القوة الأممية في الجولان - رويترز
القوة الأممية في الجولان - رويترز

على مدار سنوات، ساد الهدوء المنطقة العازلة في الجولان، إثر اتفاق لفض الاشتباك أُبرم بين سوريا وإسرائيل عام 1974، تراقبه بعثة لحفظ السلام تعرف بـ"يوندوف"، والتي عادت اليوم إلى الواجهة، عقب توغل قوات إسرائيلية داخل الأراضي السورية، وسيطرة فصائل المعارضة على البلاد بعد الإطاحة بنظام الرئيس بشار الأسد.  

وعقب إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، "انهيار" اتفاقية فض الاشتباك مع سوريا، توغلت القوات الإسرائيلية في المنطقة العازلة بالأراضي السورية، بأوامر منه، وسط انتقادات من الأمم المتحدة.

وصرح المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، الإثنين، بأن القوة الأممية المكلفة بمراقبة فض الاشتباك "يوندوف"، أبلغت نظراءها الإسرائيليين بأن هذه "الأفعال تشكل انتهاكا لاتفاق 1974 حول فض الاشتباك".

وشدد على أنه "يجب ألا تكون هناك قوات أو أنشطة عسكرية في منطقة الفصل. وعلى إسرائيل وسوريا الاستمرار في تنفيذ بنود اتفاق 1974 والحفاظ على استقرار الجولان".

تغير الوضع في مرتفعات الجولان بعد سقوط الأسد- أرشيفية من رويترز
"انهيار" اتفاق فض الاشتباك في الجولان.. ماذا يعني تصريح نتانياهو؟
يثير إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، الأحد، انهيار اتفاق "فض الاشتباك" مع سوريا بشأن الجولان تكهنات بشأن الهدف من هذه الخطوة وقانونيتها في ضوء الوضع الراهن في سوريا مع وصول قوى المعارضة دمشق وفرار رئيس النظام، بشار الأسد.

اتفاقية فض الاشتباك

واتفاقية فك الاشتباك أبرمت في 31 مايو 1974 بين سوريا وإسرائيل في جنيف السويسرية، بحضور ممثلين عن الولايات المتحدة والأمم المتحدة والاتحاد السوفييتي السابق.

كان الغرض من الاتفاق هو الفصل بين القوات السورية والإسرائيلية في المنطقة. 

وأنشأ الاتفاق منطقة عازلة، فضلا عن منطقتين متساويتين من القوات والأسلحة المحدودة للطرفين على جانبي المنطقة.

وتتولى المنطقة العازلة بعثة لحفظ السلام مفوضة بمراقبة الاتفاق، الذي جاء بعد أشهر من القتال في حرب شنتها القوات المصرية والسورية على إسرائيل في أكتوبر 1973.

ما هي "يوندوف"؟

تأسست القوة الأممية في 31 مايو 1974 لمراقبة فض الاشتباك، وذلك مع زيادة حدة التوتر وعدم الاستقرار بين سوريا وإسرائيل، ومع كثافة إطلاق النار في مارس 1974.

جاء تأسيس القوة بموجب قرار من مجلس الأمن الدولي. ومنذ ذلك الحين، واصلت القوات عملها في المنطقة لمتابعة وقف إطلاق النار بين القوات الاسرائيلية والسورية، وللإشراف على تنفيذ اتفاقية فض الاشتباك.

وأشار موقع الأمم المتحدة، إلى أنه كان هناك خرق لاتفاقية وقف إطلاق النار خلال الأزمة السورية، مع تصاعد النشاط العسكري في المنطقة العازلة الواقعة تحت حراسة قوات حفظ السلام الخاصة بقوات الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك.

وجددت الأمم المتحدة تفويض عمل القوات أكثر من مرة، آخرها في يونيو 2024، عندما قرر مجلس الأمن الدولي تمديد ولايتها حتى 31 ديسمبر الجاري.

ودعا مجلس الأمن حينها سوريا وإسرائيل، إلى "الاحترام الدقيق والكامل لشروط اتفاق فك الاشتباك عام 1974"، كما طلب المجلس من الأمين العام للأمم المتحدة، "ضمان توفير القدرة والموارد اللازمة للقوة لتنفيذ ولايتها بطريقة آمنة".

