراض النساء والتوليد الذين يوّفرون رعاية الأمومة المتقدمة، مما يزيد العبء على المرافق الصحية المتبقية والمثقلة أساسًا باحتياجات المرضى".

قيود اجتماعية

تواجه النساء السوريات مشكلا آخر في الحصول على الرعاية الصحة يتمثل في ترددهن في التوجه للمستسفيات خوفا من "الوصمة الاجتماعية والأحكام المسبَقة" التي تجعل إعلان المرأة كونها حاملا مسألة محرجة.

وتقول كوثر علي، وهي أم نازحة من حلب تبلغ من العمر 23 عامًا، "كثيرة هي النساء اللواتي يعتريهن الندم عندما يعرفن أنهن حوامل، إذ يواجهن انتقادات لاذعة من المجتمع بسبب ظروفهن المعيشية السيئة والحياة العصيبة في المخيمات. ويعتقد البعض أن إنجاب مزيد من الأطفال سيزيد من التحديات".

وتوضح "أطباء بلا حدود" أن منح النساء موانع الحمل لا يمكن أن يتم بدون توقيع الأزواج على موافقة مسبقة في المرافق التي تدعمها المنظمة، مرجعة ذلك إلى "الأعراف الثقافية السائدة في المنطقة". كما يعدّ الحمل المبكر من "التحديات الملحة" التي ترتبط بالأعراف الاجتماعية، وفق المنظمة التي تشير إلى أنّها استقبلت خلال عام 2024 امرأة تبلغ من العمر 19 عامًا أو أقل من بين كل أربع نساء قصدوا مستشفيات الأمومة التي تدعمها.

وتقول مشرفة التوليد في "أطباء بلا حدود" بشمال غرب سوريا، فاطمة النعسان، "استقبلنا امرأة وقد فارقت الحياة بسبب نزيف حاد، وعندما عاينتها القابلة وجدت الإصابات الشديدة واضحة عليها. أخبرتنا والدتها أن الزوج أصر على التوجّه إلى قابلة تقليدية على الرّغم من وجود مرفق صحي قريب من منزلهم".

علاوة على ذلك، كثيرًا ما تضطر النساء الحوامل لاصطحاب أحد أقاربها الذكور لتلقي الخدمات الصحية، ويُطلب منهن حينها الحصول على موافقتهم قبل تحديد ما إذا كن سيحصلن على الرعاية، فيتسبب ذلك في تأخير حصولهنّ على الخدمات الطبية ويؤثر على قدرتهن على التنقل للوصول إلى المستشفى أو العيادة في الوقت المناسب، خاصةً إذا كان العثور على المرافق مهمةً صعبة.

تداعيات الأزمة

مع تفاقم التضخم وارتفاع الأسعار في سوريا، باتت العائلات غير قادرة على تحمّل تكاليف الاستشارات الخاصة أو العمليات الجراحية.

وينتشر الفقر على نطاق واسع في المنطقة، وتعاني الكثير من النساء الحوامل من فقر الدم أو سوء التغذية الحاد. وفي أغسطس 2023، رجّحت مجموعة التغذية التابعة للوكالة الإنسانية في شمال غرب سوريا إصابة 7 إلى 15 في المئة من النساء الحوامل والمرضعات في محافظتي إدلب وحلب بسوء التغذية.

يقول خالد يوسف، وهو أحد النازحين الذين يعيشون في منطقة جنديرس وأب لسبعة أطفال، "اضطررت إلى شراء الدواء من صيدلية خاصة لعدم توفّره في المستشفى. ظروفنا المعيشية سيئة، ولا أقدر على شراء الأدوية".

ويزيد الوضع صعوبة في ظل عدم توفر أسر على معيلين، إذ لا تضم كل عائلة من بين خمسة في كثير من مخيميات النزوح التي تغطيها مهام "أطباء بلا حدود" رجلا بالغا يتولى شؤون الأسرة.

تعيش مناطق سورية غياب مرافق صحية خاصة بالتوليد

وبسبب كل هذه الظروف، لم يعد أمام النساء الحوامل من خيار إلا أن يساهمن في توفير دخل بالعمل في الزراعة، مما يزيد من المخاطر على صحتهن وسلامة أجنتهن.

ويزداد الوضع سوءًا للنازحين الذين يعيشون في خيام بالية على أراضٍ خاصة. فهم مجبرون على تحمّل الظروف العصيبة خلال الشتاء القاسي والصيف الحارق. ومما يزيد الوضع صعوبة أن بعضهم مهدد بالطرد من قبل ملاك الأراضي الذين يطالبون بإخلائها واستعادتها.

وقد تأكد هذا الاتجاه المقلق في تقديرات عام 2024 التي شملت بعض المخيمات في حلب وإدلب شمال غرب سوريا حيث تعمل "أطباء بلا حدود". ومع توقع خفض إضافي في التمويل، يمكن أن تتراجع إمكانيات الحصول على الخدمات الغذائية الأساسية، مما يعرّض النساء والرضع لخطر أكبر.

تحركات ميدانية

غير أن منظمات مثل "أطباء بلا حدود" تسعى لتجاوز هذا الوضع عبر مبادرات مختلفة. فمنذ عام 2023، ساعدت فرق "أطباء بلا حدود" في شمال غرب سوريا في أكثر من 25 ألفا و500 ولادة، وأجرت أكثر من 5 آلاف و500 عملية قيصرية، كما وفرت أكثر من111 ألف استشارة طبية للأمهات.

وتسعى المنظمة إلى بناء مستشفى جديد للولادة في منطقة جنديرس للمساعدة في معالجة النقص الحاد في مرافق الأمومة. وسيوفر هذا المستشفى ولادة. علاوة على ذلك، يجري العمل على توسيع نطاق خدمات الأمومة في مستشفى الشهباء في مدينة مارع، حيث تُقدم خدمات الولادة القيصرية والجراحة والرعاية للأطفال حديثي الولادة، كما يستقبل الإحالات من مرافق صحية أخرى في شمال غرب سوريا.

تقول رئيسة بعثة أطباء بلا حدود في شمال غرب سوريا، سهام حجاج، "لا يمكن تجاهل الحاجة الملحة إلى تذليل العقبات التي تؤخّر النساء الحوامل أو تمنعهنّ من تلقي الرعاية في شمال غرب سوريا. وفي ظل خفض التمويل، سيزداد هذا الوضع سوءًا. تناشد أطباء بلا حدود الجهات المانحة الدولية للالتفات إلى الاحتياجات الهائلة في مجال الأمومة وزيادة الدعم على المستويين الأساسي والمتخصص".