أحمد الشرع زعيم هيئة تحرير الشام الإسلامية في سوريا
الولايات المتحدة بدأت حوارا مع القيادة الجديدة في سوريا وعلى رأسها أحمد الشرع المعروف سابقا بأبي محمد الجولاني

أعلنت مساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط باربرا ليف، الجمعة، أن بلادها قررت إلغاء المكافأة المالية البالغة 10 ملايين دولار التي كانت مرصودة لأي معلومات تؤدي للقبض على أحمد الشرع، المعروف باسم أبو محمد الجولاني، زعيم هيئة تحرير الشام التي قادت عملية الإطاحة بنظام الرئيس بشار الأسد.

جاء هذا الإعلان بعد لقاء وفد دبلوماسي بقيادة ليف مع الشرع في دمشق، في زيارة هي الأولى لدبلوماسيين أميركيين منذ سقوط نظام الأسد.

وأكدت ليف أن القرار تم اتخاذه في سياق سياسي جديد يعكس تغير الأولويات الأميركية في سوريا، مشيرة إلى أن الاجتماع مع الشرع كان "جيداً" ويركز على الانتقال السياسي في البلاد وضمان القضاء على التهديدات الإرهابية.

ما هي قصة المكافأة؟

في أعقاب سقوط نظام صدام حسين عام 2003، توجه الجولاني إلى العراق وانضم إلى تنظيم القاعدة بقيادة أبو مصعب الزرقاوي. وخلال تلك الفترة، اعتقلته القوات الأميركية وسُجن لخمس سنوات.

مع اندلاع الثورة السورية عام 2011، كُلف من قبل قيادة داعش في العراق بتأسيس فرع في سوريا. فعاد الجولاني وأسّس تنظيم جبهة النصرة، التي تطورت لاحقاً إلى هيئة تحرير الشام.

عام 2013، ومع اتساع رقعة الحرب في سوريا، أدرجت الولايات المتحدة اسم أحمد الشرع على قائمة الإرهابيين العالميين. إذ مثلت جبهة النصرة، التي كان يقودها آنذاك، فرع تنظيم القاعدة في سوريا، ونُسبت إليها هجمات انتحارية وحملات عسكرية تسببت في مقتل آلاف المدنيين، وذلك وفقاً لتقارير صادرة عن وزارة الخارجية الأميركية.

تقارير عدة، بينها تقرير لمركز "ستراتفور" للتحليلات الاستراتيجية (2013)، أكدت أن الجولاني كان يُنظر إليه كأحد أركان المشروع الإقليمي لتنظيم القاعدة. وأن واشنطن استندت في قرارها إلى دوره المحوري في توسع النصرة، حيث أعلن في إحدى مقابلاته أنه وسّع التنظيم من بضعة رجال إلى آلاف المقاتلين في غضون أشهر.

في 2016، أعلن الجولاني انفصال جبهة النصرة عن تنظيم القاعدة وتغيير اسمها إلى "جبهة فتح الشام"، قبل أن تتحول لاحقاً إلى هيئة تحرير الشام. كان هذا الإعلان نقطة تحول في مسيرته، حيث حاول تقديم جماعته كمكوّن سوري مستقل يسعى لتحرير البلاد من نظام الأسد، متخلياً عن أجندة القاعدة العالمية.

لكن الخارجية الأميركية لم تقتنع. وفي بيان لاحق، وصفت الخطوة بأنها "مناورة تكتيكية" تهدف إلى تحسين صورة الجولاني أمام المجتمع الدولي، وفقاً لما أوردته صحيفة "نيويورك تايمز" في 2016.

عام 2017 رصدت واشنطن مكافأة مالية قدرها 10 ملايين دولار للحصول على معلومات تقود إلى اعتقاله. وجاء هذا القرار في سياق استراتيجيتها لمحاربة الإرهاب في الشرق الأوسط، وفي ظل تنامي تهديد الجماعات المتطرفة العابرة للحدود.

