أحمد الشرع أو أبو محمد الجولاني زعيم هيئة تحرير الشام بعد سقوط الأسد
أحمد الشرع أو أبو محمد الجولاني زعيم هيئة تحرير الشام بعد سقوط الأسد

باتت هيئة تحرير الشام، وزعيمها، أبو محمد الجولاني، في صدارة المشهد السوري، بعد أن قادت المعارضة التي أطاحت حكم الرئيس السوري، بشار الأسد، وفي ظل هذا الوضع، طرحت تساؤلات عن كيفية تعامل الولايات المتحدة مع الحركة، التي تصنفها واشنطن "إرهابية"، وكذلك زعيمها الذي وضعته من قبل على لائحة الإرهاب.

ولم يستبعد مسؤول أميركي، تحدث مع صحيفة واشنطن بوست أن تقدم واشنطن على إزالة هذا التصنيف. وقال المسؤول الذي لم تكشف الصحيفة عن هويته ردا على سؤال ما إذا كانت الإدارة الأميركية ستزيل التصنيف: "يتعين علينا أن نكون أذكياء.. وأن نكون أيضا واعين جدا وعمليين بشأن الحقائق على الأرض".

وأكد المصدر ذاته أن هناك حالة كبيرة من عدم الثقة في أن "المتمردين سيحكمون بطريقة إنسانية أو منتجة" بعد رحيل الأسد، ومع ذلك، فإن المسؤولين الأميركيين "على اتصال بجميع الجماعات المشاركة في القتال في سوريا، بما في ذلك الجماعة الرئيسية التي أطاحت الأسد، وهي "هيئة تحرير الشام"، التي لاتزال مدرجة على قائمة الإرهاب الأميركية".

والأمر ذاته ينطبق على أبو محمد الجولاني، زعيم الحركة التي كانت يوما ما فرعا لتنظيم "القاعدة" في سوريا، والآن بات يتصدر المشهد بعدما دخل وقواته، الأحد، العاصمة دمشق، بالتزامن مع هروب الأسد.

وكان الجولاني توجه إلى العراق بعد سقوط نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين، في 2003، حيث انضم إلى تنظيم القاعدة بقيادة مصعب الزرقاوي، قبل أن يُسجن لمدة خمس سنوات.

وبمجرد بدء الحراك الاحتجاجي على الأسد، عام 2011، عاد الجولاني إلى سوريا، بتكليف من زعيم تنظيم "داعش" في العراق آنذاك، أبو عمر البغدادي، لتعزيز وجود "القاعدة".

وفي عام 2013، صنفته الولايات المتحدة "إرهابيا"، وقالت إن تنظيم "القاعدة" في العراق كلفه الإطاحة بحكم الأسد، وفرض الشريعة الإسلامية في سوريا، وإن "جبهة النصرة" (اسم هيئة تحرير الشام السابق) نفذت هجمات انتحارية قتلت مدنيين، وتبنت رؤية طائفية عنيفة.

ومع وصول جبهة المعارضة بقيادة "هيئة تحرير الشام" دمشق وسقوط الأسد، يبدو أن المواقف بدأت تتغير في العواصم الغربية.

وقال الرئيس الأميركي، جو بايدن، في تصريحات، الأحد، "سنبقى يقظين"، في إشارة إلى أن "بعض جماعات التمرد لديها سجل في الإرهاب". وأضاف: "نتابع تصريحات القادة السوريين الجدد، وهي تبدو جيدة حتى الساعة ونراقب أفعالهم أيضا".

والاثنين، أكد مسؤولان من فرنسا وألمانيا، أن معاملة "هيئة تحرير الشام للأقليات في سوريا ستحدد موقف باريس وبرلين منها.

وكشف وزير شؤون مجلس الوزراء البريطاني، بات مكفادن، أن بلاده قد تدرس رفع الحظر عن الجماعة. 

وقال في تصريحات لـ"بي بي سي": أعتقد أنه يجب أن يكون قرارا سريعا نسبيا، وبالتالي يجب بحثه بسرعة كبيرة بالنظر إلى سرعة الوضع على الأرض".

