مدرعات تركية في شمال سوريا - صورة أرشيفية - فرانس برس
مدرعات تركية في شمال سوريا - صورة أرشيفية - فرانس برس

الهجوم الذي أطلقته فصائل المعارضة ضد النظام السوري في ريفي حلب وإدلب يغيّر لأول مرة منذ شهر مارس 2020 خرائط السيطرة في شمال غرب البلاد، بعدما ثبتها اتفاق تم التوصل إليه بموجب لقاء مباشر بين الرئيسين التركي، رجب طيب إردوغان، والروسي، فلاديمير بوتين.

وخلال 24 ساعة تمكنت فصائل المعارضة من السيطرة على عشرات القرى والبلدات في الريف الغربي لحلب، وباتت تبعد الآن بضع كيلومترات عن مركز المدينة، بحسب "المرصد السوري لحقوق الإنسان".

وليس ذلك فحسب، بل فتحت الفصائل محورا هجوميا ثانيا، الخميس، وتحاول في الوقت الحالي الوصول إلى مدينة سراقب التي كانت خسرتها في 2019. وهذا العام أعيد التذكير به بشكل لافت من قبل مصادر تركية نقلت عنها وكالة "رويترز"، والصحفي المقرب من الحكومة، راغب صويلو.

ولم يصدر أي تعليق رسمي من جانب أنقرة وموسكو، وهما الطرفان الفاعلان سياسيا وعسكريا، في المشهد المتعلق بمناطق شمال غرب سوريا المكتظ بالسكان الأصليين والنازحين.

لكن ووفقا لمصدر أمني تركي نقلت عنه "رويترز" فإن هجوم المعارضة السورية باتجاه حلب يقع ضمن حدود منطقة خفض التصعيد بإدلب، التي اتفقت عليها روسيا وإيران وتركيا في 2019، مضيفا أن "العملية المحدودة لجماعات المعارضة توسعت بعد أن غادرت قوات الحكومة السورية مواقعها".

ومن جهته نقل الصحفي المقرب من الحكومة، راغب صويلو، عن مصدر أمني تركي كبير لم يسمه قوله إن "العملية العسكرية تهدف إلى استعادة حدود منطقة خفض التصعيد في إدلب، التي تم الاتفاق عليها أصلا في عام 2019 من قبل روسيا وتركيا وإيران".

وأضاف المصدر أن هجمات روسيا والنظام قلصت حجم منطقة خفض التصعيد بعد أن سيطرت قوات موالية لبشار الأسد، بما في ذلك حزب الله والميليشيات المدعومة من إيران، على المزيد من الأراضي بالقرب من حلب في عام 2020 في انتهاك للاتفاق.

ويشترك في الهجوم "هيئة تحرير الشام" وفصائل عسكرية أخرى مدعومة من تركيا.

وتشير جميع المعطيات الميدانية وغير الرسمية التي صدرت على لسان مصادر أمنية إلى أن الحدود التي سيكون عليها الميدان في المرحلة المقبلة لن تكون كما سابق عهدها، عندما أبرم اتفاق سوتشي 2020، بين إردوغان وبوتين.

ميدان الشمال ما قبل الهجوم

وكانت عملية تنفيذ اتفاق 2020 المتعلق بإدلب والمبرم بين روسيا وتركيا وصلت خلال السنوات الماضية إلى طريق مسدود، ولم تتمكن موسكو وأنقرة لعدة مرات من تثبيت البنود على الأرض، لعدة أسباب واعتبارات.

ومنذ تلك الفترة لم يخرج مشهد إدلب ومحيطها الذي يشمل أجزاء من ريف اللاذقية وحلب عن نطاق استمرار الضربات من جانب قوات النظام السوري وروسيا.

وتصاعدت هذه الضربات على نحو كبير، خلال اليومين الماضيين، مما أسفر عن مقتل مدنيين بينهم أطفال داخل مدينة أريحا في منطقة جبل الزاوية.

