امرأة تتصفح قائمة أسماء في وثيقة عُثر عليها على الأرض في سجن صيدنايا العسكري سيئ السمعة في 9 ديسمبر 2024
امرأة تتصفح قائمة أسماء في وثيقة عُثر عليها على الأرض في سجن صيدنايا العسكري سيئ السمعة في 9 ديسمبر 2024- المصدر: أسوشيتد برس

أعلنت الأمم المتحدة الأربعاء أنها طالبت السلطات المؤقتة في سوريا بحماية الأدلة التي ستساعد الشعب في تحقيق العدالة والمساءلة بعد مشاهد انتظار الآلاف من ذوي المفقودين أمام سجن صيدنايا ومراكز اعتقال أو احتجاز أخرى عقب سقوط نظام بشار الأسد الذي كان معروفا بانتهاكاته لحقوق الإنسان والتعذيب والقتل والإخفاء القسري والاغتصاب.

وعبر عضو لجنة الأمم المتحدة المستقلة للتحقيق بشأن سوريا، هاني مجلي، عن تفهمه من أن العائلات تريد الحصول على إجابات بشأن مصير المختفين "انتظر الناس أكثر من 12 عاما كي يعرفوا مصير ذويهم، فلذلك يذهبون لتلك الأماكن. لكن بهذه الطريقة سيكون من الصعب الوصول للمعلومات التي يريدون الوصول إليها".

وقال: "ما رأيناه في الأيام الماضية هو أشخاص حاولوا الدخول إلى السجون ليأخذوا الملفات، ويذهب هؤلاء إلى هناك لمعرفة أي معلومات عن أفراد عائلتهم المختفين أو المفقودين. وهناك أشخاص يحرقون أوراقا، وآخرون يأخذون أوراقا كي يستعملونها لاحقا".

وأضاف: "رأينا في أماكن أخرى أن هناك أشخاصا يستغلون هذا الأمر، حيث يأخذون الملفات ثم يبيعونها بعد ذلك للعائلات التي تبحث عن المفقودين. لذلك، أهم شيء هو حماية الأدلة، فهي مهمة للمحاكمة والمساءلة، وإذا عبث أشخاص بالأدلة، فستقول المحاكم إنها غير قادرة على استخدامها.

كما شدد مجلي على ضرورة الحفاظ على المقابر الجماعية، "يجب أن تظل الأدلة كما هي لنعرف منها هوية المدفونين في تلك المقابر".

وقال: "لذلك، طلبنا من السلطات المؤقتة حماية أماكن الأدلة، وأن تكون هناك في المستقبل محاسبة لأكبر المسؤولين على الجرائم التي شهدنها في الفترة الماضية، وأن تكون هناك طريقة للوصول إلى معلومات عن المفقودين أو المختفين".

واعتبر أن "هناك فرصة الآن لأن يلعب الشعب السوري نفسه دورا في تلك الإجراءات، وألا يكون هناك أي شك في أن أطرافا خارجية تتلاعب بتلك المعلومات أو تدير تلك الإجراءات"، بحسب ما نقل عنه موقع "الأمم المتحدة".

سوريون ينبشون بمجموعة وثائق في سجن فرع فلسطين- المصدر: فرانس برس
وثائق سجون الأسد: ذاكرة نصف قرن من "الجرائم"
ومع تدافع آلاف المواطنين من أهالي المفقودين والمواطنين الفضوليين بعد كل ما أُشيع عن السجن من زنازين سريّة وغيرها من أمور نفتها لاحقاً منظمات حقوقية محلية، رأينا وثائق بأيدي غير ذوي الاختصاص، كما لم يُعلم مصير الوثائق الإلكترونية وسط مشاهد الخراب التي تناقلتها الفيديوهات والصور.

وأضاف أن الخطوات القادمة ليست فقط محاكم ومحاسبة جنائية، "الخطوات أيضا تشمل تحديد مصير المفقودين، وأن تعرف الناس الحقيقة، وأن يكون هناك تعويضات وإصلاح للضرر الذي لحق بالشعب، وإصلاح القوانين والمؤسسات".

يذكر أن لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن الجمهورية العربية السورية كانت قد أنشئت في أغسطس 2011 للتحقيق في جميع الانتهاكات المزعومة لقانون حقوق الإنسان المرتكبة منذ اندلاع الصراع في البلاد في وقت سابق من ذاك العام.