لاري كورب، مساعد وزير الدفاع الأميركي الأسبق، كبير الباحثين في مركز التقدم الأميركي، قال لموقع الحرة إن الولايات المتحدة قد تضطر للتعامل مع الجولاني، من أجل تحقيق أهدافها الأمنية.

ووفق مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، ومقره واشنطن، تأسست "هيئة تحرير الشام" من اندماج 5 ميليشيات إسلامية وفصائل معارضة، عام 2017، بعد نحو عام من قطع الجولاني علاقاته مع "القاعدة"، وهو ما رآه البعض "مناورة تجميلية" ومع ذلك، دان تنظيم القاعدة مرات عدة الاندماج، وهو ما عزز فعلا فكرة الانفصال بين "هيئة تحرير الشام" و"القاعدة".

وأصبحت الجماعة تحكم فعليا بحكم الأمر الواقع شمال إدلب، بعد أن تخلصت من معظم منافسيها، وتعزيز الجولاني سلطته بدمج الزعماء الدينيين والسياسيين المحليين.

لكن الولايات المتحدة صنفتها منظمة إرهابية أجنبية، وهو ما أدى إلى تقليص قدرتها على الوصول إلى المساعدات الدولية والتواصل مع المجتمع الدولي، في حين تعرضت لضربات عسكرية أميركية.

واستفادت "هيئة تحرير الشام" من وقف إطلاق النار، في مارس 2020، حيث كانت تعمل على تعزيز سلطتها مع وقف العنف في مناطق سيطرتها.

وقبل سقوط الأسد، كانت الحركة تحكم نحو مليوني شخص، نصفهم من النازحين السوريين داخليا. وعلى مدى السنوات الثلاث الماضية، سعت إلى إقناع المجتمع الدولي بأنها لم تعد تستحق وضعها "منظمة إرهابية"، وحاولت تقديم نفسها باعتبارها قوة معتدلة، لكن وفق المركز أظهرت الجماعة "تسامحا محدودا مع المعارضة السياسية، إذ كانت تتفاعل بسرعة وقسوة مع أي احتجاجات أو شكاوى مدنية"، واتُهمت باعتقال وتعذيب صحفيين ومنافسين سياسيين.

وفي فبراير 2021، اعتبر الجولاني في مقابلة مع "بي. بي. أس فرونتلاين" أن وصف المنظمة بالإرهابية "تصنيف غير عادل... وتسمية سياسية لا تحمل أي مصداقية، لأنه خلال رحلتنا التي استمرت 10 سنوات في هذه الثورة، لم نشكل أي تهديد للمجتمع".

والقانون الأميركي يتيح للحكومة وضع أشخاص، أو منظمات على لائحة الإرهاب، وكذلك يمكن إزالتهم منها.

وفي 16 فبراير 2021، أزالت إدارة بايدن جماعة الحوثي اليمنية من القائمة بهدف تشجيع الحوثيين على خفض الأعمال العدائية والدخول في محادثات سلام.

لكن في يناير 2024 ، أعلن مستشار الأمن القومي الأميركي، جيك سوليفان، إعادة إدراج الجماعة في لائحة المنظم الإرهابية العالمية. بسبب تهديدها حرية الملاحة في المنطقة.

ويتيح الأمر التنفيذي 13224 وضع "الإرهابيين والمنظمات الإرهابية وقادة الجماعات الإرهابية وأولئك الذين يقدمون الدعم للإرهابيين أو أعمال الإرهاب" على لائحة الإرهاب العالمي.

ووقع هذا الأمر التنفيذي الرئيس الأميركي الأسبق، جورج دابليو بوش، بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، بهدف محاربة الإرهاب بموجب سلطات قانون الصلاحيات الاقتصادية الطارئة الدولية، وقانون الطوارئ الوطنية، وقوانين ومواد أخرى، للتعامل مع التهديد غير العادي والاستثنائي للأمن القومي والسياسة الخارجية والاقتصاد في الولايات المتحدة الذي ارتكبه إرهابيون أجانب على غرار من نفذوا هجمات 11 سبتمبر 2001.