علاوة على ذلك كانت قوات النظام وروسيا زجت بسلاح جديد على خطوط التماس منذ بداية 2024، وتمثل بالطائرات المسيرة الانتحارية، مما أسفر أيضا عن مقتل مدنيين فيما خلق حالة من عدم الاستقرار والخوف.

وتقول الفصائل المعارضة المنفذة للهجوم إن عمليتها الحالية تستهدف تأمين المناطق الخاضعة لسيطرة النظام السوري، وتشير في البيانات التي تصدرها إلى حالة القصف الواسعة التي حصلت من قبل الأخير والميليشيات الإيرانية المساندة له.

وفي حين يربط خبراء ومراقبون أسباب العملية بتصاعد الضربات على المنطقة يشيرون في حديث لموقع "الحرة" إلى عوامل وسلسلة من المتغيّرات.

جمود على 3 مستويات

على مدى الشهرين الماضيين كانت أنقرة (على كافة المستويات) تخاطب الأسد وتدعوه للقاء من أجل بدء عملية التطبيع على صعيد العلاقة، لكن رئيس النظام السوري لم يتفاعل مع هذه الاندفاعة بإيجابية، مشترطا انسحاب تركيا من سوريا قبل أن توضع أي خطوة فعلية على الأرض، عسكريا وسياسيا.

ولم يكن الأسد الوحيد الذي لم يتفاعل بإيجابية، بل انضمت إليه روسيا وإيران.

بالعودة إلى ما قبل الهجوم الحالي صرّح وزير الخارجية التركي، حقان فيدان، أن تطبيع العلاقات بين تركيا وسوريا "ليس من أولويات إيران"، وبالنسبة لروسيا فإن مثل هذه القضية ليست على جدول أعمالها، حيث يوجد بالفعل وقف لإطلاق النار في المنطقة ولم يظهر أي تهديد خطير على موسكو.

وفي غضون ذلك أضاف فيدان أن "إردوغان قدم اقتراحا مهما بشأن هذه القضية".

ومع ذلك، لا يبدو الجانب السوري مستعدا أو منفتحا على تقييم بعض القضايا، كما أن النظام ليس منفتحا حتى على المحادثات مع معارضيه، على حد تعبير وزير الخارجية التركي.

ما العوامل والمتغيرات؟

في حديثه لموقع "الحرة" يوضح، أنطون مارداسوف، وهو محلل روسي وباحث غير مقيم في معهد الشرق الأوسط، أن الهجوم "ربما يدفع روسيا إلى التدخل وتعزيز المفاوضات مع تركيا بشأن قضايا أوسع نطاقا، وهو ما رفضت موسكو فعله سابقا".

ويقول في المقابل إنه جاء بناء على 5 عوامل، أولها أنه سمح لـ"تحرير الشام" باحتواء الاحتجاجات ضد زعيمها، أبو محمد الجولاني، وأتاح للأخير الفرصة لإرسال مقاتلين أجانب - كان يحاول التخلص منهم سابقا ولم يستطع - إلى ساحة المعركة.

يذهب العامل الثاني باتجاه رفض الأسد للتقارب مع إردوغان، ورغم أن دمشق أظهرت نوعا من الاستعداد للتقارب، إلا أنها فعليا لم تفعل شيئا على صعيد المصالحة.

كما يضيف مارداسوف أن الهجوم الحالي قد يكون مرتبطا بـ"قصف مواقع قوات سوريا الديمقراطية في الشمال الشرقي، ويمكن أن يتطور إلى عملية تركية جديدة على غرار (الضربة المفاجئة) التي أشار إليها إردوغان".

ولا يفصل الباحث الروسي عامل التوقيت الذي يقع في المرتبة الثالثة، ويشير إلى أن الهجوم جاء بعد وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله، مما جعل الأضواء الإعلامية تتجه نحو "تحرير الشام".

