مدرعات تركية في شمال سوريا - صورة أرشيفية - فرانس برس
مدرعات تركية في شمال سوريا - صورة أرشيفية - فرانس برس

الهجوم الذي أطلقته فصائل المعارضة ضد النظام السوري في ريفي حلب وإدلب يغيّر لأول مرة منذ شهر مارس 2020 خرائط السيطرة في شمال غرب البلاد، بعدما ثبتها اتفاق تم التوصل إليه بموجب لقاء مباشر بين الرئيسين التركي، رجب طيب إردوغان، والروسي، فلاديمير بوتين.

وخلال 24 ساعة تمكنت فصائل المعارضة من السيطرة على عشرات القرى والبلدات في الريف الغربي لحلب، وباتت تبعد الآن بضع كيلومترات عن مركز المدينة، بحسب "المرصد السوري لحقوق الإنسان".

وليس ذلك فحسب، بل فتحت الفصائل محورا هجوميا ثانيا، الخميس، وتحاول في الوقت الحالي الوصول إلى مدينة سراقب التي كانت خسرتها في 2019. وهذا العام أعيد التذكير به بشكل لافت من قبل مصادر تركية نقلت عنها وكالة "رويترز"، والصحفي المقرب من الحكومة، راغب صويلو.

ولم يصدر أي تعليق رسمي من جانب أنقرة وموسكو، وهما الطرفان الفاعلان سياسيا وعسكريا، في المشهد المتعلق بمناطق شمال غرب سوريا المكتظ بالسكان الأصليين والنازحين.

لكن ووفقا لمصدر أمني تركي نقلت عنه "رويترز" فإن هجوم المعارضة السورية باتجاه حلب يقع ضمن حدود منطقة خفض التصعيد بإدلب، التي اتفقت عليها روسيا وإيران وتركيا في 2019، مضيفا أن "العملية المحدودة لجماعات المعارضة توسعت بعد أن غادرت قوات الحكومة السورية مواقعها".

ومن جهته نقل الصحفي المقرب من الحكومة، راغب صويلو، عن مصدر أمني تركي كبير لم يسمه قوله إن "العملية العسكرية تهدف إلى استعادة حدود منطقة خفض التصعيد في إدلب، التي تم الاتفاق عليها أصلا في عام 2019 من قبل روسيا وتركيا وإيران".

وأضاف المصدر أن هجمات روسيا والنظام قلصت حجم منطقة خفض التصعيد بعد أن سيطرت قوات موالية لبشار الأسد، بما في ذلك حزب الله والميليشيات المدعومة من إيران، على المزيد من الأراضي بالقرب من حلب في عام 2020 في انتهاك للاتفاق.

ويشترك في الهجوم "هيئة تحرير الشام" وفصائل عسكرية أخرى مدعومة من تركيا.

وتشير جميع المعطيات الميدانية وغير الرسمية التي صدرت على لسان مصادر أمنية إلى أن الحدود التي سيكون عليها الميدان في المرحلة المقبلة لن تكون كما سابق عهدها، عندما أبرم اتفاق سوتشي 2020، بين إردوغان وبوتين.

ميدان الشمال ما قبل الهجوم

وكانت عملية تنفيذ اتفاق 2020 المتعلق بإدلب والمبرم بين روسيا وتركيا وصلت خلال السنوات الماضية إلى طريق مسدود، ولم تتمكن موسكو وأنقرة لعدة مرات من تثبيت البنود على الأرض، لعدة أسباب واعتبارات.

ومنذ تلك الفترة لم يخرج مشهد إدلب ومحيطها الذي يشمل أجزاء من ريف اللاذقية وحلب عن نطاق استمرار الضربات من جانب قوات النظام السوري وروسيا.

وتصاعدت هذه الضربات على نحو كبير، خلال اليومين الماضيين، مما أسفر عن مقتل مدنيين بينهم أطفال داخل مدينة أريحا في منطقة جبل الزاوية.

علاوة على ذلك كانت قوات النظام وروسيا زجت بسلاح جديد على خطوط التماس منذ بداية 2024، وتمثل بالطائرات المسيرة الانتحارية، مما أسفر أيضا عن مقتل مدنيين فيما خلق حالة من عدم الاستقرار والخوف.

وتقول الفصائل المعارضة المنفذة للهجوم إن عمليتها الحالية تستهدف تأمين المناطق الخاضعة لسيطرة النظام السوري، وتشير في البيانات التي تصدرها إلى حالة القصف الواسعة التي حصلت من قبل الأخير والميليشيات الإيرانية المساندة له.

وفي حين يربط خبراء ومراقبون أسباب العملية بتصاعد الضربات على المنطقة يشيرون في حديث لموقع "الحرة" إلى عوامل وسلسلة من المتغيّرات.

