يواجه أحمد الشرع  المعروف بالجولاني معضلة رسم مستقبل سوريا وموقع الجهاديين فيها
يواجه أحمد الشرع المعروف بالجولاني معضلة رسم مستقبل سوريا وموقع الجهاديين فيها. (AFP)

يتساءل السوريون والمراقبون للشأن السوري عن تحديات المرحلة الانتقالية، بعد سقوط نظام بشار الأسد وإمساك سلطة جديدة بزمام الأمور في دمشق.

 إذ تتمحور معظم هذه الأسئلة عن العدالة الانتقالية، وشكل الحكم القادم ووضع الأقليات ومصير الحريات الفردية، ومشكلة السلاح والوجود الأجنبي في البلد، وغيرها.

لكن السؤال الذي لم يلتفت إليه كثيرون، يتمحور حول مدى قدرة قائد هيئة تحرير الشام، أبو محمد الجولاني،  الذي بات يستخدم اسمه الحقيقي، أحمد الشرع، على احتواء الجهاديين، وإقناعهم بأن مهمتهم في سوريا قد انتهت.

ويتعين على الشرع إقناع الجهاديين أيضاً، بأن عليهم أن ينصهروا في مؤسسات الدولة الجديدة، بدستورها وقانونها وانتخاباتها العامة، لا سيما وأن معظمهم نشأ على أدبيات لا تعترف بأدوات الدولة الحديثة في الحكم وإدارة الشأن العام، وتختزل رؤيتها للحكم في جملة واحدة " تطبيق الشريعة".

والجولاني نفسه الذي أصبح قائد إدارة العمليات العسكرية، مدرج على لوائح الإرهاب في الولايات المتحدة ويقود منظمة مصنفة إرهابية أيضاً.

تمرد الجهاديين

واجه الجولاني منذ دخوله إلى سوريا في 2011 مشاكل كثيرة مع الجهاديين المتشددين، فعندما عبر من سوريا إلى العراق كان معه 6 أفراد فقط، ثلاثة منهم تركوه بعد فترة والتحقوا بداعش.

وكان من جملة الأسباب التي أطلقت شرارة القتال بين جبهة النصرة بقيادة الجولاني، وبين تنظيم داعش منذ مطلع 2013، أن كبار الجهاديين في سوريا، خصوصا الأجانب منهم، قد اتهموا الجولاني بالتراجع عن "تطبيق الشريعة" في المناطق التي تسيطر عليها جبهة النصرة.

 فانضم معظمهم إلى داعش التي يعتبرونها نموذجاً ناجحاً في تطبيق الشريعة وإنفاذ الحدود الشرعية بشكل علني، مثل قطع يد السارق ورجم الزاني وتعزير المدخنين وفرض النقاب الكامل على النساء وغيرها.

وبعد المفاضلة بين داعش وجبهة النصرة، ظل آلاف الجهاديين ممن بايعوا النصرة لكونها فرعاً للقاعدة في سوريا؛ ظلوا متحفظين على سياسة الجولاني في فرض تطبيق الشريعة، وانخرطوا في نقاشات كثيرة على أرض الواقع وفي مواقع التواصل الاجتماعي حول مسألة تطبيق الشريعة وإقامة الحدود في زمن الحرب.

 واقتنع بعضهم بوجاهة رأي الجولاني بضرورة إرجاء تطبيق جوانب من الشريعة حتى "التمكين الكامل"، لكن مع ذلك بقي كثيرون على موقفهم المتمثل بوجوب فرض الشريعة فوراً، لاسيما بعد السيطرة على مدينة إدلب وتوقيع اتفاقيات خفض التصعيد.

في فبراير 2017 بدأ الجولاني جولة قتال جديدة ضد مجموعة من الجهاديين الذين يكفرون الفصائل الثورية، ولا يعترفون بالمحاكم واللجان القضائية في شمال غرب سوريا، لكونها لا تطبق الشريعة الإسلامية حسب اعتقادهم.

 نشبت معارك طاحنة بين هيئة تحرير الشام وبين لواء الأقصى في إدلب وريف حماة الشمالي، أسفرت عن مقتل العشرات من الطرفين، تخللتها إعدامات متبادلة، وعمليات انتحارية، وقصف متبادل، واشتباكات بشتى أنواع الأسلحة.

وكانت الهيئة قبل ذلك بعام قد حاولت استيعاب "جماعة جند الأقصى" ضمن صفوفها، بعد نشوب قتال بينها وبين حركة أحرار الشام. 