وربما كان هناك حساب لصعوبة تحرك قوات حزب الله أثناء الهدنة، لأن أي تحرك يمكن أن يُعتبر خرقا للاتفاق من قِبَل إسرائيل والولايات المتحدة.

ومن ناحية أخرى، يعتقد مارداسوف أن هجوم الفصائل يرتبط أيضا بحالة قوات الأمن السورية، التي تقوم بأنشطة غير مفيدة حاليا في ظل الوضع الحالي، مثل التدريب على القفز بالمظلات، بينما تشهد المناطق معارك باستخدام طائرات مسيرة.

وبدأت فصائل المعارضة مؤخرا استخدام الطائرات المسيرة، بينما القوات النظامية تستخدمها تحت إشراف مباشر من حزب الله والإيرانيين.

ولا يستبعد الباحث الروسي أيضا أن يكون الهجوم وتوقيته مستندا أيضا على حالة التوتر بين الأسد وحزب الله بسبب اختلاف المواقف والمناورات السياسية للنظام السوري، ما يضعف التنسيق بينهما.

"الحلفاء ضعيفون"

ويبدو بشكل متزايد أن الغزو الروسي لأوكرانيا والهجمات الإسرائيلية على إيران عبر الميليشيات الشيعية قد أديا إلى إضعاف نفوذ روسيا وإيران في سوريا أكثر مما كنا نتوقع، كما يقول الباحث السياسي والأمني التركي، عمر أوزكيزيلجيك.

ويوضح لموقع "الحرة" أن "التقدم الأولي للمعارضة السورية وهيئة تحرير الشام أكبر مما تخيله معظم المراقبين. كما أن النشاط الجوي الروسي انخفضت حدته بشكل ملحوظ مقارنة بما كان عليه قبل أربع سنوات ونصف السنة".

علاوة على ذلك يضيف أوزكيزيلجيك أن "معظم هجمات المعارضة السورية تستهدف قوات النظام السوري بدلا من الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران كما كان في الماضي".

وبالتالي، "إذا استمرت هذه الأوضاع على هذا النحو، يمكننا القول بثقة أن روسيا وإيران قد ضعفتا"، بحسب الباحث التركي، مؤكدا على ضرورة "الانتظار من أجل وضع تقييم واضح ودقيق".

ما يحصل الآن في شمال غرب سوريا هو "أول اختراق وأول عملية تتجاوز خطوط التماس وتغيرها منذ اتفاق بوتين إردوغان في مارس 2020"، حسبما يقول المحلل السياسي، عمر كوش.

وفي حين أن التجهيز للعملية كان منذ أشهر يبدو أن الفصائل اختارت التوقيت استنادا لحالة الضعف التي يعيشها حزب الله، الذي تنتشر قوات له في محيط مدينة حلب ومناطق سورية أخرى.

ويضيف كوش لموقع "الحرة": "كما أن التوقيت يرتبط بعامل روسيا المشغولة في أوكرانيا"، وهو ما كان ملاحظا خلال الساعات الـ24 الماضية، إذ تم رصد ضربات روسية "تعد على الأصابع" فقط، على حد تعبيره.

وعلى مدى الأشهر الماضية كانت ميليشيات إيران في سوريا في وضع مربك، وكذلك الأمر بالنسبة لحزب الله، الذي فقد كبار قادته بضربات إسرائيلية.

وبالتالي فقدت قوات النظام السوري "الدعم البري على الأرض والجوي. ولذلك انهارت وانسحبت من الكثير من القرى والبلدات خلال الساعات الماضية"، بحسب كوش.

"رسائل سياسية وعسكرية"

ولا تعرف حتى الآن الحدود التي سيكون عليها هجوم فصائل المعارضة باتجاه مدينة حلب ومناطق في محيط إدلب.

وفي حال فشل أو نجح سيقوي أوراق تركيا في المناطق التي تنتشر فيها بشمالي البلاد، بحسب الباحث في مركز "الحوار السوري"، أحمد قربي.

