سوريا تعيش في أسوأ أزمة اقتصادية
سوريا تعيش في أسوأ أزمة اقتصادية

انهار نظام بشار الأسد، لكن العقوبات الغربية على سوريا باقية حتى إشعار آخر. فالولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وبريطانيا يتأنون في تخفيف هذه العقوبات، راهنين أي تحرك بضمانات من القادة الجدد في دمشق.

ويأتي فرض العقوبات الدولية على سوريا كأحد أهم الأدوات التي استخدمتها القوى الغربية للضغط على نظام بشار الأسد، وتنوعت بين حظر التصدير والاستيراد، وتجميد الأصول، ومنع السفر، وفرض قيود مالية صارمة، بهدف محاصرة النظام ووقف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.

وبينما تتصاعد دعوات تخفيف القيود الاقتصادية على البلاد التي تشهد أوضاعا إنسانية صعبة، خاصة بعد الإطاحة بنظام الأسد، تربط واشنطن وحلفاؤها الغربيين أي خطوة في هذا الاتجاه بـ"شروط" تشمل ضمان انتقال سياسي سلمي، وحماية الأقليات، ومنع عودة تنظيم داعش، خاصة وأن التغيير الجديد يقوده، أحمد الشرع، الملقب بالجولاني وهو قائد "هيئة تحرير الشام" ـ المصنفة على لوائح الإرهاب.

وفيما يلي تفاصيل أبرز القرارات والعقوبات التي فرضتها جهات دولية مختلفة على سوريا، تحت حكم "آل الأسد".

القرار الأممي لعام 2005

أقر مجلس الأمن الدولي القرار "رقم 1636" عام 2005 عقب حادث اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق، رفيق الحريري و22 شخصا آخر، في 14 فبراير من نفس السنة.

وجاءت الخطوة بناء على تقرير لجنة التحقيق الدولية المستقلة التي وجدت أدلة تشير إلى تورط مسؤولين سوريين ولبنانيين في الجريمة.

وتضمن القرار عقوبتين رئيسيتين: حظر السفر الدولي وتجميد الأصول والموارد المالية للأشخاص المشتبه في تورطهم في الجريمة أو من حاولوا عرقلة التحقيق فيها.

ورغم مرور قرابة عقدين على صدوره، ما يزال القرار 1636 ساري المفعول حتى اليوم، إذ لم يصدر أي قرار لاحق من مجلس الأمن يلغيه أو يعدله، وفقا لمنصة "غلوبال سانكشنز".

ويبقى هذا القرار فريدا عن باقي العقوبات المفروضة على سوريا، كونه الوحيد الصادر بإجماع دولي عبر مجلس الأمن، بينما تعد العقوبات الأخرى عقوبات أحادية فرضتها دول أو تكتلات معينة.

عقوبات الولايات المتحدة

تصنف الولايات المتحدة سوريا كدولة راعية للإرهاب منذ ديسمبر 1979، مما أدى إلى فرض عقوبات أولية شملت حظر صادرات ومبيعات الأسلحة، وفرض ضوابط على صادرات المواد مزدوجة الاستخدام، إضافة إلى قيود مالية أخرى تم تشديدها بموجب قانون" محاسبة سوريا واستعادة السيادة اللبنانية".

ومنذ بداية الثورة السورية عام 2011، واجه نظام بشار الأسد اتهامات بارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، مما دفع واشنطن وعواصم غربية أخرى لفرض سلسلة من العقوبات.

وتعد ثلاثة قوانين أميركية هي الأبرز في هذا السياق: قانون قيصر، وقانونا كبتاغون 1 و2.

جاء قانون قيصر في أعقاب تسريب مصور عسكري سوري سابق لـ 55 ألف صورة توثق عمليات تعذيب وانتهاكات في مراكز الاعتقال السورية بين عامي 2011 و2013.

ودخل القانون حيز التنفيذ عام 2020، مستهدفاً كل من يساعد نظام الأسد في الحصول على سلع أو خدمات تدعم أنشطته العسكرية والاقتصادية، بما في ذلك إعادة الإعمار.

وحدد قانون قيصر شروطاً صارمة لرفع العقوبات، تشمل وقف الغارات الجوية ضد المدنيين، والإفراج عن المعتقلين السياسيين، وتسهيل عودة اللاجئين، والبدء بعملية مصالحة وطنية تتوافق مع قرار مجلس الأمن 2254.

