أحمد الشرع
الجولاني قاد "هيئة تحرير الشام" التي أنهت حكم الأسد

أجرى قائد "هيئة تحرير الشام" أحمد الشرع، حوارا مع هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، نُشر، الخميس، تحدث فيه عن مستقبل العملية السياسية في سوريا، وتطرق إلى قضايا جدلية، من ضمنها حقوق المرأة وتعليمها والحريات، نافيا رغبته تحويل سوريا إلى أفغانستان أخرى.

وقال الشرع إنه يؤمن بتعليم المرأة، "لدينا جامعات في إدلب منذ أكثر من ثماني سنوات"، في إشارة إلى المحافظة الواقعة في شمال غرب سوريا والتي سيطر عليها المعارضون للأسد منذ عام 2011. وأضاف "أعتقد أن نسبة النساء في الجامعات تزيد عن 60%".

وعندما سُئل عما إذا كان استهلاك الكحول سيكون مسموحًا به في سوريا الجديدة، قال الشرع: "هناك أشياء كثيرة ليس من حقي التحدث عنها لأنها مسائل قانونية"، وقال إن القرار في ذلك ستتخذه لجنة مختصة بذلك.

ونفى أن يكون يريد تحويل سوريا إلى نسخة من أفغانستان. وقال الشرع إن "البلدين مختلفان للغاية، ولكل منهما تقاليد مختلفة". وأضاف أن "أفغانستان مجتمع قبلي. أما في سوريا، فيقول إن "هناك عقلية مختلفة".

وقال إن هيئة تحرير الشام يجب أن تُشطب من قائمة المنظمات الإرهابية. وقد صنفتها الأمم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة، من بين العديد من المنظمات الأخرى، على أنها منظمة إرهابية، حيث بدأت كجماعة منشقة عن تنظيم القاعدة، والتي انفصلت عنها في عام 2016.

وأضاف الشرع أن هيئة تحرير الشام ليست جماعة إرهابية. وتابع أنهم لم يستهدفوا المدنيين أو المناطق المدنية، بل اعتبروا أنفسهم ضحايا لجرائم نظام الأسد.

وبشأن الخارطة السياسية في سوريا، قال الشرع إنه ستكون هناك "لجنة سورية من الخبراء القانونيين لكتابة دستور، وهم سيقررون، وأي حاكم أو رئيس سيكون عليه أن يلتزم بالقانون".

وبات قائد "هيئة تحرير الشام" يستخدم اسمه الحقيقي بعدما وصلت قواته إلى دمشق وهروب بشار الأسد، ليصبح على الأقل بحكم الأمر الواقع الآن، قائدا لنحو 23 مليون سوري، في أعقاب رحلة استمرت نحو عقدين في الجماعات المسلحة.

خلال تلك الفترة، تحول تدريجيا من قائد إسلامي متشدد، إلى قائد لايزال محتفظا بلحيته لكنه يرتدي ملابس غربية نوعا ما.

وهذا المظهر المتطور يلخص رحلة الشرع من كنف الجماعات المتشددة التي تعمل في الخفاء، إلى السلطة الفعلية في العلن، وإجراء المقابلات الإعلامية التي تحدث خلالها عن رؤيته لسوريا الجديدة المعتدلة "التي تستوعب الجميع تحت مظلة واحدة".

مدينة القصير في سوريا (فرانس برس)
مدينة القصير في سوريا (فرانس برس)

قبل 12 عاما.. كسر حزب الله الحدود بين سوريا ولبنان، واختار دعم نظام بشار الأسد ضد مناهضيه من فصائل "الجيش السوري الحر".. وبعدما وضع كل ثقله العسكري هناك، تمكن من إحكام السيطرة على القصير "الاستراتيجية"، وكل القرى والبلدات التابعة لها.

وعقب تلك الفترة، تحولت المدينة التابعة لمحافظة حمص إلى أشبه ما يكون بـ"الحديقة الخلفية" لحزب الله.

ورغم أن هذه الحالة سبق وأن تكرست في عهد الأسد الأب (حافظ)، فإن حدودها توسعت لمستويات أكبر عندما وصل الابن (بشار) إلى السلطة، خاصة بعد عام 2011.

"كانت القصير بمثابة بوابة دخول حزب الله إلى سوريا"، كما يقول الصحفي السوري وابن هذه المدينة، نبيل سلّام، لموقع "الحرة".

ويعتقد أنها ستكون "بوابة لخروجه وأفول نفوذه" في البلاد، بناء على المعطيات القائمة على الحدود، منذ 4 أيام.

هذه المعطيات بدأت بحملة أمنية من جانب قوات حرس الحدود التابعة للإدارة الجديدة في دمشق (الفرقة 103)، والتي لا تزال متواصلة حتى الآن في عدة قرى وبلدات حدودية مع لبنان، لتحقيق هدف معلن هو "ملاحقة عصابات تهريب الأسلحة والمخدرات".

