سيطرت المعارضة المسلحة على غالبية مناطق حلب - رويترز
سيطرت المعارضة المسلحة على غالبية مناطق حلب - رويترز

يكشف التقدم السريع لفصائل المعارضة المسلحة في شمال سوريا، على حساب النظام السوري والميليشيات الداعمة له، عن "انهيار واضح في سلسلة القيادة والأوامر"، حسب ما يقول خبراء عسكريون لموقع "الحرة"، في تطورات خلقت خلال الأيام الماضية جوا ضبابيا طرح الكثير من التساؤلات.

وبعد دخولها إلى أحياء حلب وسيطرتها على ثلاثة أرباع أحياء المدينة، تقدمت الفصائل المسلحة في ريف محافظة إدلب، وتمكنت من السيطرة على كامل المدن والبلدات التابعة لها، وأبرزها جرجناز ومدينة معرة النعمان.

وأكملت طريقها باتجاه الريف الشمالي لحلب، لتسيطر، ظهر السبت، على بلدتي نبل والزهراء، التي تقطنهما غالبية شيعية منذ سنوات، وكان "الحرس الثوري" الإيراني قد زج بالكثير من المقاتلين بعد عام 2012 لفك الحصار عنهما.

ووفقا لصحفيين يتابعون مجريات هجوم الفصائل على الأرض، في تصريحات لموقع "الحرة"، فقد بدأ مسلحوها خلال الساعات الماضية "عملية عسكرية باتجاه مطار حلب الدولي"، فيما اتجه آخرون لتنفيذ "هجوم في ريف حلب الشرقي، وسيطروا من خلاله على مدينة تادف المحاذية لمدينة الباب".

وتستعد ذات الفصائل، خاصة تلك المحسوبة على "الجيش الوطني السوري" المدعوم من تركيا، لإطلاق عملية عسكرية أخرى في الساعات المقبلة، من أجل السيطرة على مدينة تل رفعت، التي تنتشر فيها قوات من النظام السوري ومقاتلين من "وحدات حماية الشعب" الكردية.

علم المعارضة السورية على سارية وسط حلب - فرانس برس
"نقطة تحوّل".. ماذا تعني سيطرة فصائل المعارضة على حلب؟
بدخولها إلى مدينة حلب لا تغير فصائل المعارضة السورية المسلحة خرائط السيطرة على الأرض فحسب، بل تُحدث نقطة تحول ما قبلها لن يكون كما بعدها، على صعيد مشهد سوريا السياسي والعسكري، وكذلك الاقتصادي كما يوضح خبراء وباحثون لموقع "الحرة".

ماذا وراء الانهيار السريع؟

ويعتقد الباحث الأمني السوري في مركز "حرمون للدراسات المعاصرة"، نوار شعبان، أن سر الانهيار العسكري السريع للنظام السوري "يكمن في أن القوات التي كان يضعها بالمنطقة المستهدفة، لم تكن ذات قدرة قتال أو تثبيت ودفاع".

على العكس، كانت تلك القوات ومنذ سنوات أشبه بـ"عناصر لتعبئة الجبهات والأماكن". ومن الواضح أيضا أن النظام السوري كان يشعر "بشيء من الطمأنينة حيال عدم تعرضه لعمل عسكري كبير ومفاجئ"، وفق شعبان.

ويضيف لموقع "الحرة": "سقوط الفوج 47 في غضون ساعة أمر لافت. ويقاس هذا الأمر على بقية المناطق داخل حلب وفي ريف إدلب".

ولا يستبعد الباحث السوري أن يكون وراء الانهيار المتسارع "غياب الكفاءة العسكرية لقوات النظام السوري"، وقد يكون مرتبطا أيضا بـ"الانسحابات الأخيرة لعناصر حزب الله والميليشيات الإيرانية، بعدما تعرضت لضغوط في سوريا وفي ساحات أخرى مثل لبنان، فضلا عن غياب التغطية الجوية من قبل روسيا".

وأعلن جيش النظام السوري، السبت، مقتل العشرات من قواته إثر الهجوم الذي نفذته فصائل مسلحة معارضة في حلب وإدلب خلال الأيام الماضية، مضيفا أن انسحابه من بعض المناطق يعد "إعادة انتشار" من أجل التجهيز لـ"هجوم مضاد".

كما أشار جيش النظام السوري إلى أن هذا التحرك (إعادة الانتشار) "إجراء مؤقت" قبل مواصلة استعادة السيطرة على حلب وريفها.

