حكومة تصريف الأعمال على أمل بعودة البعثات الدبلوماسية لدمشق
احتفل السوريون بسقوط نظام بشار الأسد - رويترز

معدات بسيطة حملوها ونزلوا إلى الشوارع.. فبالتنظيف والترميم وإزالة صور وشعارات النظام البائد، يحاول سوريون جاهدين خلق صورة ومستقبل أفضل لبلادهم.

وبتبرعات ومساهمات فردية، انطلقت مبادرات شبابية في سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد، لإعادة الرونق لبلد أنهكته الحرب الأهلية، لكن هذه المبادرات تحتاج إلى جهود أكبر لتتحول من مجرد جهود فردية، إلى تحركات تحظى بتخطيط وتنظيم وتمويل على نطاق واسع.

وقال المدير التنفيذي لمؤسسة بنفسج للإغاثة والتنمية، هشام ديراني، إن الواقع في المناطق التي كان يسيطر عليها النظام "مزري جدا، والخدمات والبنية التحتية في حالة سيئة، سواء خدمات المياه أو الكهرباء أو الصحة، وغيرها".

وأوضح في حديثه لقناة "الحرة"، أن الشباب السوريين في منظمته، يعملون على "تغيير الصورة البصرية بالمحافظات، في محاولة للخروج من الأوضاع النفسية السيئة التي تجسدها تلك الصور والمعالم، سواء في المدارس أو الأبنية الحكومية أو الشوارع".

البســمة عليك والتحــلاية علينا 😉 ليعرش الأمل مع الياسمين في عاصمة السلام ، تواجد فريقنا يبارك لأهلها الطيبين ويكتب فصولاً جديدة للحياة والحب 💜 Your smiles, our treat 😉 In the capital of Syria, Damascus, where hope intertwines with jasmine, our team was among its kind-hearted people, sharing joy and writing new chapters filled with love and life. 💜✨ #منظمة_بنفسج #VioletOrganization

Posted by ‎منظمة بنفسج - Violet Organization‎ on Tuesday, December 10, 2024

وأشار ديراني إلى أن منظمات إنسانية عديدة عملت في المناطق التي خرجت من سيطرة نظام الأسد في الشمال، لكنها لم تكن قادرة على العمل في مناطق النظام السابق، "حيث كان يتم اتهام أعضائها بالعمالة والإرهاب".

وأضاف أن منظمته التي عملت في شمال غرب سوريا، "نجحت وأصبح لديها أكثر من 100 فريق تطوعي"، مؤكدا أنه أصبحت هناك منظمات "تلعب دورا قياديا داخل مجتمعاتها".

وأعرب عن أمله بتوسيع تلك التجربة في كافة الأراضي السورية، "حيث كان النظام يفتت أي تنظيم أو عمل مجتمعي".

وكان المسؤول بمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة، توم فليتشر، قد شدد، الأربعاء، على ضرورة زيادة الدعم المخصص لسوريا "على نطاق واسع"، داعيا المجتمع الدولي إلى الاستجابة لـ"لحظة الأمل" التي يعيشها السوريون، بعد إطاحة الأسد، وفق فرانس برس.

وبعد نحو 14 عاما من نزاع مزّق البلاد ودمّر مقدراتها وشرد أهلها، يحتاج 7 من إجمالي 10 سوريين حاليا إلى المساعدة من أجل تلبية احتياجاتهم الرئيسية، وفق الأمم المتحدة.

واستطرد فليتشر في مقابلة على هامش زيارته إلى سوريا: "أريد زيادة الدعم الدولي على نطاق واسع، لكن ذلك يعتمد الآن على الجهات المانحة"، وسط نقص حاد "تاريخي" يشوب التمويل المخصص لسوريا.

وتبدو الاحتياجات "هائلة" في أنحاء سوريا، وفق فليتشر، الذي قال إنه لمس خلال محادثاته في دمشق وحلب وحمص "حاجة حقيقية إلى ضمان حماية حقوق النساء والفتيات".

ولفت إلى أن السوريين يحتاجون بالدرجة الأولى إلى الخدمات الأساسية من كهرباء وطعام ومأوى، وإلى الخدمات الحكومية من تعليم واستشفاء، عدا عن احتياجات إعادة الإعمار والتنمية".

أطفال سوريون في مدينة إدلب- المصدر: رويترز
نحو 5 ملايين طفل سوري يعيشون في "ظروف مأساوية"
رغم عدم وجود مياه ولا مدارس ولا خدمات صحية، يريد السوريون العودة من مناطق النزوح واللجوء إلى مناطقهم، بحسب المدير الإقليمي لليونيسف لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إدوارد بيجبيدير الذي كان يتحدث في فيديو خلال زيارته لمنطقة معرة النعمان جنوبي محافظة إدلب خلال تفقده للبلاد بعد سقوط نظام بشار الأسد.

