تباينت مواقف الأحزاب في تونس بشأن طبيعة ما آلت إليه الأوضاع في سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد وسيطرة المعارضة على البلاد، في خطوة فتحت النقاش بشأن تداعياتها على العلاقة بين البلدين.
فجبهة الخلاص الوطني (ائتلاف حزبي معارض) سارعت إلى إصدار بيان تهنئة باركت فيه لـ"الشعب السوري وقواه الحية انتصارها على الاستبداد وتوجهها نحو بناء مستقبل زاهر لسوريا قوامه الحرية وسيادة القانون والعدل".
في المقابل حذر حزب التيار الشعبي (قومي داعم للسلطة) من تبعات سقوط نظام الأسد ومن التدخل الخارجي في الشؤون السورية مؤكدا في بيان له الأربعاء أن "نظام الحكم وطبيعته هو من شأن السوريين ولكن سورية الدور والتاريخ هي شأن السوريين والأمة العربية".
وعلى امتداد الحرب في سوريا ظلت مواقف طيف واسع من القوميين والبعثيين تدعم النظام السوري فيما يدعم الديمقراطيون والإسلاميون في تونس المعارضة السورية.
من جانبها عدلت الخارجية التونسية من موقفها تجاه الوضع في دمشق واضعة سلامة التراب والاستقرار السوري أولوية قصوى بعد أن نددت سابقا بما وصفته بـ "الهجمات الإرهابية على شمال سوريا".
وفي خضم ردود الفعل السياسية في تونس بشأن ما آلت إليه الأوضاع في سوريا، ارتفع منسوب الجدل في البلاد بشأن تباين هذه المواقف وتداعياتها على مستقبل العلاقات بين الدولتين التونسية والسورية.
سقوط دكتاتور
في هذا الخصوص، يرى عضو المكتب التنفيذي لحركة النهضة بلقاسم حسن أن "سقوط نظام الأسد في 8 ديسمبر 2024 عقب سيطرة المعارضة السورية على البلاد، كان حدثا تاريخيا تمثل في سقوط دكتاتور استمد حكمه من والده وانتصار إرادة الشعب السوري بعد سنوات من القمع والمعاناة على إرادة الظلم والموت التي جسدها حكم دكتاتوري ظالم."
ويقول بلقاسم حسن لـ"الحرة": إن حركة النهضة تهنئ الشعب السوري بانتصار ثورته التي انطلقت منذ عام 2011، دفاعا عن حقوقه الأساسية في الحرية والعدالة وكرامة الانسان السوري رغم محاولات الإخماد والقمع الممنهج الذي اعتمدها النظام السابق.
ويضيف بأن النهضة دعت السوريين إلى ضرورة بناء نظام ديمقراطي يضمن التعايش الوطني والعدالة والحرية والمساواة لكل المواطنين بعيدا عن الصراعات الطائفية.
ويشدد في السياق ذاته على ضرورة احترام وحدة سوريا وعدم التدخل الخارجي في شؤونها وتجنب كل ما من شأنه أن يؤدي إلى الصراعات والتطاحن الذي يضرب الشعب السوري في العمق.
وبدأ نظام الأسد التي تعود جذوره إلى فترة تولي والده حافظ الأسد الحكم في 1971 في التفكك نتيجة هجمات المعارضة السورية والتي بلغت ذروتها في معركة دمشق مما أدى إلى إنهاء حكم آل الأسد في 8 ديسمبر 2024.
توجّس وخوف
في المقابل أعربت بعض الأحزاب القومية في تونس عن مخاوفها وتوجسها من مرحلة ما بعد انهيار نظام بشار الأسد في سوريا وما قد يرافقها من انحرافات في مسار الأوضاع في هذا البلد العربي.
وفي هذا الخصوص يقول القيادي في حركة الشعب (قومي) عبد الرزاق عويدات لـ "الحرة": إن المبدأ يقتضي أن تنحاز الأحزاب إلى الشعوب في مواجهة أنظمتها وفي حقها في تقرير مصيرها، غير أن الذي حدث في سوريا يبدو غريبا فكيف لجيش نظامي أن ينسحب من الميدان وتعوضه فصائل مسلحة.
ويتابع بأنه لا يمكن الجزم أو فهم ما إذا كانت ثورة شعبية أو صفقة أدارتها قوى دولية بالنظر إلى ما أقدمت عليه إسرائيل من تدمير للمقرات العسكرية والمطارات والأسلحة السورية لافتا إلى أنه في هذه الحال يمكن الحديث على مؤامرة يتعرض لها الشعب السوري ووحدة بلاده.
ويشدد عويدات في تعليقه على مصير الأوضاع بسوريا على أن "ما يخيف فعلا هو النتائج وليست الأسباب فالبلد أصبح بلا جيش وبدأت تثار نعرات طائفية وبوادر حرب أهلية في غياب تام للأمن."
وكانت حركة الشعب قد أصدرت بيانا في 30 نوفمبر 2024 تندد فيه بما وصفتها بـ "جرائم الجماعات الإرهابية في شمال سوريا".
ومنذ اندلاع الثورة السورية في 2011 اتسمت العلاقة بين تونس وسوريا بالتذبذب وأحيانا الفتور حيث أعلن الرئيس السابق المنصف المرزوقي في فبراير 2012 قطع العلاقات الدبلوماسية مع النظام السوري احتجاجا على قمع الاحتجاجات في البلد، قبل أن تعود العلاقات تدريجيا في 2014 بعد وصول الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي إلى الحكم.
وبزوال النظام السوري، عاد الجدل في الأوساط التونسية بشأن تأثير المواقف الحزبية في البلاد على أفق العلاقة بين تونس وسوريا.
سياق إقليمي
"إن مستقبل العلاقة بين تونس وسوريا لا تحدده مواقف الأحزاب، بل سيكون ضمن السياقات الإقليمية التي ستتشكل ضمن تداعيات سقوط نظام الأسد" هذا ما يراه المحلل السياسي خالد كرونة.
ويوضح كرونة في حديثه لـ"الحرة" بالقول: إن موقف تونس سيتحدد ضمن أفق إقليمي عام بعد أن تتضح بالتدريج آفاق العملية السياسية في الشام وليس مستبعدا أن يكون الفتور سيد الموقف نتيجة الأعمال "الصهيونية" في سوريا وكذلك ثقل ملف الجهاديين التونسيين هناك والمخاطر الناجمة عنه في حال عودتهم.
ويرجح المتحدث أن يكون الموقف التونسي مستندا إلى تفاهمات مع الجزائر في ظل استمرار الأزمة الأمنية في ليبيا.
ويشير في السياق ذاته، إلى أن هذا الموقف قد يتأثر بموقف النظام العربي الرسمي الذي قد يبدي احترازات كثيرة على العملية السياسية الجارية في سوريا وما سيترتب عنها بعلاقة بالأوضاع في الأردن في حال واجه مخاطر توطين أهل الضفة، وما ستقدره القيادة المصرية أيضا بشأن ما ستؤول إليه الأمور في غزة فضلا عما ستفرزه أوضاع الشمال السوري لا سيما في التعامل مع الملف الكردي واستتباعاته على ساسة العراق.
وتعود جذور العلاقات بين تونس وسوريا إلى فترة الأربعينات ميزها التبادل التجاري العلمي والسياحي بين البلدين.