فصائل المعارضة المسلحة تدخل إلى مدينة حلب
فصائل المعارضة المسلحة تدخل إلى مدينة حلب

دخول فصائل المعارضة المسلحة إلى مدينة حلب يصفه مراقبون وخبراء بـ"المناورة العسكرية الأكثر إثارة في الحرب الأهلية السورية بأكملها"، وفي حين ما تزال الضبابية تحيط بما وراء التقدم السريع للمقاتلين على الأرض، تثار تساؤلات عن السر وراء "برود" الموقف الروسي لليوم الثالث على التوالي.

عندما بسط النظام السوري سيطرته الكاملة على المدينة في عام 2016 لم يكن هناك أي حدود للدعم الذي قدمته روسيا له عسكريا واستخباراتيا. وليس ذلك فحسب، إذ زجت إيران بالكثير من الميليشيات المحلية والأجنبية على الأرض، مغيرة واقع الميدان على نحو كبير.

وفي الوقت الحالي، ومع دخول هجوم فصائل المعارضة المسلحة يومه الرابع، يبدو الموقف الذي تتخذه روسيا مختلفا قياسا بما اتبعته خلال السنوات الماضية، سواء على صعيد مدينة حلب وريفها بالتحديد، أو باقي المحافظات السورية التي كانت المعارضة تسيطر على أجزاء منها.

وقال الكرملين الروسي في أول بيان له على عملية الفصائل المسلحة العسكرية،  الجمعة، إن "الوضع في حلب تعد على سيادة سوريا، وأن روسيا الاتحادية تدعم استعادة النظام في المنطقة".

وقال الناطق باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف: "فيما يتعلق بالوضع حول حلب، فهذا بالطبع تعدي على سيادة سوريا في هذه المنطقة، وندعو السلطات السورية إلى استعادة النظام بسرعة في هذه المنطقة واستعادة النظام الدستوري".

كما أكد بيسكوف على ضرورة دفع مسار التطبيع بين أنقرة ودمشق، وهو الذي وصل إلى طريق مسدود، لأسباب تعلقت برفض النظام السوري خوض عملية الحوار دون الحصول على ضمانات تتضمن انسحاب القوات التركية من سوريا. 

ووفقا لـ"المرصد السوري لحقوق الإنسان" نفذت الطائرات الحربية السورية عدة ضربات جوية على مواقع مدنية وعسكرية في ريفي حلب وإدلب، خلال الساعات الماضية، لكنها لم تصل إلى حد التصعيد الكبير الذي كانت عليه عندما كانت تشن فصائل المعارضة هجمات مماثلة سابقة.

كما رصد صحفيون في شمال غرب سوريا سلوكا مختلفا للطائرات الحربية الروسية عن ذاك الذي كان موجودا في السنوات الماضية، سواء عندما كانت الفصائل المسلحة تطلق عملا عسكريا أو تتحرك في مواقعها الموجودة على الجبهات.

ما الأصداء في موسكو؟

ويرى الباحث السياسي الروسي، ديمتري بريجع أن "برود" الموقف الروسي حيال الهجوم الحاصل في حلب وريفها "واضح بالفعل"، ويشير إلى "الأزمة السياسية الحاصلة في سوريا، والتي حاولت وتحاول موسكو حلها مع تطبيق الحل السياسي".

ويقول في حديثه لموقع "الحرة": "روسيا وقفت مع الأسد وما زالت تدعمه، ولكنها تفهم أن الوضع القائم الاقتصادي يصعب الأمور كلها وفي أن تكون القوات السورية قادرة على السيطرة على كل المناطق وأن تؤمنها".

اللافت في هجوم الفصائل المستمر الذي دخل يومه الرابع أن فصائل المعارضة حققت تقدما سريعا على حساب قوات النظام السوري داخل مدينة حلب وفي ريفها الغربي والجنوبي. 

ويعتقد بريجع أن "السقوط العسكري المتسارع يدل على ضعف خطوط الدفاع لدى القوات السورية وقوات الحكومة"، إضافة إلى "ضعف الأداء الاستخباراتي".

وكانت روسيا تعرف مسبقا بالتجهيزات المتعلقة بالهجوم، وحتى أنها أرسلت رسائل لدوائر صنع القرار السياسي والعسكري في دمشق، لكن الأخيرة تتخذ أي تدابير لتأمين المناطق، بحسب الباحث الروسي.

ويوضح أيضا أن تقدم الفصائل المسلحة السريع "يدل على أن الوضع القائم سيتغير في المنطقة".