وفي هذا الصدد، واصل ديراني حديثه للحرة بالتأكيد على أن المرحلة المقبلة "تحتاج إلى هدوء الأوضاع والتنسيق مع الحكومة المؤقتة".

وفيما يتعلق بالدعم الدولي، قال: "لم يتم اتخاذ موقف إيجابي بشأن التحرك داخل سوريا، مما يعيق وصول موارد لنا كمنظمات محلية، لذا فإننا نعمل حاليا بتبرعات فردية".

ودعا مجلس الأمن الدولي، الثلاثاء، إلى تنفيذ عملية سياسية "جامعة ويقودها السوريون"، مشددا أيضا على وجوب تميكن الشعب السوري من أن "يحدّد مستقبله".

وتحاول البلدان الغربية تحديد مقاربة للتعامل مع "هيئة تحرير الشام"، التنظيم الإسلامي الذي قاد بقية فصائل المعارضة في إطاحتها بالأسد، والمدرج في الغرب على قائمة التنظيمات "الإرهابية".

ووسط هذه الصعوبات بشأن الدعم الخارجي، قال ديراني إن منظمته "عملت على كسر الحاجز مع سكان مناطق سيطرة النظام السابق، بعدما كانوا يحملون أفكارا مختلفة عنهم"، مستطردا: "ساهم وجودنا عن قرب في معرفة الناس بنا كمؤسسات إنسانية وأبناء لهذا المجتمع، وزادت طلبات التطوع بمجمل المحافظات السورية".

إنبوب النفط العراقي

رغم حالة الغموض التي تكتنف مسار العلاقات بين العراق وسوريا منذ سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر الماضي، يبرز بين حين وآخر حديث عن محاولات لفتح صفحة جديدة من التعاون بين البلدين.

إحدى أهم الخطوات في هذا المجال المساعي لإحياء خط أنابيب النفط العراقي المار عبر سوريا.

وبدأت الحكومة العراقية رسميا، في أبريل الماضي، محادثات مع الجانب السوري لاستئناف تصدير النفط عبر ميناء بانياس السوري المطل على البحر المتوسط. وقد زار وفد عراقي رفيع المستوى دمشق لمناقشة خطط إعادة تأهيل الخط الذي ظل معطلا لعقود بسبب الحروب والإهمال.

وفي 25 أبريل، أعلن المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء العراقي أن وفدا حكوميا برئاسة حميد الشطري، رئيس جهاز المخابرات، وصل إلى دمشق بتوجيه من رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، والتقى بالرئيس السوري أحمد الشرع وعدد من المسؤولين السوريين.

وذكر البيان أن المباحثات شملت قضايا متعددة من بينها مكافحة الإرهاب، تعزيز أمن الحدود، والأهم من ذلك، بحث إمكانية إعادة تشغيل خط أنابيب النفط الواصل بين كركوك وبانياس.

مصالح استراتيجية مشتركة

يقول مظهر محمد صالح، مستشار رئيس الوزراء العراقي للشؤون الاقتصادية، لقناة "الحرة" إن بغداد ودمشق تتشاركان الرغبة في استئناف تشغيل الخط، الأمر الذي سيعود بالنفع على البلدين وعلى لبنان أيضا.

"المناقشات بين الحكومتين مستمرة منذ فترة، وقد شهدت مؤخرا تقدما ملموسا على مستوى اللجان الفنية".

ويضيف صالح أن التركيز الحالي منصب على الجوانب اللوجستية والفنية والقانونية، لا سيما إعادة تأهيل البنية التحتية وضمانات الأمان اللازمة لتشغيل الخط بشكل مستدام.

ويؤكد أن إعادة تشغيل الخط ستسهم في تسريع خطة العراق لتنويع مسارات تصدير النفط، خصوصا نحو الأسواق الأوروبية:

"خط كركوك–بانياس يمنح العراق مرونة استراتيجية وتكلفة أقل، خاصة في ظل التحول الإقليمي نحو الاستقرار والتنمية المستدامة".

ويشير صالح إلى أن هذا المشروع يمكن أن يعزز الاستثمار في قطاع النفط العراقي ويساعد البلاد على الوصول إلى هدف إنتاج 6 ملايين برميل يوميا، تماشيا مع الطلب العالمي المتزايد في أوروبا وآسيا وأميركا الشمالية.

خلفية تاريخية

أُنشأ خط أنابيب العراق–سوريا عام 1934، بطول نحو 900 كيلومتر، ويمتد من حقول كركوك شمالي العراق مرورا بالأراضي السورية. وكان ينقسم إلى فرعين: أحدهما ينتهي في بانياس، والآخر في ميناء طرابلس في لبنان.

