وزير الخارجية العراقي يتوسط نظيريه السوري والإيراني في ختام لقاء بالعاصمة بغداد
مخاوف من تأثير الصراع في سوريا على الأراضي العراقية

مع تقدّم فصائل المعارضة السورية المسلحة إلى مدن رئيسية خلال الأيام الماضية وفي مناطق تنسحب منها القوات السورية الحكومية، تتسارع بالموازة تحركات دبلوماسية إقليمية مكثفة لبحث التطورات المفاجئة على الأرض.

واحتضنت العاصمة العراقية بغداد اجتماعا ثلاثيا بين العراق وإيران سوريا، كان فرصة لطهران لإعلان دعها للنظام السوري وتزويده بكل ما يحتاجه.

واعتبر وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، الجمعة،بعد اجتماع مع نظيريه العراقي والسوري أن هجوم الفصائل السورية المعارضة التي تعتبرها طهران "إرهابية"، يشكّل "تهديدا" للشرق الأوسط، وذلك فيما تستمر الفصائل في التقدّم في مناطق تنسحب منها القوات السورية الحكومية.

وقال عراقجي من بغداد "إن التهديد الإرهابي لن يكون محدودا بسوريا ويشكّل تهديدا لكلّ الدول المجاورة والمنطقة بكاملها".

وأكّد عراقجي أن بلاده ستستمر في "دعم" سوريا "بكلّ ما تحتاجه"، وذلك فيما تستمر فصائل معارضة في التقدّم في مناطق تنسحب منها القوات السورية الحكومية.

وقال عراقجي  "لطالما دعمت الجمهورية الإسلامية الإيرانية سوريا وستستمر في ذلك بكل ما لديها من قوة وبكل ما تحتاجه وتطلبه الحكومة السورية"، مضيفا "الإرهاب لا يعرف حدودا ولا يجب أن نتقيّد بالحدود بل يجب أن نحارب الإرهابيين في منبعهم وإلّا سينتشرون في مناطق محيطة".

من جانبه، اعتبر وزير الخارجية السوري بسام الصباغ أن "التدخل الإقليمي والدولي" في بلاده يهدف إلى "تقسيم جديد للمنطقة"، في وقت تستمر فصائل معارضة في التقدّم في مناطق تنسحب منها القوات السورية الحكومية.

وقال الصباغ بعد اجتماع مع نظيريه العراقي والإيراني "عرضت بوضوح أوجه التدخل الإقليمي والدولي في كل مجريات ما يحصل الآن في سوريا وسبق أن حصل في سوريا، وشددت على أن هذه التدخلات باتت مكشوفة ومفضوحة وتهدف إلى تحقيق أطماع تاريخية وتقسيم جديد للمنطقة وإعادة رسم خارطتها السياسية".

وعبر العراق عن مخاوف من تأثير الصراع في سوريا على الأراضي العراقية. وأكد وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين ضرورة "حماية" الأراضي العراقية وإبعاد بلده "عن أي هجمات إرهابية" 

وقال حسين بعد اجتماع مع نظيريه الإيراني والسوري "نؤكد على حماية الأراضي العراقية والحدود العراقية وإبعاد العراق عن أي هجمات إرهابية"، مشددا على أن "جميع القوات الأمنية العراقية على أهبة الاستعداد" من أجل "حماية الحدود والشعب العراقي".

وأكّد أن بلاده "تدين جميع المنظمات الإرهابية أينما كانت" وأن "أمن سوريا وأمن العراق مرتبطان وأمن الدولتين مرتبط بالدول المحيطة".

كما أعلن حسين  أن بغداد ستبادر لمحاولة "عقد اجتماع لعدد من الدول لمناقشة الموضوع السوري"، فيما تستمر فصائل معارضة في التقدّم في مناطق تنسحب منها القوات السورية الحكومية.

وقال حسين في مقر وزارته في بغداد بعد اجتماع مع نظيريه الإيراني والسوري إن "قسما من الدول" التي قد تشارك في اجتماع بغداد "هي دول أعضاء في اجتماع آستانا"، مشيرا إلى أن بغداد تواصلت "مع العديد من الزملاء ووزراء خارجية تركيا والإمارات والسعودية ومصر والأردن ودول أوروبية وسوف نستمر بهذه الاتصالات".

لقاء في الدوحة

كما من المنتظر أن يحضر الملف السوري في منتدى الدوحة بقطر، إذ كان وزير الخارجية الإيراني كشف، الإثنين، أن أن مندوبين من روسيا وإيران وتركيا سيجتمعون على هامش المنتدى لمحاولة "إعادة تفعيل مسار أستانا". ورعت الدول الثلاث من خلال هذا المسار، وقفا لإطلاق النار في منطقة إدلب في شمال غرب سوريا في العام 2020.

وظلّ الصراع في سوريا خامدا إلى حدّ كبير بموجب اتفاق وقف إطلاق النار حتى بدء الهجوم الأسبوع الماضي.

