بعد سقوط نظام بشار الأسد وهروبه خارج البلاد، انتشرت العديد من الشائعات بشأن سرقة كبرى للأموال العامة، وبرزت ادعاءات تتحدث عن اختفاء مليارات الدولارات، وتهريب أطنان من الذهب خارج البلاد.
وأثارت هذه العملية، التي توصف بأنها نهب مُنظّم، تساؤلات عدة بشأن مصير ثروات الشعب السوري، وكيف تمت هذه السرقة الهائلة خلال فترة قصيرة.
وكشف تقرير حديث، صدر الأحد، لصحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية، أن نظام الأسد "نقل 250 مليون دولار على متن طائرات إلى روسيا خلال عامي 2018 و2019".
وأظهرت سجلات حصلت عليها الصحيفة، أن نظام الأسد الذي كان يعاني من نقص شديد في العملة الأجنبية، "نقل أوراقا مالية تزن حوالي طنين من فئتي 100 دولار و500 يورو، عبر مطار فنوكوفو في العاصمة موسكو، لإيداعها في بنوك روسية خاضعة للعقوبات".
وأظهرت السجلات التي حصلت عليها الصحيفة، أنه "في 13 مايو 2019، هبطت طائرة في موسكو، تحمل 10 ملايين دولار من فئة 100 دولار، مرسلة باسم البنك المركزي السوري"، و"في فبراير من العام نفسه، وصلت طائرة تحمل 20 مليون يورو من فئة 500 يورو"، وفق الصحيفة.
وفي المجموع، يقول التقرير، إن "القيمة الإجمالية للمبالغ المنقولة بهذه الطريقة خلال تلك الفترة، وصلت إلى 250 مليون دولار".
لا عملات أجنبية في الخزينة
وفي تصريح لافت، أكد رئيس حكومة تصريف الأعمال السورية محمد البشير أن حكومته لا تملك أي عملة أجنبية، مشدداً على أن ما تبقى في الخزينة هو "الليرة السورية التي لا تساوي شيئاً".
وعزز هذا التصريح الشكوك بشأن استنزاف النظام لكامل احتياطيات الدولة النقدية والذهبية، قبل سقوطه.
كما صرح أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني) القائد العام لإدارة العمليات العسكرية في هيئة تحرير الشام، السبت الماضي، أن هناك مأساة مالية حقيقية، وأن هناك خططا للعلاج بعد الانتهاء من جمع البيانات، موضحا أن حاكم المصرف المركزي أبلغه أن بشار الأسد طلب منه ضرورة طباعة الأوراق النقدية بلا أصول.
فهل سرق الأسد أموال الشعب السوري؟ وكيف تم تهريبها؟ ومن ساعد في تسهيل هذه العملية؟ التي تعتبر واحدة من أكبر عمليات السلب المنظم التي شهدتها المنطقة في العصر الحديث.
النقد والذهب.. غموض وغياب الشفافية
يبدو من تحليل بيانات الاحتياطي النقدي والذهب، ومن دراسة الوثائق المتاحة في المصادر المفتوحة، أن البنك المركزي السوري لم يعلن عن بيانات احتياطاته منذ أكثر من عقد من الزمن، ومن غير الواضح حجم الاحتياطي المتاح لديه.
ووفقًا لتقديرات صندوق النقد الدولي، وبنك الاحتياطي الفيدرالي في سانت لويس، بلغت احتياطات سوريا 18.5 مليار دولار عام 2010، أي قبل اندلاع الثورة السورية.
أما بالنسبة لاحتياطي الذهب، فأفاد مجلس الذهب العالمي بأن سوريا كانت تمتلك 25.82 طنًا من المعدن النفيس في يونيو 2011، وهو ما يمثل 12% من احتياطيات البنك المركزي.
وبقيت هذه لاحتياطات كما هي حتى الربع الأول من العام الجاري، بحسب البيانات الواردة عن مجلس الذهب العالمي.