أما قانون كبتاغون 1، الذي أُقر في سبتمبر 2020، وجاء استجابة لتحول سوريا إلى "دولة مخدرات"، حيث تشير التقديرات إلى أن 80 في المئة، من إنتاج الكبتاغون العالمي يصدر من سوريا. واعتبر القانون هذه التجارة تهديدا أمنياً عابراً للحدود، مستهدفاً شخصيات من آل الأسد متورطين في عمليات التصنيع والتهريب.

وتبع ذلك إقرار قانون كبتاغون 2، الذي وسع صلاحيات واشنطن في محاسبة نظام الأسد و"حزب الله" وشبكاتهما.

ويستهدف القانون كل من يشارك في تصنيع المخدرات أو تهريبها أو الاستفادة من عائداتها، مع التركيز بشكل خاص على ماهر الأسد والفرقة الرابعة التي كان يقودها.

وألزم قانون كبتاغون 2 الإدارة الأميركية بفرض عقوبات أولية وثانوية على أي شخص أو كيان له علاقة بهذه التجارة خلال مدة لا تتجاوز ستة أشهر.

عقوبات الاتحاد الأوروبي

بدأ الاتحاد الأوروبي حملة عقوباته على النظام السوري في مايو 2011، وذلك في أعقاب قمعه العنيف للاحتجاجات الشعبية.

وقد صممت هذه العقوبات للضغط على النظام وشبكات تمويله، مع محاولة تجنب التأثير المباشر على الشعب السوري، بحسب بيانات للمؤسسة الأوروبية.

وتتركز العقوبات الأوروبية في مسارين رئيسيين: الأول يستهدف شخصيات وكيانات محددة مرتبطة مباشرة بالقمع أو بتمويل النظام، حيث تم إدراج 289 شخصية و70 كيانا على قائمة العقوبات.

أما المسار الثاني فيستهدف قطاعات اقتصادية محددة تشكل مصادر تمويل رئيسية للنظام، وخاصة قطاعات التسليح والنفط والتكنولوجيا التي يمكن استخدامها في القمع الداخلي.

وتشمل الإجراءات التقييدية الأوروبية تجميد الأصول وحظر السفر للشخصيات المدرجة، وحظر تصدير السلع والتكنولوجيا التي قد تستخدم في القمع، وحظر استيراد النفط السوري.

كما تمنع هذه العقوبات الشركات الأوروبية من الدخول في تعاملات تجارية أو استثمارية مع الكيانات المدرجة على قائمة العقوبات، مع وجود استثناءات محددة للمساعدات الإنسانية والطبية.

وأكدت كبيرة الدبلوماسيين في الاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، أن الاتحاد لن يرفع العقوبات عن سوريا قبل أن يضمن حكامها الجدد عدم اضطهاد الأقليات وحماية حقوق المرأة ضمن حكومة موحدة تتنصل من التطرف الديني.

وخلال مشاركتها في مؤتمر بالأردن حول مستقبل سوريا بعد الأسد، شددت كالاس على أن القادة المؤقتين الجدد في سوريا قد أظهروا "إشارات إيجابية" لكنها غير كافية، مؤكدة أنه سيُحكم عليهم بالأفعال وليس بالأقوال فقط.

وأضافت أن الجميع يراقب بشكل خاص معاملة النساء والفتيات، باعتبار ذلك مؤشراً على اتجاه المجتمع وكيفية بناء المؤسسات، بحيث تكون هناك حكومة تضم الجميع.

العقوبات البريطانية

بدأت العقوبات البريطانية على سوريا أيضا في عام 2011 كجزء من منظومة عقوبات الاتحاد الأوروبي، ردا على قمع النظام السوري للمدنيين.

وبعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، أصدرت المملكة المتحدة لوائح العقوبات الخاصة بها، والتي دخلت حيز التنفيذ في 31 ديسمبر 2020، محافظة على جوهر العقوبات السابقة لكن تحت إطار قانوني بريطاني مستقل.

وكانت تهدف هذه اللوائح إلى دفع النظام السوري للامتناع عن قمع المدنيين والمشاركة في مفاوضات بحسن نية للوصول إلى حل سياسي سلمي.

وتشمل خمسة مجالات رئيسية بقطاعات المال والتجارة والطيران.

وتتضمن العقوبات المالية تجميد الأصول وحظر إتاحة الأموال أو الموارد الاقتصادية للأشخاص والكيانات المدرجة في قائمة العقوبات. 