وتتقدّم هيئة تحرير الشام، المصنفة بلوائح الإرهاب الأميركية، والفصائل المتحالفة معها، الجمعة، نحو حمص، ثالث أكبر المدن السورية، فيما خسرت القوات الحكومية مناطق سيطرتها في محافظة دير الزور في شرق البلاد لحساب القوات الكردية.

وأعلن زعيم هيئة تحرير الشام أبو محمد الجولاني أن هدف المعارضة "إسقاط النظام" السوري.

مشهد عام من العاصمة السورية دمشق - رويترز
مشهد عام من العاصمة السورية دمشق - رويترز

أثارت الدعوة التي أطلقها الحقوقي وأحد أبرز المعارضين لنظام بشار الأسد السابق في سوريا، هيثم مناع، لعقد اجتماع يتناول الأوضاع في البلاد الكثير من الجدل، خاصة بشأن تشكيل "جسم سياسي" مناوئ للسلطات الجديدة بدمشق، والتي يقودها رئيس البلاد في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع.

في حديثه إلى موقع "الحرة"، أكد مناع أن ثمة لغطًا كبيرًا أُثير بشأن سعيه لتشكيل جسم سياسي معارض للسلطات الجديدة في دمشق، رافضًا في الوقت نفسه إطلاق مصطلح "الأقليات" على جميع مكونات الشعب السوري.

واعتبر مناع أن ما تم تداوله حول توجه شخصيات سورية لعقد اجتماع موسع بتاريخ 15 فبراير الحالي بهدف الإعلان عن تأسيس جسم سياسي معارض للسلطة الجديدة في سوريا، برئاسة أحمد الشرع، جاء في إطار سعي بعض الإعلاميين لوضع عناوين مثيرة.

وأحال مناع موقع "الحرة" إلى رسالة نشرها على حسابه الرسمي في "فيسبوك" لتوضيح موقفه من تلك التقارير، وجاء فيها أن تسميته "منسق اللجنة التحضيرية" لاجتماع "القوى والشخصيات المدنية والسياسية" المزمع عقده في جنيف والداخل السوري في 14 و15 شباط (فبراير) تعني "تنظيم وترتيب أمور نجاح هذا الاجتماع الذي جرى الاتفاق على انعقاده قبل قرابة شهر بين العديد من المنظمات الحقوقية والسياسية".

وأوضح أنه جرى اختياره لهذا الدور لأنه يقيم في مدينة جنيف، مما يساعد في "توفير التسهيلات اللوجستية للاجتماع".

وأشار إلى أنه تم الاتفاق منذ اليوم الأول على تسميته "اجتماعًا" وليس "مؤتمرًا"، حتى لا يحدث أي سوء تفسير أو فهم، خاصة وأن اجتماعات تشاورية بدأت تُعقد داخل سوريا في الوقت نفسه للإعداد لمؤتمر وطني سوري في دمشق.

وأضاف: "في المقابل، هناك اجتماعات متفرقة أعطت مجموعات شبابية جديدة، كان لها دور كبير في النضال ضد النظام البائد، فرصة للتجمع. فجاء هذا الاجتماع ليجمع كل هذه الأصوات، لمناقشة واقع ومستقبل البلاد والخروج بتصور مشترك قد يشكل إضافة مهمة في ظل الوضع الحرج والقلق الذي تمر به سوريا".

وشدد على أن تحديد تاريخ الاجتماع "ليس له علاقة من قريب أو بعيد بمؤتمر النصر أو بتنصيب أحمد الشرع رئيسًا مؤقتًا للبلاد"، مؤكدًا أن وجهات نظر المشاركين لن تكون موحدة.

"خطوة جيدة".. ولكن

وفي رؤيته للدعوة التي أطلقها مناع وآخرون، قال المحلل والكاتب السوري، حافظ قرطوط، لموقع "الحرة": "أهم ما يميزها هو بدء عودة الحياة السياسية للسوريين لمناقشة مستقبل البلاد،  والتي كان النظام البائد قد منعها بشكل تام".

واعتبر أن "الدعوة تشير إلى أن الشارع السوري قد باشر بمراقبة كيف يمكن أن تسير الأمور في البلد، وأنه يريد أن يشارك في التخطيط للمستقبل، خاصة وأننا حاليا نوجد في دولة منهارة ولا يوجد فيها مؤسسات".

واستدرك قائلا: "العناوين التي سوف نسمعها قد تكون براقة، ولكن السؤال هل سوف يكون لها أي تأثير على أرض الواقع"، مضيفا: "خلال عهد الثورة السورية انعقدت الكثير من الاجتماعات والمؤتمرات وصرفت عليها أموال طائلة دون أن تفضي إلى أي نتائج مقبولة".

وتابع قرطوط: "إذا كان المقصود من الاجتماع إبراز وتلميع بعض الشخصيات وليس الوصول إلى حلول ناجعة، فلن يكون له أي جدوى أو تأثير".

