سوريون يشعرون بالخيانة من موجة تطبيع العلاقات مع بشار الأسد
تتباين الآراء بشأن من يفضل السوريون أن يكون رئيسا للولايات المتحدة

ساعات تفصل الولايات المتحدة عن موعد الانتخابات الرئاسية المرتقبة، ينظر أثناءها السوريون بمختلف المدن والقرى في بلادهم، التي تنقسم جغرافيًا وسياسيًا إلى مناطق نفوذ عدة، بشكل متفاوت نحو السباق الرئاسي بين الجمهوري دونالد ترامب والديمقراطية كامالا هاريس.

وتختلف آراء السوريين وتطلعاتهم، سواء بمناطق سيطرة نظام بشار الأسد أو الخاضعة لقوات سوريا الديمقراطية أو تلك التي تحكمها فصائل معارضة ومسلحة، بشأن ما قد يعنيه فوز أي من المرشحين، للبلاد الغارقة في صراع دام ومستمر منذ نحو 13 عاما.

بين التفاؤل والتشاؤم

من إدلب، يقول الناشط السياسي، عبد الكريم العمر، لموقع "الحرة"، إن الدور الأميركي "يمسك بلا شك بملفات عديدة وقضايا متنوعة في المنطقة والعالم، وله دور مهم فيما يتعلق بالأزمة السورية".

ووفق العمر، فإنه "مثل كل السوريين، يهمه أن من سيصل إلى البيت الأبيض سيقوم بتحريك الملف السوري باتجاه حل نهائي، حسب القرارات الدولية".

والعمر "ليس متفائلا أو متشائما بمن سيصل إلى البيت الأبيض"، على حد قوله، موضحاً أن "السوريين يأملون بأن يعمل القائد الجديد لأميركا على تحريك الركود في العملية السياسية، والدفع باتجاه حل نهائي، وإجبار نظام بشار الأسد على حل يفضي إلى تكوين هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات التنفيذية".

وتابع لموقع "الحرة": "نأمل بأن يعمل الرئيس الأميركي القادم على وقف الدور الإيراني والميليشيات التابعة لها، وإسقاط النظام الإيراني كما النظام السوري".

من جانبه، يرى الحقوقي والصحفي السوري، عبد الكريم الثلجي، المقيم في الشمال السوري غير الخاضع لسيطرة نظام الأسد، أن الإدارة الأميركية "تتعامل وفق مصالحها في المنطقة"، موضحا أن "الملف السوري شهد جموداً في الفترة الماضية بسبب الحرب في أوكرانيا ولاحقا في الشرق الأوسط".

وتابع: "لا شك بأن أية إدارة جديدة ستنفذ مواقفها في المنطقة بالتنسيق مع إسرائيل، التي تخوض حرباً مع إيران وأذرعها حالياً، ومن الممكن أن تتخذ قرارات كبرى توثر على مستقبل الملف السوري، خصوصاً مع الانتشار الكبير للميليشيات الإيرانية في بلادنا، والذي تعتبره إسرائيل تهديداً لوجودها".

وأضاف الثلجي أن "الرأي السائد" في مناطق المعارضة بسوريا "يذهب نحو الحزب الجمهوري، الذي اتخذ قرارات قوية ضد محور إيران ونظام الأسد، وذلك على العكس من الحزب الديمقراطي، خاصة خلال فترة الرئيس السابق باراك أوباما". 

أما الناشط السياسي، الطبيب باسل معراوي، فأوضح لموقع "الحرة" أن الولايات المتحدة كانت تنظر للملف السوري "كجزء من ملفات المنطقة، وليس ملفا مستقلا بذاته، لذلك لم تبذل جهودا حقيقية لوقف الحرب، أو تجبر الأسد على وقف العنف المفرط، أو حتى الرحيل".

وتابع "واشنطن استعملت في عهد أوباما الملف السوري للتفاوض مع إيران للوصول للاتفاق النووي، وكان غض النظر عن التمدد الإيراني هو إحدى الجوائز لطهران للوصول للاتفاق".

واعتبر معراوي، أن الديمقراطيين "يجنحون للتفاهم مع إيران، أو تخفيف الصراع معها على الأقل"، في حال فازت هاريس.

ورأى أنه في ما لو فاز ترامب، فإن الأخير "يعتبر الصين العدو الأكبر، ويمكنه الوصول لتفاهم مع (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين في أوكرانيا وإيقاف الحرب فيها".

وزاد: "هذا الجو الإيجابي المتوقع بين ترامب وبوتين، يمكن أن ينعكس إيجاباً على التنسيق بينهما في الوصول لحد أدنى من التفاهم في سوريا".