لكن ما هو غير المعلن، والذي يدور الحديث عنه كثيرا في الكواليس، أن هذه الحملة الأمنية تستهدف على وجه التحديد "قطع كل الطرق والممرات الاستراتيجية، التي كان يستخدمها حزب الله في تهريب الأسلحة من وإلى سوريا".

مركبات تابعة لقوات اليونيفيل في مرجعيون بلبنان قرب الحدود مع إسرائيل (رويترز)
أنفاق حزب الله.. تساؤلات عن دور اليونيفيل في لبنان
أنفاق وترسانة عسكرية ضخمة أقامها "حزب الله" دون اكتراث لما يُعرف بـ"العين الساهرة" على تطبيق القرار 1701، أي قوات اليونيفيل، فالحرب الأخيرة بين إسرائيل والحزب كشفت أن الأخير واصل تعزيز قدراته العسكرية وكأن لا رقيب ولا حسيب عليه.

ورغم أن عمليات التهريب كانت تتركز، خلال السنوات الماضية، في عدة بوابات حدودية غير شرعية بين البلدين، فإن قطع تلك الموجودة في القصير ومحيطها يحظى بأهمية قصوى لدى قوات الإدارة الجديدة في دمشق لعدة اعتبارات، كما يوضح مراقبون وأبناء من المنطقة لموقع "الحرة".

أبرز هذه الاعتبارات، أن الحدود السورية اللبنانية (من جهة القصير) كان حزب الله اللبناني قد كرّس من أجلها الكثير خلال السنوات الماضية، على صعيد البنى التحتية (من أنفاق وممرات وغير ذلك) من جهة، وعلى صعيد "البيئة" التي رسم توازناتها من جهة أخرى.

"اللعب على التداخل"

تقع القصير في الريف الغربي لمحافظة حمص السورية وسط البلاد، ويتبع لها أكثر من 80 قرية وبلدة. وهي مدينة متعددة الطوائف، وتضم سكانا من الشيعة، والسنة، والعلويين، والمسيحيين.

من بين هذه البلدات "حاويك"، التي تسلطت الأضواء عليها كثيرا قبل أيام، بعدما دخلتها قوات إدارة دمشق وخاضت مواجهات مسلحة مع عصابات تتبع للعشائر، قالت إنها "تقف وراء عمليات تهريب الأسلحة والمخدرات".

وتقيم في هذه البلدة منذ عقود، عائلات سورية وأخرى تحمل الجنسية اللبنانية. وتنسحب هذه الحالة على عدة قرى وبلدات حدودية تقع في غالبيتها غرب القصير، مثل حوش السيد علي، والخراب، وزيتا، ومطربا، وبلوزة.

ويقول سلّام إن هذه القرى "عليها نزاع حدودي يعود إلى عقود للوراء. أي لها أوراق في دائرة السجل العقاري في سوريا وفي دائرة السجل العقاري بالهرمل بالدولة اللبنانية".

كما يضيف أنها "تضم مواطنين يحملون الجنسية اللبنانية، كانوا استقروا فيها بعد عام 1970 عندما امتلكوا أراضٍ بموجب قانون الإصلاح الزراعي الذي سنّه حافظ الأسد، بما يخالف القانون السوري"، على حد تعبيره.

"نظام الأسد في سوريا مع حزب الله.. وحتى اندلاع الثورة السورية جعل هذه القرى والبلدات الحدودية من جهة القصير سائبة، في مسعى من جانب الاثنين للتحرك على صعيد تهريب عمليات السلاح"، حسب الصحفي السوري.

ويتابع أن هذه السياسة "مكّنت حزب الله من العمل بأريحية خلال حرب عام 2006 مع إسرائيل، وفي أعقاب دخوله إلى سوريا لدعم نظام الأسد بعد اندلاع الثورة الشعبية، مستفيدا بذلك من الحواضن الاجتماعية التي أسسها هناك تدريجيا".

وتتمثل هذه الحواضن بـ"العائلات اللبنانية والعشائر الشيعية التي تدين بغالبيتها بالولاء لحزب الله"، كما يشير الصحفي السوري المقيم في القصير، محمد رعد.

ويوضح رعد لموقع "الحرة": "الحدود السورية اللبنانية من جهة القصير متداخلة".

ويقول إن القرى والبلدات التي يدور فيها مسرح عمليات الحملة الأمنية الآن، "تضم عائلات لبنانية طالما اعتمد عليها حزب الله في عمليات التهريب، وكواجهة لتمرير أجندته هناك".

ماذا تعني القصير لحزب الله؟

كانت الحدود السورية اللبنانية في عهد نظام الأسد، قد تحولت إلى أرض "مشاع" استخدمها "حزب الله" لتهريب الأسلحة والذخائر وحبوب "الكبتاغون".