لكن، مع عدم وجود بيانات دقيقة بشأن ما تبقى من هذه الثروات في الوقت الحالي، يُعتقد من تصريحات البشير الأخيرة، أن النظام السابق استنزف هذه الثروة بالكامل، وسط تساؤلات بشأن كيفية تهريب هذه الأموال إلى الخارج، إذ لم تصدر أي بيانات رسمية حتى الآن من حكومة تسيير الأعمال عن هذا الموضوع، فيما عدا تصريح رئيس الحكومة المقتضب.
وفيما يتعلق بدقة المعلومات التي أشارت لحدوث سرقات لأصول البنك المركزي السوري قُبيل سقوط الأسد، يوضح الرئيس السابق بقسم في المصارف الإسلامية لدى مصرف سورية المركزي، فادي ديب، الذي كان يعمل داخل المصرف السوري المركزي قبل بداية الثورة السورية، في حديث خاص لموقع قناة الحرة، أنه وفي ذلك الوقت، كان يتم نقل الكثير من أصول مصرف سورية المركزي، بما في ذلك الذهب والعملات الأجنبية، بالطائرات عبر المطار إلى خارج سوريا، وبالتالي فهي لا تدخل ضمن سجلات النظام المصرفي السوري، ومثل هذه العمليات تتطلب عادة قرارات رسمية أو تعليمات مكتوبة، إلا أنه كانت عليها قيود أمنية للوصول إليها.
ويؤكد ديب: "في بداية الثورة في سوريا، وإلى قبل فترة بسيطة قبيل سقوط بشار الأسد، كانت تتم هذه التحركات دون وثائق رسمية واضحة، وأصبحت وجهة هذه الأموال هي روسيا، كما أن البيانات عن هذه السرقات غير مكتملة بسبب القيود الأمنية على التقارير الرسمية، ولكن هناك تقارير تشير إلى أنه تم استخدام عمليات "تمويل المستوردات" بالتعاون مع بعض شركات الصرافة العاملة في سوريا، لتهريب الأموال وإيداعها في الحسابات الشخصية لبشار الأسد".
ويشير ديب إلى أن تقديرات احتياطيات مصرف سوريا المركزي من العملات الأجنبية كانت بحوالي 18 مليار دولار عام 2010، أما الذهب، فقد قُدِّر بأكثر من 25 طناً.
ويضيف، "بحلول عام 2024، قبيل سقوط بشار الأسد، انخفضت الاحتياطات إلى مستويات حرجة، إذ أشارت التقارير إلى أن احتياطيات مصرف سوريا المركزي من العملات الأجنبية باتت شبه معدومة، والذهب قد تم استهلاكه أو تهريبه بالطرق التي ذكرنا سابقاً، وكان يتم طباعة الليرة السورية دون أي غطاء نقدي يذكر".
الثروة المخفية.. تقديرات متباينة
خلال فترة حكمها، سيطرت عائلة الأسد على قطاعات استراتيجية في الاقتصاد السوري، وشاركت بشكل مباشر أو غير مباشر في كل العمليات الاقتصادية واسعة النطاق في البلاد، كما نشطت في تهريب وتجارة الممنوعات، ويكاد يكون من المستحيل على أي طرف من الخارج أن يحصي صافي ثروتها، لأن لديها أصولا مخفية في حسابات عدة ومحافظ عقارية وشركات وملاذات ضريبية خارجية، بالإضافة إلى استخدامها لشركات وهمية وأسماء وهمية لتجنب الكشف والعقوبات.
ويبين تقرير "ذا ويك" أن عائلة الأسد انخرطت في أنشطة إجرامية تشمل التهريب وتجارة الأسلحة والمخدرات وعمليات الابتزاز والحماية.
وكان يتم غسل المبالغ الضخمة من الأموال المكتسبة من خلال هذه الأعمال غير المشروعة، عبر شركات شرعية وكيانات غير ربحية تديرها في البلاد.