فصائل مسلحة من المعارضة السورية بعد سيطرتها على مناطق في حلب (فرانس برس)
خريطة انتشار "الفصائل" ومساعي "تثبيت السيطرة".. التطورات على الأرض في حلب السورية
مع الانتشار السريع لفصائل من المعارضة السورية المسلحة في "غالبية" حلب، كشف مصدران لـ"الحرة" آخر التطورات التي تجري في المدينة الاستراتيجية، السبت، وأوضحا أن "الواقع على الأرض يذهب الآن باتجاه تثبيت السيطرة" من قبل تلك الفصائل.

"وحده في المعركة"

وبدوره، يوضح الباحث في مركز "عمران للدراسات الاستراتيجية"، محسن المصطفى، وهو المتابع لأنشطة الجيش السوري وتشكيلاته منذ سنوات، أن "النظام يبدو وحيدا في المعركة. فقد عرف ذلك ولم يقاوم".

ويستطرد لموقع "الحرة": "معنويات جنوده منهارة أيضا، وكانوا يعرفون أنهم وحيدون في ساحة المعركة دون ميليشيات إيرانية أو قوات روسية.. ومن الملاحظ أن هناك انهيارا في سلسلة القيادة والأوامر".

ويضيف: "الظرف الحالي يشبه انهيار قوات النظام نهاية عام 2012، عندما انسحبت من مناطق واسعة"، ولم تنحرف دفة الصراع لصالحها إلا بعد دخول الميليشيات الإيرانية على الأرض والتدخل الروسي في 2015.

ماذا عن "الهجوم المضاد"؟

تتجه الأنظار في الوقت الحالي إلى الحدود التي ستصل عندها فصائل المعارضة المسلحة، وشكل "الهجوم المضاد" الذي أشار إليه النظام السوري في بيان وزارة دفاعه.

وفي حين يقول المصطفى إن "النظام السوري يمكنه شن هجوم مضاد"، فإنه يوضح أن هذا الأمر "يحتاج وقتا".

فصائل مسلحة معارضة دخلت مدينة حلب السورية - رويترز
النظام السوري يقر بدخول المعارضة المسلحة حلب ويتحدث عن "استعدادات لهجوم مضاد"
أعلن جيش النظام السوري، السبت، مقتل العشرات من قواته إثر الهجوم الذي نفذته فصائل مسلحة معارضة في حلب وإدلب خلال الأيام الماضية، مضيفًا أن انسحابه من بعض المناطق يعد "إعادة انتشار" من أجل التجهيز لهجوم مضاد.

ويشرح ذلك بالقول: "عمليا، النظام السوري تلقى الصدمة وأصبح خارج حسابات المعركة. الأمر قد يحتاج لأشهور إذا فكر بالمقاومة".

ويشير الباحث الأمني شعبان إلى أن الانهيار السريع الحاصل في جبهات النظام السوري مرده أيضا "انهيار خط الدفاع الأول، دون القدرة على تعزيز الخط الثاني".

ويعتبر أن "فصائل المعارضة المسلحة اتبعت تكتيكا صحيحا في هجومها السريع"، وأنها اعتمدت بذلك على مسارين: "ضرب المناطق التالية وتطويق أخرى، والمواجهة بالاشتباك المباشر".

وفي هذه الأثناء، لا تزال فصائل المعارضة السورية تعلن عن تقدمها وسيطرتها على مناطق جديدة، فيما لا تزال "استعدادات النظام السوري للهجوم المضاد" غير واضحة المعالم.

امرأة نازحة تحمل رضيعا داخل مخيم الكرامة للاجئين على الحدود السورية التركية في ريف إدلب الشمالي. إرشيفية من رويترز
امرأة نازحة تحمل رضيعا داخل مخيم الكرامة للاجئين على الحدود السورية التركية في ريف إدلب الشمالي. إرشيفية من رويترز

أعلن البنك الدولي، الجمعة، أنه سوى ديون سوريا البالغة 15.5 مليون دولار بعد تلقيه أموالا من السعودية وقطر، مما يؤهل دمشق للحصول على منح بملايين الدولارات لإعادة الإعمار ودعم الميزانية.

وأعلنت السعودية وقطر في أبريل أنهما ستتسددان متأخرات سوريا لدى المؤسسة المالية الدولية مما يجعلها مؤهلة للحصول على برامج منح جديدة، وفق سياسات البنك التشغيلية.

