حزب الله تعرض لانتكاسات- أسوشيتد برس
حزب الله تعرض لانتكاسات- أسوشيتد برس

في عام 2012 اختار حزب الله اللبناني مدينة القصير السورية بوابة لتدخله العسكري من أجل تقديم الدعم على الأرض لقوات نظام الأسد، وبعد 12 عاما من هذا التاريخ لعبت هذه المدينة دورا مماثلا لكن بصورة مختلفة وبالاتجاه المعاكس.

تقع القصير بريف محافظة حمص السورية وسط البلاد، وتحاذي الحدود مع لبنان، وبعد معارك استمرت لأكثر من 3 أيام دخلتها فصائل من المعارضة المسلحة، قبل يومين، ضمن عمليات عسكرية أوسع وصلت من خلالها إلى أبواب العاصمة دمشق، وأدت في النهاية إلى سقوط نظام الأسد.

ولم يصدر أي تعليق حتى الآن من جانب حزب الله على سقوط الأسد، وكذلك الأمر بالنسبة للتغير الكبير الذي طرأ على خريطة النفوذ في البلاد، والذي تمثل بسيطرة فصائل المعارضة على كامل الأراضي التي كانت خاضعة لسيطرة الأسد، بينها القصير ومناطق حدودية أخرى مع لبنان.

ويقول باحثون سوريون تحدثوا لموقع "الحرة" إن دخول فصائل المعارضة إلى القصير الحدودية مع لبنان بمثابة ضربة كبيرة لـ"حزب الله"، لكنها لا تضاهي حجم الضربة الأكبر، بسقوط نظام الأسد كاملا.

وفي المقابل، يوضحون أن دخول الفصائل المسلحة المدينة المذكورة لا يعني السيطرة الكاملة عليها في الوقت الحالي، خاصة أن حزب الله كان حولها لسنوات طويلة إلى حديقة خلفية وشريان حيوي للحصول على الإمدادات من السلاح.

"السيطرة تتطلب وقتا"

وتضم القصير مركز مدينة وتقع في محيطها أكثر من 80 قرية وبلدة، ورغم أن نفوذ حزب الله قبل سقوط نظام الأسد كان يشمل أيضا مناطق أخرى تقع على الحدود السورية-اللبنانية، إلا أن المدينة تحظى برمزية عسكرية ومعنوية في آن معا.

وكانت سيطرة الجماعة اللبنانية المدعومة من إيران على القصير بعد 2012 قد فتحت لها الكثير من الأبواب داخل سوريا، وصولا إلى المناطق الحدودية مع العراق. وليس ذلك فحسب طالما كان أمين حزب الله الراحل، حسن نصر الله يتغنى بـ"الانتصارات" التي حققوها هناك.

ويرى الباحث السوري في مركز "عمران للدراسات الاستراتيجية"، نوار شعبان، أن "إتمام سيطرة الفصائل المسلحة على القصير سيأخذ وقتا أطول ولن يكون بشكل سريع".

علاوة على ذلك، ما تزال الكثير من المستودعات التابعة للجماعة اللبنانية هناك، وقد يكون من الصعب اكتشافها في وقت قصير، لاسيما أنها تحولت قبل شهرين لهدف متكرر للجيش الإسرائيلي.

ويضيف الباحث لموقع "الحرة": "بحسب ما وصلني فإن تمركز فصائل المعارضة في القصير مازال حذرا"، دون أن يشمل ذلك الطرقات الواصلة إليها، والتي تنطلق في غالبيتها من مركز مدينة حمص.

وكان حزب الله دفع الكثير في معركة القصير ضد فصائل "الجيش السوري الحر"، بعد 2012، واتبع ذات الإجراء بالتدريج ليوسع نفوذه إلى عموم المناطق السورية، في وقت كانت تتقاطر قوافل الميليشيات القادمة من إيران.

