يعود تاريخ بناء سجن صيدنايا إلى العام 1987
يعود تاريخ بناء سجن صيدنايا إلى العام 1987 (AFP)

في زنزانة ضيقة ومظلمة بسجن صيدنايا سيئ السمعة بدمشق، قبع فرحان محمد (32 عاما) لنحو أربع سنوات وهو يتأمل الجدران الحديدية التي كانت تحيط به من كل جانب من دون أي أمل بالخروج حيا يوما ما.

لم تتجاوز مساحة الزنزانة الـ 25 مترا، بجدران مغلفة بالحديد المصفح، وليس فيها أي نافذة مع بوابة ضخمة تحتوي أربعة أقفال وحمام في الوسط يتشاركه ما يقرب من 35 معتقلا.

يقول محمد الذي ينحدر من محافظة حمص السورية، لموقع "الحرة": "لم نر النور منذ دخولنا للسجن وحتى خروجنا منه" بعد سقوط نظام بشار الأسد في الـ 8 من هذا الشهر.

اعتقل محمد، الذي يعمل سائق أجرة، في مطلع عام 2020 بناء على "تقرير كيدي" خلال مروره في حاجز أمني قرب طرطوس.

كانت التهمة جاهزة: "المشاركة في هجوم مسلح" على نقطة تفتيش تابعة لقوات النظام.

محمد اعتقل في مطلع عام 2020

قبل أن ينتهي به المطاف في سجن صيدنايا، تنقل محمد بين فرع الأمن العسكري "261" في حمص وظل هناك 40 يوما تعرض خلالها لشتى صنوف التعذيب من الصعق بالكهرباء للضرب بالعصي والكابلات.

بعدها نقل لـ"فرع فلسطين" الأمني أو "الفرع 235" سيئ السمعة في دمشق ومن ثم للمربع الأمني في المزة، حيث أمضى 8 أشهر في زنزانة تحت الأرض، قبل الوصول لصيدنايا.

يعود تاريخ بناء سجن صيدنايا إلى العام 1987 خلال حقبة الرئيس السوري السابق حافظ الأسد وكان مخصصا حينها لسجن المعارضين السياسيين.

وبات اسم السجن على مرّ السنوات مرادفا لانتهاكات جسيمة وتعذيب على نطاق واسع حيث وصفته منظمة العفو الدولية في عام 2017 بأنه "مسلخ بشري" تُمارَس فيه "سياسة إبادة".

"الجنزير"

على مدى سنوات اعتقال محمد تناقصت أعداد زملائه في الزنزانة بمقدار النصف تقريبا، من 35 معتقلا إلى 17 خرجوا مع دخول فصائل المعارضة لدمشق.

وفقا لمعتقلين سابقين في "جحيم صيدنايا"، ومنهم محمد، كان السجن يشهد بين فترة وأخرى عمليات إعدام جماعية يطلق عليها "الجنزير" حيث يتم تجميع نحو 500 معتقل من مختلف أنحاء السجن ويؤخذون لغرف الإعدام.

تجري عمليات الإعدام شنقا حتى الموت بعد أن يجري نقل المعتقلين لزنازين خاصة ويمنع عنهم الأكل لمدة 3 أيام حتى لا يقاوموا أثناء تنفيذ العملية.

كانت زنزانة محمد قريبة من غرف الإعدام وكان بالإمكان سماع "صوت الموت" عند تنفيذ عملية الإعدام وخاصة اللحظة التي تتدلى في أجساد المعتقلين من حبل المشنقة.

"في تلك اللحظات كان الشعور باليأس من الحياة هو الغالب.. لم أتخيل يوما أني سأنجو.. كنا أحياء بالاسم فقط والجميع ينتظر دوره"، يقول محمد.

في عام 2016، ذكر محققون تابعون للأمم المتحدة أن "الحكومة السورية مسؤولة عن أعمال تصل الى حدّ الإبادة وترقى إلى مستوى الجريمة ضد الإنسانية" خصوصا في سجن صيدنايا.

وبُعيد ذلك، تحدثت الولايات المتحدة عن وجود "محرقة جثث" في السجن تُستخدم للتخلص من جثث آلاف السجناء المقتولين.

في العام 2022، أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان بأن نحو 30 ألف شخص كانوا محتجزين في صيدنايا، تعرض بعضهم لأبشع أنواع التعذيب، ولم يُطلق سراح سوى 6 آلاف منهم.