ما حدود التدخل الروسي؟

ومن جهته يضيف المحلل السياسي المقيم في موسكو، رامي الشاعر أن "الطيران الروسي لا يمكن أن يقوم بأي عمليات ضد الشعب السوري. روسيا تعي تماما بأن الأحداث التي تجري اليوم في الشمال السوري وخاصة في حلب هي نتيجة المماطلة من قبل النظام في دمشق".

وترتبط هذه المماطلة "في التجاوب بالبدء في عملية الانتقال السلمي إلى نظام جديد يتوافق مع تطلع جميع مكونات الشعب السوري العرقية والطائفية"، بحسب الشاعر.

ويقول في حديثه لموقع "الحرة": "روسيا يمكن أن تتدخل فقط ضد أنشطة التنظيمات الإرهابية والمعترف بها دوليا كتنظيمات إرهابية، ولكنّ أحداث اليوم لا يمكن تصنيفها على أنها نشاطات إرهابية".

"المماطلة من قبل النظام في دمشق لبدء الحوار مع تركيا، والتجاوب مع مبادرة الرئيس التركي إردوغان لعقد لقاء مع الرئيس بشار الأسد أسفر عن هذا التدهور الحالي للوضع والذي قد يمتد إلى ما بعد من ذلك".

ويرى الشاعر أن "الحل الوحيد للخروج من هذه الكارثة هو البدء الفوري للحوار السوري-السوري من أجل الشروع في الانتقال إلى نظام حكم جديد في سوريا".

وكان الكرملين وصف هجوم حلب بأنه "اعتداء على سيادة سوريا". وهذا الوصف فيه اتّهام ضمني لأطراف خارجية بدعم الهجوم، بحسب ما يرى الباحث في العلاقات الدولية، محمود علوش.

ويقول علوش لموقع "الحرة" إن "هجوم حلب يُقلق الروس بدرجة كبيرة لأنه قد يؤدي إلى خسارة النظام لمدينة مهمة في الصراع مثل حلب، ومثل هذه الخسارة قد تؤدي إلى إعادة تشكيل الصراع السوري كليا".

"روسيا هي حليف وثيق للأسد، وأي تهديد للمكاسب التي حققها في الحرب هو تهديد للحضور الروسي في سوريا"، وفقا للباحث.

ويتابع: "الروس مُنخرطون بالفعل في العمليات العسكرية التي يقوم بها النظام في المنطقة لوقف زحف المعارضة".

ثلاثة احتمالات

وفي آخر التطورات على الأرض دخلت فصائل من المعارضة المسلحة في شمال سوريا، خلال الساعات الماضية، عدة أحياء في مدينة حلب، التي تعتبر ثاني أكبر المدن السورية، وتوصف بالعاصمة الاقتصادية للبلاد منذ عقود.

الأحياء التي دخلتها الفصائل هي: الحمدانية وحلب الجديدة و3000 شقة والجميلية وصلاح الدين، وفقاً لمصدرين إعلاميين تحدثا لموقع "الحرة"، وتقرير نشره "المرصد السوري لحقوق الإنسان".

وجاء دخول الفصائل بعد هجوم أطلقته قبل يومين، واستهدف أولاً قرى وبلدات تقع في الريف الغربي لحلب، وريفها الجنوبي أيضاً.

وفيما يتعلق بماهية الرد الروسي يستعرض الباحث السياسي الروسي، بريجع 3 احتمالات، الأول أن تصل موسكو إلى تفاهم مع تركيا لوقف ما يحدث.

تاريخ انتشار الميليشيات الإيرانية في سوريا يعود إلى العام الثاني من انطلاقة الثورة السورية
هجوم حلب السورية.. ما الذي يعنيه بالنسبة لإيران؟
المناطق التي يستهدفها هجوم فصائل المعارضة في ريف مدينة حلب تعرف منذ سنوات بأنها ذات أهمية كبيرة بالنسبة لإيران عسكريا، وهو ما عكسته السنوات التي سبقت عام 2020 عندما زج "الحرس الثوري" بالكثير من الميليشيات هناك على الأرض أو على صعيد الحادثة التي أسفرت الخميس عن مقتل جنرال كبير يدعى كيومارس بورهاشمي.

ويذهب الاحتمال الثاني باتجاه "عملية واسعة. ولكن سترفضها تركيا في إدلب وحلب وريفها وهذا سيؤدي لدمار كبير"، بحسب بريجع.

