بشار الأسد
بشار الأسد

التقدم الكبير الذي حققته الفصائل المسلحة في حماة وصولا إلى حمص السورية يضع الشكل العام للنظام السوري على المحك، ومما يزيد من هذه الحالة الصعبة أيضا بالنسبة لرئيسه بشار الأسد هو "الأنباء السيئة" التي ترددت على لسان مسؤولين خلال الساعات الماضية، وعكستها قرارات اتخذتها عدة دول، بينها موسكو.

وتسعى الفصائل المسلحة الآن إلى التوغل داخل مدينة حمص وسط البلاد، من أجل السيطرة عليها والانتقال إلى العاصمة دمشق، كما فعلت قبل يومين في حماة وسابقا في مدينة حلب ثاني أكبر المدن السورية من حيث كثافة السكان.

وفي المقابل كانت فصائل مسلحة أخرى شنت من جنوب سوريا سلسلة هجمات، يوم الجمعة، مما دفع النظام السوري للانسحاب كليا من محافظتي درعا والسويداء، وأكد الأخير ذلك في بيان رسمي نشرته وزارة دفاعه، صباح السبت.

وهذه المرة الوحيدة والاستثنائية بعد إحكام "حزب البعث" قضبته على السلطة في سوريا التي يصل فيها النظام السوري إلى هذه المرحلة. ورغم أنه عاش ظروفا مشابهة بعد عام 2011 لم تكن الصورة العسكرية والسياسية سابقا كما الحالة التي عليها اليوم.

وعلى وقع تقدم الفصائل المسلحة من عدة اتجاهات جنوبا وشمالا اتخذت دول الجوار مع سوريا، بينها الأردن ولبنان قرارات بإغلاق المعابر الحدودية، وفي غضون ذلك دعت موسكو حليفة الأسد الأبرز رعاياها في المحافظات السورية إلى مغادرة البلاد.

وبالتوازي مع ذلك صدرت عدة تصريحات من روسيا وإيران حليفة الأسد الثانية، ولم تشير في غالبيتها إلى أي استعداد على صعيد إنقاذ رئيس النظام السوري وانتشاله من دائرة الخطر التي باتت تضيق عليه بالتدريج في دمشق.

ماذا ينتظر الأسد؟

ويشي الواقع الحالي أن النظام السوري يواجه مشكلة عميقة، وبعدما كانت خسارة حلب وحماة كارثية بالنسبة له، بدأت الآن مناطق أخرى في الخروج عن سيطرته، بحسب ما يقول الخبير في الشؤون السورية بمؤسسة القرن الدولية، آرون لوند.

ويوضح لوند لموقع "الحرة" بالقول: "إذا تمكن النظام من شن معركة من أجل حمص، فربما يكون بوسعه أن يعمل على استقرار وضعه.. ولكن يبدو أن الأمور تسير في الاتجاه الخطأ بالنسبة للأسد".

ومن شأن خسارة حمص أن تقسم النظام السوري إلى قسمين، وحتى إذا واصل المؤيدون المتشددون القتال فإنهم لا يستطيعون أن يزعموا بشكل موثوق أنهم يشكلون حكومة فعّالة.

ويشير الخبير إلى أن التقارير الأخيرة التي نشرتها صحيفة نيويورك تايمز والتي تفيد بأن المستشارين الإيرانيين يغادرون سوريا "تشكل في الواقع نبأ سيئا للغاية بالنسبة للنظام وأنصاره".

ويعتقد أنه "من غير المرجح أن يتمكن النظام من تحويل الأمور في غياب الدعم الثقيل والفوري من إيران وروسيا".

هل من توقعات للمستقبل؟

ونقلت صحيفة "نيويورك تايمز" عن مسؤولين لم تكشف هوياتهم أن إيران بدأت في سحب عناصرها وقادتها العسكريين من سوريا، الجمعة، على قع التقدم الذي أحرزته الفصائل المسلحة في المدن الرئيسية.

وأشارت الصحيفة إلى أن هذا الإجراء يكشف عجز طهران مساعدة بشار الأسد، بينما يواجه هجوما من الفصائل المسلحة المعارضة.

وقال مسؤولون إيرانيون وإقليميون إن من بين القادة الذين تم نقلهم إلى العراق ولبنان، قادة كبار من فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، إضافة إلى نقل بعض الموظفين الدبلوماسيين الإيرانيين وعائلاتهم المدنيين أيضا، وحتى عاملين في قواعد الحرس الثوري في سوريا.

وتجري عمليات الإجلاء عبر طائرات تتجه إلى طهران، ويغادر آخرون عبر طريق برية إلى لبنان والعراق وميناء اللاذقية السوري.

وقبل هذا التقرير نقلت صحيفة "وول ستريت جورنال" عن مصادر لم تسمها أن "مسؤولين مصريين وأردنيين دعوا الأسد إلى مغادرة البلاد، وتشكيل حكومة في المنفى"، وهو ما نفته السفارة الأردنية في واشنطن بشدة، في بيان شديد اللهجة هاجمت فيه الصحيفة التي دعتها إلى "تصحيح الخطأ".

كما ذكرت "وول ستريت" أن الدول العربية، بما في ذلك الإمارات العربية المتحدة وقطر، باتت تشعر بقلق متزايد إزاء الانهيار السريع لنظام الأسد، وما قد يترتب على ذلك من زعزعة الاستقرار الإقليمي.