لكن بعد اندلاع الحرب الإسرائيلية في جنوب لبنان تغيّر كل شيء ليس فقط على مستوى وجود حزب الله في سوريا، بل على مستوى الأراضي اللبنانية التي كانت ينتشر فيها، وأبرزها الضاحية الجنوبية.

ولم تكن العمليات العسكرية التي جرت بشراسة لأكثر من شهرين متركزة فقط على ضرب حزب الله في معاقله، بل تحولت بالتوازي إلى سوريا، لتبدأ إسرائيل بضرب ما تقول إنه "طرق إمداد حزب الله".

"تركها في خراب"

وتمر غالبية طرق الإمداد التي كان يعتمد عليها حزب الله من مدينة حمص وتصل إلى القصير لتخترق بعدها الحدود السورية-اللبنانية.

ويوضح الشاب السوري، محمد الزهوري، الذي عاد إلى القصير قبل يومين في أعقاب سقوط نظام الأسد وتمدد سيطرة الفصائل المسلحة على عموم المناطق السورية أن مدينته "أشبه بخراب".

ويقول لموقع "الحرة": "تغيّر فيها كل شيء. نرى الدمار القديم الذي خلفته عمليات حزب الله العسكرية وخرابا جديدا أحدثته الضربات الإسرائيلية على مستودعات ونقاط تمركز" الجماعة اللبنانية.

ونشرت الفصائل المسلحة، خلال اليومين الماضيين، حواجز أمنية على الطرقات الواصلة إلى القصير، لكنها ما تزال هذه الجماعات بعيدة عن إتمام السيطرة كاملة على المدينة وأريافها، وفق الزهوري.

ويشير إلى محاولات لتمشيط المدينة بشكل كامل مع القرى والبلدات الواقعة في محيطها، على يد أبنائها العائدين ومسلحين آخرين من "إدارة العمليات العسكرية" التي تضم خليطا من الفصائل المسلحة.

ويقول الباحث شعبان إن فصائل المعارضة المسلحة "لم تتمركز حتى الآن بشكل مباشر على طول الحدود السورية مع لبنان"، مضيفا: "من منطقة العريضة حتى القصير هناك تأمين طرق فرعية وأوتوسترادات فقط".

ويتابع الباحث السوري قائلا: "حزب الله دخل سوريا من القصير في 25 مارس 2012 وخرج من ذات المنطقة في الثامن من ديسمبر 2020.. المدينة كانت بوابة دخول وخروج في آن معا".

"بيئة غير ودودة"

وتكنّ الفصائل المسلحة التي سيطرت على دمشق وعموم مناطق سيطرة نظام الأسد سابقا الكثير من العداء لحزب الله والميليشيات الإيرانية في سوريا، وحتى أنها وضعت على رأس أهداف عمليتها العسكرية محاربة هذه الجماعات.

ويشير الباحث السوري، ضياء قدور إلى تسجيلات مصورة انتشرت، خلال الأيام الماضية، ووثقت انتشار الفصائل المسلحة في القصير، والساحل، وحمص، والقلمون.

وفي حين يوضح الباحث لموقع "الحرة" أن "هذا الانتشار ليس كاملا على المعابر الحدودية" يعتقد أن "حالة الانهزام والفشل التي عاشتها قوات الأسد وما تبعها من انسحابات إيرانية تصب في فكرة أن حزب الله بات ينظر للجغرافيا السورية كبيئة غير ودودة".

ولم يعد هناك أي وجود لحزب الله على المعابر الشرعية وغير الشرعية من الطرف السوري مع لبنان، لكن قد تختلف الصورة على الطرف المقابل في لبنان، بحسب الباحث.

وبينما يرى أن التحديات العسكرية باتت كبيرة على الفصائل، خاصة أنها سيطرت على مناطق لم يكن من المتصور أن تستحوذ عليها بوقت قصير يعتقد أن الأمر قابل للتعويض مع تشكيل الحكومة الجديد، وتأسيس جيش موحد، وإعادة فتح باب التطويع.