ويضيف أن الاحتمال الثالث يكمن "بالتوصل لتفاهمات ليس مع تركيا فقط، بل مع الولايات المتحدة الأميركية لتطبيق الحل السياسي في سوريا وإيجاد حلول للأزمة السورية وعدم ذهاب المؤسسات الدولية للانهيار الكامل في الأشهر أو السنوات المقبلة".

ومن جهته يوضح الباحث علوش أن "العلاقات بين موسكو ودمشق هي علاقة تحالف استراتيجي. قد تظهر بعض التباينات بين الفينة والأخرى، لكنّها لا تُضعف هذا التحالف الاستراتيجي".

وفي النهاية، من مصلحة روسيا أن يُحافظ النظام على قبضته على مدينة حلب ويُضيق الخناق على المعارضة في شمال غرب البلاد، بحسب علوش.

قد تؤدي هذه التطورات إلى تشكيل حافز إضافي لروسيا لبذل جهد أكبر في دفع مشروع التطبيع التركي السوري لأنه الضمانة الوحيدة للحد من مخاطر انهيار الستاتيكو العسكري القائم في شمال سوريا، وفقا لما يعتقده الباحث في العلاقات الدولية.

الشرع والجهاد الإسلامي

بالتزامن مع زيارة رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، إلى دمشق ولقائه بالرئيس السوري للمرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، تحدثت تقارير عن اعتقال القوات الأمنية السورية قياديين بارزين من حركة الجهاد الإسلامي، في حدث يبدو شديد الدلالة على التحولات الكبيرة التي تشهدها سوريا منذ سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر من العام الماضي.

وقالت "سرايا القدس"، وهي الجناح العسكري للجهاد الإسلامي، في بيان الأربعاء إن خالد خالد مسؤول الحركة في سوريا وياسر الزفري مسؤول لجنتها التنظيمية محتجزان لدى السلطات السورية منذ خمسة أيام.

وأضافت أن السلطات ألقت القبض على الرجلين "دون توضيح أسباب الاعتقال وبطريقة لم نكن نتمنى أن نراها من إخوة". ودعت إلى "الإفراج" عنهما. 

وأكد مسؤول في وزارة الداخلية السورية لوكالة رويترز نبأ إلقاء القبض على القياديين في الحركة، لكنه لم يجب عن أسئلة لاحقة حول سبب اعتقالهما.

حركة "الجهاد الإسلامي" هي إحدى أهم الفصائل الفلسطينية المسلحة، وإن كانت أكثرها غموضاً وتعقيداً، من حيث تاريخها وأيديولوجيتها. صنفتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي منظمة إرهابية، ونمت لتصبح ثاني أكبر حركة مسلحة في قطاع غزة وثالث أكبر حركة في الضفة الغربية.

وعلى الرغم من أنها أصدرت أول بيان علني لها في 11 ديسمبر عام 1987، كان وجودها واحدا من أكثر أسرار المقاومة الفلسطينية كتمانا. تأسست الحركة في قطاع غزة عام 1981 على يد مجموعة من الطلاب الفلسطينيين الذين لم يسبق لأحدهم أن أمسك بسلاح، لكنها سريعاً تحولت إلى استخدام العنف ضد أهداف إسرائيلية في عام 1984، أي قبل خمس سنوات من ظهور حركة حماس.

واكتسبت الحركة سمعة سيئة بسبب طبيعة هجماتها المثيرة للجدل في عنفها، ومواقفها المتصلبة ضد إسرائيل. وكان الشعار الذي طرحته هو: "الإسلام، الجهاد، وفلسطين": الإسلام كنقطة انطلاق، الجهاد كوسيلة، وتحرير فلسطين كهدف.

وكانت الحركة ولا تزال ملتزمة بـ"لاءات ثلاث": لا تفاوض، ولا حل الدولتين، ولا اعتراف بإسرائيل.

في كتابه "تاريخ الجهاد الإسلامي الفلسطيني: الإيمان والوعي والثورة في الشرق الأوسط"، يروي الباحث إيريك سكير حكاية جذور تأسيس حركة الجهاد الإسلامي، التي بدأت من رسم وضعه فتحي الشقاقي (مؤسس الحركة/ اغتيل في العام ١٩٩٥) على ورقة في مارس 1979، يمثل مستطيلًا يتقاطع مع دائرة. 