جمود على 3 مستويات

على مدى الشهرين الماضيين كانت أنقرة (على كافة المستويات) تخاطب الأسد وتدعوه للقاء من أجل بدء عملية التطبيع على صعيد العلاقة، لكن رئيس النظام السوري لم يتفاعل مع هذه الاندفاعة بإيجابية، مشترطا انسحاب تركيا من سوريا قبل أن توضع أي خطوة فعلية على الأرض، عسكريا وسياسيا.

ولم يكن الأسد الوحيد الذي لم يتفاعل بإيجابية، بل انضمت إليه روسيا وإيران.

بالعودة إلى ما قبل الهجوم الحالي صرّح وزير الخارجية التركي، حقان فيدان، أن تطبيع العلاقات بين تركيا وسوريا "ليس من أولويات إيران"، وبالنسبة لروسيا فإن مثل هذه القضية ليست على جدول أعمالها، حيث يوجد بالفعل وقف لإطلاق النار في المنطقة ولم يظهر أي تهديد خطير على موسكو.

وفي غضون ذلك أضاف فيدان أن "إردوغان قدم اقتراحا مهما بشأن هذه القضية".

ومع ذلك، لا يبدو الجانب السوري مستعدا أو منفتحا على تقييم بعض القضايا، كما أن النظام ليس منفتحا حتى على المحادثات مع معارضيه، على حد تعبير وزير الخارجية التركي.

ما العوامل والمتغيرات؟

في حديثه لموقع "الحرة" يوضح، أنطون مارداسوف، وهو محلل روسي وباحث غير مقيم في معهد الشرق الأوسط، أن الهجوم "ربما يدفع روسيا إلى التدخل وتعزيز المفاوضات مع تركيا بشأن قضايا أوسع نطاقا، وهو ما رفضت موسكو فعله سابقا".

ويقول في المقابل إنه جاء بناء على 5 عوامل، أولها أنه سمح لـ"تحرير الشام" باحتواء الاحتجاجات ضد زعيمها، أبو محمد الجولاني، وأتاح للأخير الفرصة لإرسال مقاتلين أجانب - كان يحاول التخلص منهم سابقا ولم يستطع - إلى ساحة المعركة.

يذهب العامل الثاني باتجاه رفض الأسد للتقارب مع إردوغان، ورغم أن دمشق أظهرت نوعا من الاستعداد للتقارب، إلا أنها فعليا لم تفعل شيئا على صعيد المصالحة.

كما يضيف مارداسوف أن الهجوم الحالي قد يكون مرتبطا بـ"قصف مواقع قوات سوريا الديمقراطية في الشمال الشرقي، ويمكن أن يتطور إلى عملية تركية جديدة على غرار (الضربة المفاجئة) التي أشار إليها إردوغان".

ولا يفصل الباحث الروسي عامل التوقيت الذي يقع في المرتبة الثالثة، ويشير إلى أن الهجوم جاء بعد وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله، مما جعل الأضواء الإعلامية تتجه نحو "تحرير الشام".

وربما كان هناك حساب لصعوبة تحرك قوات حزب الله أثناء الهدنة، لأن أي تحرك يمكن أن يُعتبر خرقا للاتفاق من قِبَل إسرائيل والولايات المتحدة.

ومن ناحية أخرى، يعتقد مارداسوف أن هجوم الفصائل يرتبط أيضا بحالة قوات الأمن السورية، التي تقوم بأنشطة غير مفيدة حاليا في ظل الوضع الحالي، مثل التدريب على القفز بالمظلات، بينما تشهد المناطق معارك باستخدام طائرات مسيرة.

وبدأت فصائل المعارضة مؤخرا استخدام الطائرات المسيرة، بينما القوات النظامية تستخدمها تحت إشراف مباشر من حزب الله والإيرانيين.

ولا يستبعد الباحث الروسي أيضا أن يكون الهجوم وتوقيته مستندا أيضا على حالة التوتر بين الأسد وحزب الله بسبب اختلاف المواقف والمناورات السياسية للنظام السوري، ما يضعف التنسيق بينهما.

"الحلفاء ضعيفون"

ويبدو بشكل متزايد أن الغزو الروسي لأوكرانيا والهجمات الإسرائيلية على إيران عبر الميليشيات الشيعية قد أديا إلى إضعاف نفوذ روسيا وإيران في سوريا أكثر مما كنا نتوقع، كما يقول الباحث السياسي والأمني التركي، عمر أوزكيزيلجيك.

ويوضح لموقع "الحرة" أن "التقدم الأولي للمعارضة السورية وهيئة تحرير الشام أكبر مما تخيله معظم المراقبين. كما أن النشاط الجوي الروسي انخفضت حدته بشكل ملحوظ مقارنة بما كان عليه قبل أربع سنوات ونصف السنة".

