بعد ساعات فقط من سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، بدأ الجيش الإسرائيلي سريعا في توجيه ضربات ضد ما وصفها بأهداف استراتيجية في سوريا، شملت مقاتلات وقطع بحرية ومطارات، فيما اعتبرها محللون عسكريون خطوة لإضعاف أي سلطة مقبلة في سوريا، ربما تفكر في معاداة إسرائيل.
ووجهت إسرائيل نحو 480 ضربة خلال 48 ساعة ضد أهداف سورية شملت مخزونات الأسلحة الاستراتيجية، بينها "مواقع ترسو فيها قطع بحرية ومطارات سلاح الجو السوري والعشرات من أهداف مواقع الإنتاج"، وفق بيان للجيش.
وكشف مصدر أمني للحرة، الثلاثاء، أن القوات البحرية الإسرائيلية شنت هجوما واسع النطاق مساء الإثنين، في البحر المتوسط بواسطة زوارق صواريخ متطورة، أدى إلى تدمير عشرات السفن التابعة للبحرية السورية، التي كانت تحمل على متنها صواريخ بحر-بحر.
ماذا تريد إسرائيل؟
لطالما ذكرت البيانات الرسمية الإسرائيلية أنها تمنع وصول تلك المقدرات من الوصول إلى فصائل مسلحة ربما تمثل تهديدا لأمنها، وسط مخاوف سابقة أيضا من احتمال سقوط أسلحة كيماوية لنظام الأسد في يد المعارضة المسلحة، التي تقودها "هيئة تحرير الشام" المصنفة إرهابية في الولايات المتحدة ودول أخرى.
كما توغلت القوات الإسرائيلية في مناطق سورية بالجولان، ووصل الأمر إلى أن تقارير إخبارية ذكرت أن الدبابات الإسرائيلية تبعد حوالي 25 كيلومترا فقط من العاصمة السورية دمشق.
وفي هذا الشأن قالت المتحدثة باسم الجيش الإسرائيلي، إيلا واوية، في تصريحات لقناة الحرة، إن إسرائيل لا تتدخل في "الأحداث التاريخية التي تجرى في سوريا، ومهمة الجيش تتمثل في حماية مواطني دولة إسرائيل وسيادتها".
وأوضحت أن القوات الإسرائيلية تنتشر في المنطقة العازلة بالجولان "بهدف الدفاع، ولكننا جاهزون لأي أمر طارئ يدفعنا لتنفيذ هجمات"، لكنها تفادت بشكل واضح الإجابة على سؤال ما إذا كانت القوات الإسرائيلية قريبة من دمشق فعلا، وتبعد دباباتها حوالي 20 كيلومترا من العاصمة السورية.
وفي إعلان، الثلاثاء، قال الجيش الإسرائيلي في إحاطة لوسائل الإعلام المحلية، إنه دمر ما يصل إلى 80% من القدرات العسكرية للجيش السوري.
يذكر أن اتفاقية لفك الاشتباك أبرمت في 31 مايو 1974 بين سوريا وإسرائيل في جنيف السويسرية، بحضور ممثلين عن الولايات المتحدة والأمم المتحدة والاتحاد السوفييتي السابق.
وكان الغرض من الاتفاق الفصل بين القوات السورية والإسرائيلية في المنطقة. وأنشأ الاتفاق منطقة عازلة، فضلا عن منطقتين متساويتين للقوات والأسلحة المحدودة للطرفين على جانبي المنطقة.
لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، أذن بتوغل قواته في المنطقة العازلة والسيطرة عليها "بشكل مؤقت"، مشيرا إلى أن الاتفاقية انتهت بعد انسحاب عناصر جيش النظام السوري من مواقعهم في تلك المنطقة.
"السلاح كان بيد أمينة"
وأثارت تلك التصريحات انتقادات أممية وعربية، اعتبرت أن انسحاب القوات السورية لا يمنح إسرائيل الحق بالتوغل في المنطقة العازلة والأراضي السورية.
ويرى المحلل العسكري اللبناني، العميد المتقاعد خالد حمادة، أن إسرائيل تستثمر في "الوقت الضائع، أي قبل تشكيل سلطة انتقالية في سوريا تتولى زمام الأمور".
واعتبر أن الضربات كانت تتم خلال حكم نظام الأسد أيضًا "لكن بوتيرة أقل ربما لثقتها لأن كل هذه المقدرات لن تستخدم ضدها".