وتصور الجولاني حينها أن بإمكانه تعويم "جماعة جند الأقصى" في جبهة فتح الشام (لم يتم تأسيس الهيئة بعد)، وتفكيك الجماعة بهدوء.

 لكن عناصر الجماعة وقادتها تمسكوا بمواقفهم المتشددة، فاضطر الجولاني إلى إصدار بيان أعلن فيه " عدم تبعية جند الأقصى لجبهة فتح الشام تنظيميا"، بسبب " عدم انصياع الجند لأي من بنود البيعة " وإخلالهم "بشرط السمع والطاعة الذي يعتبر ركناً رئيسياً في البيعة".

وأعلنت هيئة تحرير الشام في فبراير 2017 الحرب على جماعة جند الأقصى، التي غيرت اسمها إلى لواء الأقصى، وبعد معارك ضارية اتفق الطرفان على فتح ممر آمن لعناصر اللواء وعائلاتهم، للتوجه صوب مدينة الرقة التي كانت تسيطر عليها داعش.

واختار بعضهم الانضمام إلى الحزب الإسلامي التركستاني وفصائل أخرى، بينما فضلت شريحة منهم إعادة تجميع صفوفها في جماعة جديدة، أطلقوا عليها اسم "جماعة أنصار التوحيد".

 انضمت الجماعة فيما بعد إلى غرفة عمليات الفتح المبين بقيادة هيئة تحرير الشام، وأصبحت جزءاً من " إدارة العمليات العسكرية"، وشاركت بفعالية في معارك تحرير المدن لاسيما حماة، ودخلت دمشق ضمن الفصائل التي دخلتها في إدارة العمليات العسكرية.

فصل آخر من فصول صراع الجولاني مع الجهاديين ستشهده مناطق إدلب في صيف 2020، بعد ثلاث سنوات من الخلافات والتوترات الحادة بين تنظيم حراس الدين وبين هيئة تحرير الشام.

تلك التوترات جاءت على خلفية الارتباط بالقاعدة، ومدى شرعية تحلل الجولاني من بيعة أيمن الظواهري، ومسائل أخرى مرتبطة بتطبيق الشريعة وعدم اعتراف تنظيم حراس الدين بحكومة الإنقاذ في إدلب.

وصلت الخلافات بين الطرفين إلى طريق مسدود، فقررت الهيئة تفكيك التنظيم بطريقة أقل دموية، وبعد اشتباكات محدودة استمرت بضعة أيام، وافق قادة حراس الدين على إنهاء وجودهم العلني في شمال غرب سوريا، وتفكيك معسكراتهم وحواجزهم.

 ولا يزال نشاط التنظيم محظوراً في المناطق التي تسيطر عليها هيئة تحرير الشام.

ترويض الجهاديين

آخر معارك الجولاني مع الجهاديين كانت في أكتوبر 2021، عندما هاجمت هيئة تحرير الشام فصيلي "جنود الشام"، بقيادة مسلم الشيشاني، و"جند الله" بقيادة، أبو حنيف الأذري، في ريفي إدلب الغربي واللاذقية الشمالي.

الهجوم تم إثر تهمة إيواء جهاديين مارقين، والقيام بعمليات احتطاب (السطو باسم الجهاد)، والتكفير، وعلاقة الجماعتين المشبوهة بتنظيم داعش.

 وذلك ما نفاه جملة وتفصيلاً مسلم الشيشاني في تسجيل صوتي بثه على الإنترنت، كما نفته جماعة جند الله في بيان رسمي. 

أسفرت الاشتباكات عن استسلام الجماعتين، وموافقتهما على إخلاء نقاطهما في جبل التركمان، وتسليم المطلوبين للهيئة.

 وكان الهدف الرئيسي من حملة الهيئة هو احتواء الجماعات الجهادية المستقلة، وإجبارها على الدخول في غرفة عمليات الفتح المبين أو تفكيكها بالقوة.

في الواقع، نجح الجولاني في احتواء معظم الجماعات الجهادية في سوريا داخل هيئة تحرير الشام. 

والجماعات التي تصر على الاستقلال فرض عليها تقييد نشاطها العسكري، ضمن غرفة عمليات الفتح المبين، والاعتراف بحكومة الإنقاذ كواجهة سياسية وخدمية في المناطق المحررة.

ولم يسمح الجولاني بتشكيل تحالفات جهادية خارج هيئة تحرير الشام، وخارج غرفة الفتح المبين.