مع تراجع داعش وانهيار معاقله، برزت هيئة تحرير الشام كأقوى الفصائل المسلحة في شمال غربي سوريا. وأنشأ الجولاني "حكومة الإنقاذ" لإدارة إدلب، محاولًا كسب تأييد محلي ودولي. لكن واشنطن واصلت تصنيفه كإرهابي، مؤكدة أنه ما زال يشكل تهديدًا للسلم الإقليمي.

في 2021، ظهر الجولاني في مقابلة تلفزيونية مع برنامج "فرونت لاين" على محطة بي بي إس الأميركية، نافياً تورطه في عمليات خارج سوريا، ومعتبراً أن تصنيفه كإرهابي أمرٌ "غير عادل". ومع ذلك، لم تغير الولايات المتحدة موقفها.

القرار الأميركي بإلغاء المكافأة المفروضة على الجولاني يعكس تغيراً في النهج، وسط ديناميكيات سياسية وأمنية جديدة في سوريا. وقد يكون الاجتماع الأخير جزءاً من محاولة واشنطن لإعادة ضبط توازن القوى في المنطقة، مستغلة نفوذ الجولاني في إدلب لإعادة رسم خارطة المصالح المشتركة.

مشهد عام من مدينة دمشق - رويترز
مشهد عام من مدينة دمشق - رويترز

التوجه نحو "الخصخصة" في سوريا قد يكون الخيار الوحيد المتاح لدفع العجلة الاقتصادية في سوريا وتحريك عمل المؤسسات المتهالكة، لكن في المقابل يجب أن تكون هذه العملية مبنية على شروط وإجراءات، وإلا.. "ستكون مدخلا للفساد"، وفقا لخبراء وباحثين.

وبعد سقوط نظام الأسد ألمح مسؤولو الإدارة الجديدة في دمشق إلى نواياهم المتعلقة بهذا الصدد، وبينما أشاروا أولا إلى اعتزامهم "تبني نموذج السوق الحر" كشفوا قبل يومين عن خطط يفكرون بها بالفعل.

هذه الخطط تطرق لها وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، قائلا لـ"فاينانشال تايمز"، الأربعاء، إن الإدارة السورية الجديدة تخطط لخصخصة الموانئ والمصانع الحكومية، وتسعى لجلب الاستثمارات الأجنبية وتعزيز التجارة الخارجية.

يهدف هذا المسعى، بحسب الشيباني لإجراء إصلاحات اقتصادية وإنهاء عقود من الزمن كـ"دولة منبوذة".

لكن الوزير أشار في المقابل إلى تحديات تتمثل بإيجاد مشترين للمؤسسات التي كانت في حالة "تدهور" لسنوات في بلد "محطم ومعزول عن الاستثمار الأجنبي".

ما "الخصخصة"؟

"الخصخصة" هي عملية تحويل ملكية أو إدارة الأصول والخدمات التي تمتلكها الدولة (مثل الشركات الحكومية أو الموانئ) إلى القطاع الخاص بهدف تحسين الكفاءة، جذب الاستثمار، وتقليل العبء المالي على الدولة.

وتشمل عادة، كما يوضح الباحث الاقتصادي، مخلص الناظر، بيع أصول الدولة إلى مستثمرين من القطاع الخاص أو إدخال شراكات بين القطاعين العام والخاص.

لهذه العملية 3 مراحل تبدأ من "تحليل الأصول"، أي بمعنى تحديد القطاعات المؤهلة للخصخصة ودراسة جدواها الاقتصادية، وتليها عملية إعداد السياسات والتشريعات.

وبعد المرحلتين المذكورتين يتم تحديد القيمة السوقية للأصول من خلال دراسات مالية واقتصادية، وفقا للناظر.

الباحث يرى أن "الخصخصة أداة اقتصادية يمكن أن تكون فعالة لتحسين أداء الاقتصاد السوري، لكنها تحتاج إلى تنفيذ مدروس ومُحكم لضمان تحقيق الفوائد الاقتصادية دون تفاقم المشكلات الاجتماعية أو الاقتصادية".