ووثّقت رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا في تقرير عام 2022 وجود "غرف الملح"، هي بمثابة قاعات لحفظ الجثث بدأ استخدامها خلال سنوات النزاع، مع ارتفاع أعداد القتلى داخل السجن.

اضطرابات نفسية

مع الإعلان عن فتح أبواب السجن، هرع الآلاف إلى محيطه بانتظار معرفة خبر عن أحباء لهم معتقلين.

وحتى مع وصول مقاتلي المعارضة لداخل السجن وفتح أبواب الزنازين، ظل محمد خائفا ولم يتخيل بالفعل أن النظام، الذي أذاق السوريين الويلات لـ50 عاما، قد زال.

"لم أصدق الشخص الذي فتح الباب وهو يقول إن الأسد سقط وكنت اعتقد أنه من شبيحة النظام ويحاول الإيقاع بنا"، يقول محمد.

ويضيف: "عندما فُتِح الباب وطُلِب منا الخروج وسمعت أصوات باقي المعتقلين الفرحين، لم تحملني قدماي ولم أتمكن من الوقوف فجلست على الأرض وسجدت".

خلال فترة اعتقاله تعرض محمد لكسور في أضلاعه نتيجة التعذيب وأصيب بالسل ومشاكل في الجهاز الهضمي والكبد.

آثار التعذيب الذي تعرض له فرحان محمد خلال فترة إعتقاله في سجن صيدنايا

لا تزال أثار التعذيب واضحة على أجزاء في جسده، ورغم أنه كان واحدا من سعيدي الحظ اللذين نجو من بطش النظام، إلا أن المشكلة الأكبر تتمثل في الاضطرابات النفسية التي يعاني منها حاليا ومن المستبعد أن يشفى منها قريبا.

يختتم محمد بالقول: "من يريد أن يتعرف على النظام فليأتي لصيدنايا.. هناك يمكن مشاهدته على حقيقته".

مشهد عام من مدينة دمشق - رويترز
مشهد عام من مدينة دمشق - رويترز

التوجه نحو "الخصخصة" في سوريا قد يكون الخيار الوحيد المتاح لدفع العجلة الاقتصادية في سوريا وتحريك عمل المؤسسات المتهالكة، لكن في المقابل يجب أن تكون هذه العملية مبنية على شروط وإجراءات، وإلا.. "ستكون مدخلا للفساد"، وفقا لخبراء وباحثين.

وبعد سقوط نظام الأسد ألمح مسؤولو الإدارة الجديدة في دمشق إلى نواياهم المتعلقة بهذا الصدد، وبينما أشاروا أولا إلى اعتزامهم "تبني نموذج السوق الحر" كشفوا قبل يومين عن خطط يفكرون بها بالفعل.

هذه الخطط تطرق لها وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، قائلا لـ"فاينانشال تايمز"، الأربعاء، إن الإدارة السورية الجديدة تخطط لخصخصة الموانئ والمصانع الحكومية، وتسعى لجلب الاستثمارات الأجنبية وتعزيز التجارة الخارجية.

يهدف هذا المسعى، بحسب الشيباني لإجراء إصلاحات اقتصادية وإنهاء عقود من الزمن كـ"دولة منبوذة".

لكن الوزير أشار في المقابل إلى تحديات تتمثل بإيجاد مشترين للمؤسسات التي كانت في حالة "تدهور" لسنوات في بلد "محطم ومعزول عن الاستثمار الأجنبي".

ما "الخصخصة"؟

"الخصخصة" هي عملية تحويل ملكية أو إدارة الأصول والخدمات التي تمتلكها الدولة (مثل الشركات الحكومية أو الموانئ) إلى القطاع الخاص بهدف تحسين الكفاءة، جذب الاستثمار، وتقليل العبء المالي على الدولة.

وتشمل عادة، كما يوضح الباحث الاقتصادي، مخلص الناظر، بيع أصول الدولة إلى مستثمرين من القطاع الخاص أو إدخال شراكات بين القطاعين العام والخاص.

لهذه العملية 3 مراحل تبدأ من "تحليل الأصول"، أي بمعنى تحديد القطاعات المؤهلة للخصخصة ودراسة جدواها الاقتصادية، وتليها عملية إعداد السياسات والتشريعات.

