A writing on a wall reads "God is great, Freedom forever" in Jableh
الأسد فر من سوريا مع تقدم الفصائل المسلحة معلنا سقوط النظام.

أثار الانهيار السريع لنظام بشار الأسد، الذي أنهى أكثر من 50 عامًا من حكم عائلة الأسد وحزب البعث في سوريا، مخاوف من اندلاع فوضى شاملة. وفي المقابل، تزايدت الدعوات إلى الإسراع بعملية انتقال سلسة وسلمية للسلطة، مع تأكيد تيارات كردية استعدادها للمشاركة الفعالة في الحكومة السورية الجديدة، بما يضمن حقوق المكون الكردي ويسهم في استقرار البلاد.

ويقول أستاذ العلوم السياسية، عصام الفيلي، لموقع "الحرة"، إن تعاطي الدول الإقليمية والدولية مع هيئة تحرير الشام وقائدها "الجولاني" مرهون بما سينتهجه في الأيام المقبلة، وربما ينجح نهج الهيئة في تحقيق تفاهمات تتيح تشكيل حكومة سورية جديدة، وإلا قد تحصل صدامات مسلحة شاملة في سوريا بين فصائل وجهات عديدة.

والثلاثاء، أعلن محمد البشير، في بيان تلفزيوني، أنه تم تكليفه بتولي رئاسة حكومة انتقالية في سوريا حتى أول مارس 2025. 

وكان البشير يترأس حكومة الإنقاذ التي شكلتها المعارضة قبل الهجوم الخاطف الذي استمر 12 يومًا وأدى إلى الإطاحة بالرئيس بشار الأسد في 8 ديسمبر الجاري.

ويؤكد الفيلي أن هناك احتمالا قائما بأن تتجه فصائل هيئة تحرير الشام، المدعومة من تركيا، نحو قتال الأكراد في مناطق شرق سوريا، بهدف تعزيز سيطرتها على كامل الأراضي السورية.

ويعود ذلك إلى أن أكثر ما يثير قلق أنقرة هو وجود الكيان الكردي وتعزيز تواجده في المنطقة. ويعتقد الفيلي أن بعض الصدامات المسلحة قد تحدث بين الفصائل المدعومة من تركيا والأكراد، لكن في النهاية سيتم ترتيب هذه الأوراق برعاية دولية.

ويشير إلى أن مشاركة الكيانات الكردية في الحكومة السورية الجديدة ستأتي وفق رغبة دولية في محاولة لخلق توازن قوى في الحكومة القادمة.

وكان مظلوم عبدي، زعيم قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد، قال، الأحد يوم فرار الأسد، على "إكس": "نعيش في سوريا لحظات تاريخية ونحن نشهد سقوط النظام الاستبدادي في دمشق. هذا التغيير فرصة لبناء سوريا جديدة قائمة على الديمقراطية والعدالة تضمن حقوق جميع السوريين".

خطر الحرب الأهلية يهدد سوريا

يؤكد جاويدان كمال، ممثل حزب الاتحاد الديمقراطي في إقليم كردستان العراق، المقرب من قوات سوريا الديمقراطية، أن أولويات مطالبهم تتمثل في الوصول إلى حكومة سورية جديدة تقوم على أسس ديمقراطية ولامركزية، تضمن الحرية لجميع المواطنين وتحفظ حقوقهم بالكامل. كذلك الإسراع في العملية السياسية تحت إشراف دولي لتحقيق الاستقرار.

ورغم أن فصائل هيئة تحرير الشام التي أسقطت نظام الأسد أرسلت رسائل طمأنة للشعب السوري، إلا أن كمال أشار إلى أن الأوضاع لا تزال غامضة ومستقبل البلاد لا يزال غير واضح.

وأضاف أن الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا مستعدة لتقديم مبادرات من أجل إيجاد مخرج سلمي للأزمة، وهي جاهزة للتواصل مع الأطراف الدولية ومكونات الشعب السوري كافة بهدف وضع البلاد على المسارات السليمة.

وتسيطر قوات سوريا الديمقراطية على شمال شرقي سوريا، وجزء من محافظة دير الزور (شرق)، وخاصة الضفة الشرقية لنهر الفرات. وأعلنت الجمعة الانتشار على الضفة الغربية للفرات، مع انسحاب القوات الحكومية وفصائل موالية لإيران بشكل مفاجئ.

ويقول كمال إن الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا، التي تضم مكونات متعددة من الأكراد والعرب والسريان والآشوريين والتركمان، تعمل بجهود مشتركة من أجل بناء مستقبل مستقر لهذه المناطق، وطموح قوات سوريا الديمقراطية يتمثل بالحفاظ على هذه التجربة عبر الإدارة الذاتية أو السعي لتحقيق الفيدرالية بهدف ضمان حقوق جميع الأطراف.