إيلي كوهين

في عام 2019، عرضت شبكة نتفليكس مسلسلا مثيرا من 6 حلقات بعنوان "الجاسوس ... قصة حياة إيلي كوهين". لاقى المسلسل رواجا كبيرا، خصوصا وأن الممثل البريطاني الذي قام بدور إيلي هو ساشا بارون كوهين، وكانا يشتركان، إضافة إلى اسم العائلة، بشبه كبير. 

وإيلي كوهين هو أشهر جاسوس إسرائيلي على مر التاريخ من دون منازع، وكانت قصته مثيرة للاهتمام بشكل كبير في الأوساط العربية والدولية.

فقط تخيل أن رجلا يأتي إلى مدينة غريبة، وينجح في التقرب من جميع الشخصيات السياسية والعسكرية المرموقة فيها، وينقل منها معلومات استخبارية دقيقة إلى تل أبيب عبر جهاز تسجيل صغير كان يحتفظ به في شقته. هذا الرجل هو إيلي كوهين.

كان يُعرف باسم كامل أمين ثابت، وقد دخل إلى سوريا مطلع السيتينات كرجل أعمال سوري عائد من الأرجنتين، وهناك انخرط في المجتمع السوري والعربي واستطاع إقامة علاقات وصداقات. وبعد أربع سنوات على وجوده في دمشق كُشف أمره وألقي القبض عليه "بالجرم المشهود" وهو يرسل معلومات في شقته، ونُفذ فيه حكم الإعدام في 18 مايو 1965.

في الذكرى الستين لإعدامه، برز ملف كوهين إلى الواجهة مرة أخرى، بالتزامن مع إعلان الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، من الرياض رفع العقوبات عن سوريا.

في 18 مايو، قالت إسرائيل إنها تمكنت بـ"عملية سرية معقدة"، وفق تعبير مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، من إحضار الأرشيف السوري الرسمي الخاص بإيلي كوهين إلى إسرائيل. 

لكن ثلاثة مصادر، قالت لرويترز في 19 مايو، إن "القيادة السورية وافقت على تسليم وثائق ومتعلقات الجاسوس إيلي كوهين لإسرائيل في محاولة لتخفيف حدة التوتر وإظهار حسن النوايا للرئيس الأميركي دونالد ترامب، بعد إعلانه رفع  العقوبات عن سوريا.

ونقلت الوكالة عن مصدر أمني سوري، ومستشار للرئيس السوري أحمد الشرع، وشخص مطلع على المحادثات السرية بين البلدين، إن أرشيف المواد عرض على إسرائيل في مبادرة غير مباشرة من الشرع في إطار سعيه لتهدئة التوتر وبناء الثقة لدى ترامب.

وتضمن الإرشيف السوري الخاص بكوهين نحو 2500 وثيقة وصورة ومقتنيات شخصية، وفقا لمكتب نتانياهو.

وشملت المواد التي قالت إسرائيل إنها استعادتها من سوريا، وصية أصلية كتبها كوهين بخط يده قبل ساعات من إعدامه وسط دمشق، وتسجيلات صوتية وملفات من استجوابه واستجواب من كانوا على اتصال به، ورسائل كتبها لعائلته في إسرائيل وصورا من مهمته في سوريا.

وتتضمن أيضا مقتنيات شخصية نُقلت من منزله بعد اعتقاله، منها جوازات سفر مزورة وصور له مع مسؤولين عسكريين وحكوميين سوريين رفيعي المستوى، إضافة إلى دفاتر لتدوين الملاحظات ويوميات تسرد مهام الموساد.

وقد وزعت الوكالات نسخة عن وصية كوهين، جاء فيها: 

"إلى زوجتي نادية وعائلتي الحبيبة، أكتب إليكم هذه الكلمات الأخيرة وأطلب منكم أن تكونوا على صلة دائمة مع بعضكم، وأرجوكي أن تسامحيني يا ناديا، وأن تهتمي بنفسك وبالأولاد وتحافظى عليهم، وتثقفيهم تثقيفا كاملا، وألا تحرمي نفسك أو تحرميهم من شي، وكوني على صلة دائمة مع أهلي.. ويمكنك الزواج من غيري حتى لا يكبر الأولاد بدون أب، ولكي كامل الحرية في ذلك، وأرجوكي ألا تضيعوا وقتكم بالبكاء على الماضي، انظروا دائما إلى المستقبل...".