وقد شكل هذا الخط مسارا حيويا لتصدير النفط خلال القرن العشرين، حتى أوقفه النظام السوري عام 1982 أثناء الحرب العراقية–الإيرانية. ومنذ ذلك الحين، اعتمد العراق على مسارات أخرى مثل خط العراق–تركيا (ITP).

لكن أجزاء كبيرة من خط كركوك–بانياس تعرضت للدمار والسرقة، خاصة في المناطق السورية المتأثرة بالحرب، ولم يضخ العراق أي نفط عبر الأنبوب منذ أكثر من 40 عاما.

تحديات

يرى خبير الطاقة غوفيند شيرواني أن محاولات إحياء خط كركوك–بانياس مدفوعة حاليا باعتبارات سياسية أكثر من كونها اقتصادية أو تقنية.

وفي حديثه لـ"الحرة"، يحدد شيرواني ثلاثة عوائق رئيسية:

أولها الأمن، إذ يمر الخط عبر مناطق لا تزال خارج سيطرة الحكومة السورية، حيث تنشط خلايا داعش وجماعات مسلحة أخرى".

ويحذر شيرواني من أن ضمان الأمن الكامل على طول المسار شرط أساسي لأي تقدم.

العائق الثاني يتجسد في الحالة الفنية. ويشير خبير الطاقة إلى أن الخط الحالي "قديم، متآكل، وتعرض للتلف في عدة مناطق بشكل لا يمكن إصلاحه". هناك حاجة لإنشاء خط جديد كليا أو تعديل المسار بناء على الوضع الميداني.

وأخيرة العائق المالي، فبناء خط جديد بطول 800 كيلومتر سيستغرق من سنتين إلى ثلاث سنوات، وسيتطلب ميزانية تتراوح من 4 إلى 5 مليارات دولار، تشمل الأنابيب ومحطات الضخ ومراكز المراقبة والأمن.

خيارات بديلة

تزامنت عودة الاهتمام العراقي بالمسار السوري مع استمرار المفاوضات بين الحكومة الاتحادية في بغداد وحكومة إقليم كردستان والشركات الدولية لاستئناف صادرات النفط عبر تركيا، والتي توقفت منذ أكثر من عامين بقرار من محكمة التحكيم الدولية في باريس لصالح العراق في نزاعه مع تركيا بشأن صادرات نفط الإقليم.

وأوضح شيرواني أن مقارنة خطي بانياس وجيهان التركي أمر طبيعي، لكنه أضاف: "خط جيهان جاهز من الناحية الفنية، والعوائق أمامه محدودة تقنيا وماليا، أما خط بانياس فهو مشروع جديد تماما ويتطلب دراسة جدوى اقتصادية كاملة".

ومع ذلك، يرى شيرواني أن كلا المسارين مهمان ويتوافقان مع سياسة العراق الرامية إلى تنويع منافذ التصدير وتقليل الاعتماد على الممرات المهددة في منطقة الخليج، خاصة مع التوترات المستمرة بين إيران والولايات المتحدة وحلفائهما الإقليميين.

وبحسب خبراء اقتصاديين تحدثوا إلى "الحرة"، فإن إعادة تشغيل خط كركوك–بانياس قد تحقق عوائد مالية كبيرة لسوريا، من خلال خلق آلاف من فرص العمل، والمساهمة في إعادة إعمار ما دمرته الحرب، إضافة إلى دعم سوق الوقود المحلي عبر تكرير النفط العراقي بأسعار مخفضة في مصفاة بانياس.

العقبة الإيرانية

يؤكد المستشار الاقتصادي السوري، أسامة القاضي، أن المشروع اقتصادي في جوهره، لكنه معقد سياسيا وأمنيا، خاصة بسبب النفوذ الإيراني في العراق.

يقو القاضي إن المشكلة لا تتعلق بالبنية التحتية فقط، بل بوجود فصائل داخل العراق تعارض الحكومة السورية الجديدة، وتعتبرها دمشق أدوات إيرانية.

"طالما بقيت هذه الأطراف نشطة، لا أعتقد أن المشروع سيمضي قدما، حتى وإن تم توقيع الاتفاق".

ويرى القاضي أن على بغداد اتخاذ موقف واضح ضد التدخلات الخارجية. ويلفت إلى أن التوترات الطائفية ما زالت تعيق التعاون الإقليمي.

تفاؤل حذر

رغم أن إعادة إحياء خط كركوك–بانياس يمثل فرصة استراتيجية واقتصادية وجيوسياسية لكلا البلدين، لا تزال العقبات أمام تحقيقه كبيرة. ويعتمد التقدم في هذا المشروع على حلول هندسية واستثمارات مالية، إلى جانب تحسين الوضع الأمني وتسوية النزاعات السياسية العالقة.

في الوقت الراهن، يُعد المشروع اختبارا لإمكانية الاندماج الاقتصادي الإقليمي، وقدرة الدول الخارجة من النزاعات على التحول نحو تعاون مستدام.