وتتكون القوة الأممية من 1309 أفراد، وتعد نيبال أكبر دولة مساهمة بقوات وأفراد شرطة في القوة بعدد 451 شخصا، وتليها أوروغواي بـ211 فردا، ثم الهند بعدد 201 فرد، وفيجي بـ149 فردا، وكازاخستان بـ140 فردا.

وتضم القوة أيضا عناصر من دول غانا (5 أفراد) وبوتان (4 أفراد) والتشيك (4 أفراد) وأيرلندا (4 أفراد).

ومع التطورات الأخيرة، يزداد المشهد تعقيدا، حيث أكد نتانياهو على أن الجولان "جزء من إسرائيل إلى الأبد"، في الوقت الذي شددت فيه الولايات المتحدة على أهمية الالتزام باتفاق فض الاشتباك.

وقال المتحدث باسم الخارجية الأميركية، ماثيو ميلر، الإثنين، إن واشنطن تريد أن ترى تطبيقا لاتفاق فض الاشتباك في الجولان لعام 1974، وهذا يشمل شروط المنطقة العازلة وعودة إسرائيل لمواقعها السابقة.

وفيما يعد أول تعليق من واشنطن على التحركات الإسرائيلية في هضبة الجولان، أوضح ميلر أن إسرائيل تؤكد أن إجراءاتها في الجولان مؤقتة، وتأتي استجابة لانسحاب الجيش السوري من المنطقة العازلة.

وأضاف أن إدارته ستراقب الوضع بهذا الصدد.

سجن صيدنايا أصبح رمزا للفظائع الذي ارتكبها نظام الأسد - REUTERS

تتصدر السجون في سوريا المشهد كرمز لمعاناة المعتقلين وانتهاك حقوقهم الإنسانية، فهي ليست مجرد أماكن للاحتجاز، بل أرشيف صامت يحمل في طياته وثائق وأدلة جريمة لا تُمحى، وشهادات حيّة على ممارسات طالما أنكرها نظام الأسد خلال فترة حكمه.

غير أن هذه الوثائق، التي يُفترض أن تكون شاهدة على الحقيقة ومفتاحًا لتحقيق العدالة، أصبحت اليوم عُرضة للعبث والإهمال، من مؤثرين يسعون للشهرة إلى أفراد عاديين يفتقدون الوعي بخطورة ما يفعلون.

وتُنتهك حرمة هذه الملفات لتتحول إلى مشاهد عابرة على مواقع التواصل، وكأنها بلا قيمة قانونية أو إنسانية.

مطالبات بتأمين الأدلة

منذ اليوم الأول لسقوط الأسد، دخلت أعداد كبيرة من المدنيين إلى السجون في مدينة دمشق وغيرها من المدن.

وعبثت الحشود بمحتويات المعتقلات بهدف تصويرها وبثها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وانتشرت مقاطع فيديو تُظهر الوثائق والتقارير في سجن صيدنايا وهي مرمية على الأرض، ويعبث بها من يشاء.

وفي الوقت نفسه، سارعت المنظمات الحقوقية السورية والدولية للمطالبة باتخاذ خطوات عاجلة لتأمين الأدلة على جرائم النظام السابق، وتأمين مواقع المقابر الجماعية في جميع أنحاء سوريا.

وذكرت منظمة العفو الدولية، في تقرير نشرته نهاية ديسمبر الفائت، أن "على السلطات السورية اتخاذ خطوات عاجلة لتأمين وحفظ الأدلة على الفظائع التي ارتُكبت في سوريا بعهد بشار الأسد، بما في ذلك وثائق حكومية واستخباراتية رئيسية، بالإضافة إلى مواقع الفظائع والمقابر الجماعية".

وذكرت المنظمة، في البيان الذي أصدرته بالتعاون مع رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا، وهيومن رايتس ووتش، أن هذه الأدلة على الجرائم ضرورية لتحديد مصير ومكان وجود عشرات الآلاف من السوريين الذين اختفوا قسراً على يد أجهزة الأمن والمخابرات سيئة السمعة التابعة للحكومة السابقة.

أهمية الأدلة في مسار العدالة الانتقالية

المحامي المختص بالقانون الجنائي الدولي، المعتصم بالله الكيلاني، أكّد، في تصريح لموقع "الحرة"، أن الأدلة والوثائق الموجودة في السجون التابعة للنظام السوري تمثل عنصراً محورياً في توثيق الانتهاكات التي ارتُكبت خلال النزاع.