وسلم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ومدير الموساد ديفيد برنياع المواد إلى أرملة كوهين، نادية كوهين، خلال حفل أقيم في المناسبة.

وطالبت زوجة كوهين باستعادة "جثمانه،" وجاء رد نتانياهو أن الحكومة الإسرائيلية تعمل على ذلك خصوصاً أن "إيلي أسطورة إسرائيلية، إنه أعظم عميل في تاريخ المخابرات الإسرائيلية".

ونقلت رويترز عن مصدر أمني أن مقاتلي المعارضة السورية بقيادة الشرع عثروا على ملف كوهين في مبنى تابع لأمن الدولة في ديسمبر غداة سيطرتهم على دمشق. 

وذكر المصدر الأمني أن الشرع أدرك أن وثائق كوهين ومقتنياته مهمة للإسرائيليين وأن إعادتها قد تمثل بادرة دبلوماسية بارزة.

ومع التزام إسرائيل الصمت، حتى الآن، بشأن الرواية السورية، يقول الباحث السياسي سمير التقي في تصريح لـ"الحرة" إن المسألة في العلاقات الإسرائيلية السورية أوسع وأعمق من تزويد إسرائيل بوثائق كوهين، ويضع ما حدث ضمن إطار مبادرة حسن نية من سلطة أحمد الشرع.

ويضيف التقي أن هناك اجتماعات مباشرة تجري بين القيادتين الإسرائيلية والسورية بمشاركة تركية، وما سيحدث في المرحلة المقبلة سيكون أشمل من مجرد إعطاء وثائق أرشيفية، وسيكون حتما ضمن مناقشة الشروط من أجل وضع حد للقصف الإسرائيلي على سوريا مقابل تفاهمات حول الفصائل الراديكالية المحيطة بهيئة تحرير الشام والفصائل الفلسطينية والأخوان المسلمين.

ولد إيلي كوهين في الإسكندرية بمصر عام 1924، وعندما بلغ العشرين من العمر، انضم إلى "منظمة الشباب اليهودي الصهيوني" في مصر. وبعد حرب 1948، أخذ يدعو مع غيره من أعضاء المنظمة لهجرة اليهود المصريين إلى فلسطين، ثم خرج من مصر‏ في عام 1956‏.

عمل إيلي كوهين مترجما ومحللا لدى الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، وحاول الالتحاق بجهاز "الموساد" ثم فشل، ما دفعه للاستقالة من المخابرات العسكرية والعمل محاسبا لدى بعض الشركات الخاصة في تل أبيب.

مصدر مطلع ذكر لرويترز أن سوريا وافقت في المحادثات على إجراءات من بينها إعادة رفات كوهين وثلاثة جنود إسرائيليين لقوا حتفهم خلال قتال مع القوات السورية في لبنان في أوائل الثمانينيات. وذكرت إسرائيل الأسبوع الماضي أنها استعادت رفات أحد هؤلاء الجنود، وهو تسفي فيلدمان.

وعلى هذا الصعيد يشير التقي في حديثه مع "الحرة" إلى استبعاد قدرة السلطة السورية الجديدة على الوصول إلى معلومات حول رفات كوهين. ويؤكد أن المعلومات اللازمة لمعرفة مكان دفنه مرتبطة برفعت الأسد والفرق العسكرية التي كانت تابعة له.

 ويستبعد التقي فكرة وجود تقارير تبين هذا المكان إلا في حالة اعتقال بعض العسكريين التابعين لرفعت الأسد على أيدي السلطة الشرعية السورية الجديدة.