ولم يكن أن يتم ذلك خلال السنوات الماضية، إلا بموجب سياسة "هادئة" يعتبر خبراء ومراقبون أنها لا تزال مستمرة حتى الآن.

تستند هذه السياسة على "المعابر غير الشرعية من جهة.. ومن جهة أخرى تقوم على عمل العصابات وعائلات وعشائر مقيمة هناك، استخدمها حزب الله كواجهات لتمرير أعماله المتعلقة بالتهريب، ولتثبيت أسس الاقتصاد الموازي المرتبط به".

ويقول سلّام إن "غالبية وسائل الإعلام تركز الآن على أن الحملة تستهدف خطوط التهريب. القضية ليست ذلك فحسب، بل خطوط إمداد حزب الله بالسلاح".

هذه الخطوط، وفق الصحفي، "تنبع من منطقة زيتا ومناطق أخرى، وتصل إلى داخل الأراضي اللبنانية المقابلة".

ويضيف: "تضم زيتا التابعة للقصير مستودعات استراتيجية وأنفاق تنبع من سوريا، وتصل إلى قرية القصر بمسافة 3 إلى 3 كيلومترات ونصف".

"هي عبارة عن 4 أنفاق، كان حزب الله يخزن فيها أسلحته الصاروخية والمتعلقة بالمسيرات"، وفقا لذات المتحدث.

ورغم أن إسرائيل سبق أن أعلنت عدة مرات قبل سقوط نظام الأسد، أنها استهدفت خطوط الإمداد هذه، خاصة المارة من القصير باتجاه لبنان، فإن التهريب فوق الأرض "ما زال مستمرا، ولو بوتيرة هادئة"، حسب رعد.

وفي هذا الصدد، يشير إلى "القصير وريفها تعد ملاذا آمنا لحزب الله وميليشياته. وهذه الحالة لم تنته". كما يتوقع أن "تتواصل المواجهات المسلحة على الحدود في المرحلة المقبلة".

ويستطرد: "حزب الله يلعب على وتر التداخل العائلي هناك بين القرى والبلدات على جانبي الحدود السورية اللبنانية.. ويريد إبقاء عمل العصابات التابعة له".

"التغيير تاريخي"

التغيير الأمني والعسكري الذي طرأ على حدود سوريا ولبنان بعد سقوط نظام الأسد يعتبر "تاريخيا" لعدة أسباب، كما يعتبر من تحدث إليهم موقع "الحرة".

أول هذه الأسباب، أنه "لم يسبق منذ عقود، أن سيطرت قوات مناهضة لحزب الله وانتشرت بكثرة على المنطقة الحدودية، خاصة من جهة القصير".

علاوة على ذلك، "من شأن الحملة الأمنية القائمة الآن أن تنهي نفوذ حزب الله بالكامل، ليس على مستوى خطوط الإمداد التي فتحها بالتدريج طيلة السنوات الماضية فقط، بل أيضا على مستوى الحواضن والبيئة".

وتستخدم القوات التابعة لدمشق، أسلحة مختلفة في حملتها القائمة على الحدود.

هذا ما حدث في القصير.. إعلان للجيش الإسرائيلي بعد التطورات في سوريا
أعلن الجيش الإسرائيلي، الأحد، أن مناطق قريبة من الحدود مع سوريا في هضبة الجولان أصبحت مناطق عسكرية مغلقة ويمنع الوصول إليها، كما تم تقييد حركة المزارعين وأقيمت أيضا حواجز على الطرقات القريبة من خط وقف إطلاق النار في الجولان.

وأظهرت تسجيلات مصورة انتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي، استقدامها عدة مدرعات ودبابات إلى قرى وبلدات في القصير. وغالبيتها تقع على الحدود مع لبنان.

وعلى الجانب اللبناني، أعلن الجيش، قبل أيام، أنه "رد على مصادر إطلاق النيران من الجانب السوري"، دون أن يقدم أي تفاصيل أخرى على صعيد الحملة القائمة والموقف الذي يتخذه من انتشار حزب الله هناك.

ويقول الصحفي سلّام إن "القرى المقابلة للقصير من جانب لبنان، تعتبر معاقل رئيسية لحزب الله (في بعلبك والهرمل)".

ويضيف: "هي شريان حزب الله"، لافتا إلى أنها "تختلف عن بقية المناطق الحدودية، التي تنتشر فيها طوائف أخرى لا تدين بالولاء للجماعة اللبنانية"، المصنفة إرهابية في أميركا ودول أخرى.

ويعتبر الصحفي رعد منطقة القصير بمثابة "قلب سوريا من جهة لبنان".

ويقول إن "حزب الله لن يتخلى عنها بسهولة، وفي حين يريدها ممرا للحصول على الأسلحة والمخدرات، قد لا تنجح مساعيه بناء على الأهداف التي تضعها قوات إدارة دمشق لحملتها الأمنية القائمة".