وأكد مجلي استعداد اللجنة للمساعدة في المرحلة القادمة، لافتا إلى أن المعلومات المتوافرة لديهم لا يتم إرسالها للحكومات، بل للمحاكم، معربا عن أمله في أن يكون هناك اهتمام بإصلاح القضاء السوري وأن يكون مستقلا بالفعل ويستطيع إجراء محاكمات عادلة، "وحينئذ يمكن أن نساعدهم بما لدينا من معلومات".

ودعا مجلي الدول إلى الكف عن أي نوع من التدخل وخصوصا المسلح، كي يُمنَح الشعب السوري الفرصة للمضي قدما والتركيز على المهام الصعبة التي هم بصدد التعامل معها.

وحث كذلك على تعليق نظام العقوبات "ولو بشكل مؤقت"، مشددا على أن الوقت الراهن هو فرصة لتقديم مساعدة أكبر للسوريين، مما كان عليه الحال سابقا. 

ومنذ بداية الحرب الأهلية عام 2011، اتُهم نظام الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد بارتكاب العديد من الانتهاكات والتجاوزات في مجال حقوق الإنسان، شملت عمليات تعذيب واغتصاب وإعدامات بإجراءات سريعة.

وفرضت الولايات المتحدة ودول غربية عددا من العقوبات استهدفت الأسد شخصيا وأفرادا في أسرته وعددا من كبار رموز النظام، وكذا الشركات التابعة له.

الشرع والجهاد الإسلامي

بالتزامن مع زيارة رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، إلى دمشق ولقائه بالرئيس السوري للمرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، تحدثت تقارير عن اعتقال القوات الأمنية السورية قياديين بارزين من حركة الجهاد الإسلامي، في حدث يبدو شديد الدلالة على التحولات الكبيرة التي تشهدها سوريا منذ سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر من العام الماضي.

وقالت "سرايا القدس"، وهي الجناح العسكري للجهاد الإسلامي، في بيان الأربعاء إن خالد خالد مسؤول الحركة في سوريا وياسر الزفري مسؤول لجنتها التنظيمية محتجزان لدى السلطات السورية منذ خمسة أيام.

وأضافت أن السلطات ألقت القبض على الرجلين "دون توضيح أسباب الاعتقال وبطريقة لم نكن نتمنى أن نراها من إخوة". ودعت إلى "الإفراج" عنهما. 

وأكد مسؤول في وزارة الداخلية السورية لوكالة رويترز نبأ إلقاء القبض على القياديين في الحركة، لكنه لم يجب عن أسئلة لاحقة حول سبب اعتقالهما.

حركة "الجهاد الإسلامي" هي إحدى أهم الفصائل الفلسطينية المسلحة، وإن كانت أكثرها غموضاً وتعقيداً، من حيث تاريخها وأيديولوجيتها. صنفتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي منظمة إرهابية، ونمت لتصبح ثاني أكبر حركة مسلحة في قطاع غزة وثالث أكبر حركة في الضفة الغربية.

وعلى الرغم من أنها أصدرت أول بيان علني لها في 11 ديسمبر عام 1987، كان وجودها واحدا من أكثر أسرار المقاومة الفلسطينية كتمانا. تأسست الحركة في قطاع غزة عام 1981 على يد مجموعة من الطلاب الفلسطينيين الذين لم يسبق لأحدهم أن أمسك بسلاح، لكنها سريعاً تحولت إلى استخدام العنف ضد أهداف إسرائيلية في عام 1984، أي قبل خمس سنوات من ظهور حركة حماس.

واكتسبت الحركة سمعة سيئة بسبب طبيعة هجماتها المثيرة للجدل في عنفها، ومواقفها المتصلبة ضد إسرائيل. وكان الشعار الذي طرحته هو: "الإسلام، الجهاد، وفلسطين": الإسلام كنقطة انطلاق، الجهاد كوسيلة، وتحرير فلسطين كهدف.

وكانت الحركة ولا تزال ملتزمة بـ"لاءات ثلاث": لا تفاوض، ولا حل الدولتين، ولا اعتراف بإسرائيل.

في كتابه "تاريخ الجهاد الإسلامي الفلسطيني: الإيمان والوعي والثورة في الشرق الأوسط"، يروي الباحث إيريك سكير حكاية جذور تأسيس حركة الجهاد الإسلامي، التي بدأت من رسم وضعه فتحي الشقاقي (مؤسس الحركة/ اغتيل في العام ١٩٩٥) على ورقة في مارس 1979، يمثل مستطيلًا يتقاطع مع دائرة. 