وبعد المرحلتين المذكورتين يتم تحديد القيمة السوقية للأصول من خلال دراسات مالية واقتصادية، وفقا للناظر.

الباحث يرى أن "الخصخصة أداة اقتصادية يمكن أن تكون فعالة لتحسين أداء الاقتصاد السوري، لكنها تحتاج إلى تنفيذ مدروس ومُحكم لضمان تحقيق الفوائد الاقتصادية دون تفاقم المشكلات الاجتماعية أو الاقتصادية".

و"إذا لم يتم التعامل مع هذه العملية بشفافية وعدالة، فقد تُسهم في زيادة الفقر وتفاقم الأزمات"، وفقا لما يشير إليه.

"فرص ومخاوف"

بلغة الأرقام فقد تقلص الناتج المحلي الإجمالي السوري بنسبة تزيد عن 50 بالمئة بين 2010 و2020، وأعيد تصنيف سوريا دولة منخفضة الدخل منذ 2018.

كما انخفضت قيمة العملة المحلية، وارتفعت معدلات الفقر، وباتت البلاد الآن بين الدول الـ 10 الأكثر انعداما للأمن الغذائي عالميا.

علاوة على ذلك، كان البنك الدولي قدّر الخسائر التراكمية للناتج المحلي الإجمالي السوري بين 2011 و2016 بحوالي 226 مليار دولار، وهو ما يفوق الناتج المحلي لسوريا في 2010 بأربع مرات.

ويقول الباحث والأكاديمي الاقتصادي السوري، فراس شعبو: "لدينا في سوريا الكثير من المؤسسات الفاشلة والمتهالكة. تكاليفها أكثر من إيراداتها".

ويضيف شعبو لموقع "الحرة" أن "الإدارة الجديدة عاجزة تماما عن إدارة كل شيء في البلد. لا مقومات ولا قدرة"، وعلى أساس ذلك من الطبيعي أن تلجأ إلى "الخصخصة"، على حد قوله.

هذه العملية ورغم أنها لم تكن معلنة على الملأ في عهد نظام الأسد المخلوع، إلا أن حكومته لجأت إليها بالتدريج خلال السنوات الماضية.

وكان ما سبق قد انعكس بمراسيم تشريعية وبقرارات فتحت الباب أمام مستثمرين داخليين وخارجيين للانخراط في قطاعات سيادية.

من بين هذه القطاعات مرفأ طرطوس الذي استثمرته شركة روسية لمدة 49 عاما، وأعلنت الإدارة الجديدة قبل أيام إلغائه من طرف واحد.

وتوجد أمثلة أخرى، بينها الاستثمارات الخاصة والمرتبطة بشركات، والتي استهدفت قطاعي الاتصالات والكهرباء. وأخيرا مطار دمشق الدولي.

ويعتبر الباحث شعبو أن "الخصخصة هي الحل المتاح حاليا في سوريا في ظل غياب الموارد والمساعدات".

لكنه في المقابل يشير إلى "إيجابيات وسلبيات" تكمن وراء التوجه نحو هذه العملية.

ولكي تسود الإيجابيات يجب أن "تضع الحكومة شروطا ناظمة لعملية الخصخصة، وحرصا على أن لا تتحول إلى بيع أصول وشروط إذعان"، وفقا لقول شعبو.

مدير البرنامج السوري في "مرصد الشبكات السياسية والاقتصادية"، والدكتور في الاقتصاد، كرم شعار ومن جانبه يسلط الضوء على "مخاوف" تتعلق بشق قانوني.

ويوضح لموقع "الحرة" أن "حكومة تسيير الأعمال الحالية ليس من صلاحياتها أن تتخذ قرارات بهذا الحجم (الخصخصة)".

كما يقول إن "هذه العملية مرتبطة بشكل الدولة.. وبقرار جميع السوريين".

هل من تجارب سابقة؟

المخاوف ذاتها التي أشار إليها الباحث شعار تطرق إليها أستاذ القانون الدستوري السوري، سام دلة في منشور له على "فيس بوك"، يوم الخميس.

ويوضح دلة أن "أي حكومة لا تملك الحق بالتصرف بهذه الأصول (التابعة للدولة) إلا بناء على تفويض واضح من أصحاب الحق ويضمن عدالة إعادة توزيع الموارد المُخصخصة".