ويخول الأمر التنفيذي وزير الخارجية، بالتشاور مع وزير الخزانة والنائب العام، أو وزير الخزانة، بالتشاور مع وزير الخارجية وويزر العدل، تصنيف أفراد وكيانات على لائحة الإرهاب. 

وبمجرد أن يصنف وزير الخارجية أو وزير الخزانة فردا أو كيانا، يتخذ مكتب مراقبة الأصول الأجنبية (OFAC) التابع لوزارة الخزانة الإجراء المناسب لحظر أصول الفرد أو الكيان في الولايات المتحدة، أو في حيازة أو سيطرة أشخاص أميركيين.

ويتيح القانون أيضا إزالة الأشخاص من القوائم، وفق وزارة الخارجية الأميركية. "وفي كل عام، يتم إزالة العديد من الأشخاص من القائمة... ويستند كل قرار إزالة إلى مراجعة شاملة. وتستطيع وزارة الخارجية البت في طلبات الشطب من القائمة للأفراد والكيانات الذين وضعتهم فيها"، وفق وزارة الخارجية.

وينص قانون إصلاح الاستخبارات، ومنع الإرهاب لعام 2004 على أنه يجوز لأي منظمة إرهابية أجنبية تقديم التماس لإلغاء التصنيف بعد عامين من تاريخ تصنيفها، مع تقديم الدليل على أن الظروف التي تشكل أساس التصنيف مختلفة بما يكفي لتبرير الإلغاء.

وبالإضافة إلى ذلك، يجوز لوزير الخارجية في أي وقت إلغاء التصنيف عند التوصل إلى نتيجة مفادها أن الظروف التي تشكل أساس التصنيف قد تغيرت، أو أن الأمن القومي للولايات المتحدة يبرر الإلغاء.

وهناك سوابق لإزالة أشخاص من قائمة الإرهاب، منها ما حدث في 2020 عندما أعلنت وزارة الخزانة شطب اسم "سمية صابر حمشو" من العقوبات التي فرضتها على النظام السوري، بموجب قانون "قيصر"، بعد أكثر من شهر على إدراج اسمها ضمن اللائحة.

ولا يستبعد كورب، الذي تحدث مع موقع الحرة، أن تقدم واشنطن على إزالة "هيئة تحرير الشام" والجولاني من لائحة الإرهاب.

ويقول إن واشنطن تنظر إلى الأمر من منظورين، "الأول أن الجولاني نبذ علاقته بالقاعدة، والأمر الثاني أنك لن تجد أبدا شخصا مثاليا ليحكم سوريا، وما عليك فعله هو أن ترى ما إذا كان ذلك الشخص الذي يتولى السلطة يستطيع السيطرة على سوريا".

وفي حال تمكن من فرض سلطته، "فالسؤال الذي سوف يطرح نفسه هو: كيف سيتعامل مع الفوضى في الشرق الأوسط الآن؟ هل سيتحالف مع تنظيم القاعدة في العراق؟ أم هل سيتحالف مع أي من المجموعات التي تحاول الإطاحة بإسرائيل؟".

ويلفت إلى أنه بالتزامن مع ذلك، أرسلت واشنطن رسالة مفادها أنها لن تتهاون فيما يتعلق بالإرهاب، وهذه الرسالة جاءت عبر الضربات العسكرية المكثفة، الأحد، (طالت 75 هدفا) التي تزامنت مع وصول فصائل المعارضة للسلطة، التي تثبت أن الولايات المتحدة "لن تتسامح مع أي تحركات أي شخص أو جهة للاستفادة من إطاحة الأسد حتى لو كان الشخص في موقع المسؤولية".

وكان بايدن تعهد، الأحد، بأن الولايات المتحدة لن تسمح للتنظيم المتشدد بـ"استغلال الفراغ واستعادة قدراته"، مشيرا إلى أن طائرات أميركية وجهت ضربات بالفعل في سوريا استهدفت التنظيم.