ويوضح الباحث السوري في مركز "عمران للدراسات الاستراتيجية"، أيمن الدسوقي أن المعارك الأخيرة أظهرت قدرة النظام السوري على حقيقتها دون حلفائه.

الفصائل المسلحة في سوريا سيطرت على حلب وحماة وتسعى للتقدم نحو حمص (رويترز)
معارك على جبهات عدة.. المعارضة السورية تحقق اختراقات متتالية
أعلنت إدارة العمليات العسكرية لعملية "ردع العدوان" التي تقودها هيئة تحرير الشام والفصائل المتحالفة معها صباح السبت، عن وصولها إلى مشارف مدينة حمص بعد أن سيطرت خلال الساعات الماضية على قرى تير معلة والدار الكبيرة ودير فول والزعفرانة في محيط المدينة.

كما أحدثت الهزائم تشققات داخله تتنامى تدريجيا، مما خلق حالة عدم يقين بخصوص مستقبل النظام السوري، بحسب حديث الباحث لموقع "الحرة".

ويرى أن مصير النظام السوري "متروك لحقائق الميدان ومفاوضات الغرف المغلقة وتعاطي النظام معهما".

وما يزال النظام يراهن على تمسكه بدمشق العاصمة، وهنالك أحاديث بأنه في حال هزيمته في دمشق فإن هنالك خيارات منها الذهاب للساحل والتمترس هنالك، وحتى في حال هزيمته فإن حالته الميليشاوية لن تنتهي قريبا، بحسب ما يضيف الدسوقي.

ويعتقد أن هنالك محاولات يمكن تلمسها بتصريحات مسوؤلي دول إقليمية ودولية، بأن جزء من النظام ضروري للحفاظ على هيكلية مؤسسات الدولية وتجنب سيناريو الانهيار الكلي.

كما أن بقاء جزء من النظام "ضروري لفصل الأسد عن نظامه وعزل الأسد وإفقاده الدعم من نظامه، وزيادة التناقضات لدفعه للقبول بتسوية ما، وإيجاد مخرج له يحول دون أخذ قرار المواجهة للنهاية وما يعنيه ذلك من دمار مؤسساتي ومجتمعي ومادي".

ويتابع الباحث أن "بقاء جزء من النظام قد يكون واقعيا عقب تجربة إسقاط نطام صدام حسين، وما تبعه من فوضى في العراق ما يزال يعاني من تبعاتها لليوم".

حاكمة مصرف سوريا المركزي ميساء صابرين - رويترز
حاكمة مصرف سوريا المركزي ميساء صابرين - رويترز

قالت حاكمة مصرف سوريا، ميساء صابرين، إن هناك ما يكفي من أموال لتغطية دفع رواتب موظفي القطاع العام، في أعقاب الزيادة التي تعهدت بها الإدارة الجديدة، التي تصل إلى 400 بالمئة.

كما ذكرت صابرين، في مقابلة مع وكالة رويترز، أنها ترغب في تعزيز استقلالية المصرف (البنك المركزي) فيما يتعلق بسياساته النقدية، في تحوّل كبير، حال حدوثه، عن الرقابة المشددة من الحكومة خلال حكم نظام الأسد.

ومن المقرر أن تساعد قطر في تمويل زيادة أجور القطاع العام في سوريا، في خطوة باتت ممكنة بعد القرار الأميركي بشأن الإعفاء من العقوبات، الذي يسمح بمعاملات مالية مع المؤسسات الحاكمة في سوريا.

وحول هذا الأمر، قالت صابرين: "القطاع المصرفي لا يستفيد من الإعفاء من العقوبات الأميركية، لكن السماح بالتحويلات الشخصية كان خطوة إيجابية"، وأعربت عن أملها في رفع العقوبات بالكامل "حتى يتمكن القطاع المصرفي من الارتباط بالنظام المالي العالمي".

وكانت صابرين تشغل ثاني أهم منصب في مصرف سوريا المركزي، وهو القائم بأعمال الحاكم، خلفا لمحمد عصام هزيمة في أواخر العام الماضي.

وواصلت حديثها لرويترز، قائلة: "المصرف يعمل على إعداد مشاريع تعديل قانون المصرف بما يعزز استقلاليته، ويشمل ذلك السماح له بمزيد من الحرية في اتخاذ القرارات بشأن السياسة النقدية".

وتحتاج هذه التغييرات إلى موافقة السلطة الحاكمة الجديدة في سوريا.

وتابعت: "البنك المركزي يبحث عن سبل لتوسيع الخدمات المصرفية الإسلامية، نظرا لوجود شريحة من السوريين يتجنبون استخدام الخدمات المصرفية التقليدية".

وأضافت لرويترز من مكتبها في وسط دمشق: "قد يشمل ذلك منح البنوك التي تقدم خدمات تقليدية، خيار فتح فروع مصرفية إسلامية".

ويعاني الاقتصاد السوري من مشاكل هيكلية بعد أكثر من 13 سنة على الحرب التي دفعت بأكثر من 90 في المئة من سكان البلاد إلى تحت خط الفقر، وفق تقديرات الأمم المتحدة.

وأشار تقرير للبنك الدولي بعنوان "مراقبة الاقتصاد السوري: الجيل الضائع" صدر في يونيو 2022، إلى أن النزاع في سوريا دمّر مكاسب التنمية، حيث انخفض النشاط الاقتصادي بنسبة 50 بالمئة بين 2010 و2019.