كان هذا الرسم، بحسب سكير، يمثل مشروعهم السياسي الجديد، ويحتوي على ثلاث مساحات متميزة. تمثل المساحة الأولى "الإخوة الذين كانوا أعضاء في جماعة الإخوان المسلمين فقط". ثم هناك "الإخوة الذين كانوا أعضاء في كل من جماعة الإخوان والمشروع الجديد الذي يشكل نوعاً ما انشقاقاً عن الإخوان. وأخيراً، هناك أولئك الذين انضموا إلى هذا المشروع دون أن يكونوا من الإخوان المسلمين. كانت هذه المنظمة تُعرف بـ "الطلائع الإسلامية"، وهي نواة حركة الجهاد الإسلامي.

والتعقيد في سيرة الجهاد الإسلامي وتموضعها، مرده إلى عوامل عديدة لعبت دوراً في رسم هوية الحركة وتشكيل أفكارها من روافد متنوعة، وقد تبدو أحياناً متناقضة. فهي كما يرى باحثون، بينهم الباحثة الإسرائيلية مائير هاتينا، نشأت من تأثير حاسم للجماعات المصرية المتطرفة في السبعينيات. 

وفي المقابل، تركز الباحثة، بفيرلي ميلتون إدواردز، على صراع الحركة مع جماعة الإخوان المسلمين في أوائل الثمانينيات، بشأن المقاومة المسلحة. وبينهما رأي، يتوقف عنده إيريك سكير في كتابه، يقول بأن "الجهاد الإسلامي" خرجت تأثراً بالثورة الإيرانية عام ١٩٧٩. 

وفي الحالات كلها، تبدو حركة "الجهاد الإسلامي" اليوم في قلب هذه التناقضات، فهي الفصيل الأقرب فلسطينياً إلى إيران تمويلاً وتسليحاً مع إشارات إلى حالات "تشيّع" داخل الحركة. ومع ذلك فإن تنسيقها مع حماس لم يتوقف، حتى مع التباين بين حماس و"الجهاد" حول قضية الثورة السورية، وبقاء الجهاد الإسلامي في "حضن" النظام السوري مستفيدة من الحماية التي وفرها لها، في وقت كانت حماس تبتعد عن النظام بسبب مزاج الثورة القريب من الإخوان المسلمين.

مع ذلك نسقت حماس مع "الجهاد" هجومها على إسرائيل في السابع من أكتوبر ٢٠٢٣، وتحتفظ بأسرى إسرائيليين.

ومع تولي أحمد الشرع السلطة في سوريا، تزداد الأمور تعقيداً. فالشرع يميل، بحسب معطيات عديدة، إلى الاقتراب أكثر من تسوية مع إسرائيل قد تستكمل باتفاقية سلام، والابتعاد أكثر عن حماس وما تمثله. ولقاؤه بالرئيس الفلسطيني محمود عباس يصب في هذا السياق.

ولا يحيد اعتقال الأمن السوري القياديين في "الجهاد" عن هذا "النهج"، ويأتي استكمالاً للمزاج السياسي للشرع المبتعد بوضوح، إلى حد القطيعة، عن إيران. إذ قطعت القيادة السورية الجديدة العلاقات الدبلوماسية مع إيران، وتأمل في إعادة بناء الدعم الإقليمي والدولي لسوريا، لا سيما رفع العقوبات وتمويل إعادة الإعمار بعد حرب أهلية مدمرة استمرت 14 عاماً.

لكن قد لا يعني اعتقال القياديين في الجهاد أن الشرع سيفعل الشيء ذاته مع حركة "حماس" في سوريا، على الأقل في الفترة المقبلة، كما يوضح نائب مدير مركز كارنيغي، الباحث مهند الحاج علي، لموقع "الحرة". بل إن الشرع على الغالب سيحافظ على العلاقة التاريخية بحماس لما تمثله من امتداد يرتبط بالإخوان المسلمين. 

وإذا كان الشرع في وارد "بيع" حماس، فإنه بالتأكيد سيطلب ثمناً عالياً لقاء ذلك. ويعتقد الحاج علي أن حماس لن تُحرج الشرع وستلتزم بما يناسبه في سوريا، حتى لو عنى ذلك قطع التواصل مع إيران، وإن كان الباحث في كارنيغي يتوقع أن تلعب حماس أدواراً في المستقبل لتحسين علاقات الشرع بإيران.

وأوردت وكالة رويترز في تقرير الشهر الماضي أن الولايات المتحدة قدمت لسوريا قائمة شروط يتعين الوفاء بها مقابل تخفيف جزئي للعقوبات. وذكرت مصادر لرويترز أن أحد الشروط هو إبعاد الجماعات الفلسطينية المدعومة من إيران.