وأعلنت القيادة المركزية الأميركية، في بيان، تنفيذ "عشرات الغارات الجوية الدقيقة التي استهدفت معسكرات وعملاء معروفين لتنظيم "داعش" وسط سوريا، يوم 8 ديسمبر"، وذلك بهدف "منع الجماعة الإرهابية من القيام بعمليات خارجية وضمان عدم سعي "داعش" إلى الاستفادة من الوضع الحالي لإعادة تشكيل نفسه في وسط سوريا".

وشملت العملية الأخيرة أكثر من 75 هدفا، مستخدمة أصول عسكرية متعددة من بينها قاذفات بي-52 وطائرات أف-15.

وقال الجنرال مايكل "إريك" كوريلا، الذي يقود القيادة: "لا ينبغي أن يكون هناك شك - لن نسمح لداعش بإعادة تشكيل نفسه والاستفادة من الوضع الحالي في سوريا". "يجب على جميع المنظمات في سوريا أن تعلم أننا سنحاسبها إذا تعاونت مع داعش أو دعمتها بأي شكل من الأشكال".

وتقول واشنطن بوست إن إدارة بايدن سارعت، الأحد، إلى محاولة المساعدة في استقرار سوريا باستهداف "داعش" بعشرات الغارات الجوية، وأعلنت أنها ستراقب مخزونات الأسلحة الكيماوية السورية.


وتعمل الولايات المتحدة مع عدة دول في الشرق الأوسط لمنع وقوع الأسلحة الكيماوية في أيدي جهات غير مرغوب فيها، حسبما نقله موقع "أكسيوس" عن مسؤول بالإدارة الأميركية.

ويقول كورب في تصريحاته لموقع الحرة إن الولايات المتحدة قد تضطر في مرحلة ما إلى التعامل مع الجولاني.

ويضيف: "أنت تتعامل مع الكثير من الشخصيات البغيضة في هذه المنطقة وفي أجزاء كثيرة من العالم لتحقيق أهدافك. إنه ليس عالما مثاليا  مليئا بالمؤسسات الديمقراطية.. ما عليك فعله إعطاء الأولوية القصوى لحماية أمنك الوطني".

الأسد وجنود بجيشه.. لقطة أرشيفية
الأسد وجنود بجيشه.. لقطة أرشيفية

بحثا عمن وصفتهم بفلول ميليشيات بشار الأسد، أطلقت إدارة الأمن العام في سوريا، عمليات تمشيط في منطقة جبلة بريف اللاذقية، شمال غربي البلاد.

مصدر في إدارة الأمن العام قال إن إدارة الأمن العام، بالتعاون مع إدارة العمليات العسكرية، أطلقتا عمليات تمشيط في منطقة جبلة بحثا عن فلول ميليشيات الأسد، وذلك "بعد عدة حوادث وهجمات استهدفت ثكنات عسكرية ومدنيين بالمنطقة".

وأضاف المصدر:"نهيب بأهلنا المدنيين في منطقة جبلة وما حولها التعاون الكامل مع مقاتلينا حتى انتهاء عمليات التمشيط"، بحسب ما نقلت "سانا".

ومنذ تولي الإدارة السورية الجديدة، سلم مئات الجنود والضباط في الجيش السوري أنفسهم من أجل تسوية أوضاعهم.

ولكن، في الوقت ذاته، لم تعرف الوجهة التي فرّ إليها ضباط ورجال النظام السابق الأمنيين، وحتى آخرين من أصحاب الرتب العسكرية والأمنية الدنيا.

وفي حين تقول الإدارة الجديدة التي تولت الحكم المؤقت في البلاد إنها تلاحق "فلول النظام"، فإنه لم يتم الكشف بعد عن الآلية التي تسير بموجبها، وما إذا كانت هناك أي مسارات قضائية أو تتعلق بالمحاكمة، سيتم اللجوء إليها فيما بعد.

ويرى محللون أن هذا الغموض الذي يحيط بالآلية، والمسار المتعلق بالمحاكمات يمثل سببا يدفع أشخاصا عاديين أو مسلحين، دون قرار مركزي، لتنفيذ حوادث قتل ميدانية، أو كما تعرف أيضا بـ"استيفاء الحق بالذات".