كما تشمل قيوداً على الخدمات المصرفية والاستثمارية، مثل منع المؤسسات المالية البريطانية من فتح حسابات مصرفية أو إقامة علاقات مع مؤسسات مالية سورية.

وتحظر العقوبات التجارية تصدير واستيراد مجموعة واسعة من السلع، بما في ذلك المعدات العسكرية والتكنولوجيا، والنفط والمنتجات البترولية، والسلع المتعلقة بالأسلحة الكيميائية والبيولوجية، ومعدات المراقبة والاعتراض.

وتفرض اللوائح قيوداً على النقل الجوي، خاصة فيما يتعلق بالخطوط الجوية العربية السورية وأي طائرات مملوكة أو مستأجرة من قبل أشخاص مرتبطين بسوريا.

ويمنع الأشخاص المدرجون في قائمة العقوبات من دخول المملكة المتحدة أو البقاء فيها.

وكان يهدف نظام العقوبات، وفقا للسلطات البريطانية، إلى تشجيع النظام السوري على: الامتناع عن الأفعال والسياسات أو الأنشطة التي تقمع السكان المدنيين في سوريا. إضافة إلى المشاركة في المفاوضات بحسن نية للتوصل إلى تسوية سياسية تفاوضية لإيجاد حل سلمي للنزاع في سوريا.

العقوبات الأسترالية

فرضت أستراليا منذ عام 2011 نظام عقوبات مستقل على سوريا، معبرة عن قلقها العميق من استخدام النظام السوري للعنف ضد شعبه.

ويشمل نظام العقوبات الأسترالي قيوداً صارمة على التصدير والاستيراد، خاصة: الأسلحة والمعدات العسكرية ومعدات وتكنولوجيا محطات الكهرباء والصناعات النفطية وتقنيات مراقبة الإنترنت والاتصالات والمواد الكيميائية والمعدات المرتبطة بها، والذهب والمعادن الثمينة والماس.

كما يفرض نظام العقوبات الأسترالي قيوداً على الأنشطة التجارية، خاصة في قطاعات النفط والغاز والبتروكيماويات والقطاع المالي.

ويحظر على المؤسسات المالية السورية فتح مكاتب في أستراليا أو شراء أسهم في البنوك الأسترالية، كما يمنع المؤسسات المالية الأسترالية من إقامة علاقات مصرفية مع نظيراتها السورية.

ويتضمن النظام أيضاً تجميد أصول وحظر سفر للأشخاص والكيانات المدرجة على قائمة العقوبات، إضافة إلى حماية الممتلكات الثقافية السورية التي تم نقلها بشكل غير قانوني بعد 15 مارس 2011.

إعادة إعمار سوريا يحتاج إلى رفع العقوبات الاقتصادية
"رسائل إيجابية".. هل اقترب رفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا؟
تسير الولايات المتحدة بخطوات متأنية في التعامل مع التطورات الأخيرة في سوريا، فيما أجرت مساعدة وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى باربارا ليف مع مسؤولين من هيئة تحرير الشام لمناقشة المبادئ التي اتفقت عليها الولايات المتحدة وشركاؤها في العقبة.

أهمية رفع العقوبات عن سوريا

انطلاقاً من تحليل المجلس الأوروبي للشؤون الدولية، تتجلى أهمية رفع العقوبات عن سوريا في عدة جوانب رئيسية؛ فعلى المستوى الإنساني، من شأن تخفيف العقوبات الاقتصادية أن يساهم في تخفيف المعاناة عن الشعب السوري، خاصة في ظل ارتفاع معدلات التضخم ونقص السلع الأساسية والأدوية. 

واعتبر المصدر ذاته، أن العقوبات الاقتصادية الشاملة، رغم أهدافها السياسية، قد ألقت بظلالها الثقيلة على حياة المواطنين العاديين.

وعلى جانب آخر، يشير التحليل إلى أن رفع العقوبات تدريجيا يمثل رسالة إيجابية للمجتمع الدولي بأن الغرب يستخدم العقوبات كأداة للتغيير وليس للعقاب فقط، موضحا أنه عندما تتحقق الأهداف المرجوة، يجب أن يكون هناك استعداد لتخفيف هذه الإجراءات، مما يعزز مصداقية السياسة الغربية ويشجع دولاا أخرى على الامتثال للمعايير الدولية.