ووفقا لتقرير صادر عن الموقع ذاته، قدّرت الاستخبارات البريطانية MI6 أن ثروة الأسد تصل إلى 200 طن من الذهب، و16 مليار دولار، و5 مليارات يورو، أي ما يساوي ميزانية سوريا لسبع سنوات، وفق بيانات عام 2023، لكن لم يتم التحقق من هذه التقديرات بشكل مستقل.
وقدر تقرير آخر صادر عن وزارة الخارجية الأميركية في 2022 أن صافي ثروة عائلة الأسد يتراوح بين مليار إلى ملياري دولار فقط، لكنه أشار إلى أن الأصول الفعلية مخفية في حسابات ومحافظ عقارية وشركات خارجية.
وأشارت الوزارة إلى أن هذه الأموال "تم الحصول عليها غالبا من خلال احتكارات الدولة والاتجار بالمخدرات، خاصة الأمفيتامين والكابتاغون، وإعادة استثمارها جزئيا في ولايات قضائية خارج نطاق القانون الدولي".
وأشار تقرير صادر عن موقع Finance Monthly إلى أن عائلة الأسد تمكنت من بناء إمبراطورية مالية عملاقة تُقدّر قيمتها بين 60 و122 مليار دولار، هذه الثروة هي نتاج شبكة فساد معقدة تشمل شركات وهمية وصناديق ائتمانية، وحسابات مصرفية مخفية في الشرق الأوسط وأوروبا صُمّمت بذكاء لإخفاء الأصول الحقيقة والثروات المرتبطة بالنظام السوري.
وتشير التقديرات إلى أن العائلة استحوذت على ثروة تمثل ثلاثة أرباع الاقتصاد السوري بأكمله، ولديهم حصص في قطاعات مختلفة مثل العقارات والمصانع ومحطات الطاقة وتراخيص السلع الأجنبية.
ومع ذلك، فإن تحويل هذه الأصول إلى أموال نقدية سريعة، والهروب السريع بها، ليس بالأمر السهل تمامًا، بحسب التقرير.
تهريب الأموال: العقارات في موسكو نموذجًا
من بين أبرز مظاهر تهريب أموال النظام السوري، شراء شركات تابعة لعائلة الأسد 20 شقة في ناطحتي سحاب فاخرة بقيمة 40 مليون دولار بين عامي 2013 و2019 في موسكو.
وبحسب صحيفة NZZ السويسرية، هذه الممتلكات العقارية تم شراؤها في توقيت حساس للغاية، عندما كان الاقتصاد السوري ينهار، وقبل تدخل روسيا عسكريًا في سوريا عام 2015 لإنقاذ النظام.
وكانت صحيفة فاينانشال تايمز أول من نشر تقريرا عن هذه المشتريات قبل خمس سنوات.
وبحسب موقع global witness تم شراء العقارات في روسيا من قبل عائلة مخلوف ابن خال بشار الأسد، وتُظهر ممتلكات عائلة مخلوف في الخارج دليلاً يدعم الشائعات حول تهريب أموال النظام إلى خارج سوريا طوال فترة الحرب.
ويبين الموقع في تقريره أن ترتيب معظم مشتريات حافظ مخلوف ابن خالة الأسد كانت باستخدام هيكل قروض لبناني غامض يحمل العديد من السمات المميزة لغسيل الأموال، وربما كان الغرض من ذلك نقل الأموال إلى خارج روسيا.
كما يظهر أن القروض بضمان بعض الممتلكات ربما كانت مخصصة لغسل الأموال من سوريا إلى موسكو، وهذا يفتح الباب أمام إمكانية نقل الأموال إلى أماكن أخرى، مثل الاتحاد الأوروبي، حيث يخضع أفراد أسرة الأسد للعقوبات.
الأصول المجمّدة دوليًا
ورغم الجهود الدولية لتجميد أصول عائلة الأسد، فإن حجم الثروة الضخم يجعل من الصعب السيطرة عليها بالكامل.
