الفصائل المسلحة تشن هجمات على مناطق واسعة في سوريا (رويترز)
الفصائل المسلحة تشن هجمات على مناطق واسعة في سوريا (رويترز)

حمص السورية التي دخلت الفصائل المسلحة إلى تخومها من الجهة الشمالية، صباح الجمعة، لا تعتبر مجرد مدينة تحيط بها قرى وبلدات فحسب، بل هي مركز "ثقل استراتيجي وعسكري واجتماعي" للنظام السوري.

وإثر الاحتجاجات الشعبية العارمة في 2011، أحكم النظام السوري سيطرته على مركز هذه المدينة بشكل كامل عام 2014. وبعد 4 سنوات من هذا التاريخ، فرض نفوذه كاملا على المناطق الواقعة في ريفها الشمالي (عام 2018)، بينها تلبيسة والرستن، وهي التي تدخلها الفصائل الآن.

تقع حمص وسط سوريا، وتعتبر حلقة وصل بين شمالي وجنوبي البلاد، وبين الشرق (البادية السورية) والساحل الغربي. ومن شأن السيطرة عليها من قبل الفصائل المسلحة، أن تقطع كامل الطرق التي يستخدمها النظام السوري باتجاه مدن الساحل، طرطوس واللاذقية.

ويوضح الباحث السوري في مركز "عمران للدراسات الاستراتيجية"، محسن المصطفى، أن المدينة تكتسب "أهمية عسكرية وسياسية واجتماعية في آن واحد".

عسكريا، يوجد في حمص مجمع الكليات العسكرية، والفرقة 11 والفرقة 18 المتخصصة بالدبابات وقيادة المنطقة الوسطى.

وفي حال تمكن الفصائل المسلحة من الوصول إلى هذه المواقع، سيساعدها ذلك "في السيطرة على كميات أسلحة أكبر"، وفق المصطفى.

وعلاوة على ذلك، يقول لموقع "الحرة"، إن حمص "تضم حاضنة كبيرة للنظام السوري من الطائفة العلوية، وفي حال تلقى أفرادها رسائل التطمين التي توجهها الفصائل المسلحة بإيجابية، وبقوا في أحيائهم دون مواجهات، فستنقلب المعادلة التي لعب عليه النظام لسنوات طويلة".

وكانت حمص أولى المدن التي خرجت باحتجاجات مناهضة للنظام السوري عام 2011، وحتى أن المعارضين للأخير أطلقوا عليها اسم "عاصمة الثورة".

كما كانت أولى المناطق التي طُبقت فيها اتفاقيات لخروج المسلحين ومدنيين باتجاه الشمال السوري، عام 2014. وجاءت هذه الاتفاقيات بعد مواجهات مسلحة وحصار فرضه النظام السوري على أحياء حمص القديمة، دام لأكثر من عامين.

وعلى هذا الأساس المذكور، يرى المصطفى أن "عودة المسلحين والمدنيين إليها الآن، بعد 10 سنوات، سيشكل ضربة للسياسة التي اتبعها النظام السوري".

هل يصمد النظام؟

وتشي المعطيات الحاصلة على الأرض في الوقت الحالي، بعد سيطرة الفصائل المسلحة من مدينة حماة شمال حمص، أنها بصدد السيطرة على الأخيرة بشكل كامل، وهو ما أعلنته في عدة بيانات، صدر آخرها الجمعة.

في المقابل، قالت وزارة الدفاع التابعة للنظام السوري بعد دخول الفصائل المسلحة إلى ريف حمص الشمالي، إنها بدأت تنفيذ ضربات جوية ومدفعية على مواقع انتشارهم وتقدمهم.

ويعتبر الخبير العسكري، ناجي ملاعب، أن انسحاب قوات النظام السوري من حماة "كان مفاجئا ومذلا"، وكذلك الأمر بالنسبة للضربات التي نفذها على جسر مدينة الرستن ليلة الجمعة، من أجل قطع الطريق أمام مسلحي الفصائل للتقدم باتجاه حمص.

ويعتقد ملاعب، في حديثه لموقع "الحرة"، أن سيناريو سيطرة الفصائل على حمص "يُسقط النظام السوري".

ويشرح حديثه بالقول إن "الطرق الواصلة من دمشق باتجاه الساحل، ستكون مقطوعة في حال سيطرة الفصائل على حمص".

الفصائل المسلحة في سوريا سيطرت على حلب وحماة وتسعى للتقدم نحو حمص (رويترز)
لمواجهة تقدم الفصائل المسلحة.. النظام السوري يسعى إلى "فصل" حمص عن حماة
تتسارع الإجراءات العسكرية التي يقوم بها جيش النظام السوري، في محاولة لوقف تقدم الفصائل المسلحة وعرقلة وصولها إلى مدينة حمص الاستراتيجية وسط البلاد، وذلك بعد الهزائم المتتالية التي منيت بها قواته، وآخرها انسحابها من حماة، الخميس، ودخول المسلحين إليها.

كما أن السيطرة على المدينة سيكون لها "أثر عسكري كبير على حلفاء النظام، خاصة حزب الله وإيران وروسيا"، وفقا لحديث الخبير لموقع "الحرة".

ويضيف: "سقوط حمص يعني سقوط النظام. فإذا بقي النظام في دمشق وتقطعت أوصاله من كل الأماكن. إلى أين سيذهب؟".

وبدوره، يشير الباحث السوري المصطفى، إلى أن سيطرة الفصائل المسلحة على حمص "تعني قطع خطوط الإمداد الخاصة بالنظام جنوبا باتجاه مدن الساحل السوري".