وأعلن البنك الدولي أنه حتى 12 مايو، لم يكن لدى سوريا أي أرصدة متبقية في اعتمادات المؤسسة الدولية للتنمية، وهي ذراع البنك لمساعدة أشد البلدان فقرا.

وقال البنك في بيان "يسرنا أن سداد ديون سوريا سيسمح لمجموعة البنك الدولي بإعادة التواصل مع البلاد وتلبية الاحتياجات التنموية للشعب السوري".

وأضاف "بعد سنوات من الصراع، تسير سوريا على طريق التعافي والتنمية".

وأوضح البنك الدولي أنه سيعمل مع دول أخرى للمساعدة في حشد التمويل العام والخاص لبرامج تمكن الشعب السوري من بناء حياة أفضل لتحقيق الاستقرار في البلاد والمنطقة.

وذكر أن مشروعه الأول مع سوريا سيركز على توفير الكهرباء، ما سيدعم تحقيق تقدم اقتصادي ويساعد في توفير الخدمات الأساسية من الصحة والتعليم إلى المياه وسبل العيش.

وقال البنك الدولي "المشروع المقترح هو الخطوة الأولى في خطة موضوعة لزيادة دعم مجموعة البنك الدولي والذي يستهدف تلبية الاحتياجات الملحة لسوريا والاستثمار في التنمية طويلة الأجل".

البنية التحتية المالية

قال وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو أمس الخميس إن الرئيس دونالد ترامب يعتزم إصدار إعفاءات من "قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا"، الذي فرضت واشنطن من خلاله عقوبات صارمة على حكومة الرئيس السابق بشار الأسد وعقوبات ثانوية على شركات أو حكومات خارجية التي كانت تجمعها معاملات معها.

ويمهد رفع العقوبات الأميركية، والتي فرض بعضها على حكومة الأسد وبعضها الآخر قائم منذ عقود، إلى جانب تسوية متأخرات سوريا للبنك الدولي، الطريق لإعادة دمجها في النظام المالي العالمي.

واستضاف صندوق النقد والبنك الدوليان والسعودية اجتماعا رفيع المستوى مع مسؤولين سوريين في واشنطن في أبريل. وأصدروا بعد ذلك بيانا مشتركا أقروا فيه بالتحديات الملحة التي تواجه الاقتصاد السوري وعبروا عن التزامهم بدعم جهود التعافي في البلاد.

وعين صندوق النقد الدولي أول رئيس لبعثته إلى سوريا منذ 14 عاما، وهو رون فان رودن، وهو مسؤول مخضرم في صندوق النقد الدولي سبق أن ترأس جهود الصندوق في أوكرانيا.

وأصدر صندوق النقد الدولي آخر تقرير مراجعة معمق للاقتصاد السوري في عام 2009.

وقال مارتن موليسن زميل المجلس الأطلسي والرئيس السابق لإدارة الاستراتيجية في صندوق النقد الدولي، إن المهمة العاجلة الأولى للصندوق تتمثل في تقديم المساعدة الفنية للسلطات السورية لمساعدتها على إعادة بناء البنية التحتية المالية للبلاد وهيئات صنع السياسات وجمع البيانات اللازمة.

وأضاف موليسن أن هذه الجهود يمكن تمويلها من المانحين والمنح العينية ويمكن إطلاقها في غضون أشهر، بينما يمكن للبنك الدولي المساعدة على مستوى إقليمي أوسع لضمان الحوكمة الرشيدة وفعالية الوزارات.

وقال جوناثان شانزر وهو مسؤول كبير سابق في وزارة الخزانة ويرأس حاليا مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات إن المسؤولين السوريين أبلغوه بأن الاحتياجات ضخمة، لكنه حث الولايات المتحدة رغم ذلك على تخفيف العقوبات تدريجيا بحذر.

وأوضح "لم يتمكنوا حتى من الحصول على تراخيص مايكروسوفت أوفيس. ببساطة، لم يكن بإمكانهم تنزيل البرامج على أجهزة الكمبيوتر المحمولة الخاصة بهم".

وذكر مصدر جمهوري أن إعادة بناء قدرة سوريا على الوصول إلى التكنولوجيا سيكون ضروريا لإعادتها إلى نظام سويفت لمعالجة المعاملات المصرفية، لكن العملية قد تستغرق شهورا، إن لم يكن سنوات.