أما عن تداعياته على الأرض يرى قربي في حديثه لموقع "الحرة" أن الهجوم يستهدف إيصال رسائل سياسية وعسكرية، ويقول إنه حتى الآن "لم يخرق قواعد الاشتباك التي رسمت بموجب اتفاق 2020".

"المعركة الأساسية حتى الآن تدور ما بين النظام وما بين فصائل المعارضة".

وفي المقابل يوضح قربي أن "التدخل التركي ما زال محدودا ظاهريا وكذلك الأمر بالنسبة لروسيا التي لم تزج بقوتها الجوية لإيقاف الفصائل عن التقدم".

قد تكون عملية الفصائل العسكرية "محاولة لإعادة إحياء التوافقات التي لم تلتزم بها بعض الأطراف في السنوات الماضية، وخاصة روسيا والنظام السوري"، بحسب قربي.

ومن جهته يعتقد المحلل السياسي، كوش أنها "تحظى بغطاء سياسي لكي تؤتي ثمارها"، "وربما يوجد غض نظر تركي عنها أو حالة رضا".

ومن ناحية أخرى يقول كوش إن قصف فصائل المعارضة بـ"توسيع المناطق الآمنة" قد يكون مرتبطا بمساعي لتوسيع النفوذ، تحسبا لتغيرات قادمة في سوريا مقبلة في البلاد.

وبالتالي تريد هذه الفصائل أن توسع نفوذها من أجل تثبيته وللاستعداد لأي تغيرات مقبلة.

ويتابع كوش: "المنتظر هو موقف أستانة خاصة أن العمليات تأتي بعد أيام قليلة من اجتماع أخير لها كان مملا وروتينيا. هل ستكون هناك تفاهمات جديدة بين الروس والأتراك؟ وربما سيكون الإيرانيون هم المتضررون أي على صعيد ميليشياتهم".

A portrait of Syrian President Bashar al-Assad is pictured with its frame broken, in a Syrian regime's Political Security…
صورة للرئيس السوري بشار الأسد في أحد فروع الأمن في حماة بعد سيطرة المعارضة عليه

قال مسؤولان سوريا كبيران لرويترز، الأحد، إن الرئيس، بشار الأسد، غادر دمشق إلى وجهة غير معلومة، وذلك بعد أن أعلنت المعارضة أن قواتها بدأت بالدخول إلى العاصمة من دون وجود مؤشر على انتشار الجيش النظامي.

وقالت المرصد السوري لحقوق الإنسان إن الأسد غادر البلاد عبر مطار دمشق.

وظل الأسد في دمشق إلى السبت، وفقا لمسؤولين أمنيين سوريين وعرب، تحدثوا لصحيفة وال ستريت جورنال. وفي الأسبوع الماضي، سافرت زوجته وأولاده إلى روسيا، بينما سافر أصهاره إلى الإمارات العربية المتحدة. 

ونقلت الصحيفة عن تلك المصادر أن "مسؤولين مصريين وأردنيين دعوا الأسد إلى مغادرة البلاد، وتشكيل حكومة في المنفى"، وهو ما نفته السفارة الأردنية في واشنطن بشدة، في بيان شديد اللهجة هاجمت فيه الصحيفة التي دعتها إلى "تصحيح الخطأ"، فيما لم تصدر القاهرة أي تعليق على الأمر.

وذكرت الصحيفة أن الدول العربية، بما في ذلك الإمارات العربية المتحدة وقطر، باتت تشعر بقلق متزايد إزاء الانهيار السريع لنظام الأسد، وما قد يترتب على ذلك من زعزعة الاستقرار الإقليمي. 

وقالت إن الأسد حث تركيا على التدخل لوقف المتمردين، "وسعى للحصول على الأسلحة والمساعدة الاستخباراتية من دول بما في ذلك الإمارات العربية المتحدة ومصر والأردن والعراق، ولكن حتى الآن تم رفض طلباته، كما قال مسؤولون أمنيون سوريون ومسؤولون عرب".