فعندما أعلنت 5 جماعات جهادية وهي: لواء المقاتلين الأنصار، وتنسيقية الجهاد، وجبهة أنصار الدين، وجماعة أنصار الإسلام، وتنظيم حراس الدين، تأسيس غرفة عمليات موحدة باسم "غرفة عمليات فاثبتوا"، في يونيو 2020، تحركت الهيئة على الفور وحلت التكتل الجديد واعتقلت عددا من قادته.

في كل اشتباك بين هيئة تحرير الشام وبين الجماعات الجهادية المذكورة، تحرص ما تسمى بكتل المهاجرين في الهيئة على تأكيد ولائها للجولاني، وقيادة الهيئة بشكل عام.

 وكتل المهاجرين هي الجماعات الجهادية الأجنبية الموالية للهيئة وأهمها: الحزب الإسلامي التركستاني، وجماعة التوحيد والجهاد الأوزبكية، وجيش المهاجرين والأنصار القوقازيين، وحركة شام الإسلام (المغاربة)، وجماعة الألبان والمالديف وغيرها.

ولا يزال عدد من قادة وأعضاء الجماعات الجهادية في سجون هيئة تحرير الشام في إدلب، ومعظمهم من الذين رفضوا إبرام تسويات يتعهدون بموجبها بعدم تشكيل جماعة جديدة، أو القيام بعمليات ضد الهيئة، والكف عن ترويج أفكار التكفير.

 لعل من أبرز أولئك القادة، أبو يحيى الجزائري، القيادي السابق في تنظيم حراس الدين. 

وكثير من القيادات والرموز الذين أطلق سراحهم قبل أشهر، وقعوا أوراق تعهد بعدم انتقاد الهيئة بشكل علني، وعدم تشكيل جماعات جديدة، كأبي ذر المصري وأبو عبد الرحمن المكي وأبو شعيب المصري وغيرهم.

الجهاديون في سوريا الجديدة

لقد نجح الجولاني في احتواء المارد الجهادي في إدلب خلال السنوات الماضية، بل إن القوة الضاربة لهيئة تحرير الشام، المتمثلة بالعصائب الحمراء وكتائب خالد بن الوليد الانغماسية، هم من الجهاديين ذوي الولاء المطلق له.

 لكن السؤال المطروح الآن، هو هل يستطيع الجولاني إقناع هؤلاء بالخطاب السياسي الجديد لهيئة تحرير الشام، بعد سيطرتها على دمشق؟

يلعب عبد الرحيم عطون، الرجل الثاني في هيئة تحرير الشام، أدواراً أساسية في بلورة التحولات الفكرية والسياسية للهيئة منذ سنوات.

 وعطون يشاطر الجولاني المواقف ذاتها منذ تأسيس جبهة النصرة، ويبدو أن مهمة التأطير الفكري للجهاديين في سوريا الجديدة ستكون مهمة ملقاة على عاتقه. 

لكن لا شك أن هناك فئات من الجهادين ستجد صعوبة في استيعاب التحولات الجديدة، والأفكار التي تطرحها دائرة الشؤون السياسية، لاسيما تلك المتعلقة بحقوق الأقليات، والانتخابات، والعلاقة مع المجتمع الدولي، وصياغة الدستور، والانفتاح على الدول الغربية وغيرها.

في هذا السياق يقول الباحث المتخصص في شؤون الجماعات المتشددة في مركز، إجيبشن انتربرايز للسياسات والدراسات الاستراتيجية، أحمد سلطان، إن " تحولات هيئة تحرير الشام من جبهة النصرة مروراً بجبهة فتح الشام وانتهاء بهيئة تحرير الشام، أتت بتأثير من النخبة القيادية ممثلة في الجولاني".

وأضاف، في تصريح لموقع الحرة، أن " الصيرورة التنظيمية لجبهة النصرة، وما تخللها من فك الارتباط بداعش وإنهاء العلاقة بالقاعدة، وصولاً إلى تأسيس الهيئة، جرى تبريرها من طرف القياديين و"الشرعيين" المقربين من الجولاني".

وعن التحولات الجديدة المرتقبة التي أعطى الجولاني لمحات عنها في خرجاته الإعلامية، قال أحمد سلطان إن "هناك محاولات من قياديي وشرعيي تحرير الشام لتهيئة الأرضية لها، لكنها لن ترضي كل الجهاديين وقد يعترض بعضهم ويراها تراجعا عن قناعات التيار الجهادي".