ولفت إلى أن مخاوف قوات سوريا الديمقراطية تتمثل في احتمالية دخول البلاد في حرب أهلية جديدة، ما قد يؤدي إلى عودة ظهور تنظيم داعش أو تعزيز وجوده.

كما أعرب عن مخاوف إزاء استمرار تركيا في دعم المجموعات والفصائل المسلحة التي تستخدمها لتحقيق أهدافها في الملف السوري، بما في ذلك القضاء على تجربة الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا، وإقصاء الوجود الكردي في البلاد دون منحهم حقوقهم المشروعة.

وتسيطر قوات سوريا الديمقراطية على مناطق عدة في محافظات الحسكة والرقة ودير الزور. وكانت منطقتا عفرين والشهباء جزءًا من هذه الإدارة الذاتية قبل أن تسيطر عليها المجموعات المسلحة المدعومة من تركيا.

ودعا كمال إلى ضرورة "استعادة هذه المناطق بالإضافة إلى منطقتي رأس العين وتل أبيض من تركيا"، حسب وصفه، عبر "الحلول السلمية بإشراف المجتمع الدولي، وهي السبيل الأمثل لإعادة تلك المناطق إلى وضعها الطبيعي".

وفيما يتعلق بالعمليات العسكرية، فقد تمكنت قوات سوريا الديمقراطية من تحرير المناطق الواقعة في الجهة الغربية لنهر الفرات من سيطرة قوات النظام وحلفائه، في وقت متزامن مع العمليات العسكرية التي نفذتها فصائل هيئة تحرير الشام.

كما استطاعت قوات سوريا الديمقراطية تأمين بعض المناطق القريبة من حوض الفرات لمنع أي محاولات من تنظيم داعش للتمدد إليها.

التنافس الدولي والإقليمي في سوريا

وخلف فرار الأسد وسقوط نظامه فراغًا عسكريًا في بعض المناطق، ويقول الخبير الأمني، صفاء الأعسم، لموقع "الحرة"، إن قوات سوريا الديمقراطية تسعى لتعزيز نفوذها في تلك المناطق، لكن وفقًا لاستراتيجيتها في التوسع التي ربما تأخذ وقتًا تحت مزاعم مقارعة تنظيم داعش.

ويشير إلى وجود احتمال اندلاع صدامات مسلحة بين فصائل هيئة تحرير الشام وبعض الأحزاب والفصائل الكردية، بسبب اختلاف الرؤى والتوجهات بينهما، كما أن هيئة تحرير الشام تضم العديد من الأجنحة بما في ذلك تنظيمات إرهابية، على حد قوله.

وخاضت هذه التنظيمات صراعًا طويلًا مع قوات سوريا الديمقراطية التي تحارب تلك التنظيمات، وعلى رأسها تنظيم داعش.

وفي حال لم يتم التوصل لاتفاق مسبق بين فصائل هيئة تحرير الشام وقوات سوريا الديمقراطية، فإن المواجهة المسلحة بينهما ستكون وشيكة، خاصة أن هيئة تحرير الشام، بعد أن أكملت مهمتها الأساسية في إسقاط حكم الأسد، ستسعى لإطلاق سراح المعتقلين لدى قوات سوريا الديمقراطية من أفراد الجماعات التي تعمل تحت مظلتها، وفقًا لقول الأعسم.

المجلس الوطني الكردي: من أجل سوريا جديدة تضمن حقوق مكوناتها

يؤكد المجلس الوطني الكردي، وهو ائتلاف سياسي مكون من 16 تنظيمًا سياسيًا بالإضافة إلى مستقلين من مختلف المناطق الكردية في محافظة الحسكة وكوباني وعفرين، على ضرورة أن يعمل السوريون جميعًا، بما فيهم المكون الكردي، على بناء سوريا المستقبل لضمان حقوق مكوناتها كافة.

وفي تصريح لموقع "الحرة"، أكد عضو المجلس، فيصل يوسف، على أهمية الانتقال السلمي للسلطة والمحافظة على السلم الأهلي في سوريا، مع ضرورة الحفاظ على مؤسسات الدولة بعيدًا عن أي تدخلات، لا سيما أن سوريا تمر حاليًا بمرحلة انتقالية، معربًا عن قلقه من حدوث صراعات قد تجر إلى حرب أهلية.

وأبدى المجلس الوطني الكردي رغبة في تمثيل سياسي في الحكومة القادمة لضمان حقوق الشعب الكردي، مشددًا على أهمية مشاركة كافة أطياف الشعب السوري، بما في ذلك القوميات والأديان المختلفة، في بناء سوريا الجديدة.