علاوة على ذلك يضيف أوزكيزيلجيك أن "معظم هجمات المعارضة السورية تستهدف قوات النظام السوري بدلا من الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران كما كان في الماضي".

وبالتالي، "إذا استمرت هذه الأوضاع على هذا النحو، يمكننا القول بثقة أن روسيا وإيران قد ضعفتا"، بحسب الباحث التركي، مؤكدا على ضرورة "الانتظار من أجل وضع تقييم واضح ودقيق".

ما يحصل الآن في شمال غرب سوريا هو "أول اختراق وأول عملية تتجاوز خطوط التماس وتغيرها منذ اتفاق بوتين إردوغان في مارس 2020"، حسبما يقول المحلل السياسي، عمر كوش.

وفي حين أن التجهيز للعملية كان منذ أشهر يبدو أن الفصائل اختارت التوقيت استنادا لحالة الضعف التي يعيشها حزب الله، الذي تنتشر قوات له في محيط مدينة حلب ومناطق سورية أخرى.

ويضيف كوش لموقع "الحرة": "كما أن التوقيت يرتبط بعامل روسيا المشغولة في أوكرانيا"، وهو ما كان ملاحظا خلال الساعات الـ24 الماضية، إذ تم رصد ضربات روسية "تعد على الأصابع" فقط، على حد تعبيره.

وعلى مدى الأشهر الماضية كانت ميليشيات إيران في سوريا في وضع مربك، وكذلك الأمر بالنسبة لحزب الله، الذي فقد كبار قادته بضربات إسرائيلية.

وبالتالي فقدت قوات النظام السوري "الدعم البري على الأرض والجوي. ولذلك انهارت وانسحبت من الكثير من القرى والبلدات خلال الساعات الماضية"، بحسب كوش.

"رسائل سياسية وعسكرية"

ولا تعرف حتى الآن الحدود التي سيكون عليها هجوم فصائل المعارضة باتجاه مدينة حلب ومناطق في محيط إدلب.

وفي حال فشل أو نجح سيقوي أوراق تركيا في المناطق التي تنتشر فيها بشمالي البلاد، بحسب الباحث في مركز "الحوار السوري"، أحمد قربي.

أما عن تداعياته على الأرض يرى قربي في حديثه لموقع "الحرة" أن الهجوم يستهدف إيصال رسائل سياسية وعسكرية، ويقول إنه حتى الآن "لم يخرق قواعد الاشتباك التي رسمت بموجب اتفاق 2020".

"المعركة الأساسية حتى الآن تدور ما بين النظام وما بين فصائل المعارضة".

وفي المقابل يوضح قربي أن "التدخل التركي ما زال محدودا ظاهريا وكذلك الأمر بالنسبة لروسيا التي لم تزج بقوتها الجوية لإيقاف الفصائل عن التقدم".

قد تكون عملية الفصائل العسكرية "محاولة لإعادة إحياء التوافقات التي لم تلتزم بها بعض الأطراف في السنوات الماضية، وخاصة روسيا والنظام السوري"، بحسب قربي.

ومن جهته يعتقد المحلل السياسي، كوش أنها "تحظى بغطاء سياسي لكي تؤتي ثمارها"، "وربما يوجد غض نظر تركي عنها أو حالة رضا".

ومن ناحية أخرى يقول كوش إن قصف فصائل المعارضة بـ"توسيع المناطق الآمنة" قد يكون مرتبطا بمساعي لتوسيع النفوذ، تحسبا لتغيرات قادمة في سوريا مقبلة في البلاد.

وبالتالي تريد هذه الفصائل أن توسع نفوذها من أجل تثبيته وللاستعداد لأي تغيرات مقبلة.

ويتابع كوش: "المنتظر هو موقف أستانة خاصة أن العمليات تأتي بعد أيام قليلة من اجتماع أخير لها كان مملا وروتينيا. هل ستكون هناك تفاهمات جديدة بين الروس والأتراك؟ وربما سيكون الإيرانيون هم المتضررون أي على صعيد ميليشياتهم".

امرأة نازحة تحمل رضيعا داخل مخيم الكرامة للاجئين على الحدود السورية التركية في ريف إدلب الشمالي. إرشيفية من رويترز
امرأة نازحة تحمل رضيعا داخل مخيم الكرامة للاجئين على الحدود السورية التركية في ريف إدلب الشمالي. إرشيفية من رويترز

أعلن البنك الدولي، الجمعة، أنه سوى ديون سوريا البالغة 15.5 مليون دولار بعد تلقيه أموالا من السعودية وقطر، مما يؤهل دمشق للحصول على منح بملايين الدولارات لإعادة الإعمار ودعم الميزانية.