كما أن رفع العقوبات بشكل مدروس ومتدرج سيتيح للدول الغربية فرصة المشاركة في إعادة إعمار سوريا والتأثير في مسارها المستقبلي.

ويوضح المصدر ذاته، أنه بدلا من ترك الساحة مفتوحة لدول مثل روسيا والصين وتركيا، يمكن للغرب أن يلعب دورا إيجابيا في دعم الاستقرار والتنمية في سوريا، مع الحفاظ على نفوذه السياسي والاقتصادي.

واعتبر التحليل أن إعادة دمج سوريا في النظام المالي العالمي من خلال رفع العقوبات عن البنك المركزي والمؤسسات المالية سيسهل تدفق المساعدات الإنسانية وتمويل مشاريع إعادة الإعمار، مما سيساعد في تحفيز الاقتصاد السوري وخلق فرص عمل واستقرار البلاد ومنع موجات جديدة من الهجرة، وهو ما يصب في مصلحة جميع الأطراف المعنية.

التأثير على المساعدات الإنسانية

وسلط تقرير لهيومن رايتس ووتش، صدر العام الماضي، الضوء على تأثير العقوبات الغربية على سوريا، خاصة في أعقاب زلزال فبراير 2023، حيث يوضح أن العقوبات، رغم تضمنها استثناءات إنسانية، ما زالت تعيق قدرة المنظمات الإغاثية على الاستجابة للاحتياجات الإنسانية الهائلة في سوريا.

ويشير التقرير إلى أن 90 في المئة من السوريين يعيشون تحت خط الفقر، و14.6 مليون سوري بحاجة إلى مساعدات إنسانية، في حين تواجه المنظمات الإغاثية تحديات بيروقراطية معقدة وعقبات مالية بسبب العقوبات.

ويبين تقرير المنظمة الحقوقية الدولية أن المشكلات الاقتصادية في سوريا تعود بشكل رئيسي إلى الدمار الناجم عن الحرب وفساد النظام، لكن العقوبات فاقمت الوضع من خلال تقييد الواردات الأساسية وإعاقة التحويلات المالية والمعاملات المصرفية.

وقد أدى "الأثر المخيف" للعقوبات إلى امتناع المؤسسات المالية والشركات الخاصة عن التعامل مع سوريا حتى في القطاعات غير المشمولة بالعقوبات، مما أثر سلباً على العمليات الإنسانية.

واختتم التقرير بتوصيات لإلغاء العقوبات بهدف تحسين حياة المدنيين وتسهيل عمل المنظمات الإغاثية والإنسانية وتوسيع نطاقها، ودعم إعادة الإعمار.

خبراء يرون أن نهج التعامل مع فلول النظام السابق مفتاح مستقبل الاقتصاد السوري (AFP)
خبراء يرون أن نهج التعامل مع فلول النظام السابق مفتاح مستقبل الاقتصاد السوري (AFP)

تدقق الحكومة السورية الجديدة في إمبراطوريات الشركات التي تبلغ قيمتها مليارات الدولارات والمملوكة لحلفاء الرئيس المخلوع بشار الأسد، وأجروا محادثات مع بعض هؤلاء الأثرياء فيما يقولون إنها حملة لاستئصال الفساد والنشاط غير القانوني.

بعد تولي السلطة في ديسمبر، تعهدت جماعة هيئة تحرير الشام، التي تدير سوريا الآن، بإعادة إعمار البلاد بعد حرب أهلية وحشية استمرت 13 عاما وكذلك بإنهاء النظام الاقتصادي شديد المركزية والفاسد الذي هيمن عليه أتباع الأسد.

ولتحقيق هذه الأهداف، شكلت السلطة التنفيذية بقيادة الرئيس الجديد في المرحلة الانتقالية أحمد الشرع لجنة مكلفة بتحليل المصالح التجارية المتشعبة لكبار رجال الأعمال المرتبطين بالأسد مثل سامر فوز ومحمد حمشو، حسبما ذكرت ثلاثة مصادر لرويترز.

ووفقا لمراسلات اطلعت عليها رويترز بين مصرف سوريا المركزي والبنوك التجارية، فإن الإدارة الجديدة أصدرت أوامر بعد أيام من السيطرة على دمشق تهدف إلى تجميد الأصول والحسابات المصرفية للشركات والأفراد المرتبطين بالأسد، وشملت في وقت لاحق على وجه التحديد أولئك المدرجين على قوائم العقوبات الأميركية.

