سجن صيدنايا، الجناح "أ"، يسار، الطابق الثالث، العنبر رقم 8. هنا قضى رغيد الططري، أقدم سجين سوري لدى "آل الأسد"، سنوات شبابه.
الططري، طيار حربي سوري سُجن عام 1981، وخرج من سجنه بعد سقوط نظام بشار الأسد قبل أيام.
روايات كثيرة لأسباب اعتقاله، لكن دياب سرية، "الصديق الصدوق" للططري كما يصف نفسه، يكشف لموقع "الحرة" تفاصيل جديدة.
يروي "الحقيقة"
بحسب رواية سرية، فإن سجن الططري كان بعد هروب زميل له في السرب إلى الأردن وانشقاقه عن الجيش السوري عام 1979.
في تلك السنة، أستجوب الططري بتهمة "علمه" بهروب زميله، بينما كان ينفي ذلك، وفقا لشهادة صديقه.
وبعد التحقيق معه لأيام، أطلق سراحه، "بل فصل من الجيش"، ينقل صديقه عنه.
اغتنم الططري الفرصة وحاول "إعادة التوطين" في مصر عن طريق الأمم المتحدة، لكنه لم ينجح، فعاد إلى سوريا.
حينها، أعتقل مرة ثانية. خلص محققو الجيش السوري، إلى أنه "على علم بهروب زميله".
قال الططري آنذاك وفقا لشهادة سرية: "ليس لدي أي معلومات عن هرب زميلي".
رد عليه المحققون: "عندما تتوفر لديك المعلومات، سنفتح لك الباب" في إشارة إلى باب السجن.
هذا الباب، ظل موصدا حتى فتحه مسلحو المعارضة السورية بعد 43 عاما.
قال سرية: "بكيت كثيرا عندما سمعت بخبر تحريره. هذا انتصار للإنسانية".
لقاء العنبر 8.. وبداية الصداقة
دخل سرية سجن صيدنايا عام 2006، آنذاك، تعرف على الططري الذي كان قد أمضى أكثر من ربع قرن فيه، وبينما خرج بعد خمسة أعوام، ظل وفيا لصديقه، ونظّم لأجله العديد من الفعاليات المطالبة بإطلاق سراحه.
يتذكر اللقاء الأول بالططري، عندما سأله عن مدة حكمه، فأجابه: "5 سنوات"، ليرد عليه باللهجة السورية ضاحكا: "خَيُُّّو، هاي المدة يللّي قاضيها أنا بالمراحيض هون".
وبتلك الضّحكات، بدأت صداقتهما.
قال سرية: "كان الططري رجلا قويا، واستثنائيا بطبعه، كان مرحا. كثيرًا ما تنمّر ساخرا من سجّانيه".
يتحدث "الصديق الصدوق" عن معنويات صديقه كثيرا، ويقول إنها "كانت قوية". لدرجة أنه لم يبد يوما بأنه أقدم سجين. كان رغيد وقتها قد أمضى ربع قرن مسجونا.
كان سرية يتوقع أن الططري بشكل آخر، بلحية وشعر طويلين، منعزلًا ومنهارًا، لكنه وجده شخصا أقرب للشباب منه إلى سن الكهولة، على حد روايته.
قال سرية أيضا: "كان إنسانًا نقيًا، صدوقًا، لا يحيك المكائد للنزلاء. كانت روحه، روح شباب، لم أحس بفارق السن".
كان الططري كثير الحديث مع النزلاء، مشغولًا بممارسة هواياته، يعشق الزخرفة والرسم ولعبة الشطرنج، على حد شهادة صديقه.
الدفاع عن الططري
يدير سرية الآن، جمعية حقوقية تُعرف باسم رابطة معتقلي سجن صيدنايا، أسست في عام 2017.
دخل سرية السجن وعمره 25 سنة. ظل في صيدنايا بين عامي 2006 و2011، بتهمة "إنشاء تجمع سياسي شبابي معارض لنظام الحكم، ونشر أنباء كاذبة".
لكنه يقول: "كنت أدير موقعا إخباريا في دمشق".
في العام الذي أعتقل فيه الططري (1981) لم يكن سرية قد ولد بعد. "كنت بعدني في بطن أمي" قال سرية مازحا.
وبحسرة كبيرة، قال إنه "كبُر ودرس ثم تخرج، ثم أصبح معارضا، وسُجن، وأطلق سراحه بعد قضائه عقوبته، ثم غادر البلاد وتزوج وأنجب، بينما ظل الططري في السجن".
بدلة السجناء
بعد قيام الثورة السورية عام 2011، نُقل الططري من سجن صيدنايا إلى سجن دمشق المركزي، ثم إلى سجن عدرا.
هناك، كان على أيّ سجين يرغب في لقاء أحد أقاربه أو محاميه ارتداء"البدلة الجزائية" لكن الططري رفض ذلك. "لم يكن يعتبر نفسه محكوما عليه، حيث أنه لم يُعرض على محاكمة قط" قال سرية.
في إحدى المرات وفقا لما يروي صديقه، سأل مدير السجن الططري عن سبب عدم ارتداء البدلة، فرد عليه: "لست سجينا. أعطوني حكمي، أرتديها".
وفي إحدى المرات، جاءت عائلته لزيارته، لكنه لم يلتق بها، لأنه أصر على عدم ارتداء البدلة التي رأى أنها لا تليق به، لأنه لم يرتكب أي جرم.
قال سرية: "هذا موقف لا أنساه لرغيد".
قال سرية خاتماً الرواية: "قصة الططري، تختصر عنجهية النظام وصمود الشعب السوري في وجهه".