واستخدم نظام الأسد الأسلحة التي زودته بها روسيا وإيران لصد قوات المعارضة خلال الحرب الأهلية المستمرة منذ سنوات دون أن يتمكن من هزيمتهم، وهو ما جعله عرضة للخطر عندما انشغل حلفاؤه بحروب في أماكن أخرى وواصل أعداؤه الزحف.

ويشكل التقدم السريع الذي حققته المعارضة في غرب سوريا أحد أخطر التهديدات لحكم عائلة الأسد المستمر منذ 50 عاما، كما يأتي في لحظة محفوفة بالمخاطر بالنسبة للشرق الأوسط.

وأسقطت قوات المعارضة تماثيل والد الأسد وشقيقه في المدن التي سيطرت عليها، كما مزقت صوره على لوحات إعلانية وفي مكاتب حكومية ودهستها بالأقدام وأحرقتها أو أمطرتها بالرصاص.

وأصدرت الرئاسة السورية اليوم السبت بيانا نفت فيه مغادرة الأسد للبلاد مؤكدة أنه يمارس مهام عمله في دمشق. وذلك قبل دخول قوات المعارضة للعاصمة، والحديث عن مغادرة الأسد.

وأصبح بشار رئيسا في عام 2000 بعد وفاة والده، حافظ الأسد، مما أدى إلى الحفاظ على هيمنة الطائفة العلوية على الدولة ذات الأغلبية السنية والإبقاء على سوريا حليفة لإيران تناصب إسرائيل والولايات المتحدة العداء.

وشهد حكم الأسد في سنواته الأولى اندلاع الحرب في العراق ووجود أزمات في لبنان، قبل أن تضرب الحرب الأهلية سوريا في أعقاب الربيع العربي عام 2011. ونزل السوريون حينها إلى الشوارع مطالبين بالديمقراطية، لكن قوات الأسد استخدمت القوة الغاشمة ضدهم.

ورغم أن الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب وصفه في عام 2018 بأنه "حيوان" لاستخدامه الأسلحة الكيميائية، تمكن الأسد من البقاء في السلطة لفترة أطول مقارنة بالكثير من القادة الأجانب الذين اعتقدوا أن نهايته وشيكة في الأيام الأولى من الصراع، عندما فقد مساحات شاسعة من سوريا لصالح المعارضة. ونفى الأسد الاتهامات الموجهة إليه باستخدام أسلحة كيميائية.

وبمساعدة الضربات الجوية الروسية والفصائل المدعومة من إيران، تمكن الأسد من استعادة معظم الأراضي التي فقدها خلال الهجمات التي شنتها قواته لسنوات، بما في ذلك الحصار الذي فرضته القوات الحكومية على الغوطة الشرقية ووصفه محققون في الأمم المتحدة بأنه "من العصور الوسطى".

وشهدت رئاسة الأسد فترة من الهدوء النسبي في ظل تمركز معارضيه إلى حد كبير في جزء من شمال غرب سوريا، لكن أجزاء كبيرة من البلاد ظلت خارج قبضته وواجه الاقتصاد صعوبات بسبب العقوبات المفروضة عليه.

كما أعاد الأسد العلاقات مع الدول العربية بعد سنوات من القطيعة، لكنه ظل منبوذا بالنسبة لمعظم دول العالم.

ولم يدل الأسد بأي تصريحات علنية منذ سيطرة المسلحين على حلب قبل أسبوع لكنه قال في اتصال هاتفي مع نظيره الإيراني مسعود بزشكيان إن التصعيد يهدف إلى إعادة رسم المنطقة لصالح المصالح الغربية، وهو ما يعكس وجهة نظره بشأن الثورة باعتبارها مؤامرة مدعومة من الخارج.