وأعلنت السعودية وقطر في أبريل أنهما ستتسددان متأخرات سوريا لدى المؤسسة المالية الدولية مما يجعلها مؤهلة للحصول على برامج منح جديدة، وفق سياسات البنك التشغيلية.

وأعلن البنك الدولي أنه حتى 12 مايو، لم يكن لدى سوريا أي أرصدة متبقية في اعتمادات المؤسسة الدولية للتنمية، وهي ذراع البنك لمساعدة أشد البلدان فقرا.

وقال البنك في بيان "يسرنا أن سداد ديون سوريا سيسمح لمجموعة البنك الدولي بإعادة التواصل مع البلاد وتلبية الاحتياجات التنموية للشعب السوري".

وأضاف "بعد سنوات من الصراع، تسير سوريا على طريق التعافي والتنمية".

وأوضح البنك الدولي أنه سيعمل مع دول أخرى للمساعدة في حشد التمويل العام والخاص لبرامج تمكن الشعب السوري من بناء حياة أفضل لتحقيق الاستقرار في البلاد والمنطقة.

وذكر أن مشروعه الأول مع سوريا سيركز على توفير الكهرباء، ما سيدعم تحقيق تقدم اقتصادي ويساعد في توفير الخدمات الأساسية من الصحة والتعليم إلى المياه وسبل العيش.

وقال البنك الدولي "المشروع المقترح هو الخطوة الأولى في خطة موضوعة لزيادة دعم مجموعة البنك الدولي والذي يستهدف تلبية الاحتياجات الملحة لسوريا والاستثمار في التنمية طويلة الأجل".

البنية التحتية المالية

قال وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو أمس الخميس إن الرئيس دونالد ترامب يعتزم إصدار إعفاءات من "قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا"، الذي فرضت واشنطن من خلاله عقوبات صارمة على حكومة الرئيس السابق بشار الأسد وعقوبات ثانوية على شركات أو حكومات خارجية التي كانت تجمعها معاملات معها.

ويمهد رفع العقوبات الأميركية، والتي فرض بعضها على حكومة الأسد وبعضها الآخر قائم منذ عقود، إلى جانب تسوية متأخرات سوريا للبنك الدولي، الطريق لإعادة دمجها في النظام المالي العالمي.

واستضاف صندوق النقد والبنك الدوليان والسعودية اجتماعا رفيع المستوى مع مسؤولين سوريين في واشنطن في أبريل. وأصدروا بعد ذلك بيانا مشتركا أقروا فيه بالتحديات الملحة التي تواجه الاقتصاد السوري وعبروا عن التزامهم بدعم جهود التعافي في البلاد.

وعين صندوق النقد الدولي أول رئيس لبعثته إلى سوريا منذ 14 عاما، وهو رون فان رودن، وهو مسؤول مخضرم في صندوق النقد الدولي سبق أن ترأس جهود الصندوق في أوكرانيا.

وأصدر صندوق النقد الدولي آخر تقرير مراجعة معمق للاقتصاد السوري في عام 2009.

وقال مارتن موليسن زميل المجلس الأطلسي والرئيس السابق لإدارة الاستراتيجية في صندوق النقد الدولي، إن المهمة العاجلة الأولى للصندوق تتمثل في تقديم المساعدة الفنية للسلطات السورية لمساعدتها على إعادة بناء البنية التحتية المالية للبلاد وهيئات صنع السياسات وجمع البيانات اللازمة.

وأضاف موليسن أن هذه الجهود يمكن تمويلها من المانحين والمنح العينية ويمكن إطلاقها في غضون أشهر، بينما يمكن للبنك الدولي المساعدة على مستوى إقليمي أوسع لضمان الحوكمة الرشيدة وفعالية الوزارات.

وقال جوناثان شانزر وهو مسؤول كبير سابق في وزارة الخزانة ويرأس حاليا مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات إن المسؤولين السوريين أبلغوه بأن الاحتياجات ضخمة، لكنه حث الولايات المتحدة رغم ذلك على تخفيف العقوبات تدريجيا بحذر.

وأوضح "لم يتمكنوا حتى من الحصول على تراخيص مايكروسوفت أوفيس. ببساطة، لم يكن بإمكانهم تنزيل البرامج على أجهزة الكمبيوتر المحمولة الخاصة بهم".

وذكر مصدر جمهوري أن إعادة بناء قدرة سوريا على الوصول إلى التكنولوجيا سيكون ضروريا لإعادتها إلى نظام سويفت لمعالجة المعاملات المصرفية، لكن العملية قد تستغرق شهورا، إن لم يكن سنوات.