كان هذا الرسم، بحسب سكير، يمثل مشروعهم السياسي الجديد، ويحتوي على ثلاث مساحات متميزة. تمثل المساحة الأولى "الإخوة الذين كانوا أعضاء في جماعة الإخوان المسلمين فقط". ثم هناك "الإخوة الذين كانوا أعضاء في كل من جماعة الإخوان والمشروع الجديد الذي يشكل نوعاً ما انشقاقاً عن الإخوان. وأخيراً، هناك أولئك الذين انضموا إلى هذا المشروع دون أن يكونوا من الإخوان المسلمين. كانت هذه المنظمة تُعرف بـ "الطلائع الإسلامية"، وهي نواة حركة الجهاد الإسلامي.

والتعقيد في سيرة الجهاد الإسلامي وتموضعها، مرده إلى عوامل عديدة لعبت دوراً في رسم هوية الحركة وتشكيل أفكارها من روافد متنوعة، وقد تبدو أحياناً متناقضة. فهي كما يرى باحثون، بينهم الباحثة الإسرائيلية مائير هاتينا، نشأت من تأثير حاسم للجماعات المصرية المتطرفة في السبعينيات. 

وفي المقابل، تركز الباحثة، بفيرلي ميلتون إدواردز، على صراع الحركة مع جماعة الإخوان المسلمين في أوائل الثمانينيات، بشأن المقاومة المسلحة. وبينهما رأي، يتوقف عنده إيريك سكير في كتابه، يقول بأن "الجهاد الإسلامي" خرجت تأثراً بالثورة الإيرانية عام ١٩٧٩. 

وفي الحالات كلها، تبدو حركة "الجهاد الإسلامي" اليوم في قلب هذه التناقضات، فهي الفصيل الأقرب فلسطينياً إلى إيران تمويلاً وتسليحاً مع إشارات إلى حالات "تشيّع" داخل الحركة. ومع ذلك فإن تنسيقها مع حماس لم يتوقف، حتى مع التباين بين حماس و"الجهاد" حول قضية الثورة السورية، وبقاء الجهاد الإسلامي في "حضن" النظام السوري مستفيدة من الحماية التي وفرها لها، في وقت كانت حماس تبتعد عن النظام بسبب مزاج الثورة القريب من الإخوان المسلمين.

مع ذلك نسقت حماس مع "الجهاد" هجومها على إسرائيل في السابع من أكتوبر ٢٠٢٣، وتحتفظ بأسرى إسرائيليين.

ومع تولي أحمد الشرع السلطة في سوريا، تزداد الأمور تعقيداً. فالشرع يميل، بحسب معطيات عديدة، إلى الاقتراب أكثر من تسوية مع إسرائيل قد تستكمل باتفاقية سلام، والابتعاد أكثر عن حماس وما تمثله. ولقاؤه بالرئيس الفلسطيني محمود عباس يصب في هذا السياق.

ولا يحيد اعتقال الأمن السوري القياديين في "الجهاد" عن هذا "النهج"، ويأتي استكمالاً للمزاج السياسي للشرع المبتعد بوضوح، إلى حد القطيعة، عن إيران. إذ قطعت القيادة السورية الجديدة العلاقات الدبلوماسية مع إيران، وتأمل في إعادة بناء الدعم الإقليمي والدولي لسوريا، لا سيما رفع العقوبات وتمويل إعادة الإعمار بعد حرب أهلية مدمرة استمرت 14 عاماً.

لكن قد لا يعني اعتقال القياديين في الجهاد أن الشرع سيفعل الشيء ذاته مع حركة "حماس" في سوريا، على الأقل في الفترة المقبلة، كما يوضح نائب مدير مركز كارنيغي، الباحث مهند الحاج علي، لموقع "الحرة". بل إن الشرع على الغالب سيحافظ على العلاقة التاريخية بحماس لما تمثله من امتداد يرتبط بالإخوان المسلمين. 

وإذا كان الشرع في وارد "بيع" حماس، فإنه بالتأكيد سيطلب ثمناً عالياً لقاء ذلك. ويعتقد الحاج علي أن حماس لن تُحرج الشرع وستلتزم بما يناسبه في سوريا، حتى لو عنى ذلك قطع التواصل مع إيران، وإن كان الباحث في كارنيغي يتوقع أن تلعب حماس أدواراً في المستقبل لتحسين علاقات الشرع بإيران.

وأوردت وكالة رويترز في تقرير الشهر الماضي أن الولايات المتحدة قدمت لسوريا قائمة شروط يتعين الوفاء بها مقابل تخفيف جزئي للعقوبات. وذكرت مصادر لرويترز أن أحد الشروط هو إبعاد الجماعات الفلسطينية المدعومة من إيران.