ساترفيلد: تراجع كبير للدور الإيراني والروسي في المنطقة
ساترفيلد قال إن هناك أحداثاً استثنائية تجري الآن في سوريا (Al Hurra)

قال المبعوث الأميركي السابق للشؤون الإنسانية إلى الشرق الأوسط، ديفيد ساترفيلد، لقناة الحرة إن أحداثاً استثنائية تجري الآن في سوريا، بعد أن عانى شعبها من "دكتاتورية حزب البعث الفاسدة"، التي دامت لأكثر من 61 عاماً، و45 عاماً من دكتاتورية أسرة الأسد الوحشية.

ساترفيلد قال إن هذه المرحلة الجديدة تشهد تراجعاً للدور الإيراني والروسي في سوريا والمنطقة، نتيجة الأحداث التي بدأت في شهر سبتمبر الماضي.

وأهم تلك الأحداث، حسب ساترفيلد، كان أولاً القضاء على قيادة حزب الله وتحجيم قدراته، والتوصل إلى وقف لإطلاق النار في لبنان.

أما الحدث الثاني فتمثل في الخسائر التي تكبدتها إيران فيما يتعلق بمنشآت إنتاج الصواريخ، إثر الضربات الإسرائيلية، وقطع طريق إمداد حلفائها في لبنان عبر سوريا مؤخراً.

ويطرح ساترفيلد تساؤلات عن المرحلة المقبلة، من ناحية رؤية الشعب السوري لمستقبل أفضل، وهل أن هيئة تحرير الشام مستعدة فعلياً للانتقال إلى منظومة ديمقراطية ليبرالية منفتحة، أم أنها مجموعة جهادية ستفرض القيود على الاقليات والمرأة في سوريا.

ورحب ساترفيلد بتصريحات، أحمد الشرع، المعروف بالجولاني، ولكنه أكد أنه من المهم أن تتبع الأفعال تلك التصريحات.

ويقول ساترفيلد إنه في ضوء التراجع الإيراني والروسي، فإن تركيا لازالت تعمل عبر "الجيش الوطني السوري"، وضبط أمن الحدود الطويلة مع شمال سوريا بعمق 20 كيلومتراً.

لذلك تمت السيطرة على منبج لمنع الهجمات، بالإضافة إلى محاولة خفض التوتر والتصعيد العسكري في كوباني، أين يوجد الدور الأميركي، الذي يسمح بحرية التصرف للقوات الكردية.

وأضاف ساترفيلد أن ما يحدث بعيداً الحدود الشمالية لسوريا، أين ينشط الجيش الوطني السوري المدعوم تركياً، ليس في أيدي أنقرة بل هو تحت سلطة هيئة تحرير الشام، والمجموعات المختلفة التي تنضوي تحت مظلتها.

ويأمل ساترفيلد أن تختار هيئة تحرير الشام مصلحة الشعب السوري، أما تركيا فليس لها نفوذ حقيقي فيب مناطق مثل درعا أو السويداء أو دمشق.

وكانت تركيا قد عينت رئيساً جديداً لبعثتها في السفارة في دمشق المغلقة منذ وقت طويل، علما أنها تعهدت معاودة فتح أبوابها بعد سقوط الرئيس السوري بشار الأسد، وفق ما ذكرت وكالة أنباء الأناضول الحكومية.

وقال ساترفيلد أيضاً، أن الاستراتيجية التي تتبعها دول مثل إسرائيل وتركيا، هي استراتيجية احتواء، وخفض التصعيد الذي يمكن أن يأتي من الأراضي السورية ضدهم وضد حلفائهم.

وذكر ساترفيلد أن هناك تهديداً إيرانياً كان يستهدف العالم العربي إسرائيل، لذلك فإن أي شيء يمنع التدخل الإيراني سيكون تطوراً إيجابياً.

ويرى ساترفيلد، أن كلاً من إدارة بايدن وترامب لاحقاً، عليهما تكييف سياستهما، والدفاع عن مصالح أميركا وشركائهاعلى الأرض.

