دعاوى قضائية عدة في أوروبا تستهدف النظام السوري بتهم تعذيب معتقلين (AFP)
دعاوى قضائية عدة في أوروبا تستهدف النظام السوري بتهم تعذيب معتقلين (AFP)

أعلنت وزارة الخارجية الأميركية، الجمعة، فرض عقوبات على مسؤول سوري وعائلته لضلوعه في عمليات تعذيب.

وأدرجت وزارة الخارجية الأميركية عبد السلام فجر محمود، العميد في القوات الجوية السورية، وزوجته سهير نادر الجندي، وأولاده الأربعة البالغين على لائحة العقوبات بسبب تورطه في انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان تشمل التعذيب أو المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة.

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية ماثيو ميلر في بيان إنه وعلى مدار الصراع في سوريا، كانت هناك أكثر من 15000 حالة موثقة لأشخاص ماتوا بسبب التعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة، بما في ذلك مواطنون أميركيون.

ودعا ميلر "النظام السوري إلى التوقف فورا عن استخدامه الوحشي والمنهجي للتعذيب والامتثال لأمر محكمة العدل الدولية".

وأشاد باسم الولايات المتحدة بالجهود المستمرة التي تبذلها كندا وهولندا لمحاسبة نظام الأسد، بما في ذلك تفصيل استخدام النظام المستمر للتعذيب أمام محكمة العدل الدولية مع تقدم هذه القضية بالمرافعات المكتوبة المستحقة في أوائل العام المقبل.

كما رحب بالعديد من القضايا المرفوعة في المحاكم المحلية في جميع أنحاء العالم ضد الجناة.

وشدد أن "النظام السوري فشل في الامتثال لأمر التدابير المؤقتة الذي أصدرته محكمة العدل الدولية قبل سنة والذي دعا النظام السوري إلى اتخاذ جميع التدابير على الفور لمنع أعمال التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة فضلا عن منع إخفاء الأدلة على مثل هذه الأعمال".

وعلى مرّ سنوات النزاع السوري المتواصل منذ العام 2011، اتهمت منظمات حقوقية عدة أجهزة أمنية سورية بتعذيب المعتقلين وتنفيذ أحكام إعدام من دون محاكمات داخل السجون. وتستهدف دعاوى قضائية عدة في أوروبا اليوم النظام السوري بتهم تعذيب معتقلين.

وكانت الولايات المتحدة من أوائل الدول التي قطعت علاقاتها مع النظام السوري بعد اندلاع الاحتجاجات الشعبية المناهضة له عام 2011، وما لبثت أن تبعتها عواصم عربية وغربية، كما فرضت عليه عقوبات قاسية.

وفي عام 2020، دخلت مجموعة جديدة من العقوبات حيز التنفيذ بموجب قانون "قيصر" استهدفت العديد من أفراد عائلة الأسد والمقربين منه، بمن فيهم زوجته أسماء الأسد.  

سجن صيدنايا أصبح رمزا للفظائع الذي ارتكبها نظام الأسد - REUTERS

تتصدر السجون في سوريا المشهد كرمز لمعاناة المعتقلين وانتهاك حقوقهم الإنسانية، فهي ليست مجرد أماكن للاحتجاز، بل أرشيف صامت يحمل في طياته وثائق وأدلة جريمة لا تُمحى، وشهادات حيّة على ممارسات طالما أنكرها نظام الأسد خلال فترة حكمه.

غير أن هذه الوثائق، التي يُفترض أن تكون شاهدة على الحقيقة ومفتاحًا لتحقيق العدالة، أصبحت اليوم عُرضة للعبث والإهمال، من مؤثرين يسعون للشهرة إلى أفراد عاديين يفتقدون الوعي بخطورة ما يفعلون.

وتُنتهك حرمة هذه الملفات لتتحول إلى مشاهد عابرة على مواقع التواصل، وكأنها بلا قيمة قانونية أو إنسانية.

مطالبات بتأمين الأدلة

منذ اليوم الأول لسقوط الأسد، دخلت أعداد كبيرة من المدنيين إلى السجون في مدينة دمشق وغيرها من المدن.

وعبثت الحشود بمحتويات المعتقلات بهدف تصويرها وبثها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وانتشرت مقاطع فيديو تُظهر الوثائق والتقارير في سجن صيدنايا وهي مرمية على الأرض، ويعبث بها من يشاء.

وفي الوقت نفسه، سارعت المنظمات الحقوقية السورية والدولية للمطالبة باتخاذ خطوات عاجلة لتأمين الأدلة على جرائم النظام السابق، وتأمين مواقع المقابر الجماعية في جميع أنحاء سوريا.

وذكرت منظمة العفو الدولية، في تقرير نشرته نهاية ديسمبر الفائت، أن "على السلطات السورية اتخاذ خطوات عاجلة لتأمين وحفظ الأدلة على الفظائع التي ارتُكبت في سوريا بعهد بشار الأسد، بما في ذلك وثائق حكومية واستخباراتية رئيسية، بالإضافة إلى مواقع الفظائع والمقابر الجماعية".