لقاءات مع "حيتان الأسد"

وذكر مسؤول حكومي ومصدران سوريان مطلعان على الأمر، طلبوا عدم الكشف عن هويتهم، أن حمشو وفوز، وهما اثنان من حيتان المال في عهد الأسد، عادا إلى سوريا من الخارج والتقيا بشخصيات بارزة في هيئة تحرير الشام في دمشق في يناير.

وتفرض الولايات المتحدة عقوبات على حمشو وفوز منذ عامي 2011 و2019 على الترتيب.

وأوضحت المصادر الثلاثة أن الرجلين، اللذين يثيران استهجان العديد من السوريين العاديين بسبب علاقاتهما الوثيقة مع الأسد، تعهدا بالتعاون مع جهود تقصي الحقائق التي تبذلها القيادة الجديدة.

وتتهم وزارة الخزانة الأميركية مجموعة أمان القابضة، التي يملكها فوز، بالتربح من الحرب في سوريا، وتتنوع أعمالها بين صناعة الأدوية وتكرير السكر والتجارة والنقل.

وبالمثل، فإن مصالح حمشو، التي تندرج تحت مجموعة حمشو الدولية واسعة النطاق، وتتراوح بين البتروكيماويات والمنتجات المعدنية إلى الإنتاج التلفزيوني.

ولم يستجب حمشو، الذي اتهمته وزارة الخزانة الأميركية بأنه واجهة للأسد وشقيقه ماهر، لطلب من رويترز للتعليق. ولم يتسن الوصول إلى فوز للتعقيب.

ولم يسبق الإعلان عن إنشاء اللجنة، التي لا يُعرف أعضاؤها، أو المحادثات بين الحكومة السورية الجديدة واثنين من رجال الأعمال اللذين ربطتهما صلات وثيقة بحكومة الأسد ويسيطران على قطاعات كبيرة من الاقتصاد السوري.

ويقول محللون ورجال أعمال سوريون إن النهج الذي ستتبعه الحكومة السورية الجديدة تجاه الشركات القوية المرتبطة بالأسد، والذي لم يتضح بالكامل بعد، سيكون أساسيا في تحديد مصير الاقتصاد في الوقت الذي تكافح فيه الإدارة لإقناع واشنطن وحلفائها برفع العقوبات.

وأكد وزير التجارة ماهر خليل الحسن ورئيس هيئة الاستثمار السورية أيمن حموية لرويترز أن الحكومة على اتصال ببعض رجال الأعمال المرتبطين بالأسد دون تحديدهم أو الخوض في تفاصيل.

وأكد خلدون الزعبي الذي تعاون مع فوز لفترة طويلة أن شريكه أجرى محادثات مع السلطات السورية لكنه لم يؤكد معلومة زيارته للبلاد.

وقال الزعبي من بهو فندق "فور سيزونز" في وسط دمشق، والذي تملك مجموعة فوز حصة أغلبية فيه، "أبلغهم فوز أنه مستعد للتعاون مع الإدارة الجديدة وتقديم كل الدعم للشعب السوري والدولة الجديدة. وهو مستعد للقيام بأي شيء يُطلب منه".

وقال المصدران السوريان إن فوز، الذي يحمل الجنسية التركية، غادر دمشق بعد المحادثات. ولم يتسن لرويترز التأكد من مكان حمشو.

"اقتصاد البلد في أيديهم"

فرضت الولايات المتحدة عقوبات على فوز وحمشو وآخرين ممن لعبوا دورا اقتصاديا بارزا، ومن بينهم ياسر إبراهيم، أكثر مستشار حظي بثقة الأسد.

ويقول محللون سوريون إن نحو 12 رجلا يشكلون الحلقة الضيقة من أباطرة الأعمال المرتبطين بالنظام السابق، ويعتبرهم المسؤولون الحكوميون، الذين عينتهم هيئة تحرير الشام، أشخاصا محل اهتمام.

وأمرت السلطات السورية الشركات والمصانع التابعة أو المرتبطة بأباطرة الأعمال بمواصلة العمل تحت إشراف سلطات هيئة تحرير الشام بينما تحقق اللجنة في أعمالها المختلفة.

وقال وزير التجارة لرويترز خلال مقابلة في أوائل يناير إن "سياستنا هي السماح لموظفيهم بمواصلة العمل وتوريد السلع إلى السوق مع تجميد تحركات أموالهم الآن".