ويقول ساترفيلد إن هناك وقائعا جديدة تقدم فرصاً "بالمعنى الإيجابي للكلمة"، بالنسبة للمنطقة والولايات المتحدة، فيما يتعلق بإيران والمنطقة.

لكن ساترفيلد يستدرك بالقول إنه من المهم فهم التغيرات الحاصلة مؤخراً، لكن يجب أن نفهم بطريقة براغماتية المخاطر الحالية من استفادة داعش من الفرص المتاحة في الصحراء السورية.

وكان المرصد السوري لحقوق الإنسان، قد نقل في نوفمبر الماضي، عن مديرة مخيم الهول، جيهان حنان، قولها إن "قوات سوريا الديمقراطية أحبطت مؤخرا مخططا لتهريب النساء والأطفال، إثر تنسيق بين قيادات التنظيم في الداخل وخارج المخيم."

سجن صيدنايا أصبح رمزا للفظائع الذي ارتكبها نظام الأسد - REUTERS

تتصدر السجون في سوريا المشهد كرمز لمعاناة المعتقلين وانتهاك حقوقهم الإنسانية، فهي ليست مجرد أماكن للاحتجاز، بل أرشيف صامت يحمل في طياته وثائق وأدلة جريمة لا تُمحى، وشهادات حيّة على ممارسات طالما أنكرها نظام الأسد خلال فترة حكمه.

غير أن هذه الوثائق، التي يُفترض أن تكون شاهدة على الحقيقة ومفتاحًا لتحقيق العدالة، أصبحت اليوم عُرضة للعبث والإهمال، من مؤثرين يسعون للشهرة إلى أفراد عاديين يفتقدون الوعي بخطورة ما يفعلون.

وتُنتهك حرمة هذه الملفات لتتحول إلى مشاهد عابرة على مواقع التواصل، وكأنها بلا قيمة قانونية أو إنسانية.

مطالبات بتأمين الأدلة

منذ اليوم الأول لسقوط الأسد، دخلت أعداد كبيرة من المدنيين إلى السجون في مدينة دمشق وغيرها من المدن.

وعبثت الحشود بمحتويات المعتقلات بهدف تصويرها وبثها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وانتشرت مقاطع فيديو تُظهر الوثائق والتقارير في سجن صيدنايا وهي مرمية على الأرض، ويعبث بها من يشاء.

وفي الوقت نفسه، سارعت المنظمات الحقوقية السورية والدولية للمطالبة باتخاذ خطوات عاجلة لتأمين الأدلة على جرائم النظام السابق، وتأمين مواقع المقابر الجماعية في جميع أنحاء سوريا.

وذكرت منظمة العفو الدولية، في تقرير نشرته نهاية ديسمبر الفائت، أن "على السلطات السورية اتخاذ خطوات عاجلة لتأمين وحفظ الأدلة على الفظائع التي ارتُكبت في سوريا بعهد بشار الأسد، بما في ذلك وثائق حكومية واستخباراتية رئيسية، بالإضافة إلى مواقع الفظائع والمقابر الجماعية".

وذكرت المنظمة، في البيان الذي أصدرته بالتعاون مع رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا، وهيومن رايتس ووتش، أن هذه الأدلة على الجرائم ضرورية لتحديد مصير ومكان وجود عشرات الآلاف من السوريين الذين اختفوا قسراً على يد أجهزة الأمن والمخابرات سيئة السمعة التابعة للحكومة السابقة.

أهمية الأدلة في مسار العدالة الانتقالية

المحامي المختص بالقانون الجنائي الدولي، المعتصم بالله الكيلاني، أكّد، في تصريح لموقع "الحرة"، أن الأدلة والوثائق الموجودة في السجون التابعة للنظام السوري تمثل عنصراً محورياً في توثيق الانتهاكات التي ارتُكبت خلال النزاع.

وأشار إلى أن هذه الأدلة تتنوع بين السجلات الرسمية، مثل أوامر الاعتقال والتقارير الأمنية ومحاضر الاستجواب، والشهادات المكتوبة التي توثق شهادات المعتقلين السابقين حول التعذيب والإخفاء القسري.