وأضاف "من حق السوريين في الاجتماع المرتقب أن يقلقوا من الاتجاه الذي قدمته السلطة الحالية في دمشق، من خلال الاعتماد على حكومة من لون واحد، بالإضافة إلى عدم تشكيل لجان شعبية للتصالح، والاعتماد فقط على خطابات وشعارات".

ورأى قرطوط أن على "السلطة القائمة أن تفرق بين فرحة الشعب بسقوط الأسد وليس باستلامهم السلطة، وأتمنى أن لا يكون المؤتمر تشتيتا لطاقات السوريين".

"قيمة مضافة"

من جهتها، رأت الإعلامية الكردية السورية، أفين يوسف في حديثها إلى موقع "الحرة" أن "مشاركة الكرد في الاجتماع، إلى جانب مجلس سوريا الديمقراطية، مسألة في غاية الأهمية، إذ يمثلون جزءًا كبيرًا من المجتمع السوري، الذي تعرض للتهميش خلال سنوات حكم النظام السابق".

واعتبرت أن تلك المشاركة "ستشكل قيمة مضافة لنجاح الاجتماع، وستسهم في تلبية تطلعات السوريين، مضيفة أنه "تم إقصاء الكرد في سوريا، وارتُكبت بحقهم انتهاكات جسيمة من قبل النظام، وآن الأوان للاعتراف بحقوقهم القومية ودستورياً بوجودهم على أرضهم التاريخية".

وشددت على أن الاعتراف بحقوق الأكرد سوف يمكنهم "من العيش بسلام مع شركائهم من المكونات الأخرى ضمن سوريا موحدة، ديمقراطية، وتعددية، دون تمييز".

وأما الكاتب والإعلامي السوري، عقيل حسين، فرأى في حديثه إلى موقع "الحرة": "أن مناع يريد أن يسجل موقفا مبكرا ضد السياسات التي يعتبرها أنها غير واضحة من ناحية هوية النظام السياسي في الدولة، وضد التوجهات الواضحة للقيادة الحالية في دمشق من حيث أنها مخالفة أو متباينة مع توجهاته السياسية".

وتابع: "نحن الآن لدينا حكومة في دمشق ذات توجه إسلامي معروف لا تخفيه، بينما توجهات مناع ومن معه علمانية ليبرالية جلية، وبالتالي ليس مفاجئا بالنسبة للعديد من المراقبين أن يبادر الأخير للإعلان عن ذلك الإطار السياسي الذي جرى التوافق عليه مع عدد من السياسيين وحتى المقربين من قوات سوريا الديمقراطية، وهنا النقطة التي يجب التوقف عندها".

وأضاف: "اللافت باعتماده (مناع) على عدد غير قليل من المنخرطين في تجربة مجلس سوريا الديمقراطي (مسد) وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) يشير إلى عدم الاعتراف بالحكومة الانتقالية الحالية والمطالبة بتشكيل حكومة تكنوقراط، ولكن ذلك أمر غير ممكن في ظل انتصار وسيطرة قوى عسكرية معينة بقيادة هيئة تحرير الشام، والتي لن تتنازل عن هذا المكتسب الكبير, وعليه اعتقد أن طرح مبادرات ومشاريع (مثالية) في الوقت الحالي هو أمر غير عملي".

ووصل حسين إلى أن "وجود عدد كبير من المشاركين المؤيدين لمجلس سوريا الديمقراطية سوف يقلل من شعبية المبادرة التي أطلقها مناع".

من جهته، رأى المحلل والخبير بشؤون الشرق الأوسط، محمد الطرن، في منشور  على "أكس" أنه لا ينبغي للسوريين أن يقلقوا من الدعوة التي وجهها هيثم مناع لعقد اجتماع أو مؤتمر.

وأوضح: "لا يهم ما يقوم هيثم مناع بالتحضير له. المهم ألا يقلق الناس من أي حركة تحصل. ينبغي التخلص من عقدة الخوف والقلق واستبدالها بروح الثقة والاندفاع (بحذر طبعاً)".

"كلنا سوريون"

من جانب آخر، انتقد مناع بعض الممارسات التي بدأت تستهدف الحريات الشخصية والاجتماعية منذ سقوط النظام، مشيرًا على سبيل المثال إلى معلمة من الطائفة السنية تعرضت للملاحقة والضغط لإجبارها على ارتداء الحجاب.

وأكد مناع أن "السوري يرفض منطق الطائفية والأقليات، فلم نكن نسمع في السابق أن هذا علوي وذاك سني، أو أن الآخر إسماعيلي أو درزي".

وشدد على أن "المجتمع السوري متسامح بطبيعته، بل أكاد أجزم أنني لم أشاهد نسبة زواج مختلط كبيرة في أي دولة بالعالم مثل سوريا، باستثناء البوسنة. وهذا يدل على وجود انفتاح واحترام كبيرين بين مختلف أفراد الشعب".