دعوات لتجنيب سوريا الخضوع لحكم طائفة أو قوة أجنبية
دعوات لتجنيب سوريا الخضوع لحكم طائفة أو قوة أجنبية

قال وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن إنه يتوجب على الإدارة الجديدة في سوريا أن تستغل الفرصة لتجنب الخضوع لحكم طائفة أو قوة أجنبية، في وقت تتزايد المطالب ببناء دولة مدنية تستوعب كل مكونات البلاد.

وأكد بلينكن على ضرورة استغلال السوريين هذه الفرصة لعدم الخضوع لحكم ديكتاتور، أو قوة خارجية، أو تنظيم إرهابي، أو طائفة، أو أقلية، وأن ذلك سيكون تحديا لهم.

مستشار سابق للمبعوث الأممي الخاص لسوريا، فولكر بيرتس قال إن التحديات كبيرة في سوريا إذا أنها لم تكن موحدة في آخر 12 عاما، وتوجد جماعات مسلحة في جميع أنحاء البلاد، وهناك حكومة في دمشق.

وقال إنه لا يعتقد أن "(القائد العام للإدارة السورية الجديدة) أحمد الشرع والمسؤولين الآخرين يعرفون أنهم إذا أرادوا حكم سوريا عليهم احترام تعددية المجتمع السوري، الذي يضم فسيفساء جميلة تضم طوائف وعرقيات مختلفة من الشرق الأوسط".

ويخشى سوريون كثر من توجه السلطة الجديدة إلى إقامة نظام حكم ديني وإقصاء مكونات سورية واستبعاد المرأة من العمل السياسي، رغم سعي الفصائل المعارضة إلى طمأنة الأقليات الدينية في البلاد واعتمادها خطابا أكثر اعتدالا.

وأعاد بيرتس التذكير بأن إسقاط نظام بشار الأسد ساهمت فيه العديد من الفصائل والجهات من جميع المناطق في سوريا، وليس جهة لوحدها، وهو ما قد يمثل نوعا من "المخاطر والفرص"، إذ أن المجموعات الأخرى تريد "نصيبا" من النجاح التي تم تحقيقه ودورا في مستقبل البلاد.

ولم يستبعد محاولة دول الجوار من الاستفادة مما يحصل في سوريا، إذ أن تركيا بسطت سيطرتها على بعض المناطق خلال السنوات الماضية، وإسرائيل كانت تحتل أجزاء من سوريا لفترة طويلة، وهو ما قد يطرح تحديا هاما أمام السوريين بضرورة التوحد للانتقال من حكم سلطوي.

وقال بيرتس إن الانتقال من حكم سلطوي "يرافقه نوع من مخاطر التشرذم في البلاد"، إذ قد تحاول قوى من النظام السابق تنظيم صفوفها لتعطيل بناء حكومة جامعة وممثلة للجميع.

وأكد أنه من أجل الوصول للديمقراطية في سوريا "نحتاج إلى عملية دستورية"، وهو ما قد يطرح تساؤلات على سبيل المثال بالنسبة لتمثيل الأكراد، وهل سيكون لهم حكم ذاتي في مناطقهم؟

وحدد بيرتس دور المجتمع الدولي في بناء دولة مدنية بسوريا، من خلال وجود دعم أممي لعملية سياسية سورية تشمل مسارا دستوريا، وإعادة الإعمار خاصة وأنها منهكة اقتصاديا وسياسيا وعسكريا، وتحتاج لمساعدات اقتصادية.

وزاد أن هذا يجب أن يترافق مع رفع العقوبات المفروضة على سوريا من عدة أطراف دولية، مشيرا إلى أنه لا يعني بذلك رفع العقوبات المفروضة على بعض الأفراد مثل عائلة الأسد، إنما ما يرتبط بإعادة الإعمار وعمل الشركات الأجنبية في سوريا.

ونوه إلى أن الأولوية لرفع العقوبات أو تجميد العقوبات الاقتصادية عن سوريا، أما بالنسبة لرفع اسم هيئة تحرير الشام من العقوبات وقوائم الإرهاب فإن هذا يعود لمسارات سياسية للدول.

وقبل فك الارتباط عن تنظيم القاعدة، كانت هيئة تحرير الشام تعرف بجبهة النصرة وتتبع فكرا متطرفا، وهي لا تزال تصنف "إرهابية" من قبل عدد من الدول الغربية.

وشدد على ضرورة محاسبة المسؤولين عن الجرائم المختلفة خلال سنوات الحرب، وهنا ليس المقصود الانتقام، وإنما تحقيق العدالة الانتقالية المنظمة، بحسب بيرتس.

مطالب بدولة مدنية

في ساحة الأمويين في دمشق، طالب مئات السوريين، الخميس، بإرساء دولة مدنية ديمقراطية وبإشراك النساء في بناء سوريا الجديدة، في أول تحرك من نوعه منذ وصول السلطة الجديدة التي تقودها هيئة تحرير الشام إلى العاصمة.

قرب نصب السيف الدمشقي الشهير، تجمع رجال ونساء من أعمار مختلفة، مرددين هتافات عدة بينها "الدين لله والوطن للجميع". وحمل بعضهم لافتات مطالبة "بدولة المواطنة والقانون" و"العلمانية". وجاء في لافتة أخرى "نريد ديموقراطية وليس دينوقراطية" (تيوقراطية).

وأكد بلينكن في تصريحاته بأن الإدارة الأميركية على تواصل مع كافة الجماعات في سوريا.