و"إذا لم يتم التعامل مع هذه العملية بشفافية وعدالة، فقد تُسهم في زيادة الفقر وتفاقم الأزمات"، وفقا لما يشير إليه.

"فرص ومخاوف"

بلغة الأرقام فقد تقلص الناتج المحلي الإجمالي السوري بنسبة تزيد عن 50 بالمئة بين 2010 و2020، وأعيد تصنيف سوريا دولة منخفضة الدخل منذ 2018.

كما انخفضت قيمة العملة المحلية، وارتفعت معدلات الفقر، وباتت البلاد الآن بين الدول الـ 10 الأكثر انعداما للأمن الغذائي عالميا.

علاوة على ذلك، كان البنك الدولي قدّر الخسائر التراكمية للناتج المحلي الإجمالي السوري بين 2011 و2016 بحوالي 226 مليار دولار، وهو ما يفوق الناتج المحلي لسوريا في 2010 بأربع مرات.

ويقول الباحث والأكاديمي الاقتصادي السوري، فراس شعبو: "لدينا في سوريا الكثير من المؤسسات الفاشلة والمتهالكة. تكاليفها أكثر من إيراداتها".

ويضيف شعبو لموقع "الحرة" أن "الإدارة الجديدة عاجزة تماما عن إدارة كل شيء في البلد. لا مقومات ولا قدرة"، وعلى أساس ذلك من الطبيعي أن تلجأ إلى "الخصخصة"، على حد قوله.

هذه العملية ورغم أنها لم تكن معلنة على الملأ في عهد نظام الأسد المخلوع، إلا أن حكومته لجأت إليها بالتدريج خلال السنوات الماضية.

وكان ما سبق قد انعكس بمراسيم تشريعية وبقرارات فتحت الباب أمام مستثمرين داخليين وخارجيين للانخراط في قطاعات سيادية.

من بين هذه القطاعات مرفأ طرطوس الذي استثمرته شركة روسية لمدة 49 عاما، وأعلنت الإدارة الجديدة قبل أيام إلغائه من طرف واحد.

وتوجد أمثلة أخرى، بينها الاستثمارات الخاصة والمرتبطة بشركات، والتي استهدفت قطاعي الاتصالات والكهرباء. وأخيرا مطار دمشق الدولي.

ويعتبر الباحث شعبو أن "الخصخصة هي الحل المتاح حاليا في سوريا في ظل غياب الموارد والمساعدات".

لكنه في المقابل يشير إلى "إيجابيات وسلبيات" تكمن وراء التوجه نحو هذه العملية.

ولكي تسود الإيجابيات يجب أن "تضع الحكومة شروطا ناظمة لعملية الخصخصة، وحرصا على أن لا تتحول إلى بيع أصول وشروط إذعان"، وفقا لقول شعبو.

مدير البرنامج السوري في "مرصد الشبكات السياسية والاقتصادية"، والدكتور في الاقتصاد، كرم شعار ومن جانبه يسلط الضوء على "مخاوف" تتعلق بشق قانوني.

ويوضح لموقع "الحرة" أن "حكومة تسيير الأعمال الحالية ليس من صلاحياتها أن تتخذ قرارات بهذا الحجم (الخصخصة)".

كما يقول إن "هذه العملية مرتبطة بشكل الدولة.. وبقرار جميع السوريين".

هل من تجارب سابقة؟

المخاوف ذاتها التي أشار إليها الباحث شعار تطرق إليها أستاذ القانون الدستوري السوري، سام دلة في منشور له على "فيس بوك"، يوم الخميس.

ويوضح دلة أن "أي حكومة لا تملك الحق بالتصرف بهذه الأصول (التابعة للدولة) إلا بناء على تفويض واضح من أصحاب الحق ويضمن عدالة إعادة توزيع الموارد المُخصخصة".

ولا يكفي أن يكون هذا التفويض نتاج عملية ديمقراطية (حرة وعادلة) وإنما أن تتم ممارسته في إطار حوكمي يضمن المشاركة والشفافية ويفرض المساءلة، وفق دلة.