ولفت الباحث إلى أن " الهيئة في السنوات الماضية سبق وأن تعرضت لانشقاقات بسبب مواقفها، لكنها ظلت مع ذلك متماسكة، واستطاع الجولاني وتيار "بنش" المقرب منه، إحكام السيطرة على الهيئة".

واستطرد قائلاً:" مع بعض الخلافات والوعود سيتم تبرير هذا الانفتاح، بأن التطبيق الكامل للشريعة سيحتاج إلى بعض الوقت، وستتبنى الهيئة خطاباً أشبه بخطاب الإخوان المسلمين، مع سعي لتجنب الانشقاقات والتشظيات في صفوفها".

معضلة أخرى تنتظر أحمد الشرع في المستقبل القريب، وهي موقع الجهاديين الأجانب في سوريا الجديدة، وهم يعدون بالآلاف، وبعضهم شكل فصائل مستقلة مثل الحزب الإسلامي التركستاني، والقوقازيين، والطاجيك.

 هل سيتم إدماجهم في القوات الحكومية وإلحاقهم بوزارة الدفاع؟ أم نزع سلاحهم وتجنيسهم ليكونوا مواطنين سوريين؟ ملف شائك وأسئلة معلقة يترقب العالم كيف سيكون التعامل معها.

الشرع والجهاد الإسلامي

بالتزامن مع زيارة رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، إلى دمشق ولقائه بالرئيس السوري للمرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، تحدثت تقارير عن اعتقال القوات الأمنية السورية قياديين بارزين من حركة الجهاد الإسلامي، في حدث يبدو شديد الدلالة على التحولات الكبيرة التي تشهدها سوريا منذ سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر من العام الماضي.

وقالت "سرايا القدس"، وهي الجناح العسكري للجهاد الإسلامي، في بيان الأربعاء إن خالد خالد مسؤول الحركة في سوريا وياسر الزفري مسؤول لجنتها التنظيمية محتجزان لدى السلطات السورية منذ خمسة أيام.

وأضافت أن السلطات ألقت القبض على الرجلين "دون توضيح أسباب الاعتقال وبطريقة لم نكن نتمنى أن نراها من إخوة". ودعت إلى "الإفراج" عنهما. 

وأكد مسؤول في وزارة الداخلية السورية لوكالة رويترز نبأ إلقاء القبض على القياديين في الحركة، لكنه لم يجب عن أسئلة لاحقة حول سبب اعتقالهما.

حركة "الجهاد الإسلامي" هي إحدى أهم الفصائل الفلسطينية المسلحة، وإن كانت أكثرها غموضاً وتعقيداً، من حيث تاريخها وأيديولوجيتها. صنفتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي منظمة إرهابية، ونمت لتصبح ثاني أكبر حركة مسلحة في قطاع غزة وثالث أكبر حركة في الضفة الغربية.

وعلى الرغم من أنها أصدرت أول بيان علني لها في 11 ديسمبر عام 1987، كان وجودها واحدا من أكثر أسرار المقاومة الفلسطينية كتمانا. تأسست الحركة في قطاع غزة عام 1981 على يد مجموعة من الطلاب الفلسطينيين الذين لم يسبق لأحدهم أن أمسك بسلاح، لكنها سريعاً تحولت إلى استخدام العنف ضد أهداف إسرائيلية في عام 1984، أي قبل خمس سنوات من ظهور حركة حماس.

واكتسبت الحركة سمعة سيئة بسبب طبيعة هجماتها المثيرة للجدل في عنفها، ومواقفها المتصلبة ضد إسرائيل. وكان الشعار الذي طرحته هو: "الإسلام، الجهاد، وفلسطين": الإسلام كنقطة انطلاق، الجهاد كوسيلة، وتحرير فلسطين كهدف.

وكانت الحركة ولا تزال ملتزمة بـ"لاءات ثلاث": لا تفاوض، ولا حل الدولتين، ولا اعتراف بإسرائيل.

في كتابه "تاريخ الجهاد الإسلامي الفلسطيني: الإيمان والوعي والثورة في الشرق الأوسط"، يروي الباحث إيريك سكير حكاية جذور تأسيس حركة الجهاد الإسلامي، التي بدأت من رسم وضعه فتحي الشقاقي (مؤسس الحركة/ اغتيل في العام ١٩٩٥) على ورقة في مارس 1979، يمثل مستطيلًا يتقاطع مع دائرة. 