رهان سياسي

وفي دمشق، التي تعد مركز السلطة الحاكمة في مناطق سيطرة الأسد، تُظهر بعض الآراء تفاؤلاً حذرًا تجاه احتمال وصول هاريس إلى سدة الحكم. كما أن جلهم عبر لـ"الحرة" عن مواقفه بدون الكشف عن هويتهم الحقيقية لأسباب قالوا إنها تتعلق بأمنهم وسلامتهم، في ظل الكثير من القيود المفروضة على حرية الرأي والتعبير، خاصة في مناطق سيطرة النظام.

ويعزو كثيرون هذا التفاؤل إلى اختلاف النهج الدبلوماسي الذي سلكه الرئيس الأميركي جو بايدن، مقارنة بسلفه ترامب. 

وعلى الرغم من العقوبات الغربية المفروضة على نظام الأسد، يرى بعض السوريين هناك أن الديمقراطيين "يفضلون الانخراط في العملية السياسية، مما قد يؤدي إلى انفتاح أكبر نحو الحوار".

وفي هذا الصدد، قال عبد الرحمن (اسم مستعار)، وهو موظف في شركة حكومية بدمشق: "بالطبع لا نعرف بالتحديد ماذا قد تقدم هاريس في حال فوزها، لكننا نتمنى تخفيف الضغوطات الاقتصادية، خاصة أن العقوبات أثرت بشكل كبير على حياتنا اليومية".

وأضاف في تصريحات لموقع "الحرة": "فوز هاريس قد يكون فرصة لبداية جديدة بين سوريا وأميركا، حيث قد يسعون للحوار مع حلفائنا الإيرانيين والروس من أجل تحقيق الاستقرار هنا".

أما ليلى، (اسم مستعار) وهي معلمة في مدرسة خاصة، فترى في عودة ترامب، في حال فوزه، "استمرارًا للمواجهة الدبلوماسية". 

وتابعت لموقع "الحرة": "ترامب أعاد الضغط على سوريا خلال فترته الأولى، خاصة عبر العقوبات التي ضيقت الخناق على الاقتصاد، ولا أتوقع أن يأتي بأي جديد، فهو معروف بمواقفه الصارمة تجاه حكومتنا وداعميها".

وبالنسبة لرشا (اسم مستعار)، وهي أرملة وتعمل معلمة في مدرسة حكومية بأحد ضواحي دمشق، فما يهمها هو أن "تسعى الإدارة الأميركية المقبلة لوضع حلول جدية لإنهاء الأزمة وتأثيراتها الاقتصادية السلبية على جميع السكان"، حسب كلامها.

وزادت: "راتبي لا يتجاوز 400 ألف ليرة (حوالي 26 دولارا أميركيا)، ولا يكفيني لـ5 أيام، ولولا مساعدة أشقائي لي في أوروبا لما استطعت دفعت إيجار الغرفة التي أقطن فيها مع أطفالي الثلاثة". 

فيما ذهب أيمن أبو نقطة، وهو صحفي في "تجمع أحرار حوران" المعارض بمحافظة درعا، جنوبي سوريا،  إلى الاعتقاد بأنه إذا تم انتخاب إدارة أميركية جديدة فقد "تتغير السياسة الخارجية تجاه الشرق الأوسط وسوريا".

وأضاف أن من الممكن أن يؤدي ذلك إلى "إعادة تقييم الدعم الأميركي للمعارضة السورية، أو تنظيم التعامل مع نظام الأسد".

بتدخلها عسكريا في سوريا بعد عام 2015 فرضت موسكو واقعا جديدا في أروقة السياسة والميدان
"تفقد خيوط اللعبة".. أين روسيا مما يجري بسوريا؟
قبل شهر نفذت إسرائيل عملية إنزال خاصة على منشأة عسكرية سورية في منطقة مصياف وسط البلاد، وبعدما جمعت معلومات واستكشفت برنامجا لتصنيع الصواريخ الدقيقة خرج عناصرها من هناك على متن مروحيات ومن مسافة لا تبعد سوى 70 كيلومترا عن قاعدة "حميميم" الروسية الواقعة في ريف اللاذقية.

وحسب أبو نقطة، فقد تؤثر نتائج الانتخابات أيضاً على "حجم المساعدات الإنسانية الموجهة لسوريا"، وعلى "كيفية تناول ملف حقوق الإنسان في البلاد".

مناطق كردية 

وفي المناطق التي تديرها قوات سوريا الديمقراطية في شمال وشرق سوريا، حيث تلعب الولايات المتحدة دورًا حيويًا في دعم تلك القوات، تظهر آراء أكثر وضوحًا وترقبًا للانتخابات الأميركية، خاصة في ضوء التجارب السابقة مع إدارة ترامب. 