ففي عام 2017، جمدت بريطانيا أصولًا بقيمة 124 مليون دولار مرتبطة بالنظام، فيما صادرت السلطات الإسبانية 740 مليون دولار.
كما جمدت سويسرا 50 مليون فرنك سويسري في الأشهر الأخيرة، تبعتها بريطانيا التي جمدت 163 مليون جنيه إسترليني في حساب الأسد منذ أيام.
بدورها قالت، يمن حلاق الباحثة في الشبكة السورية لحقوق الإنسان، خلال حديثها مع موقع الحرة، أنه يمكن للمنظمات الحقوقية أن تضغط على هذه الدول لتجميد الأصول المشبوهة من خلال آليات قانونية قائمة، مثل قوانين مكافحة غسيل الأموال، وقوانين مكافحة الفساد الدولية، مثل قانون Magnitsky Act، والاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد (UNCAC)، بالإضافة للملاحقة القانونية سواء في المحاكم المحلية أو الدولية.
وتؤكد الباحثة أن "استعادة هذه الأموال تتطلب جهوداً محلية بالتوثيق والملاحقة القانونية كما تتطلب تعاونا دوليا، إذ لا بد من التنسيق مع الدول التي هُرّبت إليها الأموال لتجميدها عبر قوانين مكافحة الفساد، والعمل مع مبادرات متخصصة مثل StAR Initiative لاسترداد الأصول، كما أنه من المهم رفع الدعاوى القضائية أمام المحاكم الدولية أو المحلية ضد الأفراد أو الكيانات المسؤولة عن النهب، مع توفير الأدلة بالتعاون مع المنظمات الحقوقية والمؤسسات المالية".
وأشارت الباحثة إلى أن يمكن أن يتم توظيف الأموال المستعادة في جهود إعادة الإعمار، مثل تحسين البنية التحتية، وتوفير الخدمات الأساسية، وتحفيز الاقتصاد.
الاستفادة من قنوات حزب الله
يقول الخبير الاقتصادي السوري يونس الكريم في حديثه مع موقع قناة الحرة، إن عمليات قتل قيادات الصف الأول من حزب الله خلال الفترة الماضية، أثرت بشكل كبير على كل من سوريا ولبنان في عمليات نقل الأموال.
ويبين الخبير أن العديد من أموال حزب الله والنظام السوري تم تهريبها إلى أبوظبي وروسيا، خوفًا من اجتياح إسرائيل لسوريا، وليس خوفا من دخول المعارضة، التي لم تكن متوقعة أبداً.
أما بخصوص تفاصيل الأموال، فيلفت الخبير إلى أن جزءًا كبيرًا من الأموال خرج للاستفادة من الفوضى بعد اغتيال قيادات حزب الله، وكانت شركة "فاضل للتطوير العقاري" من بين الشركات التي نقلت جزءًا من الأموال إلى روسيا.
كما استفاد النظام السوري من قنوات حزب الله في أوروبا لإخراج وتوزيع الأموال خارج سوريا، إذ تم استبدال العملة المحلية بالدولار عبر قرارات استثنائية من المصارف، كما تم شراء الذهب لكن بكميات ليست بالكبيرة لتفادي لفت الأنظار.
آليات المحاسبة واسترجاع الأموال
بحسب منظمات حقوقية محلية ودولية، بدأت الآن عملية بحث عالمية عن مليارات الدولارات نقداً وأصولاً ادخرتها عائلة الأسد على مدى أكثر من نصف قرن من فترة حكمها.
المحامي السوري فراس حاج يحيى، الباحث لدى المؤسسة السورية للدراسات وأبحاث الرأي العام، أكد خلال حديثه الخاص مع موقع قناة الحرة أنه يمكن للمنظمات الحقوقية السورية بالتعاون مع المنظمات الحقوقية الدولية والناشطين الحقوقيين أن يلعبوا دورًا محوريًا في محاسبة المسؤولين عن نهب الأموال، وملاحقتهم قضائيًا عبر مسارات مختلفة.
