مصير الوجود الروسي في سوريا، أصبح مثار جدل في ضوء معلومات تشير إلى بدء موسكو في سحب بعض معداتها العسكرية من البلاد، في أعقاب التطورات المتسارعة وتغير موازين القوى بعد سقوط نظام بشار الأسد.
وفيما يظل مصير الوجود العسكري الروسي في سوريا مجهولا ما بين انسحاب جزئي إلى إعادة هيكلة هذا التواجد بما يخدم مصالح روسيا بناء على الظروف الجديدة على الأرض، يرى خبراء أن بقاءه أو تقليصه سيعتمد على توازنات سياسية جديدة.
هنري إنشر نائب مساعد وزير الخارجية الأميركي الأسبق قال في حديث مع قناة الحرة إن الولايات المتحدة تعتبر الانسحاب الروسي مهما جدا وإن "عدم مقدرة موسكو على إظهار قوتها وحصول ضعف في استراتيجيتها اتجاه المنطقة "هو أمر مهم للولايات المتحدة.
وأوضح إنشر أن سوريا شهدت تحولا كبيرا في ميزان القوى وأن استفادة السوريين من هذه المكاسب بيد حكومتهم الجديدة والصياغة التي ستعتمدها في شكل العلاقة المستقبلية مع موسكو "من خلال إجراء مفاوضات جديدة تخدم مصالح السوريين".
ولمح إنشر إلى إمكانية مشاركة الأوربيين والأميركيين في المفاوضات التي ستجري بشأن الوجود الروسي لكنه استبعد أن توافق الحكومة السورية الجديدة على هذا الوجود بسبب "التصرفات الروسية خلال السنوات الماضية ودعمها لنظام بشار الأسد".
نائب مساعد وزير الخارجية الأميركي قال إن هناك فرصة حقيقية للولايات المتحدة أن تستفيد من المكاسب التي تحققت على الأرض بعد الانسحاب الروسي وتعزز موقعها في سوريا.
تلعب القاعدتان الروسيتان: طرطوس البحرية وحميميم الجوية دورا محوريا في الحفاظ على نفوذ موسكو في الشرق الأوسط وحوض المتوسط وصولا إلى أفريقيا. الخبير الروسي في الشؤون السياسية والعسكرية بافيل فيلغن-هاور يقول بهذا الشأن إن موسكو تعتبر وجود هاتين القاعدتين "مهما جدا استراتيجيا".
بدون هذه القاعدتين، يضيف بافيل في حديث للحرة، "ستخسر روسيا وجودا لوجيستيا في المنطقة سيما في أفريقيا الوسطى وشمال أفريقيا"، موضحا أن "الطائرات الروسية في هذه القواعد كانت تحمل سابقا المعدات والجنود إلى ليبيا وجمهورية أفريقيا الوسطى ومالي والجزائر وغيرها من الدول في القارة الأفريقية".
وجود ممر جوي مفتوح من روسيا إلى أفريقيا مهم جدا لموسكو، إذ يقول الخبير الروسي إن "أوروبا الآن لا تسمح للطائرات الروسية باستخدام أجوائها وبالتالي تحلق هذه الطائرات فوق إيران وتهبط في قاعدة حميميم في سوريا للتزود بالوقود لتكمل رحلتها نحو أفريقيا".
الوجود البحري الروسي في البحر المتوسط مهم جدا أيضا لروسيا وخسارة ميناء طرطوس تعني "تقويض الاستراتيجية الروسية في الشرق الأوسط وافريقيا" وستكون معرضة للخطر، حسب تعبيره.
ويقول بافيل إن موسكو سترفض التنازل عن حميميم وطرطوس سيما بعد "الأموال التي صرفت والدماء التي قدمت"، مضيفا "سيكون هناك انسحاب جزئي من سوريا لكن روسيا ستحافظ على هذه القواعد".

قال أربعة مسؤولين سوريين لرويترز إن روسيا تسحب قواتها من خطوط المواجهة في شمال سوريا ومن مواقع في جبال الساحل، لكنها لن تغادر قاعدتيها الرئيسيتين في البلاد بعد سقوط الرئيس بشار الأسد.
وكشف مسؤول أمني سوري، السبت، أن طائرة شحن روسية غادرت قاعدة حميميم الجوية الروسية في مدينة اللاذقية السورية الساحلية، متجهة إلى ليبيا، متوقعا إقلاع المزيد من الطائرات الروسية من القاعدة في الأيام المقبلة.
يأتي ذلك بعدما أظهرت صور أقمار اصطناعية نشرتها شركة "ماكسار" بعد إطاحة قوات المعارضة السورية بنظام بشار الأسد مطلع الأسبوع الجاري، أن روسيا تجمع فيما يبدو عتادا عسكريا في قاعدتها الجوية بسوريا.

الخارجية الروسية قالت إن موسكو أجرت اتصالات مع السلطات الجديدة في سوريا على أمل التفاوض على الإذن بمواصلة استخدام قاعدة حميميم، بالإضافة إلى منشأة بحرية في طرطوس.
وتقول موسكو إنها تأمل في الحفاظ على قاعدتيها في سوريا، وهما قاعدة حميميم الجوية في اللاذقية وقاعدة بحرية في طرطوس، من أجل مواصلة الجهود ضد ما وصفته بالإرهاب الدولي.
ودعمت موسكو سوريا منذ الأيام الأولى للحرب الباردة معترفة باستقلالها في عام 1944 حين سعت دمشق إلى التخلص من الاستعمار الفرنسي. ولطالما اعتبر الغرب سوريا تابعا للاتحاد السوفييتي.
وقال الكرملين إن تركيزه منذ سقوط الأسد ينصب على ضمان أمن قواعده العسكرية في سوريا وبعثاته الدبلوماسية.