ففي أكتوبر 2019، اتخذت إدارة ترامب قرارًا مفاجئًا بسحب جزء من القوات الأميركية، مما فتح الباب أمام عملية عسكرية تركية ضد المناطق الكردية والسيطرة على بعض بلداتها ومدنها مثل منطقة عفرين. 

وفي هذا الصدد، يقول مراد، الذي يعمل في متجر تجزئة بالحسكة: "لقد كان قرار ترامب السابق صادمًا للجميع هنا، وعودته للسلطة قد تعني انسحابًا جديدًا أو تصعيدًا للضغوط التركية علينا. كل شيء يعتمد على سياسة أميركا تجاه تركيا، ونحن نخشى أن يتم استخدامنا كورقة في هذه اللعبة".

أما روجين، وهي موظفة في منطقة القامشلي، فتعرب عن أملها بأن تقدم هاريس شيئًا مختلفًا، قائلة: "نحن نعلم أن الديمقراطيين لديهم نهج أكثر دعمًا لحقوق الأقليات، مما قد يكون في صالحنا، لكننا نحتاج إلى تأكيدات من أميركا بعدم التخلي عنا، خاصة في ظل التهديدات المستمرة من تركيا".

ورغم أن "التحليل الشائع هو أن السياسة الأميركية تجاه سوريا تتأثر بمصالح واشنطن في المنطقة ككل، خاصة تجاه إيران وتركيا، فإن تأثير التغيير في القيادة الأميركية يمكن أن يكون مهمًا جدا"، حسبما يرى مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان، رامي عبد الرحمن.

وفي حديثه إلى موقع "الحرة"، أكد عبد الرحمن أن "الانتخابات المقبلة تعني الكثير للسوريين، سواء كانوا في مناطق النظام، أو تلك التابعة لقوات سوريا الديمقراطية، أو الخاضعة لسيطرة الفصائل الموالية لتركيا، أو حتى في منطقة إدلب التي يحكمها بشكل فعلي أبو محمد جولاني، زعيم هيئة تحرير الشام"، التي تعتبر منظمة إرهابية في الولايات المتحدة.

وأضاف عبد الرحمن: "قوات سوريا الديمقراطية تخشى بالفعل وصول ترامب إلى الحكم مرة أخرى، لأن ذلك قد يؤدي إلى انسحاب القوات الأميركية، مما يجعلها (فريسة) في وقت لاحق لتنظيم داعش أو النظام الأسدي أو تركيا والفصائل الموالية لها".

وعن رأيه الشخصي، قال عبد الرحمن: "سواء كان الفائز ترامب أو هاريس فالكثير من ملفات المنطقة ستشهد العديد من التغييرات، لكن وفقا لتوجهات الإدارة الأميركية المقبلة".

وفي ظل قمع النظام السوري للاحتجاجات الشعبية في البلاد منذ أكثر من عقد من الزمان، فرضت الولايات المتحدة منذ عام 2011 عقوبات متتالية على النظام السوري، شملت تجميد أصول مسؤولين ومنع التعاملات المالية وحظر استيراد النفط.

وتضمنت أيضًا "قانون قيصر" الذي يستهدف أي جهة تدعم النظام ماليًا أو تقنيًا، وعقوبات على القطاعين المالي والصناعي. 

كما جرى فرض قانون "الكبتاغون " والذي ينص بحسب تقرير بحثي لمركز "العدالة والمساءلة" في واشنطن على أن إتجار النظام السوري بالحبوب المخدرة هو "تهديد أمني عابر للحدود الوطنية" للحكومة الأميركية.

الرئيس السوري أحمد الشرع ـ أرشيفية/رويترز.
الرئيس السوري أحمد الشرع ـ أرشيفية/رويترز.

عندما نشرت كارولين ليفيت، المتحدثة باسم البيت الأبيض، بيانا على منصة "أكس" حدّدت فيه خمس نقاط أساسية حث الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الرئيس السوري أحمد الشرع على تنفيذها، لم يكن ذلك مجرد بادرة دبلوماسية، بل خارطة طريق لعودة سوريا إلى النظام الدولي.

بعد سنوات من الحرب والعزلة والتدخلات الخارجية في سوريا، يقف الرئيس الشرع أمام مفترق طرق تاريخي. رفع العقوبات الأميركية، بدعم من السعودية وتركيا، يفتح الباب لتحول سياسي جذري. لكن النوايا الحسنة وحدها لا تكفي لإعادة بناء سوريا. ما سيفعله الشرع الآن هو ما سيحدد مستقبل البلاد.