وأوضح الحقوقي، "يجب رفع الدعاوى أمام المحاكم الوطنية في الدول التي تستضيف هذه الأموال المهربة، أو اللجوء إلى المحاكم الدولية، لا سيما إذا ارتبطت هذه الجرائم بانتهاكات حقوق الإنسان أو جرائم حرب".
وأشار حاج يحيى إلى وجود العديد من الإجراءات التي يمكن اتباعها لاستعادة الأموال المنهوبة، سواء لدعم إعادة الإعمار أو الاقتصاد السوري،" إجراءات قانونية دولية ومحلية، مثل تقديم طلبات المساعدة القانونية المتبادلة (MLATs) إلى الدول التي تحتفظ بهذه الأموال، وهو إجراء فعّال لاسترداد الأصول المهربة، واستخدام قوانين محلية مثل قوانين حجز ومصادرة الأصول في الدول المستقبلة للأموال، كذلك يمكن العمل مع البنوك والمؤسسات المالية لتجميد الأصول المهربة والتحقيق في حركة الأموال عبر الحدود".
بدوره، أكد مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان فضل عبد الغني، في حديث خاص له مع موقع قناة الحرة، أنه تم نهب أحياء وثروات سوريا على مدى سنوات، وتم شحن هذه الأموال بالطائرات، ومن خزانة الدولة، وعن طريق عمليات الاحتكار.
أما عن الإجراءات التي سيتم اتخاذها لملاحقة عمليات تهريب الأموال، يقول عبد الغني، "أولا سيتم الطلب من الدول تجميد هذه الأموال وإعادتها لخزينة الدولية السورية، ثانيا تسليم هؤلاء الأشخاص مع الأموال التي نهبوها، التي تقدر بمئات ملايين الدولارات، لأن هذه العائلة المتوسطة (عائلة الأسد) التي أصبح لديها هذه الثروة، لم يكن لديها أعمال حقيقية أو أصول تضخ هذه الثروات، ومن الواضح أن هذه الأموال أتت من عمليات النهب ومن تجارة حبوب الكبتاغون، وبالتالي هذه الأموال ستعود للدولة السورية، ونحن عبر مؤسستنا نطالب هذه الدول بتسليمهم، وسنعمل مع الحكومة الانتقالية القادمة لتحقيق هذا الأمر".
ويؤكد عبد الغني أن منظمته ستحاسب المتورطين في سرقة أموال وثروات وأملاك السوريين، ولديها لائحة تشمل بالإضافة الى الأسد أسماء كبيرة تابعة للنظام السوري السابق، وهي متورطة في أعمال النهب والسرقة لمنازل ومحال وأملاك السوريين في الغوطة الشرقية وداريا ومعرة النعمان وغيرها من المدن، بالإضافة لقيامها بنهب المساعدات الإنسانية والنفط، والتي تقدر بمئات ملايين الدولارات.
ويضيف عبد الغني، "هؤلاء جميعا يجب أن يخضعوا للمحاسبة، ونحن بصدد تجهيز قائمة كبيرة متورطة لمحاكمتها في محاكم محلية في سوريا، ونحن بحاجة لقضاء جديد قوي ومستقل لتنفيذ هذه المحاكمات".
عقبات وضغوط على الاقتصاد
وعن الوضع الحالي للاحتياطيات النقدية، وانعدام توفر القطع الأجنبي وتأثيره على الاقتصاد، يوضح الخبير الاقتصادي السوري يونس الكريم أن تصريحات محمد البشير، رئيس وزراء حكومة تسيير الأعمال، أشارت إلى أن المصرف المركزي يحتوي على عملة محلية فقط، مما يشكل عقبات وضغطًا على الاقتصاد السوري في ظل العقوبات الدولية.
وتوقع الخبير أن تصبح مرونة الاقتصاد في مواجهة متطلبات الأسواق ضعيفة جدا، خاصة وأن الحكومة الحالية تتحمل ضغوطات في محاولاتها إرضاء الشارع الذي يتطلع للكثير.