وتقطع السيطرة أيضا كامل الطرق الفرعية التي تربط الساحل بمنطقة البادية السورية، وفق المصطفى.

"ضربة لإعادة الانتشار"

ومنذ اليوم الأول لهجمات الفصائل انطلاقا من حلب، اعتمدت وزارة دفاع النظام السوري لغة واحدة لبياناتها، وصفت فيها عمليات الانسحاب بـ"إعادة التموضع والانتشار".

وتم تطبيق "إعادة التموضع والانتشار" من جانبها في حلب ومناطق أخرى في إدلب، وصولا إلى حماة، التي سيطرت عليها الفصائل، الخميس.

ويوضح الباحث السوري في مركز "حرمون للدراسات المعاصرة"، نوار شعبان، أن أهمية حمص بالنسبة للنظام السوري تكمن في كونها "نقطة التجمع الوحيدة في وسط سوريا"، على صعيد الكتل العسكرية والوحدات وشبكة الطرق.

وفي حال خسرها سينعكس ذلك على المشهد العسكري ككل في عموم المناطق السورية، خاصة في محيط دمشق.

ويتابع شعبان في حديثه لموقع "الحرة": "النظام يتموضع في الكتل العسكرية لإعادة الانتشار، في وقت يستخدم الطرق ليتحرك من خلالها".

ويتابع: "حمص تجمع هذين الجانبين، وفي حال فقدانها لن يكون هناك أي قدرة للنظام على التحرك وحتى على صعيد إعادة الانتشار، في مقابل انتقال هذه الميزات لخصومه من الفصائل المسلحة".

مجد جدعان وفي يمين الصورة بشار الأسد وشقيقه ماهر
مجد جدعان وفي يمين الصورة بشار الأسد وشقيقه ماهر

بـ"العراضة الشامية" في أحد مقاهي دمشق، استُقبلت مجد جدعان، شقيقة زوجة ماهر الأسد، الذي لاذ بالفرار إلى روسيا عند سقوط النظام.

عادت مجد إلى سوريا بعد غياب 17 عاماً، تخبر عنها وسائل الإعلام التي التقتها وهي تتوشح العلم الأخضر.

وقالت لوسائل إعلام سورية إنها طالما كانت معارضة لبشار الأسد، وذاقت كالآخرين نصيبها من ظُلمه.

لاقى حضورها تعاطفاً من الكثير، لكنّ آخرين لم يروا فيها سوى وجهاً من وجوه السلطة البائدة.

من هي مجد جدعان؟

عاشت مجد (75 عاماً) السنوات الـ17 الماضية بين الولايات المتحدة والأردن، قبل أن تزور موطنها بعد سقوط النظام، كما فعل معارضون آخرون منذ شهر.

وهي ابنة توفيق جدعان الذي كان معارضاً لسلطة حافظ الأسد في ثمانينيات القرن الماضي، وشقيقة منال، التي تزوجت من ماهر الأسد سنة 2003.

وبين حين وآخر كانت مجد تظهر في وسائل إعلام دولية بنقد حاد وكشف عن تفاصيل في حياة عائلة الأسد.

واشتهرت بعبارة تصف فيها بشار الأسد بأنه الوجه اللائق المتحضر للنظام بينما يمثل ماهر الوجه الأمني والقمعي.

كما شبهت ماهر بوالده حافظ، قائلة "يعرف كيف يدمر، كيف يقتل ثم يكذب ليدعي البراءة".

هربت في 2008 من سوريا إلى الولايات المتحدة، ونشب خلاف عائلي بينها وأختها بعد اندلاع الثورة الشعبية 2011، لينقطع كل اتصال بينهما. ومنذ 2013 تعيش في الأردن. 

وفي ديسمبر 2024، قبل الإعلان بأيام عن سقوط نظام الأسد، خرجت في فيديو تبارك فيه سيطرة المعارضة على مدن كانت تحت سيطرة النظام.

هنأت سوريا "الفرح بيلبقلك" مضيفة "وقت أعلنت الثورة كان انتصارها بين عيوني.. لكن خيالي كان أصغر من طبيعة نظام دموي وحشي".

كما عددت جرائم النظام إلى جانب حليفيه روسيا وإيران، معربة عن أملها وإيمانها بالوحدة لبناء سوريا.

ما بعد العودة

 

"قاعدة بقطعة من الجنة على الأرض.. دمشق" قالت مجد في مقابلة مع تلفزيون "سوريا" بعد الاستقبال الحافل. 

وقالت إن انتصار الثورة السورية كان متوقعاً لكن انتظاره طال أكثر من اللازم. "تعبنا" أضافت مجد.

وفي لقاء آخر تسرد سبب هربها من سوريا. فقد كانت تحلم ببناء سوريا، وذلك عن طريق التعليم.

حصلت على ترخيص لبناء مدرسة، قررت أن تدرس فيها مناهج أميركية، لتكتشف آنذاك أن ذلك يعني بالنسبة لنظام الأسد "تدخلاً بالسياسة".

وكان الرد على خطوتها كما قالت "صودرت أموالي، ودخلت الفرقة الرابعة على المدرسة في شهر يونيو 2008، فاضطررت للهجرة من البلد وترك كل شيء".

واستنكرت علاقتها بقائد الفرقة ماهر الأسد بالقول "أنا بريئة منه.. أعلنت براءتي من كل العائلة".

مقابلات ومشاهد الاستقبال لاقت تفاعلاً إيجابياً في الأوساط السورية لم يخلُ من الانتقادات.

طالت مجد اتهامات بالتواطؤ مع النظام السابق والاستفادة منه، كما دعا آخرون لمحاكمتها من قبل الإدارة الجديدة.