وفي تبريره لتعامل القوات الحكومية مع الاحتجاجات في مراحلها الأولى، شبّه الأسد نفسه بأنه جراح . وقال في عام 2012 "هل نقول له (للطبيب): يداك ملطختان بالدماء؟ أم نشكره على إنقاذ المريض؟".

وظل الأسد مفعما بالثقة خلال الفترات الأولى من الصراع بينما كانت المعارضة تستولي على مدينة تلو الأخرى.

وقال الأسد لجنوده بعد استعادة بلدة معلولا في عام 2014 "لا حل مع الارهاب سوى أن يضرب بيد من حديد... سوريا قادرة على الخروج من أزمتها".

وأوفى الأسد بالوعد الأول، لكنه عجز عن الوفاء بالوعد الثاني. فبعد سنوات، لا تزال أجزاء كبيرة من سوريا خارج سيطرة الدولة، كما دُمرت مدن وتجاوز عدد القتلى 350 ألفا وفر أكثر من ربع السكان إلى الخارج.

خطوط حمراء

ويحظى الأسد بدعم مجموعة من السوريين تعتقد أنه ينقذهم من الإسلاميين المتشددين.

ومع تزايد نفوذ الجماعات المسلحة التي تستمد أفكارها من تنظيم القاعدة، استشرى هذا الخوف بين الأقليات لكن هذه الجماعات وعدت السكان الأسبوع الماضي بالحماية.

ويتمسك الأسد بفكرة أن سوريا هي معقل القومية العربية حتى مع تزايد النزعة الطائفية في الصراع. وفي حديثه لمجلة (فورين أفيرز) في عام 2015، قال الأسد إن الجيش "يتكون من كل أطياف المجتمع السوري".

ولكن بالنسبة لخصومه، فإن الأسد يعمل على تأجيج النزعة الطائفية.‭ ‬

وتزايدت حدة الصراع الطائفي مع وصول مقاتلين شيعة مدعومين من إيران من مختلف أنحاء الشرق الأوسط لدعم الأسد، ودعم الدول ذات الأغلبية السنية ومنها تركيا وقطر لقوات المعارضة.

وأكد مسؤول إيراني كبير على قيمة الأسد لدى إيران عندما أعلن في عام 2015 أن مصيره "خط أحمر" بالنسبة لطهران.

وفي الوقت الذي دعمت فيه إيران موقف الأسد، فشلت الولايات المتحدة في فرض "خطها الأحمر" الذي حدده الرئيس باراك أوباما في عام 2012 فيما يخص استخدام الأسلحة الكيميائية.

وخلصت التحقيقات التي تدعمها الأمم المتحدة إلى أن دمشق استخدمت الأسلحة الكيميائية.

وأسفر هجوم بغاز السارين على الغوطة التي سيطرت عليها قوات المعارضة في عام 2013 عن مقتل مئات، لكن موسكو توسطت في صفقة لتدمير الأسلحة الكيميائية السورية، مما أدى إلى تجنب رد فعل أمريكي.

ومع ذلك، استمر الغاز السام في ضرب مناطق المعارضة، إذ دفع هجوم بنفس الغاز في عام 2017 ترامب إلى إصدار أمر برد صاروخي.

ونفى الأسد الاتهامات بمسؤولية الدولة عن الهجوم.

كما نفى الأسد أن يكون الجيش قد ألقى براميل متفجرة محملة بالمتفجرات تسببت في دمار عشوائي. وبدا أنه يستخف بالاتهام في مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية (بي.بي.سي) في عام 2015، إذ قال "لم أسمع عن استخدام الجيش للبراميل، أو حتى أواني الطهي".

ونفى صحة عشرات الآلاف من الصور التي تظهر تعذيب محتجزين في مراكز اعتقال للحكومة مرجعا ذلك لمؤامرة ممولة من قطر.

ومع توقف القتال، اتهم الأسد أعداء سوريا بشن حرب اقتصادية.