وتابع في تصريحات لموقع الحرة: "لكن هناك قلقا في إسرائيل اليوم من احتمال استخدام تلك الأسلحة ضدها، بسبب سقوط النظام".
كما أشار الخبير العسكري، العقيد المتقاعد، إسماعيل أبو أيوب، إلى أن الهدف وراء الضربات الإسرائيلية "واضح، إذ كان السلاح في يد أمينة، ولم يكن موجودا لمحاربة إسرائيل التي باتت لا تعرف بأي يد سيقع وأين سيوجه".
وتابع في حديثه لموقع الحرة: "لا رادع لإسرائيل حاليا، وسياستها الآن هو أنه مع انهيار الدولة لا يجب أن يكون لديها سلاح".
دولة بلا جيش؟
رئيس الوزراء الإسرائيلي نتانياهو قال، الثلاثاء، إن لا نية لإسرائيل للتدخل في الشؤون الداخلية لسوريا، لكنها ستقوم بما هو ضروري لضمان أمنها.
وحذر نتانياهو في مقطع مصور، القادة الجدد لسوريا من السير على خطى الرئيس السابق بشار الأسد، بالسماح لإيران "بإعادة ترسيخ" وجودها في البلاد.
وواصل حمادة حديثه للحرة، وقال إن إسرائيل تستغل "الفراغ السوري لتدمير قدرات الجيش، ويمكن القول إنها لا تريد أن تكون بجوارها دولة بمقدرات عسكرية كبيرة"، موضحا أن قدرات الجيش السوري "لو استثنينا بعض مضادات الدروع ومنظومات إس-400 وإس-300 الروسية، لا يمكن لما كان يمتلكه أن يحقق خطرا أو يعادل ميزان القوى مع إسرائيل".
وأكد أن "إسرائيل دون شك تريد، بدرجة أو بأخرى، إضعاف القدرات الموجودة وأن تضع مجموعة كبيرة من العوائق أمام أي حكم يتشكل في سوريا وتضعفه، حتى لا يتمكن من بناء جيش مسلح بطريقة جيدة خلال فترة زمنية قياسية".
ويعتقد حمادة أيضًا أن حكومة إسرائيل ربما تريد "دولة بلاد جيش بجوارها، وتتمنى ذلك وترغب في أن تكون كل الدول العربية المحيطة بها دون أي قدرات".
التحديات
لم تعلق الحكومة الانتقالية في دمشق أو القائد العسكري للفصائل المسلحة بقيادة "هيئة تحرير الشام"، أبو محمد الجولاني، على التحركات الإسرائيلية.
وفي حوار نشرته صحيفة "كوريري ديلا سيرا" الإيطالية، الأربعاء، مع رئيس الحكومة محمد البشير، حينما واجه سؤالا بشأن العلاقات مع إسرائيل، رفض الإجابة.
ويرى حمادة، أن حكومة البشير ستواجه تحديا كبيرا "لكن تسليح الجيش ليس في مقدمتها، فهناك تأمين عمل المؤسسات والاستقرار الاجتماعي وعدم وجود تجاوزات من خلايا نائمة تابعة للنظام السابق".
وبالفعل قال البشير في حواره إنه سوف يركز خلال مهمته الانتقالية على المشاكل الأساسية التي تواجه المواطنين مثل الكهرباء والمياه وغيرها، بجانب ضمان الأمن والاستقرار في البلاد، ودعا السوريين في الخارج إلى العودة.
وحينما يتعلق الأمر ببناء الأجهزة الأمنية، أوضح حمادة أنه ستكون هناك "حاجة لإعادة بناء عقيدتها من جديد وتنقية البنية العسكرية من كل الشوائب الكبيرة والمحسوبيات ومراكز القوي التي كانت موجودة خلال النظام القديم".
أما أبو أيوب فتساءل "هل سيُسمح ببناء جيش أو أمن؟ الدولة الوليدة ليست في يسر من أمرها، وهناك صعوبات كثيرة ومستحيلات. ولا يوجد حاليا رؤى بشأن بناء جيش".
وتعجب العقيد المتقاعد، الذي انشق سابقا عن جيش النظام السوري: "كيف وافقت الدول على إنهاء نظام بشار الأسد والإتيان بمسلحين على لائحة الإرهاب، والسماح باحتمال تحول سوريا إلى دولة فاشلة لعقود".
وعاد وقال إن ما حدث دفع نتانياهو "لاحتلال مزيد من الأراضي، وتحول السوريون من جور الأسد إلى جور النظام الإسرائيلي".