وأضاف الكيلاني أن الأدلة تشمل أيضاً الصور ومقاطع الفيديو، مثل صور "قيصر"، التي أظهرت جثث المعتقلين وآثار التعذيب، بالإضافة إلى الأدلة الطبية وتقارير الطب الشرعي وسجلات المستشفيات.

كما أكّد على أهمية وثائق الاتصالات الداخلية بين الأجهزة الأمنية، التي تكشف التعليمات التي أدت إلى ارتكاب الانتهاكات.

العبث بمسارح الجريمة

يوم أمس الثلاثاء، ضجّت مواقع التواصل الاجتماعي بفيديو نشره فريق تطوعي يُطلق على نفسه اسم "سواعد الخير"، وهو يقوم بطلاء جدران أحد السجون في مدينة اللاذقية.

هذه الخطوة عرّضت الفريق لانتقادات حادة عبر وسائل التواصل الاجتماعي من الناشطين السوريين، الذين اعتبروا أن ما حدث هو محاولة لطمس معالم الجريمة، داعين إلى فتح تحقيق فوري مع الفريق.

وحذف الفريق الفيديو اليوم بعد الانتقادات الموجهة له، كما قام بإغلاق صفحته الرسمية على منصة فيسبوك.

وطالب نائب رئيس تيار سوريا الجديدة عضو رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا، محمد منير الفقير، في منشور على فيسبوك، النائب العام بإصدار مذكرة توقيف بحق من وصفهم بـ"المراهقين" الذين قاموا بطلاء بعض زنزانات الأفرع الأمنية والتحقيق معهم بتهمة العبث بمسرح الجريمة.

وأضاف: "أنا لست مرتاحاً لتعاطي الحكومة والإدارة السورية ممثلة بالسيد أحمد الشرع وفريقه مع ملف العدالة الانتقالية والمحاسبة".

المحامي الكيلاني شدّد على أن مسارح الجريمة داخل السجون نفسها تمثل أدلة مادية بالغة الأهمية، حيث تعكس زنازين الاحتجاز وغرف التعذيب الظروف اللاإنسانية التي عاشها المعتقلون.

أما عن العبث بمسارح الجريمة، حذّر الكيلاني من أن "التلاعب بها، مثل طلاء الجدران، يعوق توثيق الحقيقة ويمحو دلائل حيوية".

وأوضح أن هذا العبث يؤدي إلى تدمير أدلة مهمة، مثل الكتابات التي تركها المعتقلون على الجدران وآثار التعذيب، وبقع الدم والعلامات على الجدران والأرضيات، مما يقوّض فرص المحاسبة.

وأكد على أهمية "الوعي لدى الجهات المحلية بأهمية الحفاظ على مسارح الجريمة"، داعياً إلى حماية الأدلة وضمان عدم التلاعب بها لضمان تحقيق العدالة الانتقالية.

ونشرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان بياناً، الثلاثاء الماضي، دعت من خلاله حكومة تسيير الأعمال للتحقيق مع فريق "سواعد الخير" "لعبثه بمسارح الجريمة"، إثر قيامه بطلاء جدران السجن.

كما طالبت الشبكة الحكومة السورية الجديدة بضرورة حماية مسارح الجريمة، ومنع الدخول غير المصرح إليه.

وأشارت الشبكة إلى أن "هذا التصرف غير المسؤول يُشكّل تهديداً مباشراً لجهود توثيق الانتهاكات التي يُعتقد أنَّها حدثت في هذا المركز، بما في ذلك التعرف على مصير المعتقلين ومحاسبة المتورطين في تعذيبه".

كما أصدرت الشبكة بيانًا، في الثامن من يناير الجاري، أكّدت فيه على رصدها انتشار عدد كبير من الفيديوهات تظهر نشطاء وإعلاميين وصحفيين، يتجولون بحريَّة داخل مسارح الجرائم مثل الأفرع الأمنية والسجون.

وأشارت الشبكة إلى أن هؤلاء الأفراد غالباً ما يعبثون بالملفات أو يوثقون وجودهم عبر تصوير أنفسهم أو زملائهم أثناء ذلك.