كان هذا الرسم، بحسب سكير، يمثل مشروعهم السياسي الجديد، ويحتوي على ثلاث مساحات متميزة. تمثل المساحة الأولى "الإخوة الذين كانوا أعضاء في جماعة الإخوان المسلمين فقط". ثم هناك "الإخوة الذين كانوا أعضاء في كل من جماعة الإخوان والمشروع الجديد الذي يشكل نوعاً ما انشقاقاً عن الإخوان. وأخيراً، هناك أولئك الذين انضموا إلى هذا المشروع دون أن يكونوا من الإخوان المسلمين. كانت هذه المنظمة تُعرف بـ "الطلائع الإسلامية"، وهي نواة حركة الجهاد الإسلامي.

والتعقيد في سيرة الجهاد الإسلامي وتموضعها، مرده إلى عوامل عديدة لعبت دوراً في رسم هوية الحركة وتشكيل أفكارها من روافد متنوعة، وقد تبدو أحياناً متناقضة. فهي كما يرى باحثون، بينهم الباحثة الإسرائيلية مائير هاتينا، نشأت من تأثير حاسم للجماعات المصرية المتطرفة في السبعينيات. 

وفي المقابل، تركز الباحثة، بفيرلي ميلتون إدواردز، على صراع الحركة مع جماعة الإخوان المسلمين في أوائل الثمانينيات، بشأن المقاومة المسلحة. وبينهما رأي، يتوقف عنده إيريك سكير في كتابه، يقول بأن "الجهاد الإسلامي" خرجت تأثراً بالثورة الإيرانية عام ١٩٧٩. 

وفي الحالات كلها، تبدو حركة "الجهاد الإسلامي" اليوم في قلب هذه التناقضات، فهي الفصيل الأقرب فلسطينياً إلى إيران تمويلاً وتسليحاً مع إشارات إلى حالات "تشيّع" داخل الحركة. ومع ذلك فإن تنسيقها مع حماس لم يتوقف، حتى مع التباين بين حماس و"الجهاد" حول قضية الثورة السورية، وبقاء الجهاد الإسلامي في "حضن" النظام السوري مستفيدة من الحماية التي وفرها لها، في وقت كانت حماس تبتعد عن النظام بسبب مزاج الثورة القريب من الإخوان المسلمين.

مع ذلك نسقت حماس مع "الجهاد" هجومها على إسرائيل في السابع من أكتوبر ٢٠٢٣، وتحتفظ بأسرى إسرائيليين.

ومع تولي أحمد الشرع السلطة في سوريا، تزداد الأمور تعقيداً. فالشرع يميل، بحسب معطيات عديدة، إلى الاقتراب أكثر من تسوية مع إسرائيل قد تستكمل باتفاقية سلام، والابتعاد أكثر عن حماس وما تمثله. ولقاؤه بالرئيس الفلسطيني محمود عباس يصب في هذا السياق.

ولا يحيد اعتقال الأمن السوري القياديين في "الجهاد" عن هذا "النهج"، ويأتي استكمالاً للمزاج السياسي للشرع المبتعد بوضوح، إلى حد القطيعة، عن إيران. إذ قطعت القيادة السورية الجديدة العلاقات الدبلوماسية مع إيران، وتأمل في إعادة بناء الدعم الإقليمي والدولي لسوريا، لا سيما رفع العقوبات وتمويل إعادة الإعمار بعد حرب أهلية مدمرة استمرت 14 عاماً.

لكن قد لا يعني اعتقال القياديين في الجهاد أن الشرع سيفعل الشيء ذاته مع حركة "حماس" في سوريا، على الأقل في الفترة المقبلة، كما يوضح نائب مدير مركز كارنيغي، الباحث مهند الحاج علي، لموقع "الحرة". بل إن الشرع على الغالب سيحافظ على العلاقة التاريخية بحماس لما تمثله من امتداد يرتبط بالإخوان المسلمين. 

وإذا كان الشرع في وارد "بيع" حماس، فإنه بالتأكيد سيطلب ثمناً عالياً لقاء ذلك. ويعتقد الحاج علي أن حماس لن تُحرج الشرع وستلتزم بما يناسبه في سوريا، حتى لو عنى ذلك قطع التواصل مع إيران، وإن كان الباحث في كارنيغي يتوقع أن تلعب حماس أدواراً في المستقبل لتحسين علاقات الشرع بإيران.

وأوردت وكالة رويترز في تقرير الشهر الماضي أن الولايات المتحدة قدمت لسوريا قائمة شروط يتعين الوفاء بها مقابل تخفيف جزئي للعقوبات. وذكرت مصادر لرويترز أن أحد الشروط هو إبعاد الجماعات الفلسطينية المدعومة من إيران.