وذكرت المنظمة، في البيان الذي أصدرته بالتعاون مع رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا، وهيومن رايتس ووتش، أن هذه الأدلة على الجرائم ضرورية لتحديد مصير ومكان وجود عشرات الآلاف من السوريين الذين اختفوا قسراً على يد أجهزة الأمن والمخابرات سيئة السمعة التابعة للحكومة السابقة.

أهمية الأدلة في مسار العدالة الانتقالية

المحامي المختص بالقانون الجنائي الدولي، المعتصم بالله الكيلاني، أكّد، في تصريح لموقع "الحرة"، أن الأدلة والوثائق الموجودة في السجون التابعة للنظام السوري تمثل عنصراً محورياً في توثيق الانتهاكات التي ارتُكبت خلال النزاع.

وأشار إلى أن هذه الأدلة تتنوع بين السجلات الرسمية، مثل أوامر الاعتقال والتقارير الأمنية ومحاضر الاستجواب، والشهادات المكتوبة التي توثق شهادات المعتقلين السابقين حول التعذيب والإخفاء القسري.

وأضاف الكيلاني أن الأدلة تشمل أيضاً الصور ومقاطع الفيديو، مثل صور "قيصر"، التي أظهرت جثث المعتقلين وآثار التعذيب، بالإضافة إلى الأدلة الطبية وتقارير الطب الشرعي وسجلات المستشفيات.

كما أكّد على أهمية وثائق الاتصالات الداخلية بين الأجهزة الأمنية، التي تكشف التعليمات التي أدت إلى ارتكاب الانتهاكات.

العبث بمسارح الجريمة

يوم أمس الثلاثاء، ضجّت مواقع التواصل الاجتماعي بفيديو نشره فريق تطوعي يُطلق على نفسه اسم "سواعد الخير"، وهو يقوم بطلاء جدران أحد السجون في مدينة اللاذقية.

هذه الخطوة عرّضت الفريق لانتقادات حادة عبر وسائل التواصل الاجتماعي من الناشطين السوريين، الذين اعتبروا أن ما حدث هو محاولة لطمس معالم الجريمة، داعين إلى فتح تحقيق فوري مع الفريق.

وحذف الفريق الفيديو اليوم بعد الانتقادات الموجهة له، كما قام بإغلاق صفحته الرسمية على منصة فيسبوك.

وطالب نائب رئيس تيار سوريا الجديدة عضو رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا، محمد منير الفقير، في منشور على فيسبوك، النائب العام بإصدار مذكرة توقيف بحق من وصفهم بـ"المراهقين" الذين قاموا بطلاء بعض زنزانات الأفرع الأمنية والتحقيق معهم بتهمة العبث بمسرح الجريمة.

وأضاف: "أنا لست مرتاحاً لتعاطي الحكومة والإدارة السورية ممثلة بالسيد أحمد الشرع وفريقه مع ملف العدالة الانتقالية والمحاسبة".

المحامي الكيلاني شدّد على أن مسارح الجريمة داخل السجون نفسها تمثل أدلة مادية بالغة الأهمية، حيث تعكس زنازين الاحتجاز وغرف التعذيب الظروف اللاإنسانية التي عاشها المعتقلون.

أما عن العبث بمسارح الجريمة، حذّر الكيلاني من أن "التلاعب بها، مثل طلاء الجدران، يعوق توثيق الحقيقة ويمحو دلائل حيوية".

وأوضح أن هذا العبث يؤدي إلى تدمير أدلة مهمة، مثل الكتابات التي تركها المعتقلون على الجدران وآثار التعذيب، وبقع الدم والعلامات على الجدران والأرضيات، مما يقوّض فرص المحاسبة.

وأكد على أهمية "الوعي لدى الجهات المحلية بأهمية الحفاظ على مسارح الجريمة"، داعياً إلى حماية الأدلة وضمان عدم التلاعب بها لضمان تحقيق العدالة الانتقالية.

ونشرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان بياناً، الثلاثاء الماضي، دعت من خلاله حكومة تسيير الأعمال للتحقيق مع فريق "سواعد الخير" "لعبثه بمسارح الجريمة"، إثر قيامه بطلاء جدران السجن.

كما طالبت الشبكة الحكومة السورية الجديدة بضرورة حماية مسارح الجريمة، ومنع الدخول غير المصرح إليه.

وأشارت الشبكة إلى أن "هذا التصرف غير المسؤول يُشكّل تهديداً مباشراً لجهود توثيق الانتهاكات التي يُعتقد أنَّها حدثت في هذا المركز، بما في ذلك التعرف على مصير المعتقلين ومحاسبة المتورطين في تعذيبه".

كما أصدرت الشبكة بيانًا، في الثامن من يناير الجاري، أكّدت فيه على رصدها انتشار عدد كبير من الفيديوهات تظهر نشطاء وإعلاميين وصحفيين، يتجولون بحريَّة داخل مسارح الجرائم مثل الأفرع الأمنية والسجون.

وأشارت الشبكة إلى أن هؤلاء الأفراد غالباً ما يعبثون بالملفات أو يوثقون وجودهم عبر تصوير أنفسهم أو زملائهم أثناء ذلك.