ولفت أنه لا يزال هناك "خطر تفكك سوريا"، وأن ذلك سيؤدي إلى "عواقب وخيمة" على الشعب السوري.

كما أعرب عن اعتقاده بأن الرئيس المنتخب دونالد ترمب، الذي سيتولى مهامه في 20 يناير المقبل، سيضع منع عودة تنظيم داعش في سوريا كأولوية أساسية.

امرأة نازحة تحمل رضيعا داخل مخيم الكرامة للاجئين على الحدود السورية التركية في ريف إدلب الشمالي. إرشيفية من رويترز
امرأة نازحة تحمل رضيعا داخل مخيم الكرامة للاجئين على الحدود السورية التركية في ريف إدلب الشمالي. إرشيفية من رويترز

أعلن البنك الدولي، الجمعة، أنه سوى ديون سوريا البالغة 15.5 مليون دولار بعد تلقيه أموالا من السعودية وقطر، مما يؤهل دمشق للحصول على منح بملايين الدولارات لإعادة الإعمار ودعم الميزانية.

وأعلنت السعودية وقطر في أبريل أنهما ستتسددان متأخرات سوريا لدى المؤسسة المالية الدولية مما يجعلها مؤهلة للحصول على برامج منح جديدة، وفق سياسات البنك التشغيلية.

وأعلن البنك الدولي أنه حتى 12 مايو، لم يكن لدى سوريا أي أرصدة متبقية في اعتمادات المؤسسة الدولية للتنمية، وهي ذراع البنك لمساعدة أشد البلدان فقرا.

وقال البنك في بيان "يسرنا أن سداد ديون سوريا سيسمح لمجموعة البنك الدولي بإعادة التواصل مع البلاد وتلبية الاحتياجات التنموية للشعب السوري".

وأضاف "بعد سنوات من الصراع، تسير سوريا على طريق التعافي والتنمية".

وأوضح البنك الدولي أنه سيعمل مع دول أخرى للمساعدة في حشد التمويل العام والخاص لبرامج تمكن الشعب السوري من بناء حياة أفضل لتحقيق الاستقرار في البلاد والمنطقة.

وذكر أن مشروعه الأول مع سوريا سيركز على توفير الكهرباء، ما سيدعم تحقيق تقدم اقتصادي ويساعد في توفير الخدمات الأساسية من الصحة والتعليم إلى المياه وسبل العيش.

وقال البنك الدولي "المشروع المقترح هو الخطوة الأولى في خطة موضوعة لزيادة دعم مجموعة البنك الدولي والذي يستهدف تلبية الاحتياجات الملحة لسوريا والاستثمار في التنمية طويلة الأجل".

البنية التحتية المالية

قال وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو أمس الخميس إن الرئيس دونالد ترامب يعتزم إصدار إعفاءات من "قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا"، الذي فرضت واشنطن من خلاله عقوبات صارمة على حكومة الرئيس السابق بشار الأسد وعقوبات ثانوية على شركات أو حكومات خارجية التي كانت تجمعها معاملات معها.

ويمهد رفع العقوبات الأميركية، والتي فرض بعضها على حكومة الأسد وبعضها الآخر قائم منذ عقود، إلى جانب تسوية متأخرات سوريا للبنك الدولي، الطريق لإعادة دمجها في النظام المالي العالمي.

واستضاف صندوق النقد والبنك الدوليان والسعودية اجتماعا رفيع المستوى مع مسؤولين سوريين في واشنطن في أبريل. وأصدروا بعد ذلك بيانا مشتركا أقروا فيه بالتحديات الملحة التي تواجه الاقتصاد السوري وعبروا عن التزامهم بدعم جهود التعافي في البلاد.

وعين صندوق النقد الدولي أول رئيس لبعثته إلى سوريا منذ 14 عاما، وهو رون فان رودن، وهو مسؤول مخضرم في صندوق النقد الدولي سبق أن ترأس جهود الصندوق في أوكرانيا.

وأصدر صندوق النقد الدولي آخر تقرير مراجعة معمق للاقتصاد السوري في عام 2009.

وقال مارتن موليسن زميل المجلس الأطلسي والرئيس السابق لإدارة الاستراتيجية في صندوق النقد الدولي، إن المهمة العاجلة الأولى للصندوق تتمثل في تقديم المساعدة الفنية للسلطات السورية لمساعدتها على إعادة بناء البنية التحتية المالية للبلاد وهيئات صنع السياسات وجمع البيانات اللازمة.

وأضاف موليسن أن هذه الجهود يمكن تمويلها من المانحين والمنح العينية ويمكن إطلاقها في غضون أشهر، بينما يمكن للبنك الدولي المساعدة على مستوى إقليمي أوسع لضمان الحوكمة الرشيدة وفعالية الوزارات.

وقال جوناثان شانزر وهو مسؤول كبير سابق في وزارة الخزانة ويرأس حاليا مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات إن المسؤولين السوريين أبلغوه بأن الاحتياجات ضخمة، لكنه حث الولايات المتحدة رغم ذلك على تخفيف العقوبات تدريجيا بحذر.

وأوضح "لم يتمكنوا حتى من الحصول على تراخيص مايكروسوفت أوفيس. ببساطة، لم يكن بإمكانهم تنزيل البرامج على أجهزة الكمبيوتر المحمولة الخاصة بهم".

وذكر مصدر جمهوري أن إعادة بناء قدرة سوريا على الوصول إلى التكنولوجيا سيكون ضروريا لإعادتها إلى نظام سويفت لمعالجة المعاملات المصرفية، لكن العملية قد تستغرق شهورا، إن لم يكن سنوات.