المطالبة بالفيدرالية يعدها عضو المجلس حلاً مثاليا يحافظ على وحدة سوريا، داعيًا دول الجوار والدول الإقليمية إلى تقديم الدعم لتحقيق طموحات الشعب السوري، مع التأكيد على أهمية عدم تدخل الأطراف الخارجية، وعلى رأسها تركيا، في الشأن الداخلي السوري.

مستقبل النفوذ وتوازنات القوى

وأكد الخبير الاستراتيجي، مخلد حازم، في تصريح لموقع "الحرة"، أن سقوط نظام الأسد يمثل نقطة انطلاق لتقسيم النفوذ بين القوى الدولية، مما سيفتح المجال لإعادة رسم خريطة جديدة في سوريا.

ومن غير الممكن حاليًا التنبؤ بما إذا كانت قوات "قسد" أو فصائل كردية وأحزاب أخرى ستتمكن من توسيع سيطرتها على مناطق جديدة، لأن ذلك يتوقف على شكل التفاهمات المستقبلية بين الدول الكبرى.

وذكر حازم أن الدعم الكبير الذي تقدمه تركيا لفصائل هيئة تحرير الشام يرتبط بأهداف استراتيجية، أبرزها سعي أنقرة لإقامة منطقة نفوذ عازلة بعيدًا عن التواجد الكردي الذي تعتبره متآلفًا مع حزب العمال الكردستاني المتواجد في سوريا والعراق.

ويؤكد أن توسع قوات "قسد" في بعض المناطق تراه تركيا تهديدًا لأمنها القومي، وهو ما قد يفتح الباب أمام مفاوضات بين واشنطن، التي تدعم هذه القوات، وأنقرة.

ومن المتوقع أن تظهر رؤى جديدة بين القوى الإقليمية والدولية، حيث ستتم إعادة تشكيل التفاهمات بعيدًا عن أي تناقضات في المصالح، نظرًا لأن هذه الأطراف قد اتفقت مسبقًا على تغيير الواقع السوري السابق.

ويستبعد الخبير الاستراتيجي حدوث مواجهات مسلحة بين فصائل هيئة تحرير الشام و"قسد"، مستشهدًا بحالات مشابهة في بعض أحياء حلب، التي شهدت وجودًا لقوات كردية، وتم الاتفاق على انسحابها دون أي صدامات مسلحة، لأن الطرفين على ما يبدو متفقان على تجنب المواجهات الدموية.

وزير الخارجية والمغتربين في الإدارة السورية الجديدة أسعد الشيباني (فرانس برس)
وزير الخارجية والمغتربين في الإدارة السورية الجديدة أسعد الشيباني (فرانس برس)

أعلن وزير الخارجية والمغتربين في الإدارة السورية الجديدة، أسعد الشيباني، الثلاثاء، عن أول زيارة رسمية يجريها إلى تركيا، التي دعمت فصائل المعارضة المسلحة، التي أسقطت نظام الرئيس السوري بشار الأسد.

وقال الشيباني في منشور على منصة "إكس"، إنه سيزور تركيا، الأربعاء.

وأوضح: "سنقوم غداً (الأربعاء) بأول زيارة رسمية إلى الجمهورية التركية، التي لم تغادر الشعب السوري منذ 14 عاماً.. لتمثيل سوريا الجديدة".

يأتي ذلك بعد جولة أجراها وزير الخارجية السوري، شملت قطر والإمارات والأردن، بالإضافة إلى السعودية، حيث عُقد أول اجتماع إقليمي من نوعه بشأن سوريا، منذ الإطاحة بالأسد الشهر الماضي.

وكان الشيباني قد أكد بعد اجتماعه مع رئيس مجلس الوزراء، وزير الخارجية القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن بن جاسم آل ثاني، أن سوريا الجديدة ستحظى بعلاقات جيدة مع المنطقة، يسودها السلام والتعاون المشترك، بعيدًا عن شكل علاقات النظام السابق.

وأضاف: "نحن نسعى لترميم علاقاتنا مع المحيط العربي والإقليمي والدولي، بما يعزز الاستقرار والتنمية".

وتسعى السلطات السورية الجديدة إلى تطمين محيطها العربي والعالم بشأن قيادتها، نظرا لخلفية قائدها أحمد الشرع، الملقب بأبي محمد الجولاني، قائد هيئة تحرير الشام، المصنفة إرهابية في أميركا ودول أخرى.

كما تحاول التخلص من العقوبات الدولية المفروضة على نظام الأسد، والتي لا تزال سارية حتى الآن.