ولكن بينما ظل الأسد منبوذا من الغرب، بدأت بعض الدول العربية التي دعمت معارضيه قبل ذلك في فتح الأبواب أمامه. واستقبل قادة الإمارات بشار الأسد خلال زيارة له إلى البلد الخليجي في عام 2022.

طبيب العيون

قدم الأسد نفسه في كثير من الأحيان على أنه رجل بسيط من عامة الشعب، إذ ظهر في مقاطع مصورة وهو يقود سيارة عائلية متواضعة، وفي صور مع زوجته أثناء زيارتهما لمحاربين قدامى في منازلهم.

تولى بشار الأسد منصبه في عام 2000 بعد وفاة والده حافظ الأسد، رغم أنه لم يكن المقصود بخلافه والده.

فقد أعد حافظ الأسد ابنه البكر، باسل، لخلافته. ولكن عندما توفي باسل في حادث سيارة عام 1994، تحول بشار من طبيب عيون في لندن، حيث كان يكمل دراسته، إلى الوريث الجديد.



وبعد أن أصبح رئيسا، بدا أن الأسد قد تبنى إصلاحات ليبرالية جرى تصويرها بتفاؤل باعتبارها "ربيع دمشق".

وأطلق سراح مئات السجناء السياسيين وقدم مبادرات إلى الغرب وفتح الاقتصاد أمام الشركات الخاصة.

وساعد زواجه من أسماء الأخرس وهي مصرفية سابقة مولودة في بريطانيا، والتي له منها ثلاثة أطفال، في تعزيز الآمال في قدرته على قيادة سوريا على مسار إصلاحي أكثر.

ومن أبرز محطات الود المبكر بين بشار الأسد وزعماء غربيين حضوره قمة في باريس حيث كان ضيف شرف في العرض العسكري السنوي بمناسبة يوم الباستيل.

ولكن مع بقاء النظام السياسي الذي ورثه دون تغيير، تلاشت علامات التغيير سريعا.

وسجن معارضون وساهمت الإصلاحات الاقتصادية في انتشار ما وصفه دبلوماسيون أمريكيون، في برقية صادرة عن السفارة الأمريكية في عام 2008 نشرتها ويكيليكس، بالمحسوبية والفساد "الطفيلي".

بشار الأسد
بلومبرغ: محاولة أخيرة للأسد للاحتفاظ بالسلطة
مع اقتراب المتمردين السوريين من العاصمة دمشق، يقوم الرئيس بشار الأسد بمحاولة أخيرة للبقاء في السلطة، بما في ذلك المبادرات الدبلوماسية غير المباشرة مع الولايات المتحدة والرئيس المنتخب دونالد ترامب، وفقًا لما قاله أشخاص لديهم معرفة مباشرة بالوضع لوكالة "بلومبرغ".



في حين كانت النخبة تعيش حياة جيدة، دفع الجفاف الفقراء إلى النزوح من المناطق الريفية إلى الأحياء الفقيرة حيث اشتعلت الثورة.

وأدى التوتر الذي نشأ مع الغرب بعد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق في عام 2003 إلى قلب ميزان القوى في الشرق الأوسط رأسا على عقب.

وأسفر اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري في بيروت في عام 2005 عن ضغوط غربية أجبرت سوريا على الانسحاب من لبنان. وأشار تحقيق دولي أولي إلى تورط شخصيات سورية ولبنانية بارزة في عملية الاغتيال.

وفي حين نفت سوريا تورطها، قال نائب الرئيس السابق عبد الحليم خدام إن الأسد هدد الحريري قبل أشهر، وهو الاتهام الذي نفاه الأسد أيضا.

وبعد خمسة عشر عاما، أدانت محكمة مدعومة من الأمم المتحدة أحد أعضاء حزب الله المدعوم من إيران بالتآمر لقتل الحريري. ونفى حزب الله، حليف الأسد، أي دور له في عملية الاغتيال.