وأشار إلى أن هذه الأدلة تتنوع بين السجلات الرسمية، مثل أوامر الاعتقال والتقارير الأمنية ومحاضر الاستجواب، والشهادات المكتوبة التي توثق شهادات المعتقلين السابقين حول التعذيب والإخفاء القسري.

وأضاف الكيلاني أن الأدلة تشمل أيضاً الصور ومقاطع الفيديو، مثل صور "قيصر"، التي أظهرت جثث المعتقلين وآثار التعذيب، بالإضافة إلى الأدلة الطبية وتقارير الطب الشرعي وسجلات المستشفيات.

كما أكّد على أهمية وثائق الاتصالات الداخلية بين الأجهزة الأمنية، التي تكشف التعليمات التي أدت إلى ارتكاب الانتهاكات.

العبث بمسارح الجريمة

يوم أمس الثلاثاء، ضجّت مواقع التواصل الاجتماعي بفيديو نشره فريق تطوعي يُطلق على نفسه اسم "سواعد الخير"، وهو يقوم بطلاء جدران أحد السجون في مدينة اللاذقية.

هذه الخطوة عرّضت الفريق لانتقادات حادة عبر وسائل التواصل الاجتماعي من الناشطين السوريين، الذين اعتبروا أن ما حدث هو محاولة لطمس معالم الجريمة، داعين إلى فتح تحقيق فوري مع الفريق.

وحذف الفريق الفيديو اليوم بعد الانتقادات الموجهة له، كما قام بإغلاق صفحته الرسمية على منصة فيسبوك.

وطالب نائب رئيس تيار سوريا الجديدة عضو رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا، محمد منير الفقير، في منشور على فيسبوك، النائب العام بإصدار مذكرة توقيف بحق من وصفهم بـ"المراهقين" الذين قاموا بطلاء بعض زنزانات الأفرع الأمنية والتحقيق معهم بتهمة العبث بمسرح الجريمة.

وأضاف: "أنا لست مرتاحاً لتعاطي الحكومة والإدارة السورية ممثلة بالسيد أحمد الشرع وفريقه مع ملف العدالة الانتقالية والمحاسبة".

المحامي الكيلاني شدّد على أن مسارح الجريمة داخل السجون نفسها تمثل أدلة مادية بالغة الأهمية، حيث تعكس زنازين الاحتجاز وغرف التعذيب الظروف اللاإنسانية التي عاشها المعتقلون.

أما عن العبث بمسارح الجريمة، حذّر الكيلاني من أن "التلاعب بها، مثل طلاء الجدران، يعوق توثيق الحقيقة ويمحو دلائل حيوية".

وأوضح أن هذا العبث يؤدي إلى تدمير أدلة مهمة، مثل الكتابات التي تركها المعتقلون على الجدران وآثار التعذيب، وبقع الدم والعلامات على الجدران والأرضيات، مما يقوّض فرص المحاسبة.

وأكد على أهمية "الوعي لدى الجهات المحلية بأهمية الحفاظ على مسارح الجريمة"، داعياً إلى حماية الأدلة وضمان عدم التلاعب بها لضمان تحقيق العدالة الانتقالية.

ونشرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان بياناً، الثلاثاء الماضي، دعت من خلاله حكومة تسيير الأعمال للتحقيق مع فريق "سواعد الخير" "لعبثه بمسارح الجريمة"، إثر قيامه بطلاء جدران السجن.

كما طالبت الشبكة الحكومة السورية الجديدة بضرورة حماية مسارح الجريمة، ومنع الدخول غير المصرح إليه.

وأشارت الشبكة إلى أن "هذا التصرف غير المسؤول يُشكّل تهديداً مباشراً لجهود توثيق الانتهاكات التي يُعتقد أنَّها حدثت في هذا المركز، بما في ذلك التعرف على مصير المعتقلين ومحاسبة المتورطين في تعذيبه".

كما أصدرت الشبكة بيانًا، في الثامن من يناير الجاري، أكّدت فيه على رصدها انتشار عدد كبير من الفيديوهات تظهر نشطاء وإعلاميين وصحفيين، يتجولون بحريَّة داخل مسارح الجرائم مثل الأفرع الأمنية والسجون.

وأشارت الشبكة إلى أن هؤلاء الأفراد غالباً ما يعبثون بالملفات أو يوثقون وجودهم عبر تصوير أنفسهم أو زملائهم أثناء ذلك.