ويفيد الخبير الكريم أن هناك دراسة تفيد بقرب عملية تجميد الرسوم الجمركية في ظل الحكومة الحالية، وهذا سيشكل ضغطا على الدولار غير الموجود، كذلك هناك ضغط كبير على الموارد الأولية من الكهرباء والمحروقات، وكل ما يتطلب الدولار غير الموجود في السوق.
ومن العوائق أيضا، بحسب الخبير، عدم وجود مساعدات عربية مالية حتى الآن، ووجود عروض كبيرة يتم تقديمها من شركات أجنبية للاستثمار عوضا عن إيران وروسيا في سوريا، وهذا ما يشكل عائقا، لأن هذه الاستثمارات تتم عن طريق حكومة تسيير الأعمال.
ويؤكد الكريم أنه تواصل مع حكومة تسيير الأعمال التي أكدت له أنها تعتمد على المبادرات الفردية والهبات العربية، "ولكن حتى الآن لم تتوضح الصورة بعد، لأن السوريين في الخارج لم يطلقوا لغاية الآن مبادرة لدعم اقتصادهم داخل سوريا، وقد يكون سبب وجود حكومة تسيير الأعمال التابعة لهيئة تحرير الشام وهي ذات اللون الواحد والطائفة واحدة، هو ما يمنع هذه المبادرات من الانطلاق لدعم الاقتصاد السوري".
وكذلك الأمر تنتظر الدول العربية حدوث الاستقرار حتى تتمكن من تقديم الدعم، فهي تتريث كي لا تكون شريكة في توليد اضطراب سياسي قد يحدث، بحسب الخبير.
طباعة دون أصول
"أثرت أوامر بشار الأسد في طباعة العملة المحلية دون غطاء، أو دعم بأصول حقيقية، على الاقتصاد السوري تأثيراً كبيراً، مما أدى عملياً إلى انهيار الليرة السورية، حيث انخفضت قيمتها من 50 ليرة مقابل الدولار عام 2010 إلى أكثر من 15,000 ليرة عام 2024"، بحسب تصريح فادي ديب رئيس قسم الرقابة سابقاً لدى مصرف سورية المركزي.
ويضيف ديب، "أدت طباعة العملة المحلية دون أصول حقيقية إلى التضخم المفرط، إذ سجل الاقتصاد السوري معدلات تضخم تتجاوز 200%، مما أدى إلى انخفاض حاد في القدرة الشرائية للمواطنين، إضافةً إلى فقدان المواطنين الثقة بالليرة السورية، والاتجاه إلى الاحتفاظ بالدولار أو الذهب، مما نتج عنه أن أكثر من 50% من السوريين يعيشون تحت خط الفقر".
وأكد ديب أنه سيكون هناك تأثيرات كبيرة اقتصادية على سوريا بسبب وجود الخزائن الفارغة من العملات الأجنبية في المصرف المركزي السوري، قائلا: "إنَّ غياب العملات الأجنبية يعني أنه لن تتمكن الحكومة الجديدة للبلاد من استيراد المواد الغذائية، الأدوية، والطاقة، مما سيزيد من المعاناة الإنسانية، كما أن الشركات المحلية التي تعتمد على استيراد المواد الخام ستواجه صعوبات كبيرة أيضاً، كما أن عدم وجود احتياطي أجنبي يضعف ثقة المستثمرين ويمنعهم من الدخول في السوق السوري، وبالمحصلة قد يكون هناك أزمات في الثقة مع المجتمع الدولي".
وعن التوقعات الاقتصادية يوضح ديب أنه على المدى القريب، سيظل الوضع صعباً بسبب التحديات الهائلة، أما على المدى المتوسط، يمكن للاقتصاد أن يبدأ بالتعافي، إذا نجحت الحكومة الجديدة في بناء نظام اقتصادي شفاف وجذب الدعم الدولي.