ولا يكفي أن يكون هذا التفويض نتاج عملية ديمقراطية (حرة وعادلة) وإنما أن تتم ممارسته في إطار حوكمي يضمن المشاركة والشفافية ويفرض المساءلة، وفق دلة.

ويؤكد أن "الخصخصة تحتاج بداية بناء مؤسسات الدولة/دولة قانون: لاسيما قضاء كفء وعادل، وإدارة حكومية كفؤة وغير فاسدة".

وفي حال كانت العملية خارج الإطار المذكور ستكون "مجرد بيع لأصول الدولة وخلق (أوليغارشية) تسيطر على المجتمع وتحكم الدولة"، بحسب دلة الذي لفت إلى المثال الروسي.

وتقول التجارب السابقة إن اللجوء إلى "الخصخصة" في الدول التي تشهد مستويات مرتفعة من الفساد وتكتل الثروة بأيدي أطراف محددة دون وجود عدل في توزيع الثقل السياسي تكون "مدخلا مذهلا للفساد"، بحسب شعار.

وبينما يضيف الباحث وهو مدير البرنامج السوري في "مرصد الشبكات السياسية والاقتصادية" أن ما سبق تعكسه حالة ألمانيا بعد انهيار جدار برلين وما حصل في روسيا أيضا يوضح أن الأمر لم ينسحب على بريطانيا مثلا.

ويتابع: "في بريطانيا ورغم الإشكاليات التي كانت تعاني منها لم تكن عملية التوجه فيها نحو الخصخصة مدخلا للفساد".

وارتبطت الحالة، حينها، بالشروط والإجراءات والبرنامج الاقتصادي الليبرالي الذي سارت عليه، رئيسة الوزراء مارغريت تاتشر، في ثمانينيات القرن الماضي.

"فتح أبواب"

ولا يزال عمل الحكومة الجديدة في دمشق حتى الآن ضمن إطار مؤقت.

ومن المقرر أن تتشكل حكومة دائمة في شهر مارس المقبل، بحسب تصريحات سابقة لمسؤولين في الإدارة الجديدة.

من ناحية أخرى، وفي وقت تعيش فيه سوريا أزمات اقتصادية ومالية وتعاني مؤسسات من حالة ترهل كبيرة تواجه في المقابل معضلة تتعلق بإرث العقوبات الدولية التي تركها نظام الأسد قبل سقوطه.

وقد يكون ما سبق عائقا أمام التحول باتجاه عملية "الخصخصة"، بحسب الباحث الاقتصادي، شعبو.

وبالإضافة إلى ذلك يوضح أن التحول أيضا بحاجة "مؤسسات قوية وقادرة على فرض شروطها" من أجل منع تشكل اللوبيات والاحتكار.

كما يؤكد شعبو على فكرة أن تكون "الخصخصة مدروسة لا عشوائية"، مع مراعاة تشغيل الإيرادات وتشغيل العمالة وتحسين القطاعات التي تستهدفها.

وفي تقرير البنك الدولي بعنوان "مراقبة الاقتصاد السوري: الجيل الضائع" الصادر في يونيو 2022، تم التأكيد على أن النزاع المستمر منذ عقد قد دمر مكاسب التنمية في سوريا، حيث انخفض النشاط الاقتصادي بنسبة 50 بالمئة بين 2010 و2019.

كما أن التضخم المرتفع أثر بشكل غير متناسب على الفقراء والفئات الضعيفة.

وبالإضافة إلى التأثيرات المباشرة للنزاع، يعاني الاقتصاد السوري من آثار جائحة كورونا، الأزمات الإقليمية، والاضطرابات الاقتصادية العالمية.

ولا يعرف حتى الآن ما إذا كان المستثمرون الأجانب سيأتون إلى سوريا أم لا، كما يشير الباحث شعبو.

ويقول: "إذا لم ترفع العقوبات وبدأنا نرى حالة من الاستقرار سيكون دخول المستثمرين أمرا سابقا لأوانه".

ومع ذلك، يرى الباحث أن خطوة التحول نحو الخصخصة التي كشف عنها الشيباني بمثابة "فتح الباب على مصراعيه للمستثمر الداخلي والخارجي"، وهو الأمر الذي اتبعته الإمارات سابقا وتعمل عليه تركيا.