بحسب بيان ليفيت، حث ترامب نظيره السوري على حسم خمسة ملفات أساسية:

الملف الأول: الانضمام إلى اتفاقيات أبراهام والاعتراف بإسرائيل. وهو ما سيكون خطوة تقلب الموازين في الشرق الأوسط، إذ تصبح سوريا أول دولة من "دول المواجهة" التقليدية التي تطبّع علاقاتها مع إسرائيل، وتوقع اتفاقية سلام. وهذا ليس ملفا بسيطا في سوريا، مع أنه يلاقي قبولا شعبيا بعد سقوط نظام بشار الأسد.

الملف الثاني: طرد الإرهابيين الأجانب، وهم على الغالب المقاتلين الأجانب، الذين قاتلوا إلى جانب الشرع، والمتهمين بارتكاب مجازر وجرائم حرب في سوريا. وهؤلاء المقاتلون، الذين انخرطوا في صفوف المعارضة منذ عام 2011، يحملون تجارب قتالية متنوعة وارتباطات أيديولوجية متعددة، معظمها تصنفها الولايات المتحدة إرهابية، وقد جرى دمج كثيرين منهم في الجيش السوري.

هذا الملف يعتبر معقدا بالنسبة إلى الرئيس السوري.

في تصريحات سابقة، أكد الشرع، أن المقاتلين الأجانب الذين ساهموا في الإطاحة بنظام الأسد "يستحقون المكافأة".
وأوضح، في لقاء مع صحفيين منتصف يناير الماضي، أن جرائم نظام الأسد أدت إلى الاعتماد على مقاتلين أجانب يستحقون المكافأة على مساندة الشعب السوري، بعدما شاركوا في الثورة وساهموا في إسقاط النظام، ملمحاً إلى إمكانية منحهم الجنسية السورية.

وأضاف: "جاؤوا من جميع أنحاء العالم الإسلامي إلى سوريا، من منطلق التعاطف مع السوريين، وعددهم حالياً ليس كبيراً جداً، وجميعهم وافقوا على الامتثال لتوجيهاتنا وسياستنا، وهم لا يشكلون خطراً على الدول الأخرى، ويستحقون أن نكافئهم على جهودهم". وأكد أنه ستتم معالجة أوضاعهم وتسويتها وفقاً للقانون.

اليوم يواجه الشرع تحدياً في ترحيل هؤلاء المقاتلين مع ما يحمله هذا الأمر من احتمالات الاصطدام معهم داخلياً.

الملف الثالث الساخن، هو ترحيل المسلحين الفلسطينيين الذين تصنفهم الولايات المتحدة على لوائح الإرهاب، خصوصاً حركتي "حماس" و"الجهاد الإسلامي". ولطالما استضافت سوريا، في عهد الرئيسين حافظ وبشار الأسد فصائل فلسطينية مسلحة ذات صلات عميقة بإيران. وبالفعل بدأ الشرع بتطبيق خطوات في هذا المجال منذ نهاية أبريل الماضي حينما قامت القوات الأمنية السورية باعتقال قياديين بارزين من حركة "الجهاد الإسلامي".

الملفان الرابع والخامس مرتبطان بتنظيم داعش الإرهابي. في الملف الرابع المطلوب من الشرع، بحسب المتحدثة باسم البيت الأبيض، التعاون مع الولايات المتحدة لمنع عودة نشاط داعش في سوريا، والعمل على عدم تحول سوريا مجددا أرضاً خصبة لنمو التنظيمات المتطرفة. 

ويرتبط الملف الخامس بإدارة معتقلات داعش في شمال سوريا. هذه السجون تقع تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، التي تتولى إدارتها والاشراف على آلاف المعتقلين من عناصر التنظيم الإرهابي. 

يطلب ترامب بوضوح من الشرع تولي هذا الملف وتحمل مسؤوليته من الدولة السورية المركزية، وهو ما قد ينعكس أيضاً على العلاقة المتوترة أصلاً بين الشرع و"قسد".

ومن خلال دعوته الشركات الأميركية للاستثمار في النفط والغاز السوري، وتأكيده على التزامه باتفاق فض الاشتباك لعام 1974 مع إسرائيل، يُطلق الرئيس الشرع نهجاً جديداً للسياسات السورية التي اتسمت بمعاداة الغرب والانخراط في محور إيران في زمن الرئيس المخلوع بشار الأسد. لكن الخطاب وحده لا يكفي. كل واحدة من الخطوات الخمس التي حددها البيت الأبيض هي متطلبات أساسية تتسم بالجدية لدى إدارة ترامب، وهي ليست مجرد مقترحات.

سيكون الشرع أمام امتحان تطبيق هذه الخطوات في الشهور المقبلة على طريق عودة سوريا إلى المجتمع الدولي بعد رفع العقوبات. إذا فشل الشرع بذلك، فإن سوريا على الأرجح مهددة بالعودة إلى العزلة. وإذا نجح، يكون قد حوّل سوريا من ساحة حرب إلى فرصة حقيقية للسلام والازدهار.