وأضاف "إنه ملف ضخم. اقتصاد البلد في أيديهم (حلفاء الأسد من رجال الأعمال). ما فيك تقول لهم يفلو"، موضحا أن الحكومة الجديدة لا تستطيع تجنب التعامل معهم.

وذكرت مصادر مطلعة بشكل مباشر أن مجموعة حمشو الدولية من ضمن الشركات التي وُضعت تحت إشراف هيئة تحرير الشام.

ووجدت رويترز خلال زيارة قامت بها في أواخر يناير أن القليل من العمل كان يجرى في مقر المجموعة الحديث متعدد الطوابق في دمشق حيث تعرضت بعض المكاتب للنهب عقب سقوط الأسد.

وقال موظف، طلب عدم نشر اسمه، إن الموظفين تلقوا تعليمات بالتعاون الكامل مع الإدارة السورية الجديدة، التي يزور أفراد منها الشركة بانتظام سعيا للحصول على معلومات.

ويقول بعض خبراء الاقتصاد إن الوضع الاقتصادي المزري في البلاد يجبر الشركات المحلية الكبرى على مواصلة العمل بغض النظر عمن قد تكون تابعة له.

وتقول الأمم المتحدة إن 90 بالمئة من السوريين يعيشون تحت خط الفقر.

ورغم توافر السلع الأساسية قليلا بعد رفع القيود التجارية الصارمة عقب سقوط الأسد، لا يزال العديد من السوريين يجدون صعوبات في تحمل تكلفتها.

وقال كرم شعار مدير شركة استشارات اقتصادية تركز على سوريا وتحمل اسمه "على السلطات السورية توخي الحذر قبل شن حملة صارمة على فلول النظام السابق لأن هذا قد يؤدي إلى نقص كبير (في السلع)".

"أكبر قدر ممكن من العدالة"

قال رجلا أعمال بارزان والمسؤول الحكومي إن العديد من الأثرياء السوريين لم يكن لديهم وقت للتصرف في أصولهم المحلية أو نقلها بسبب سرعة سقوط الأسد وهروبه في الثامن من ديسمبر إلى روسيا، مما أعطى الإدارة السورية الجديدة فرصة لاستغلال ذلك بقوة في التعامل معهم. وتم تجميد أصولهم منذ ذلك الحين.

لكن عدم تعامل سلطات هيئة تحرير الشام بشفافية مع الأباطرة وأعمالهم التجارية يهدد بردود فعل عكسية.

وقال شعار الذي يدعو إلى اتباع مسار قانوني صارم "النهج العام تجاه فلول نظام الأسد غير واضح وقد يعتمد على الفاعل وعلى مقدار الدعم الذي يتمتعون به أيضا".

واعترف رئيس هيئة الاستثمار السورية أيمن حموية، الذي عُين للتعامل مع المستثمرين الأجانب المحتملين وتقديم المشورة للسلطات الحاكمة الجديدة بشأن السياسة الاقتصادية، بالمخاوف الشعبية بشأن مستقبل الشركات المرتبطة بالنظام والتي تتفاوت في الحجم والأهمية.

وقال إن رجال الأعمال العاديين، الذين أجبروا على دفع رشاوى أو العمل مع النظام، ليسوا تحت نظر الإدارة الجديدة.

لكنه أضاف أن العملية ستكون مختلفة بالنسبة لقلة ممن أقاموا شراكات مع الأسد وحققوا ثروات على حساب الدولة وقاموا بأنشطة غير قانونية.

فماهر شقيق الأسد على سبيل المثال، الذي تقول الولايات المتحدة إنه كان على صلة بحمشو، يدير الفرقة الرابعة للجيش السوري التي ارتبطت فيما بعد بإنتاج عقار الكبتاغون المشابه للأمفيتامين.

وقال حموية "إذا تغلبت على أحد (أباطرة الأعمال) أو سجنته، فمن المستفيد؟ عليك أن تعمل ببطء، ومع اللجان والمعلومات والتحقيقات حتى تحقق أكبر قدر ممكن من العدالة".

وذكر الزعبي، الذي حافظ على علاقات مع بعض جماعات المعارضة السورية إلى جانب شراكته مع فوز، أنه فهم من تعاملاته مع الإدارة الجديدة أنها تسعى إلى اتباع نهج "التفاهم".

وأضاف "أنا متفائل بأن الإدارة الجديدة لا تشخصن الأمور".