ويؤكد أن "الخصخصة تحتاج بداية بناء مؤسسات الدولة/دولة قانون: لاسيما قضاء كفء وعادل، وإدارة حكومية كفؤة وغير فاسدة".

وفي حال كانت العملية خارج الإطار المذكور ستكون "مجرد بيع لأصول الدولة وخلق (أوليغارشية) تسيطر على المجتمع وتحكم الدولة"، بحسب دلة الذي لفت إلى المثال الروسي.

وتقول التجارب السابقة إن اللجوء إلى "الخصخصة" في الدول التي تشهد مستويات مرتفعة من الفساد وتكتل الثروة بأيدي أطراف محددة دون وجود عدل في توزيع الثقل السياسي تكون "مدخلا مذهلا للفساد"، بحسب شعار.

وبينما يضيف الباحث وهو مدير البرنامج السوري في "مرصد الشبكات السياسية والاقتصادية" أن ما سبق تعكسه حالة ألمانيا بعد انهيار جدار برلين وما حصل في روسيا أيضا يوضح أن الأمر لم ينسحب على بريطانيا مثلا.

ويتابع: "في بريطانيا ورغم الإشكاليات التي كانت تعاني منها لم تكن عملية التوجه فيها نحو الخصخصة مدخلا للفساد".

وارتبطت الحالة، حينها، بالشروط والإجراءات والبرنامج الاقتصادي الليبرالي الذي سارت عليه، رئيسة الوزراء مارغريت تاتشر، في ثمانينيات القرن الماضي.

"فتح أبواب"

ولا يزال عمل الحكومة الجديدة في دمشق حتى الآن ضمن إطار مؤقت.

ومن المقرر أن تتشكل حكومة دائمة في شهر مارس المقبل، بحسب تصريحات سابقة لمسؤولين في الإدارة الجديدة.

من ناحية أخرى، وفي وقت تعيش فيه سوريا أزمات اقتصادية ومالية وتعاني مؤسسات من حالة ترهل كبيرة تواجه في المقابل معضلة تتعلق بإرث العقوبات الدولية التي تركها نظام الأسد قبل سقوطه.

وقد يكون ما سبق عائقا أمام التحول باتجاه عملية "الخصخصة"، بحسب الباحث الاقتصادي، شعبو.

وبالإضافة إلى ذلك يوضح أن التحول أيضا بحاجة "مؤسسات قوية وقادرة على فرض شروطها" من أجل منع تشكل اللوبيات والاحتكار.

كما يؤكد شعبو على فكرة أن تكون "الخصخصة مدروسة لا عشوائية"، مع مراعاة تشغيل الإيرادات وتشغيل العمالة وتحسين القطاعات التي تستهدفها.

وفي تقرير البنك الدولي بعنوان "مراقبة الاقتصاد السوري: الجيل الضائع" الصادر في يونيو 2022، تم التأكيد على أن النزاع المستمر منذ عقد قد دمر مكاسب التنمية في سوريا، حيث انخفض النشاط الاقتصادي بنسبة 50 بالمئة بين 2010 و2019.

كما أن التضخم المرتفع أثر بشكل غير متناسب على الفقراء والفئات الضعيفة.

وبالإضافة إلى التأثيرات المباشرة للنزاع، يعاني الاقتصاد السوري من آثار جائحة كورونا، الأزمات الإقليمية، والاضطرابات الاقتصادية العالمية.

ولا يعرف حتى الآن ما إذا كان المستثمرون الأجانب سيأتون إلى سوريا أم لا، كما يشير الباحث شعبو.

ويقول: "إذا لم ترفع العقوبات وبدأنا نرى حالة من الاستقرار سيكون دخول المستثمرين أمرا سابقا لأوانه".

ومع ذلك، يرى الباحث أن خطوة التحول نحو الخصخصة التي كشف عنها الشيباني بمثابة "فتح الباب على مصراعيه للمستثمر الداخلي والخارجي"، وهو الأمر الذي اتبعته الإمارات سابقا وتعمل عليه تركيا.